هديه صلى الله عليه وسلم في الأكل والشرب

هديه صلى الله عليه وسلم في الأكل والشرب

الأستاذ مولاي يوسف المختار بصير

الحمد لله، الحمد لله الذي أضاء الكون بنور الرسالة، وبعث في الناس رسولا من أنفسهم يحرص على خيرهم ويطهرهم مما تخلقوا به من جاهلية وسفاهة، نحمده تعالى ونشكره شكرا جزيلا يوافي نعمه، ويدفع عنا نقمه، ونشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ختم به النبوة والرسالة، وجعله أهلا للوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين آمنوا به وعزروه ونصروه وكانت لهم به أسوة حسنة، وسلم تسليما كثيرا. أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون والمومنات، ونحن في شهر مولد رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم، يجدر بنا أن نتأسى به في كل أحوالنا، فقد كانت حياته صلى الله عليه وسلم نموذجا يحتذى به في كل شؤون حياتنا، والإقتداء بها عبادة، سواء تعلق الأمر بالعبادات المأمور بها شرعا أم بالعادات التي أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينقلنا بها من حال الناس إلى طاعة وعبادة رب الناس، واليوم اخترت أن أحدثكم عن هديه صلى الله عليه وسلم في المأكل والمشرب، للتأسي به فأقول وبالله التوفيق، أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، الطعام والشراب حاجتان أساسيتان لا يمكن الاستغناء عنهما، وهما من أعظم نعم الله تعالى على عباده، وكثيراً ما ورد ذكر الطعام والشراب في آيات القرآن الكريم، لفتاً للأنظار، وموعظة وعبرةً للعباد، ليشكروا الله ويحمدوه على ما أنعم، قال تعالى: “فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ، إِنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا، ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا، فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا، وَعِنَبًا وَقَضْبًا، وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا، وَحَدَائِقَ غُلْبًا، وَفَاكِهَةً وَأَبًّا، مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ”، ولتحقيق التميز للأمة الإسلامية في الطعام والشراب، علمنا النبي صلى الله عليه وسلم بسنته القولية والفعلية كيف نتعامل مع هذه النعم، قبل البدء ينبغي أن نعلم أن النبي كان النبي صلى الله عليه وسلم كان يحرص على غسل يديه قبل الطعام وبعد الإنتهاء منه لقوله صلى الله عليه وسلم: “بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده”، ثم التسمية قبل البدء بالطعام والشراب، وذلك لما رُوي من حديث عمرو بن سلمة (ض) أنه قال: “كُنْتُ غُلَامًا في حَجْرِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ في الصَّحْفَةِ، فَقالَ لي رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يا غُلَامُ، سَمِّ اللَّهَ، وكُلْ بيَمِينِكَ، وكُلْ ممَّا يَلِيكَ”، فالتسمية عند بداية الطعام بقول: “بسم الله”، فإذا نسي المسلم التسمية في البداية، فليسمّ حين يتذكّر، ويقول: “بسم الله في أوله وآخره”. ثم يتناول الأكل والشرب باليمين، لما في الأكل والشرب بالشمال من التشبّه بالشيطان. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا أكَلَ أحدُكم فلْيَأكُلْ بيَمينِه، وإذا شَرِبَ فلْيَشرَبْ بيَمينِه، فإنَّ الشَّيْطانَ يَأكُلُ بشِمالِه، ويَشرَبُ بشِمالِه”، ولذكر الله تعالى عند الأكل أسرار، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ، فَذَكَرَ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ، قالَ الشَّيْطَانُ: لا مَبِيتَ لَكُمْ، وَلَا عَشَاءَ، وإذَا دَخَلَ، فَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ، قالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ المَبِيتَ، وإذَا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ طَعَامِهِ، قالَ: أَدْرَكْتُمُ المَبِيتَ وَالْعَشَاءَ”، ومن هدي النبي صلى الله عليه وسلم كذلك الأكل بثلاثة أصابعٍ، فقد كان صلّى الله عليه وسلّم يأكل بثلاثة أصابعٍ، قال ابن القيم في ذلك: “وهو أشرف ما يكون من الأكلة، فإن المتكبر يأكل بأصبع واحدة، والجشع الحريص يأكل بالخمس، ويدفع بالراحة”،  كما ثبت عنه النهي عن الأكل من فوق الطعام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا أكلَ أحدُكُم طعامًا، فلا يأكُلْ مِن أعلى الصَّحفَةِ، ولكنْ لِيأكلَ مِن أسفلِها، فإنَّ البرَكةَ تنزلُ مِن أعلاها”، وقال أيضا: “البَرَكَةُ تَنزِلُ وسَطَ الطعامِ، فكُلوا من حافَّتيهِ، ولا تأكُلوا من وَسَطِهِ، فإذا كان الإناء يحتوي طعاماً من نوعٍ واحدٍ، فالسنة أن يأكل ما يليه للحديث السابق، وإن احتوى أكثر من نوعٍ فلا بأس بأن يأكل من أعلى الإناء أو وسطه، ومن هديه صلى الله عليه وسلم الإحتياط من أن يقع الطعام على المائدة أو على الأرض، وأكل ما تناثر من الطعام، فإذا وقع من الطعام شيئاً، فليأخذه ويمسحه ثمّ يأكله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا ما وقعت لُقمةُ أحدِكُم فليُمِط عنها الأذى وليأكُلها، ولا يدَعْها للشَّيطانِ”، ومن هدي النبي صلى الله عليه وسلم الأكل مع الغير، كالزوجة والأولاد والضّيف وغيرهم، للبركة التي تتحصّل في ذلك، ومن هدي النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن التنفس في الإناء، ومثل ذلك التنفّس في الطعام والشراب، فكان ينتظر الطعام الساخن حتى يبرد، مع مراعاة تجنّب النفخ فيه،  وكان من هدي النبي صلّى الله عليه وسلّم في الطعام أنّه لا يردّ ما يُقدّم له، ولا يطلب ما يفقده، فما يقرّب له من الطعام يأكله إلّا أن تعافُه نفسه، فيردّه دون أن يعيبه، وكان يأكل معظم الطعام وهو جالس على الأرض، أو بالاجثاء على ركبتيه، وله هيئة أخرى في الجلوس للطعام بالجلوس على الرجل اليسرى، ونصب اليمنى، كما روى ذلك الصحابي أنس بن مالك (ض) ولم يكن صلّى الله عليه وسلّم يتخذ مائدة للطعام، ولم يكن يتكئ أثناء طعامه، روى ذلك البخاري في صحيحه عن الصحابي وهب بن عبد الله، أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: “إني لا آكلُ متَّكِئًا”، أي أنه لم يكن يعتمد على الوسادة في جلوسه، ولم يكن كذلك يأكل منبطحاً، أي غير مستلقي على بطنه أو وجهه، وكان يأكل ما يجده من الطعام، حتى وإن كان خلّاً، فإن لم يجد ما يأكله بات دون طعام، وربما ربط على بطنه حجراً من شدّة الجوع، وكان يُكرم جميع الأكل، وخاصّةً الخبز منه، ومن عظيم تواضعه أنّه كان يأكل بثلاثة أصابعٍ، ويلعقها حين يفرغ من الأكل، ومن عظيم شكره صلى الله عليه وسلم أنه لم يتكبّر في طعامه وشرابه، ولم يتكلّف بهما، فكان يأكل الحلوى والعسل، والرطب والتمر، وشرب اللبن لوحده ومخلوطاً بالقمح أو الشعير، وأكل اللبن مجففاً أيضاً، وأكل الخبز بالتمر وبالخل وبالزيت، وباللحم، وبالشحم المذاب، كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه فضل بعض الأطعمة على بعضها الآخر، ومن  الأطعمة التي فضّلها: البقل، والخيار، والقرع، والثريد، والظهر والكتف من اللحم، جعلني الله وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب، آمين وآخر دعوانا أن الحمد له رب العالمين.

