البيعة الشرعية لأمير المؤمنين نعمة من أجَلّ نعم الله على المغاربة

البيعة الشرعية لأمير المؤمنين نعمة من أجَلّ نعم الله على المغاربة 

الدكتور مولاي عبد المغيث بصير

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله، خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى وأحثكم على ذكره.

أما بعد فيا عباد الله، إن من أعظم صفات المؤمن في علاقته بخالقه، أن يربط دواما النعم الوافدة عليه بالمنعم عز وجل، وأن يعود نفسه على شكر الله عليها، وهكذا ينبغي أن يكون ديدنه وحاله، فلا تخلو حين من أحاييننا عن ورود نعمة من نعم الله تعالى إلينا، فكل الناس في علاقتهم مع الله يعيشون مقام الشكر وهم يظنون أنهم في مقام الصبر كما ذكر أحد الربانيين، والذي ينبغي أن نعلمه ونعقله أن الله تعالى كما يبتلي عباده بالمصائب، يبتليهم بالنعم، قال عز وجل:” وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ”.

عباد الله، وإن من أجل نعم الله علينا مانعيشه في بلادنا من نعم كثيرة ظاهرة وباطنة لا تُحصى عددًا ولا يكفي لكتابتها مددا، أهمها نعمة الأمن والاستقرار والوحدة والتضامن بين أفراد الشعب الواحد، وما كان لهذه النعم أن تكون وتستمر وتدوم وينتفع بها جميع أفراد المجتمع، لولا ما أكرمنا الله به في هذا البلد من نعمة البيعة الشرعية التي تعقد لأمير المؤمنين على رأس كل سنة في مناسبة وطنية غالية تحتفل بها أمتنا المغربية، وهي المناسبة المعروفة بعيد العرش، وهي مناسبة وطنية تذكرنا جميعا بتلكم المبادئ الدينية المثلى والأحكام الإسلامية العظمى التي تضمنها ديننا الحنيف، وبخاصة منها مايتعلق بنظام الحكم في الإسلام، والعلاقة القائمة بين الراعي والرعية، والرابطة القوية التي تجمع بين الإمام الخليفة وأمته التي ولاه الله أمرها.

وتستمد الإمامة مشروعيتها من إجماع علماء الإسلام من عصر الصحابة والتابعين وأهل السنة وغيرهم على أن الإمامة أمر واجب وفرض محتم، وهي عند النظر علاقة ورابطة تقوم على أساسين اثنين:

أولهما البيعة الشرعية من الأمة، قال الله تعالى: “إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسنوتيه أجرا عظيما”، وثانيهما: السمع والطاعة لأولي الأمر من الخلفاء في الإسلام، تلك الطاعة التي أمر بها الله سبحانه في كتابه، وقرنها بطاعته وطاعة رسوله إبرازا لأهميتها في المجتمع الإسلامي، وإظهارا لفضلها وميزتها في الحفاظ على جمع كلمة الأمة وضمان استقرارها وطمأنينتها، مصداقا لقول الله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم”.

عباد الله، والذي ينبغي أن يعلم كذلك لدى الخاص والعام، أن من أفضال الله على المغاربة عبر التاريخ، أن بلدهم المغرب وبحمد الله تعالى، حافظ على نظام الخلافة والبيعة الشرعية بما يفرضه من تحديد واجبات الراعي والرعية وحقوقهما من عهد المولى إدريس رحمه الله إلى مولانا محمد السادس حفظه الله، أي حوالي اثني عشرة قرنا من الزمان.ولايوجد في العالم الإسلامي كله أمة من الأمم يربطها بإمامها عقد البيعة الشرعية سوى المغرب، فينبغي عباد الله أن نعرف هذه النعمة وفضلها ونقدرها حق قدرها ونحمد الله ونشكره عليها، ونبقى متشبثين بها.
عباد الله، ولو لم يكن من مزايا الاحتفال بهذه المناسبة سوى التعبير عما يجمع بين إمارة المؤمنين والرعية من أواصر المحبة والولاء والبيعة الشرعية لكان يكفي، قال الله تعالى:” وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا”، وقال أيضا عز وجل:” وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا “، وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام البيهقي:” لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له”، وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام مسلم :” من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني”. ويقول أيضا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام مسلم والإمام الدارمي والإمام أحمد عن عوف بن مالك رضي الله عنه: “خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم”، أي تدعون لهم ويدعون لكم”، أسأل الله تبارك وتعالى أن يحفظ بلادنا من كل مكروه وسوء، وأن يديم علينا نعمة إمارة المؤمنين وكل النعم، أمين والحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية:

الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد فياعباد الله، إن في الاحتفال بهذه المناسبة الوطنية شد المواطن إلى الارتباط بوطنه وولي أمره، وتمتين الوحدة بين أفراده، ونبذ الفرقة والتشرذم بين ساكنته، وحماية الوطن من التأثر بالأفكار الدخيلة للأعداء، والفتن التي يثيرونها بين الفينة والأخرى، خصوصا اليوم عندما غدا العالم أشبه بالقرية الصغيرة، وسهل على كل واحد اختراق الآخر والتشويش عليه وفتنته.

هذا شيء، والشيء الثاني الذي ينبغي التنبيه عليه، هو أن نعتبر اليوم من العديد من الشعوب الإسلامية في الكثير من الأوطان مشرقا ومغربا، أفلا ننظر إلى ما أصابهم من تشرذم وتفرقة؟ أفلا نعتبر بما لحقهم من دمار وتقتيل وتفكك؟ أفلا نتأمل كيف تسلل إليهم أعداء الدين واحدا واحدا ومزقوهم شر ممزق؟ أفلا نتأمل كيف كانوا وكيف أصبحوا؟ وما كان ليكون ذلك وارتباطهم بأوطانهم قويا؟ وما كان ليكون ذلك ومحبتهم لأولياء أمرهم متينة؟، وما كان ليكون ذلك مع وجود قوة وحدة تجمعهم؟ وما كان ليكون ذلك لو انتبهوا لمخططات الأعداء؟.

فينبغي إذن عباد الله أن نكون في وطننا كأنّنا على ثغرة فيه، نتشبث بالبيعة المطوقة للأعناق بولي أمرنا، ونحب بلدنا ونذود عنه ضد المعتدين، ونفشل محاولات المغرضين للنّيل من أمنه واستقراره، وأن نترصّد لكلّ باغٍ حاقد لا يبغي الخير والأمن للنّاس.وأن نكثر من حمد الله سبحانه وتعالى وشكره على ما أولانا من أفضال ونعم، فبالشكر تدوم النّعم وتزيد، قال تعالى:”وإذ تأذّن ربّكم لأن شكرتم لأزيدنكم”، اللهم عرفنا نعمك بدوامها علينا ولا تعرفنا إياها بزوالها، والحمد لله رب العالمين.

 

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *