معاملة النبي صلى الله عليه وسلم للشباب

الحمد لله، الحمد لله الذي جعل الشباب حماة الأوطان، ونصر بهم الشرائع والأديان، وأظهر بهم الحق في سائر البلدان، وجعل منهم رواة الحديث وحملة القرآن،

ورفع بهم راية التوحيد على عبادة الأوثان، نحمده تعالى ونشكره في كل زمان على أن هدانا لإيمان،
ونشهد أن لا إله إلا إلا  الله وحده لا شريك له، الملك القدوس السلام، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الممدوح بقوله تعالى: “وإنك لعلى خلق عظيم”، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه والتابعين البررة الكرام، وسلم تسليما كثيرا ما تعاقبت الليالي وتوالت الأيام،
أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، في الجمع الماضية تناولنا الحديث عن أخلاق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، بغية التأسي به والاهتداء بهديه صلى الله عليه وسلم ، وذكرنا منها باختصار معاملته لأهل بيته صلى الله عليه وسلم ولخدمه، ومعاملته صلى الله عليه وسلم مع أصحابه ومع أعدائه، وذكرنا كيف كان صلى الله عليه وسلم يتعامل مع الصبيان والأطفال، واليوم بإذن الله تعالى نلقي نظرة مختصرة عن تعامله صلى الله عليه وسلم مع الشباب، فنقول وبالله التوفيق.
إن الشباب في المجتمع هو قلبه النابض، وعزمه القوي، وهو في كل حركة عامل نجاح وازدهار، وفي كل معركة نموذج فداء وتضحية، على أكتافهم تقع أثقال المسؤولية، وبسواعدهم تقوم المشاريع الضخمة العمرانية، وبأفكارهم تنتشر الحضارات المختلفة، وبقواهم تثبت المثل الإنسانية والقيم الأخلاقية، وبطموحهم تتأكد الحرية، وبإرادتهم يحافظ على الاستقلال ومسيرة التنمية، وبعزيمتهم يرتفع شأن الأمة بين الأمم الراقية،
ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعرف للشباب قيمته وأهميته، فكان يرعاه رعاية خاصة، ويهتم لشؤونهم أيما اهتمام، وإليكم إخوتي بعض النماذج الطيبة من معاملته صلى الله عليه وسلم للشباب، روي أن النبي صلى الله عليه وسلم، جلس للناس ووصف يوم القيامة، ولم يزدهم على التخويف، فرق الناس وبكوا، فاجتمع عشرة من الصحابة في بيت عثمان بن مظعون رضي الله عنه، واتفقوا على أن يصوموا النهار ويقوموا الليل، ولا يقربوا النساء ولا الطيب، ويلبسوا المسوح، و يرفضوا الدنيا، ويسيحوا في الأرض، ويترهبوا ويخصوا المذاكير، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فأتى منزل عثمان فلم يجده، فقال لامرأته: “أحق ما بلغني؟” فكرهت أن يكذب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن تبتدئ على زوجها فقالت: يا رسول الله، إن كان أخبرك عثمان فقد صدقك، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأتى عثمان منزله فأخبرته زوجته بذلك، فأتى هو وأصحابه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: “ألم أنبأ أنكم اتفقتم؟” فقالوا: ما أردنا إلا الخير. فقال صلى الله عليه وسلم: “إني لم أؤمر بذلك، ثم قال: إن لأنفسكم عليكم حقا، فصوموا وافطروا، وقوموا وناموا، فإني أصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وآكل اللحم والدسم، وآتي النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني” ثم جمع الناس وخطبهم، وقال: “ما بال قوم حرموا النساء والطيب والنوم وشهوات الدنيا! أما أنا فلست آمركم أن تكونوا قسسة ورهبانا، إنه ليس في ديني ترك النساء واللحم، واتخاذ الصوامع، إن سياحة أمتي في الصوم، ورهبانيتها الجهاد، واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وحجوا واعتمروا، وأقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وصوموا شهر رمضان، واستقيموا يستقم لكم، فإنما هلك من قبلكم بالتشديد، شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم، فأولئك بقاياهم في الديارات والصوامع”،
انظر أخي كيف وجه النبي صلى الله عليه وسلم حماسة الشباب إلى الموازنة بين متطلبات الحياة ولوازم الروح، رافضا الرهبنة والتقوقع والانزواء بدعوى التدين، كما كان صلى الله عليه وسلم يرفق بالشباب، مما زاد من إعجابهم بالنبي صلى الله عليه وسلم والتفافهم حوله، وبهذا الوصف مدح القرآن الكريم النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: “فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ”.
روي عن زيد بن ثابت قال: كنا إذا جلسنا إليه صلى الله عليه وسلم إن أخذنا في حديث في ذكر الآخرة أخذ معنا، وإن أخذنا في ذكر الدنيا أخذ معنا، وإن أخذنا في ذكر الطعام والشراب أخذ معنا، فكل هذا اُحدثكم عن رسول الله “، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينتبه لأبسط الأشياء التي ربما تؤثر في الشباب، فعن جرير بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بعض بيوته فامتلأ البيت، ودخل جرير فقعد خارج البيت،  فأبصره النبي  صلى الله عليه وسلم فأخذ ثوبه فلفه ورمى به إليه وقال: اجلس على هذا، فأخذه جرير فوضعه على وجهه وقبله”
وعن سلمان الفارسي قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متكئ على وسادة فألقاها إلي، ثم قال: يا سلمان ما من مسلم دخل على أخيه المسلم فيلقي له الوسادة إكراما له إلا غفر الله له”،
أيها المؤمنون، لقد أولى رسول الله صلى الله عليه وسلم اهتماما خاصا للثناء على الشباب وذلك لأثره الكبير وتأثيره على النفوس، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يثني على الشباب المؤمن روي عنه صلى الله عليه وسلم قوله: “ما من شاب يدع لله الدنيا ولهوها، وأهرم شبابه في طاعة الله، إلا أعطاه الله أجر اثنين وسبعين صديقاً”، وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إن أحب الخلائق إلى الله عز وجل شاب حدث السن في صورة حسنة جعل شبابه وجماله لله وفي طاعته، ذلك الذي يباهي به الرحمن ملائكته، يقول: هذا عبدي حقاً” وقال صلى الله عليه وسلم: “فضل الشاب العابد الذي تعبد في صباه على الشيخ الذي تعبد بعدما كبرت سنه كفضل المرسلين على سائر الناس ”
من خلال هذه الأهمية التي أولاها النبي صلى الله عليه وسلم في معاملته للشباب نلاحظ أنه صلى الله عليه وسلم عمل على إسناد المهام العظيمة والمسؤوليات الكبيرة والمهمة لهم مما أدى لزيادة ثقة الشباب بأنفسهم، وتنمية إرادتهم، فمنها اختياره صلى الله عليه وسلم لمصعب بن عمير ليكون أول مبلغ لدعوة الإسلام بعثه النبي صلى الله عليه وسلم لنشر الإسلام في المدينة المنورة وعمل بكل جد وإخلاص من أجل التأثير في الناس، وإقناعهم برسالة الإسلام السمحة، وكان يومئذٍ في ريعان شبابه.
ومنها أنه بعد فتح مكة بفترة زمنية قليلة، خرج رسول  الله صلى الله عليه وسلم للجهاد، فعين الصحابي الجليل الشاب عتاب بن أسيد رضي الله عنه الذي لم يتجاوز الواحد والعشرين عاماً قائدا على مكة لإدارة شؤونها، كما أمره النبي صلى الله عليه وسلم بأن يصلي بالناس، فهو أول أمير صلى بمكة بعد الفتح جماعة. ومنها أيضا أنه صلى الله عليه وسلم في أواخر حياته صلى الله عليه وسلم عبأ المسلمين لقتال الروم، وضم جيشه صلى الله عليه وسلم كبار الضباط وأمراء الجيش ورجال المهاجرين والأنصار وشيوخ العرب وأمر على هذا الجيش العظيم شابا يافعا هو أسامة بن زيد رضي الله عنه، ابن ثماني عشر سنة وعقد له لواء القيادة وخوّله إمارة الجيش. فاللهم اجعلنا وشبابنا من “الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه”، آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية
أيها المؤمنون، عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ, ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا. فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ وَقَالُوا: مَهْ مَهْ. فَقَالَ صلى الله عليه وسلم أدْنُه، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا، قَالَ: فَجَلَسَ، قَالَ صلى الله عليه وسلم أَتُحِبُّهُ لأُمِّكَ؟ قَالَ: لا وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ صلى الله عليه وسلم وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأُمَّهَاتِهِم،  قَالَ صلى الله عليه وسلم أَفَتُحِبُّهُ لابْنَتِكك؟ قَالَ الشاب: لا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ صلى الله عليه وسلم وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمم، قَالَ صلى الله عليه وسلم أَفَتُحِبُّهُ لأُخْتِكك؟ قَالَ: لا وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ صلى الله عليه وسلم وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأَخَوَاتِهِمم، قَالَ صلى الله عليه وسلم أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟ قَالَ: لا وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ صلى الله عليه وسلم وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ قَالَ صلى الله عليه وسلم أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟ قَالَ: لا وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ صلى الله عليه وسلم وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالاتِهِمْ قَالَ الراوي: فَوَضَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَدَهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: “اللهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَه” قالَ: فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إلى شَيْء”.
هذا غيض من فيض على الآباء والأمهات والمصلحين والمربين أن يجعلوه نصب أعينهم وهم يتعاملون مع الشباب، لتم لنا الانتفاع بقدراتهم ومواهبهم وليكونوا لنا خير خلف.
الدعاء…

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *