الدخول المدرسي وعلاقة المعلم بالمتعلم
الدخول المدرسي وعلاقة المعلم بالمتعلم
الأستاذ مولاي يوسف المختار بصير
الحمد لله الذي أكرم الإنسان بالعلم، وزينه بالعقل والفهم، وعلم الإنسان بالقلم ما لم يكن يعلم، نحمده تعالى ونشكره على ما من به علينا وأنعم، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يهدي من يشاء من عباده إلى التي هي أقوم، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله القائل بوحي من ربه الأكرم: “لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس من حمر النعم، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين اهتدوا بهديه الأسلم، وساروا على نهجه الأضمن، وسلم تسليما كثيرا أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، في الجمع الماضية تناولنا الحديث عن الدخول المدرسي، وعن النتائج المرجوة التي ينتظرها الآباء والأمهات، والمجتمع من ولوج أبنائنا وبناتنا إلى المدارس والمعاهد والجامعات لينهلوا من معينها أدبا وسلوكا وأخلاقا ويخرجوا في نهاية السنة بنتائج ترضي الجميع وتدل على الجهود التي بذلت من طرف كل أفراد المجتمع، أساتذة ومعلمين وطاقم تربوي ومجتمع مدني بتعاونهم واستشعارهم للمسؤولية الملقاة على عاتق الجميع نحو الناشئة أطفالا وشبابا، وتكلمنا عن التعاون الذي ينبغي أن يسود بين المدرسة والأسرة وكذا الإحترام الذي ينبغي أن يظهره أفراد المجتمع والمسؤولون تجاه الأساتذة والمربين حتى يزرعوا في نفوس أبنائهم حب الأساتذة والمربين، وحتى ينتفعوا بعلومهم وما يتلقونه منهم، واليوم بإذن الله تعالى.
نواصل الحديث عما يجب من الإحترام لهيئة التعليم والتكوين الذين هيئتهم سنة الحياة الكونية التي جرت بها القدرة الإلهية الحكيمة، على أن يأخذ المتقدم بيد المتأخر، والمتعلم بيد الجاهل، والكبير بيد الصغير، والأستاذ بيد التلميذ، ولولا أن الحكمة الإلهية شاءت أن يعلم العالم الجاهل، وأن المهتدي يرشد الضال، لما استقام أمر هذه الحياة على شيء، ومن هنا كان التعليم أشرف عمل في هذا الوجود يقول الله تعالى في محكم كتابه: “وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما”، فذكر الله التعليم منسوبا إليه في معرض الإمتنان على خلقه بالفضل الجليل، والخير الكثير. والتعليم هو وظيفة الأنبياء والرسل الأعلام وعلى رأسهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلمالذي كان يقول: “إنما بعثت معلما “، كما كان أتباع سيدنا عيسى عليه وعلى نبيناأفضل الصلاة وأزكىالسلام يجعلون من أوائل ألقابه التي ينعتونه بها لقب المعلم، وإن أفضل المراتب وأجلها في الإسلام هي أن يتعلم المرء علما ويعمل به ويعلمه غيره لقوله صلى الله عليه وسلم: “خيركم من تعلم وعلم”، وإلى هذه المنزلة السامية الرفيعة التي يحتلها المعلم يشير أمير الشعراء شوقي بقوله: سبحانك اللهم خير معلم ** علمت بالقلم القرون الأولى ** أخرجت هذا العقل من ظلماته ** وهديته النور المبين سبيلا ** وطبعته بيد المعلم تارة ** صدئ الحديد وتارة مصقولا ** أرسلت بالتوراة موسى مرشدا ** وابن البتول فعلم الإنجيلا **وفجرت ينبوع البيان محمدا ** فساق الحديث وناول التنزيلا.