الخطبــة الثانـيـة

أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون، إذا فرغ الإنسان من الطعام، وبقي شيءٌ يسيرُ منه لا يضرّه إن تناوله، فمن السّنة أن يأكله، فلا يعلم البركة أين تكون، وذلك أيضاً من سنّة النبي صلّى الله عليه وسلّم، وإذا وقع الذباب في الإناء كان يغمس جميع الذبابة، ثمّ ينزعه من الطعام، ويأكل الطعام دون أي حرج، حيث قال: “إذا وقَع الذُباب في شراب أحدكم، فليغمِسه ثم لينزعه، فإنّ في إحدى جَناحَيه داءً والأخرى شِفاءً”، وكذلك أمر الرسول صلّى الله عليه وسلّم بالزيادة من مقدار الطعام وإطعام الغير، ونهى عن أكل الثوم والبصل، وألحق العلماء بهما كلّ ما له رائحةً قد يتأذّى الناس منها، ومن آداب الطعام حمد الله في آخره، رُوي عن أبي سعيد الخدري (ض) أنه قال: “أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، كانَ إذا فرغَ من طعامِهِ قالَ الحمدُ للَّهِ الَّذي أطعمَنا وسقانا وجعلَنا مسلِمينَ”. ورُوي عن أبي أمامة الباهلي (ض) أنه قال: “أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ إذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ قالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، غيرَ مَكْفِيٍّ ولَا مُوَدَّعٍ ولَا مُسْتَغْنًى عنْه، رَبَّنَا”، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا أكل أحدُكم طعامًا فلْيَقُلْ: اللهمَّ بارِكْ لنا فيه، وأَطعِمْنا خيرًا منه”، وكان يقول أيضا: “الحَمْدُ لِلَّهِ الذي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا، وَكَفَانَا وَآوَانَا، فَكَمْ مِمَّنْ لا كَافِيَ له وَلَا مُؤْوِيَ”، وكان يقول أيضا: “الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعام ورزقنيه من غير حول منّي ولا قوة”، ومن هديه أيضا بعد الفراغ من الأكل أنّه كان يتسوّك،  فهذا أيها الإخوة المؤمنون هدي نبينا صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالأكل، سقناه من أجل الإهتداء به، لآننا أصبحنا في مجامعنا نرى رجالا ونساء لا يعلمون من هذا الهدي شيئا وحتى إذا علموه فإنهم ل يتأسون به ولا يشيعونه فيما بينهم، خاصة الأطفال منهم، الذين أصبحوا يأكلون بعيدا عن مائدة الأسرة، وبعيدا عن كل توجيه، وربما قد يضطرون عند الكبر إلى الإلتجاء إلى موجهين في التطوير الذاتي فقط من أجل تعلم طرق الأكل والشرب، التي كان نبينا صلى الله عليه وسلم يعلمها الصبيان وهم يأكلون من مائدته، ألا فتشبهوا إخواني برسول الله لعلكم تفلحون، ولنا عودة إلى هذا الموضوع في الجمعة المقبلة إن شاء الله تعالى. الدعاء

خطبة الجمعة من مسجد الحسنى، التأسي برسول الله: هديه في الأكل والشرب، الجمعة 24 ربيع الأول 1441  موافق 22 نونبر 2019

 

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *