خطبة بمناسة اليوم الوطني للسلامة الطرقية
الحمد لله، الحمد لله رب العالمين، خلق الإنسان في أحسن تقويم، نحمده سبحانه وتعالى وبه نستعين، ونستهديه جل وعلا ونستغفره وهو الغفور الرحيم، ونشكره عز وجل وهو الشكور الحليم،
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أمر بحفظ النفوس، وحرم التعدي عليها، وهو سبحانه العليم الحكيم، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى التابعين لهم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،
أما بعد، فيا أيها المسلمون، يقول الله عز وجل: “ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا”، يخبر الله عز وجل في هذه الآية الكريمة عن تشريفه وتكريمه لهذا الإنسان، الذي خلقه على أحسن الهيئات وأكملها، كما قال تعالى بعد قسم عظيم: “لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم”، وقال: “يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك”، أي من خدعك بربك الحليم الكريم فعصيته وتجرأت على مخالفة أمره وذلك بسوء استعمالك لما سخره لك من وسائل مع إحسانه إليك وعطفه عليك.
أيها المسلمون، إن الإسلام يوصي الإنسان بنفسه وصحته وسلامته، كما يوصيه بغيره من الناس فلا يعتدي عليهم ولا يؤذيهم بأي نوع من الإذاية، ولذلك حرم الاعتداء على الأنفس البريئة عمدا أو تهاونا وتفريطا. ومن صور هذا الاعتداء ما نعيشه يوميا من حوادث سير قاتلة، تودي بحياة الأبرياء، وتخلف جرحى ومعطوبين وأرامل ويتامى، إنها حرب فظيعة ضروس، أصبحت تنذر بهول خطير وشر مستطير، يدفع تكاليفها المواطن والدولة على حد سواء، ومن أجل ذلك يخلد المغرب كل سنة في 18 من شهر فبراير اليوم الوطني للسلامة الطرقية، وهو فرصة سانحة لانخراط الجميع في التوعية بمخاطر هذه الآفة، وضرورة تغيير سلوك السائقين في الطرقات،
أيها الإخوة المؤمنون إن الله عز وجل أرحم بنا من أنفسنا وهو أرحم الراحمين، ومن رحمته تعالى أنه ينهانا ويحذرنا من أن يهلك بعضنا بعضا، أو يقتل أحدنا نفسه ويوبقها ويوقعها مواقع الهلاك، ولذلك قال عز وجل: “ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما، ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا، وكان ذلك على الله يسيرا”، فقد قال المفسرون إن المقصد العام من هذه الآية الكريمة هو النهي عن أن يقتل بعض الناس بعضا، أو أن يحمل الإنسان نفسه على خطر ربما مات هو بسببه، والتعبير عنه بقتل النفس للمبالغة في الزجر ، وقال جل وعلا: “وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين”.
وقد أخبر الله عز وجل أن عاقبة المعتدي والظالم لنفسه ولغيره من الناس دخول نار وقودها الناس والحجارة، وأن الله تعالى قادر على كل شيء لا يعجزه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر فقال تعالى: “ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا”، وقال عز من قائل: “ومن يقتل مومنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما”، فهذا حكم الله تعالى في القتل العمد، وهو من أعظم الجرائم في نظر الإسلام، ولهذا كانت عاقبته في غاية التغليظ والتشديد، أخرج ابن ماجة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مؤمن”، أيها المسلمون، إن ما نشاهده ونسمعه ونعيشه في بلادنا من الفواجع والمآسي الناتجة عن حوادث السير التي تسفر كل يوم عن عدد من الضحايا ما بين قتيل وجريح، لما يغضب الله ورسوله، وإن وقع هذه الحوادث لمؤلم للأمة كلها وعلى رأسها أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، أعز الله أمره، الذي يشفق على أفراد شعبه، ويواسيهم، ويقاسم أسر الضحايا وذويهم الألم والحزن والأسى.
إن حوادث السير -معشر المؤمنين- تحصد أرواحا زكية في لحظة واحدة، نتيجة التهور في السياقة وعدم مراقبة أو صيانة المركوب، وتتزايد هذه الحوادث يوما بعد يوم وكأن ما عاشته الأمة في هذه الكوارث من المآسي والآلام والفواجع والنكبات غير كاف ليردع السائقين ويحد من طيشهم واستهتارهم، فليقدر كل واحد منا مسؤوليته في هذه الكوارث، ولينظر كل واحد منا، وإن لم يكن مسؤولا عن حوادث السير، كيف يمكن أن يسهم في القضاء عليها، أو الحد منها على الأقل، وفي ذلك جزيل الأجر وعظيم الثواب،
وليعلم كل من يخل بمسؤوليته، سواء كان سائقا، أو مراقبا، أو مكلفا بالصيانة، أو غاضا الطرف عن التجاوزات والمخالفات، أنه مشارك مباشرة في إزهاق تلك الأنفس، وجرم ذلك عند الله عظيم، وليعلم كذلك أرباب وسائل النقل العمومي بصفة عامة، وأرباب الحافلات والشاحنات بصفة خاصة، أشخاص ذاتيين كانوا أو معنويين، أن سلامة المواطنين أمانة في عنقهم، وسيسألون عنها أمام اللهـ لذلك يجب عليهم أن لا يعهدوا بهذه الوسائل إلا لمن يأنسون فيهم قدرا كبيرا من الشعور بالمسؤولية، وكامل القدرة على رعاية هذه الأمانة، واستحضارها في كل وقت وحين، وأن ينتعوهم بقسط من الراحة بعد كل فترة عمل، حفاظا على أرواح الناس.
