من أخلاق محمد صلى الله عليه وسلم

الحمد لله القائل في محكم الذكر الحكيم: “لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عندتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم”، نحمده تعالى ونشكره على ما أولانا من نعم وهو العلي العظيم،

ونشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو رب العرش الكريم، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الممدوح بقوله تعالى: “وإنك لعلى خلق عظيم”، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه والتابعين، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون والمومنات، في الجمعة الماضية تناولنا الحدبث عن أخلاق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، بغية التأسي به والاهتداء بهديه صلى الله عليه وسلم، وذكرنا منها باختصار معاملته لأهل بيته صلى الله عليه وسلم ولخدمه، واليوم نواصل الكلام عن خلقه صلى الله عليه وسلم مع أصحابه ومع أعدائه،
فنقول وبالله التوفيق، أما خلقه صلى الله عليه وسلم مع أصحابه  فلا يستطيع أن يصفه الواصفون مما نتج عن ذلك الحب المكين، والنجاح الباهر المشرف للدعوة الإسلامية، وهذه بعض النماذج الطيبة من معاملته لأصحابه صلى الله عليه وسلم، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدرك أحاسيس أصحابه، وكأنه يقرأ ما في قلوبهم بمجرد النظر إليهم، فمن ذلك أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يقول: “والله الذي لا إله إلا هو إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع، ولقد قعدت يوما على طريقهم الذي يخرجون منه، فمر أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلا ليشبعني، فمر ولم يفعل، ثم مر عمر فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلا ليشبعني فمر ولم يفعل، ثم مر أبو القاسم  صلى الله عليه وسلم فعرف ما في نفسي وما في وجهي ثم قال: أبا هريرة قلت لبيك يا رسول الله فقال ألحق، ومضى فتبعته، فدخل فاستأذن فأذن لي فدخلت فوجد لبنا في قدح فقال: من أين لكم هذا اللبن؟ فقالوا أهداه لنا فلان أو آل فلان، قال: أبا هر، قلت لبيك يا رسول الله، قال: انطلق إلى أهل الصفة فادعهم لي،
قال: وأهل الصفة أضياف الإسلام، لم يأووا إلى أهل ولا مال، إذا جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم هدية أصاب منها وبعث إليهم منها، وإذا جاءته صدقة أرسل بها إليهم ولم يصب منها، قال: وأحزنني ذلك وكنت أرجو أن أصيب من اللبن شربة، أتقوى بها بقية يومي وليلتي، وقلت: أنا الرسول، فإذا جاء القوم كنت أنا الذي أعطيهم، وقلت: ما يبقى لي في هذا اللبن؟ ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم بد،
فانطلقت فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا فأذن لهم فأخذوا مجالسهم من البيت ثم قال: أبا هر خذ فأعطهم، فأخذت القدح فجعلت أعطيهم فيأخذ الرجل القدح فيشرب حتى يروى، ثم يرد على صاحبه حتى أتيت على آخرهم، ودفعت القدح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذه وقد بقي فيه فضلة، ثم رفع رأسه ونظر إلي وابتسم، وقال: أبا هر بقيت أنا وأنت فقلت: صدقت يا رسول الله، قال: أقعد فاشرب، قال: فشربت ثم قال لي اشرب، فشربت فما زال يقول لي اشرب وأنا أشرب حتى قلت لا والذي بعثك بالحق ما أجد له في مسلكا، فقال صلى الله عليه وسلم فناولني القدح فرددته إليه فشرب من الفضلة. وهذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم.
وكان صلى الله عليه وسلم يرفض أن يتميز على أصحابه، ومن ذلك أنه كان مرة في سفر مع جماعة من أصحابه، فلما حان موعد الطعام عزموا على إعداد شاة يأكلونها، فقال أحدهم علي ذبحها، وقال الآخر علي سلخها، وقال الثالث: علي طبخها، فقال صلى الله عليه وسلم: وأنا علي بجمع الحطب، فقالوا: يا رسول الله نحن نكفيك العمل، فقال صلى الله عليه وسلم علمت أنكم تكفونني ولكنني أكره أن أتميز عليكم، وإن الله يكره عبده أن يراه متميزا بين أصحابه.
أيها المؤمنون، لم يكن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم على هذا الخلق الحسن مع من أسلم وآمن فقط، بل تجلى خلقه الحسن مع الأعراب الذين لم يسلموا ولم يناصبوا المسلمين العداء، ومن ذلك عن أنس رضي الله عنه قال: “كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم وعليه برد غليظ الحاشية فجبذه أعرابي بردائه جبذة شديدة حتى أثرت  حاشية البرد في صفحة عاتقه، ثم قال: يا محمد احمل لي على بعيري هذين من مال الله الذي عندك، فإنك لا تحمل لي من مال أبيك، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: “المال مال الله، وأنا عبده”، ثم قال: ويقاد منك يا أعرابي ما فعلت بي” قال لا، قال لم؟ قال: لأنك لا تكافئ بالسيئة السيئة، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ثم أمر أن يحمل له على بعير شعير وعلى الآخر تمر”.
لقد كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في الأخلاق، والنموذج الحي الذي يجب أن يتبع ، قال الله تعالى: “لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة”. فاللهم ألهمنا رشدنا واهدنا إلى اقتفاء أثر رسولنا، واجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب، آمين وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخطبــة الثانـيـة
اعلموا أن من أهم عوامل نجاح الدعوة الإسلامية حسن المعاملة، تلك المعاملة الحسنة التي كان يعامل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أعداءه وأصدقاءه على السواء، ومن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم لما شرع يدعو الناس إلى الإسلام لقي من الأعداء ما لا يستطيع تحمله إنسان غيره، ولكنه صبر وصابر وثابر حتى بلغ رسالة ربه وأدى أمانة خالقه، الملقاة على عاتقه، فكان لا يقابل السيئ بالسيئ، ولكن كان يقابل السيئ بالحسن، ويعفو ويصفح، ويقول: “اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون”،
هذه إخواني لمحة من اللمحات سريعة عن الجانب الخلقي العظيم، لمحمد صلى الله عليه وسلم سقناها لكم بهذه المناسبة للعظة والاعتبار، والعمل على تطبيق ما جاء به خير البشر من دين قيم يهدي إلى الرشد وإلى العمل الصالح لخيري الدنيا والآخرة، والله يوفقنا وإياكم إلى التمسك بشريعته، واتباع سنته، والتحلي بأخلاقه، وأكثروا إخواني من الصلاة والتسليم على أشرف الورى وسيد المرسلين.
الدعاء…

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *