الشباب والعمل
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك،
وأشهد أن لا إلاه إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم على ذكره.
أما بعد فيا عباد الله، قال الله تعالى في كتابه الكريم:” ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون”، وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام البخاري عن المقدام رضي الله عنه: “ما أكل امرؤ طعاماً خيراً من عمل يده، وإنّ نبي الله داود كان يأكل من عمل يده”، وعن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان إذا نظر إلى رجل فأعجبه قال: هل له حرفة؟ فإن قالوا لا، قال: سقط من عيني، قيل: ولم ذاك يا رسول الله؟ قال لأن المؤمن إذا لم يكن له حرفة يعيش بدينه”.
أيها الإخوة الكرام، في إطار سلسلة الخطب التي نخصصها هذه الأيام لملامسة بعض قضايا الشباب، وعلاقة باحتفال العالم بعيد الشغل، ونظرا لوصية غالية من رسول الله الذي وصانا بالشباب حين قال:” استوصوا بالشباب خيراً فقد نصرنى الشباب وخذلنى الشيوخ”، فإن خطبة هذا اليوم سنخصصها للشباب والعمل، وذلك لكون هم العمل، وإيجاد فرصة عمل وشغل، من أهم الإشكاليات التي تؤرق الكثير من الشباب، حيث يلاحظ بشكل عام انتشار البطالة في صفوف بعض الشباب، وانتشار حالة اللامبالاة بينهم، بل والارتماء أحيانا في متاهات الغواية أو الأنشطة اللامسئولة، والشعور بالإحباط النفسي، والعيش تحت الفقر والحاجة والحرمان، وتخلف الأوضاع الصحية، والتأخّر عن الزواج وإنشاء الأسرة، والعجز عن تحمُّل مسؤولية الأسرة وغيرها، وإذا أمعنا النظر في شباب مجتمعنا في علاقتهم بالعمل نجد فيهم الشباب الصالح الذي يسعى للتعلم ولتأهيل نفسه يحصلون الكفاءات، ويمضون شطرا مهما من حياتهم في الدراسة والتخصص، واكتساب الخبرات العملية ويطمحون لتحقيق مستقبل مريح، يطرقون كل الوسائل المتاحة دون كلل أو تعب إلى أن يصلوا إلى مقصودهم في يوم من الأيام، وهم في كل ذلك متوكلون على ربهم وخالقهم ومحسنون الظن به في أنهم سيظفرون بعمل لائق، ولايهمهم أن يكون هذا العمل وظيفة أو حرفة، أو عملا حرا يحترفونه ويذخرون منه رزقا، ولايهمهم أن يكون هذا العمل مشروعا من المشروعات الصغيرة التي يشقون بها طريقهم نحو العمل، فهذه الفئة ثبت نجاحها والحمد لله، ونجد فيهم الشاب الذي يجعل كل همه الحصول على شواهد وديبلومات أيا كانت الطريقة إليها حلالا أو حراما، وذلك للظفر بعمل أو وظيفة، وإذا حصل واختبرت هذا الشاب في تكوينه تجده ضعيفا، فمن المشاكل الحقيقية التي يعاني منها هذا الصنف تدني مستوى خريجيه سواء فى التعليم قبل الجامعي أو العالي، ونجد فيهم الشباب الذي استسلم لمغريات المراهقة ومغامراتها فلا يسعى لتأهيل نفسه ولا يحب أن يعمل، يحب أن يغتني سريعا دون تعب وأن يصل سريعا لتحقيق طموحاته دون عناء، وفي الغالب هؤلاء يختارون الطرق الحرام للاغتناء، فتجدهم يقطعون الطريق ويتاجرون في المخدرات وأقراص الهلوسة أو امتهان السرقة والدجل والاحتيال وغيرها، ونجد فيهم أيضا شباب لايؤهل نفسه ويحب أن يعمل في أحسن الوظائف، يعرفون بقلة الحماس في التفكير في المستقبل أو التخطيط له، والأكثر من ذلك تجد هؤلاء يحاسبون والديهم والمجتمع من حولهم أنهم لم يجدوا لهم عملا، هذا مع توفر فرص العمل أينما توجهت أو حللت وارتحلت، فإلى وقت قريب أيها الإخوة والأخوات كان شباب مجتمعنا يطرق كل الأسباب ليصل إلى الضفة الأخرى بأوربا من أجل العمل، ومنهم الكثير ممن مات غرقا دون تحقيق مبتغاه، وهاأنتم ترون اليوم أن هذه الهجرة أصبحت عكسية، حيث أصبح الكثير من الغربيين والأفارقة والمشارقة أيضا يقصدون بلادنا للعمل، فلا ينبغي بعد اليوم أن نقول: إن فرص العمل غير متاحة، فالخلل فيك أيها الشاب إن لم تجد عملا، فكل من سار على الدرب وصل كما يقول الحكيم، فما هي إذن أضرار البطالة بصفة عامة؟ وماهي تعليمات ديننا الإسلامي لحث الشباب على العمل والبحث عن أسبابه؟
أيها الإخوة الكرام، تعتبر فئة الشباب في أي مجتمع من أبرز الشرائح الفاعلة فيه والقادرة على العطاء لما تمتلكه من طاقات نفسية وجسمية وحماس واندفاع كبيرين، والشباب هم أساس النهضة والتقدم وعصب الأمة وروحها وقلب الوطن النابض وساعده القوي، وهم معيار تقدم الوطن أو تأخره، فهم الطاقه القادرة على العطاء وبسواعدهم تُصنع حضارة الأمم والشعوب فهم قوة الحاضر وأمل المستقبل ورأس المال البشري الذي يتمتع بمستويات وخصائص عالية من المهارة والكفاءة والقدرة علي الابتكار والإبداع، ويمثل الشباب قطاع كبير من المجتمع، وجيل الشباب هو جيل العمل والإنتاج، لأنه جيل القوة، والطاقة، والمهارة، والخبرة.
أيها الإخوة الكرام، لا يختلف اثنان كون البطالة مشكلة اقتصادية، كما هي مشكلة نفسية، واجتماعية، وأمنية، وسياسية، وتفيد الإحصاءات العلمية أنَّ للبطالة آثارها السيئة على كل هذه المجالات، وقد حلَّل الإسلام مشكلة الحاجة المادية والبطالة تحليلاً نفسياً، كما حلَّلها تحليلاً مادياً، يقول الإمام علي رضي الله عنه:” إنَّ النفسَ اذا أحرزت قُوَّتها استقرَّت واطمأنت وتفرغت للعبادة”، وهذا النص يكشف العملية التحليلية للعلاقة بين الجانب النفسي من الإنسان وبين توفّر الحاجات المادية، وأثرها في الاستقرار والطمأنينة، وأن الحاجة والفقر يسببان الكآبة والقلق وعدم الاستقرار، وما يستتبع ذلك من مشاكل صحية معقَّدة، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد فياعباد الله، يقول الله تعالى:”وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم لياكلون الطعام ويمشون في الأسواق”، يقول العلامة ابن كثير في تفسير هذه الآية: يقول الله تعالى مخبرا عن جميع من بعثه من الرسل المتقدمين أنهم كانوا ياكلون الطعام ويمشون في الأسواق للتكسب والتجارة.
أيها الإخوة الكرام، البطالة هي السبب الأوَّل في الفقر والحاجة والحرمان، لذلك دعا الإسلام إلى العمل، وكره البطالة والفراغ، بل وأوجب العمل من أجل توفير الحاجات الضرورية للفرد، لإعالة من تجب إعالته، ولكي يكافح الإسلام البطالة دعا إلى الاحتراف، أي إلى تعلّم الحِرَف، كالتجارة، والميكانيك، والخياطة، وصناعة الأقمشة، والزراعة، وغيرها.
ولقد وجَّه القرآن الكريم الأنظار إلى العمل والإنتاج وطلب الرزق، فقال عز وجل:” فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ”، وقال أيضاً: “فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ”، وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن ماجة والطبراني:” الكَادُّ عَلى عِيَاله كالمُجاهد في سَبيلِ الله”، وقال أيضا فيما رواه الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما:” إنَّ الله يُحبُّ المحترف الأمين”، وقال الإمام علي كرم الله وجهه: “إنَّ الأشياء لما ازدوجَت، تزوَجَ الكسلُ والعجز، فنتجَ بينهُما الفقر”، وحذر بعض الربانيين من البطالة والكسل والفراغ فقال:”إيَّاكَ والكسل والضجر، فإنَّهما يمنعانك من حَظِّك في الدنيا والآخرة”، وقد جسَّد الأنبياء والأئمة والصالحون رضوان الله عليهم هذه المبادئ تجسيداً عملياً، فكانوا يعملون في رعي الغنم، والزراعة، والتجارة، والخياطة، والنجارة وغيرها.
فما أجمل أن يهتم شبابنا وفتياتنا وطلابنا وطالباتنا بالعلم والإيمان والأخلاق والصلاة والرجولة الحقيقية والكرامة وبر الوالدين وقضايا الوطن المهمة وشؤون الأمة، فعلى شبابنا أن يهتم بالعمل والمذاكرة والعلم إن كان طالباً وأن يهتم بالإنتاج والعمل إن كان خريجاً وموظفاً، فما أجمل أن نأكل من عمل أيدينا وما أجمل أن نرى على منجاتنا المختلفة شعار: “صنع فى المغرب”، وأختم بقصة ورد فيها أن وفدا قدم على النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا أن عندهم رجلاً يقوم الليل والنهار فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من يعوله؟ قالوا: أخوه، قال: أخوه أعبد منه، والحمد لله رب العالمين.
الدعاء.