إن الشريعة الإسلامية، صيانة للنفس الإنسانية، شرعت من الأحكام ما يكفل سلامتها، ويحفظ أمنها وحرمتها، ولبلوغ هذا الهدف وضعت التشريعات والأنظمة والضوابط، وأصبح الإلتزام بها واجبا شرعيا لا يجوز انتهاكه. وقانا الله شرور أنفسنا، وأجارنا الله وإياكم من عذابه المهين، آمين، والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين لهم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،
أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون.
إن ديننا الحنيف يلزمنا بالإحسان إلى كل الناس، وبأن نعمل وسعنا لحماية الأرواح، لأن لها عند الله حرمة عظيمة لا يجوز العدوان عليها، فلنستشعر المسؤولية أمام الله وأمام خلقه، ولنتجنب الأسباب المؤدية إلى حوادث السير وهي كثيرة ومتعددة، وقد ترجع في معظمها إلى صلاح الإنسان أو فساده، وفطنته وغباوته، فالتهور واللامبالاة أصبحتا سمة عامة عند غالبية الناس، راجلين أو سائقين على السواء، رغم القوانين الزجرية، والتنظيمات الطرقية الصارمة، التي لو عمل الناس بها لنجوا ونجوا جميعا.
أيها الناس، نسأل الله أن يجعلنا ممن يسمعون القول فيتبعون أحسنه، إن خطب يوم الجمعة، ومواعظ العلماء، إنما تلقى ويبلغ ما فيها من أحكام الدين بهدف العمل بها، ونسأل الله ألا يجعلنا ممن قالوا “سمعنا وعصينا”، وممن جاء فيهم قوله تعالى: “وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا”، ذلك لأن المطلوب في الموضوع الذي نحن بصدده، وهو حوادث السير، هو أن نرى أثر المواعظ في العمل على تجنب هذه الجرائم، وهي جرائم فعلا إذا ارتكبت بسبب التهاون والتفريط، فعلى كل واحد منا، أصلحكم الله، أن يفكر ابتداء من هذه الساعة في العمل الذي يمكن أن يقوم به شخصيا للقضاء على حوادث السير، وأن يجعل هذا العمل من همومه، فلا شك أنه سينتبه إلى تغيير شيء في سلوكه أو سلوك غيره، وليبلغ الشاهد الغائب، واتقوا الله ويعلمكم الله، وقدروا هول الأمر حق قدره، وصلوا وسلموا صلاة وسلاما دائمين بدوام ملك الله على نبي الرحمة وهادي الأمة وكاشف الغمة، كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد،
وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن بقية الصحابة والتابعين، وانصر اللهم من قلدته أمر هذه الأمة، الساهر على سعادتها وأمنها وهنائها في الحال والمآل، مولانا أمير المؤمنين جلالة الملك محمدا السادس، اللهم انصره نصرا عزيزا تعز به الدين، وتعلي به راية الإسلام والمسلمين، اللهم سدد خطاه، وحقق مسعاه، ووفقه لما تحبه وترضاه، واحفظه اللهم في ولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولاي الحسن، وشد عضد جلالته بشقيقه صاحب السمو الملكي الأمير السعيد مولاي رشيد، وبسائر أفراد أسرته الملكية الشريفة، اللهم تغمد برحمتك الواسعة الملكين الجليلين مولانا محمد الخامس ومولانا الحسن الثاني، اللهم طيب ثراهما، وأكرم مثواهما، وبوئهما مقعد صدق عندك، كما نسألك أن تشمل برحمتك جميع أموات المسلمين والمسلمات يا أرحم الراحمين يا رب العالمين.
اللهم استرنا بسترك الجميل، واحفظنا من بين أيدينا، وعن أيماننا، وعن شمائلنا، ومن أمامنا ومن خلفنا، وأن نغتال من تحت أرجلنا، ولا تطمس اللهم على سمعنا وبصرنا وبصيرتنا، وأدم علينا رداء الصحة والعافية، واجعلنا يا ربنا من الراشدين، واهدنا بجودك إلى صراطك المستقيم.
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا من لدنك رحمة، وهيء لنا من أمرنا رشدا.سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.