أيها المسلمون، لقد كانت العلاقة بين المعلم والمتعلم فيما مضى من الأزمان والدهور قائمة على الحب والوفاء والتكريم والتوقير، كان المعلم يحسب نفسه والدا لتلاميذه، يؤدبهم بالحسنى، ويهذبهم بالحكمة، ويقسو عليهم حينما تجب القسوة لعلاج سلوكهم أو ردهم إلى رشدهم، ولكنها قسوة من يرحم ويريد الخير لإبنه وتلميذه، وقد اتجه علماء التربية وعلم النفس حديثا إلى الأخذ بهذا العلاج وقالوا: إن بعض الأطفال كالوحوش الصغيرة تسيطر عليهم نزوات وتسيرهم نزغات ونزعات، فلا بد من تقليم أظافرهم وقمعهم بشيء من الشدة، وتقويمهم بالنظرة أو الكلمة أو اللكزة، ولله در من قال: فقسا ليزدجروا من يكحازما ** فليقس أحيانا على من يرحم، أيها المسلمون، كانت العلاقة بين التلاميذ والمعلمين، وبين الطلاب والأساتذة والمدرسين، علاقة قائمة على الإخلاص والحب المكين في كل وقت وحين، أما اليوم فلا محبة ولا وفاء بين الجانبين، إذ أصبح الطالب ينسى حق أستاذه عليه وهو بين يديه يغترف من علمه وفضله، فكيف به إذا بعد عن عينيه. لأن من المدرسين سامحهم الله من لا يؤدي حق تلميذه عليه، وهو مكلف بهذا الحق رسميا، فكيف به إذا تخلص من قيود هذا التكليف الرسمي وتخلى عن مسؤوليته وضيع أمانته الملقاة على عاتقه دنيا وأخرى، وبهذا السلوك المشين للطرفين انفصمت عرى الرابطة الكريمة بين الطالب والمطلوب، وفسدت العلاقة بين الراغب والمرغوب، فسادا ينذر بأخطر العواقب وأسوأ النتائج، إذ بدأ التلميذ يسرف في الإغترار بشخصيته، وأصبح بعض المعلمين والأساتذة يسرف في الإغترار بمكانته حتى صار منالأساتذة والمعلمين من يتجاهل شخصية التلميذ أو يتحكم فيه قصد الضغط عليه، مع أن التلميذ يحتاج إلى الشعور بكيانه وذاته، وإلى من يأخذ بيده ويرشده إلى غاياته، والمعلم الناحج هو من خلط الشدة باللين، والحزم بالرفق، والعاطفة بالمسؤولية، وكون في تلاميذه صورا ناصعة من شخصيته، وإرادة قوية تجعلهم يؤمنون بعلمه وتربيته، وعمل بقول ربه الحكيم: “ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن، إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين”، ولو أن الجميع فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا.جعلني الله وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب.
الخطبة الثانية
أيها المسلمون، في إطار العلاقة التي ينبغي أن تكون قائمة بين المعلمين والتلاميذ، وبين الطلاب والأساتذة والمدرسين، والأطقم التربوية في مدارسنا بأسلاكها الإبتدائية والإعدادية والثانوية، وفي معاهد التكوين، وحتى في الجامعات والكليات والمدارس العليا، أستسمح إخوتي المعلمين، وأهمس في آذانهم بهذا التوجيه وأقول لي أولا ولهم: إخوتي المعلمين، والأساتذة، والمربين، أنتم يا من خصكم الله تعالى بشرف احتضان ناشئتنا من بنين وبنات، تتحملون مسؤولية عظيمة تتجلى في بناء جيل المستقبل، وتلقينهم بالإضافة إلى البرامج التربوية سلوكا وآدابا ينبغي أن يتلقونها منكم بالقدوة وليس بالكلام الخالي من شعور المحبة وفيض الحنان الذي ينبغي أن يلمسه التلاميذ في مشايخهم ومربيهم، واعلموا أن من بين التلاميذ من يعيش ظروفا اجتماعية وأسرية قاسية لا يبوح بها لأحد خشية أن تبقى له سبة ووصمة بين أقرانه، في حين أنه لما يشعر بحنو أستاذه عليه فإنه يبوح له بكل ما يؤثر فيه ويستمد منه الحلول لما يعانيه من مشاكل، والذي يحز في النفس أن بعض المحسوبين على هيئة التدريس ولو أنهم قله فإنهم ببعض سلوكهم الذي لا يراعي شعور التلاميذ ينفرونهم، وربما يكونون سببا في الهدر المدرسي عن طريق تعنيفهم ولمزهم ببعض الأوصاف الجارحة التي تتوغل داخل شعورهم وأحاسيسهم فيكرهون بسبب ذلك المدرسة والمدرسين، وهذا لعمري أحد التفاسير التي يمكن أن نشرح بها ظاهرة العنف داخل المدارس التي بدأت تشيع في مؤسساتنا التربوية، فعليك أخي المدرس أختي المدرسة أن تستشعر عظم المسؤولية الملقاة على عاتقك، فالبناء إذا كان أعوجا يهدم ويعوض ببناء مستقيم، وأنت في مهمتك تبني الأجيال فاحذر أن يكون بناؤك أعوجا حتى لا تترك جيلا أعوجا، راقب تصرفاتك وسلوكك، وأخلص في العملية التربوية والتدريسية لربك، واعلم أنك يقتدى بسلوكك وأفعالك، فلا يرى منك أبناؤك الروحيين إلا ما يرضي الله تعالى، ويكون عللا منهج نبينا صلى الله عليه وسلم الذي جعلك من خيرة الناس حين قال: “خيركم من تعلم القرآن وعلمه”. الدعاء
خطبة الجمعة من مسجد الحسنى عين الشق، الدخول المدرسي وعلاقة المعلم بالمتعلم، الجمعة27 محرم 1441 موافق 27 شتنبر 2019