سبيل وحدة الأمة.. الحذر من مكائد أعدائها
الحمد لله العزيز الحكيم، يؤيد بنصره القائمين بطاعته ومرضاته، ويخذل الباغين الخارجين على صراطه وسلطانه، وهو القائل في محكم كتابه: “ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز”، نحمده سبحانه وتعالى على فضله وإحسانه، ونشكره تعالى على ما من به علينا من جوده وكرمه،
ونشهد أنه الله الذي لا إله غيره، جعلَ القرآنَ عربيًّا غيرَ ذِي عِوَج، وتحدَّى بفصاحتهِ العربَ ذوِي الحُجَج، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، بالفصاحةِ منعوتٌ، وبالبلاغة مبخُوت، القائل: “يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على القصعة، قالوا أمن قلة نحن يا رسول الله؟، قال: بل أنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ينزع الله المهابة منكم من قلوب أعدائكم ويقذف في قلوبكم الوهن، قالوا : وما الوهن يا رسول الله؟، قال: حب الدنيا وكراهية الموت.”، صلى الله عليه وعلى آله وصحبِهِ العُدولِ الثُّبُوت، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم لقائه.
أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون. في الجمعة الماضية تكلمنا عن وحدة الأمة، وأن المسلمين ينبغي أن يكونوا على حذر مما يحاك ضدهم من أساليب للتفرقة بينهم وتفريق جمعهم، واليوم بإذن الله نسلط الضوء على بعض الأشياء التي اتخذها أعداء الدين مطية للوصول إلى أهدافهم الخسيسة لتفريق المسلمين وزرع بذور الشقاق والخلاف والإختلاف بينهم، فنقول وبالله التوفيق:
أيها المؤمنون، اعلموا أن الله تعالى قسم الناس إلى فئات ثلاث، المؤمنون والكافرون ثم المنافقون، وجاء تقسيمهم في الآيات الكريمات في أول ما نقرأه من القرآن الكريم بعد سورة الفاتحة، “الم،ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ،وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ،أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”، فهذه فئة المؤمنين، تليها فئة ثانية، وهي فئة الكافرين الذين قال الله تعالى عنهم: “إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ، خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيم”،
من خلال هذا الوصف الدقيق، يخبر الله تعالى أن أعداء المسلمين من الكافرين أمرهم سهل وهين، لأنهم يواجهون الدين بأفكارهم ومعتقداتهم كما هي، وما على المسلمين إلا أن يعدوا العدة لمواجهتهم ودحض أفكارهم ومقترحاتهم ورد شبهاتهم بمثلها، ولهذا، لما تعاون العالم بأسره على أمة الإسلام واستعمر شرقها وغربها بعد أن ضعفت الأمة واستكانت إلى الشهوات نهضت ثلة من المسلمين واستنهضت الهمم لمواجهة الاستعمار فجاء النصر وتحررت معظم البلاد الإسلامية بفضل تماسكها وعودتها لكتاب ربها وسنة نبيها، فخرج الاستعمار مندحرا، لآن المواجهة كانت بين فئتين والحق يعلوا ولا يعلى عليه،
ولكن الخطر الكبير على أمة الإسلام هي فئة المنافقين، عملاء الاستعمار وأعداء الدين الذين جاء وصفهم في الآيات الكريمة: “وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِين، يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْادَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ، فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يكذبُونَ، وإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ، أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَـكِن لاَّ يَعْلَمُونَ، وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ، اللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ، أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ “، وهذه الفئة هي التي تعيش بين المسلمين، وتجلس في مجالسهم، وتدخل مساجدهم، وتقيم الفرائض والسنن وتظهر التدين والأخلاق الإسلامية لكنها تنطوي على سريرة خبيثة وهي تبعيتها لأعداء الدين، تنفث في صفوف المسلمين الوهن وتبث أفكار الأعداء بلسان الإخوة،
روى الإمام أحمد بإسناد صحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:”إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان” أي: علمه بالإسلام لا يتجاوز حدودَ لسانه، فكلامه يخدع المؤمنين ويذهب بالقلوب، لكنه يضمر في قلبه المكر والكيد والخديعة، “وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ”، فهم يختارون العبارة التي يخدعون بها الأمة ويزوِّقون بها باطلهم، ينسبون لأنفسهم كل جميل، فهم رعاة المصلحة وأدعياء الحرية، وهم المحافظون على حقوق المرأة والحريصون على رقي الأمة، ألسنتهم تردّد: “إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ”، قد حصروا الصلاح فيهم، فهم أهله وَسَدَنَته، ثم سلّطوا ألسنتهم وأقلامهم على أهل الخير والصلاح، حتى يختصّوا هم بالصلاح، فرموا أهل الخير بكل بلية، ووصموهم بكل رزية، فهم معقَّدون متطرِّفون متخلِّفون أصحاب مشاكل، في تهمٍ لا تنقطع، تتجدّد حسب العرض والطلب، وهم الذين ينادون من وقت لآخر بدعوات للتخلي عن مقدسات ومقومات الإسلام والمسلمين، كالاختلاط، والتبرج، والتساهل في التخلي عن سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وعن لغة القرآن الكريم، اللغة العربية واستبدالها بدارجة عامية ممزوجة الكلمات بعضها فرنسي، وبعضها انجليزي، وبعضها اسباني، وبعضها أمازيغي، عامية لا علاقة لها بالعلم، ولا بأساليب رقي المجتمع، وكل ذلك لأن هذه اللغة كانت ولا تزال معجزة بفصاحتها تحدى بها المولى عز وجل العرب وغيرهم للإتيان بمثل القرآن فعجزوا.
واليوم نجد من بين المسلمين من يحمل مشعل الجهل ليدعو الأمة إلى اعتماد الدارجة بدل اللغة العربية والمقصود ليس اللغة في حد ذاتها ولكن المقصود هو القرآن الكريم وهو الدين الإسلامي، لأن كل مساس بلغة القرآن هو مساس بدين الإسلام، ومساس بوحدة المسلمين التي حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من التهاون فيها حيث قال: “المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص، يشد بعضه بعضا، وشبك بين أصابعه، وقوله صلى الله عليه وسلم: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر”.
جعلني الله وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب. آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبــة الثانـيـة
أيها المؤمنون، الحديث حول المنافقين وخطرهم على وحدة الأمة يطول، كيف وقد لبسوا اليوم لباس العلمانية، فنسبوا أنفسهم إلى العلم بهتانًا وزورًا، ومصبية المسلمين اليوم أن يوجد فيهم من يكون أُذُنًا لهم، يسمع حديثهم ويصدق أخبارهم وينجرف خلفهم في مقترحاتهم وآرائهم دون أن يشعر، الشيء الذي عابه الله على بعض المسلمين فقال: “وَفِيكُمْ سَمَّـٰعُونَ لَهُمْ”، قال ابن كثير: “أي: مطيعون لهم مستحسنون لحديثهم وكلامهم”، فالحذر الحذر من كيدهم ومخططاتهم وتلقّف سمومهم، فهم يريدون أن يشبعوا شهواتهم ورغباتهم، ولو كان ضحية ذلك هو ضياع الأمة.
يريدون بالأمة أن تسير على ركب الحضارة الغربية بحلوها ومرّها وخيرها وشرها، وعملوا على ذلك بكل ما استطاعوا من تسخير الإعلام والنشر وكل الوسائل التي يسهل بها تمرير أفكارهم ولا يسعنا إلا أن نسأل الله تعالى أن يبصرنا بما يحيكه الأعداء لآمتنا بهدف تمزيق وحدتها وشملها وإبعادها عن طريق ربها القائل: “وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله، ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون”.
الدعاء…