ذكرى عيد الإستقلال المجيد

ذكرى عيد الإستقلال المجيد

الأستاذ مولاي يوسف المختار بصير

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبفضله وإحسانه تتنزل الرحمات والبركات، وبعبادته وطاعته وحمده وشكره تدوم النعم والخيرات، وتنال الفضائـل والمكرمات. نحمده سبحانه وتعالى حمد المؤمنين الصادقين، ونشكره شكر العارفين المخلصين، ونشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له، شهادة من أسلم وجهه إلى الله وهو محسن فاستمسك بالعروة الوثقى، وعمل لما يسعده في هذه الحياة الدنيا وفي الحياة الأخرى، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ومجتباه من خلقه وخليلهّ، أرسله رحمة للعالمين، وكافة للناس أجمعين، صلى الله  عليه وعلى آله وصحابته أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات.

إن الأعياد والذكريات أيام معلومات في تاريخ الأمم والشعوب، تمر على الأمة فتتلقاها لقاء خاصا بها، لإرتباطها بما تحبه وتجله في تاريخ حياتها، فإذا مر بالأمة عيد من الأعياد أو ذكرى من الذكريات، كذكرى عيد الإستقلال التي يخلدها المغاربة يوم 18 نونبر من كل عام، تحركت عواطف الأمة وانبعثت مشاعرها، وأحست بهزة تنال عطفها، وانتفاضة تشمل حسها ونفسها، والمغرب أيها الإخوة المؤمنون، كغيره من بلدان العالم له أعياده وذكرياته الدينية والوطنية التي يحتفل بها في كل عام، ويقف عندها ليستخلص منها العبر، ويكشف النقاب عن أسبابها ومراميها، ويقف وقفة تأمل وتدبر وتفكر وتبصر ليتعرف أبناؤه وأحفاده على شيء من تاريخهم العظيم وجهادهم الكبير ونضالهم الطويل وصبرهم القوي وتضحياتهم بالغالي والنفيس في سبيل إعلاء كلمة الله ونصرة الدين والحفاظ لوطنهم المسلم على كيانه وشخصيته وإسلامه وعروبته ووحدته وحريته واستقلاله، وسائر خصائصه ومقوماته، ليكون كل ذلك للأجيال عبر التاريخ خير مرجع يذكرهم بأمجاد ماضيهم القريب والبعيد لأن الذكرى تنفع المؤمنين.

فالمغرب كان من بين الشعوب التي تعرضت لموجة الإستعمار العارمة ومحنته القاسية الشديدة، غير أنه كان شعبا أبيا كباقي الشعوب التي ابتليت بالإستعمار في النصف الأول من القرن العشرين، هذا الشعب لم يستسلم ولم يستكن ولم ينم ويصبر على ذل الإستعمار، وإنما قاوم مقاومة الأبطال بكل ما أوتي من إيمان ووعي ويقظة وسلاح واستبصار، مطالبا بحقه المغصوب عن طريق التفاهم والحوار واستعمال الوسائل السلمية قبل اللجوء إلى قوة السلاح ومقاومة الأشرار، ولكن الإستعمار كعادته استخف بهذا الأسلوب المستعمل من طرف الوطنيين الأحرار وتمادى في الغطرسة والظلم والطغيان مما جعل الشعب ينتفض انتفاضة كريمة، وثار ثورة عارمة، و حمل السلاح، وقاوم بمنتهى الحزم والعزم والثبات والصمود، والتضحية بالنفس والنفيس حتى أخضع الاستعمار إلى مطالبه وأرغمه على  إرجاع الحق إلى نصابه، وكان القائد المظفر لهذه الإنتفاضة وهذا الإستقلال هو الرائد المحنك والزعيم المقدام جلالة المغفور له  محمد الخامس طيب الله ثراه ومعه ولي عهده آنذاك المشمول بعفو الله ورضاه الحسن الثاني، كان الله لنا وله وللمسلمين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، “فمنهم من قضى نحبه ومنهم  من ينتظر وما بدلوا تبديلا”، قال الله عز وجل: “أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله، ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا،  ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز”، فاللهم اهدنا الصراط المستقيم، واحشرنا في زمرة النبيئين والصديقين، واجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب، آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية

أيها الإخوة المؤمنون، نعم لقد جاهد أسلافنا رحمهم الله أجمعين من أجل استقلال مغربنا ومعه بعض جيراننا، لكن المستعمر الذي خرج مضطرا ومكرها بقوة الوحدة والإيمان الصادق بقضايا الوطن من عادته أن يتربص للعودة من النوافذ بدل الأبواب، يعود في صفة أبناء الوطن يبلبل أفكارهم، ويزرع الشك في مقدسات البلاد ووحدة العباد، فأسلافنا رحمهم الله الذين طردوا الأستعمار إلى غير رجعة كانوا يحاربون عدوا معلوما وظالما غشوما، لكننا اليوم أمام أعداء من بني جلدتنا، استطاع أعداء وحدتنا الدينية والوطنية التغرير بهم، والإستحواذ على أفكارهم، حتى بدأوا يرددون شعارات ويتبنون أفكارا تهدف إلى تمزيق وحدتنا والتشكيك في مقدساتنا، وتدعوا إلى التخلي على مكتسباتنا التي ناضلت الأمة بأجمعها وراء ملوكها لترسيخ دعائمها، فأصبحنا نسمع بعض الأصوات تنعق بأفكار مسمومة، حاربها من قبل أجدادنا حينما أراد المستعمر الفرنسي تطبيقها بالظهير البربري.

أيها المغربي الأبي، لقد دعانا أمير المؤمنين جميعا من خلال خطاباته الأخير، لأن نكون على وعي بكل المناورات والمؤامرات التي تهدف زعزعة كياننا وهدم ما بناه أسلافنا. فاستقلال بلادنا الذي نحتفل به يوم 18 نونبر من كل سنة يتجلى الآن في تبنينا لقضايانا الوطنية، استقلالنا في تنمية بلادنا، والذود عن مقدساتنا، استقلالنا في التضامن من أجل استقرار الأمن والأمان لوطننا، استقلالنا في العمل على رعاية حقوق المواطنين، والسير وراء عاهلنا المفدى جلالة الملك محمد السادس راعي وحدتنا.

أيها المغربي الأبي، إياك أن تكون لقمة سائغة للأفكار الهدامة الإستعمارية التي تختفي وراء شعارات براقة تهدف إلى النيل من كرامتك، وأنت ترى وتسمع كل يوم ما جرى ويجري لإخواننا في الأقطار الإسلامية والعربية من جراء تلك الشعارات المغرضة التي مزقت وحدتهم، والتي تتسابق وتسعى الوسائل الحديثة للتواصل الاجتماعي إلى نشرها ونقلها، بهدف تفريق المجتمعات المتماسكة، وزرع الشك في أوساط الشباب ذكورا وإناثا، والتشويش على أفكار الأطفال، للنيل من وطنيتهم وحبهم لبلدانهم، روى ابن إسحاق ‏أن يهوديا يدعى شاس بن قيس عظيم الكفر، شديد الضغن على المسلمين، شديد الحسد لهم مر على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج في مجلس قد جمعهم، يتحدثون فيه، فغاظه ما رأى من ألفتهم وجماعتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام، بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية، فقال‏:‏ قد اجتمع ملأ بني قَيْلَةَ بهذه البلاد، لا والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار، فأمر فتي شاباً من يهود كان معه، فقال‏:‏ اعمد إليهم، فاجلس معهم، ثم اذكر يوم بُعَاث وما كان من قبله، وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار، ففعل، فتكلم القوم عند ذلك، وتنازعوا وتفاخروا فاستغاث الأنصاري بالأنصار، واستغاث المهاجري بالمهاجرين، وكادت الحرب‏ أن تنشب بينهم، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم فيمن معه من أصحابه المهاجرين حتى جاءهم فقال‏:‏ “يا معشر المسلمين، الله الله، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله للإسلام، وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر وألف بين قلوبكم‏”، فاحذروا إخواني رحمكم الله مما يتربص به أعداء وحدتنا واعملوا على ذرء الخلاف والشقاق، “وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون” ، “إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما” الدعاء

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *