دور علماء المغرب في الحفاظ على ثوابت الأمة عبر التاريخ
الحمد لله القائل في محكم تنزيله من سورة إبراهيم من الآية 27: “يثبت الله الدين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ويضل الله الظالمين، ويفعل الله ما يشاء”.
وأصلي وأسلم على خير الورى في الموقف العظيم سيدنا محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، وعلى آل بيته الطاهرون وصحبه الكرام المحجلين ومن تبعهم باحسان إلى يوم الدين، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
وبعد،
السيد عامل أمير المؤمنين على إقليم أزيلال، السيد المبجل الكريم، نحيي فيكم حضوركم الفعلي لأشغال هذه الندوة الوطنية المنيفة، ورعايتكم الكريمة لضيوفها الكرام.
شيخي وأستاذي في السلوك إلى الله تعالى، حفيد سيدي إبراهيم البصير، شيخ الطريقة البصيرية، سليل الأشراف الركبيين بالصحراء المغربية وبمدرسة بني اعياط العامرة بذكر الله آناء الليل وأطراف النهار لكم منا جزيل الشكر والامتنان على دعوتكم لنا للمشاركة في أشغال هذا اللقاء الوطني الرباني خدمة لثوابت الأمة، التي منذ عرفناكم وأنتم من أشد المنافحين عنها والمدافعين عن حياها، رغم كيد الكائدين وتربص المتربصين، فالله أسأل أن يجازيكم عن العلم والعلماء خير الجزاء.
السادة الفضلاء رؤساء وأعضاء المجالس العلمية المشاركين بمداخلاتهم ومناقشاتهم القيمة من شمال المغرب إلى صحرائه المغربية.
السادة رؤساء المصالح الخارجية الإدارية والأمنية المرافقين للسيد العامل المحترم.
السادة الحضور الكرام من رجال الإعلام ومنتخبين وقيمين دينيين بإقليم أزيلال الحبيب.
إنه لشرف لي كبير، وفرح وحبور أشعر به في أعماق نفسي وأنا أشارك في هذه الندوة الوطنية التي وفق المنظمون لها في اختيار شعار لها “العلماء والزاوية البصيرية في خدمة القضية الوطنية”.
واسمحوا لي أيها السادة الكرام أن أوكد أن اختيار هذا الشعار لم يكن عبثا لسببين:
أولا : أن الزاوية البصيرية ومنذ تأسيسها على يد الشيخ المربي سيدي ابراهيم البصير وهي تكد وتجتهد على تربية وتنشئة وتخريج جيل من المريدين والفقراء المتسلحين بالعلم الشرعي شعارهم في السلوك إلى الله تعالى: الذكر والمذاكرة ولاغرو أن يؤكد أن الزاوية البصيرية قبل أن تشتهر زاوية للتصوف فهي قبل كل شيء مدرسة قرآنية علمية خرجت صفوة من خيرة علماء المغرب.
ثانيا : إن الزاوية البصيرية منذ هجرة مؤسسها من تخوم الصحراء المغربية واستقراره بقلب الأطلس المتوسط ببني اعياط من اقليم أزيلال، وهي تسعى في كل وقت وحين لتؤكد من خلال مواقف وتضحيات رجالاتها تشبتها بالعرش العلوي وحفاظها على البيعة المقدسة لملوك المغرب، فكانت ولا تزال رمزا للوحدة الترابية الوطنية الجامعة بين أبناء العمومة في شمال المغرب ووسطه وقلب صحراءه المغربية.
ولذلك ما تنظيم هذه الندوة الوطنية من طرف هذه الزاوية المجاهدة وعلماء المغرب إلا تتويجا لهذه الميزة التي اختص الله بها آل البصير في خدمة العلم والعلماء والعمل معا لخدمة قضايانا الدينية والوطنية.
أيها الحضور الكرام:
إن طبيعة البحث الأكاديمي في مثل هذا المحور الذي اخترت المشاركة به في هذا العرس الوطني العلمي بعنوان: “دور علماء المغرب في الحفاظ على ثوابت الأمة عبر التاريخ”
تقتضي منا تقسيم هذا الموضوع إلى محاور تالية:
أولا : مدخل عام
ثانيا : مفاهيم محدودة
أ- مفهوم الثوابت
ب- مفهوم إمارة المؤمنين
ت- مفهوم البيعة الشرعية وعلاقتها بإمارة المؤمنين من خلال الرسالة الملكية للمشاركين في ندوة البيعة والخلافة المنظمة بمدينة العيون في : 11/07/1993 م
ثالثا : علماء المغرب الرواد في الحفاظ على ثابت البيعة وإمارة المؤمنين عبر التاريخ.
رابعا : عالمات مغربيات حافظت على ثابت البيعة والجهاد في ظل إمارة المؤمنين.
خامسا : إقتراحات عملية لتفعيل دور العلماء المعاصرين لترسيخ ثوابت الأمة الدينية والوطنية.
أولا : مدخل عام
الخلافة هي الولاية العامة على الأمة الإسلامية لمباشرة شؤونها وإدارة أمرها، وهي الإمارة ورئاسة الدولة الإسلامية.
عرفها ابن خلدون في المقدمة بقوله أنها : ” حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها، إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة…”.
” وهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به”.
وهذا التعريف لا يختلف في جوهره عند جميع المفكرين المسلمين في مختلف العصور، مما يبرز الطابع الإسلامي لفكرة الخلافة، فمنه تنبع، وبهديه تهتدي.
وعن البيعة يقول ابن خلدون أيضا: ” هي العهد على الطاعة، كأن المبايع يعاهد أميره على أنه يسلم له النظر في أمر نفسه وأمور المسلمين، لا ينازعه في شيء من ذلك، ويطيعه فيما يكلفه من أمر”.
وبذلك كانت البيعة خلال التاريخ الإسلامي هي الوسيلة القانونية التي تلجأ إليها الجماعة الإسلامية لتولية الخليفة مقاليد الأمة الدينية والدنيوية.
ولأهمية الخلافة والبيعة عند المسلمين فقد أولاهما الفقهاء والمتكلمون والمفسرون والمحدثون عناية خاصة، وفصلوا القول في تعريفهما وتحديد وتدقيق شروطهما، وواجبات كل من المبايع والمبايع له، والتزاماتهما المشتركة المتبادلة، كما بينوا أيضا أحكام الخلافة ومن يصلح لها وطرق تعيينه وكيفية تنصيبه، باعتبار أن الخليفة يهتم بأمور الدين ويحافظ على أحكام الشريعة ويحمل الناس على تطبيقها.
وقد كانت الأمة المغربية المسلمة وما زالت تهتدي بهدي الإسلام، وتقتفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتستجيب لمن يذكرها ويعظها ويفقهها في شؤون دينها ويرشدها في مجالات حياتها الدينية والاجتماعية والفكرية والاقتصادية والسياسية، على أساس إسلامي رصين ينظم طبيعة العلاقة بين الإمام وبين الرعية، ويدعو إلى احترام من يتولى الحكم والتزاماته، وحقوق الرعية وواجباتها في إطارا لقواعد التي وضعها الشرع لضمان الاستقرار والأمن والاستمرار والاطمئنان والعدل والمساواة والكرامة والحرية والشورى والتوفيق بين مصلحة الفرد والجماعة والدولة.
وبذلك عرفت الأمة المغربية من بين ملوكها نخبة صالحة مصلحة، جمعت من أنواع المعرفة وأنماط التجربة وصفات الإخلاص والوفاء بواجبات البيعة والاجتهاد فيها ما كتبه التاريخ لها في سجل المكارم والمفاخر التي لن تنسى مع تعاقب السنين وتغير الظروف والأحوال.
وفي مقدمة هؤلاء نجد أعلاما من ملوك الدولة العلوية الشريفة تربعوا على عرش المغرب، في عهد كانت فيه الأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها، تودع من تاريخها قرنا من قرون التاريخ الهجري وتستقبل آخر، فاغتنموا هذه المناسبة التاريخية التي تتطلع فيها النفوس والإرادات إلى حياة جديدة وخطط صالحة وتوجهات مفيدة، فكتبوا “رسائل قرنية” على شكل وصايا تعكس اهتماماتهم بصفتهم ملوكا يجتهدون ليكونوا مصلحين مجددين، وعبروا في هذه الرسائل عما يرونه ضروريا لنصح الأمة وإصلاح أحوالها وإرشادها إلى سبل النجاح والتوفيق في حياتها الدينية والدنيوية ونبد كل ما من شأنه أن يقف حائلا بين المسلمين وبين الإقتداء بسلفهم الصالح، في اكتساب المعارف والمعالي وتحقيق المقاصد والمرامي، والإقبال على كل ما يربطهم بجوهر الدين والقيام بواجباته والتحلي بأخلاقه وآدابه، مع ترك البدع والأوهام، لمجابهة المستجدات والتحديات المستقبلية بعزم وإيمان وتفتح، وفي ذلك تحقيق لما تطمح إليه الرعية من خلال البيعة في الوفاء بشروطها الهادفة إلى الإصلاح والإرشاد وتطهير المجتمع.
ثانيا : مفاهيم أساس
مفهوم الثوابت : المراد بالثوابت الإطار الذي استقر عليه العمل بالدين والدنيا، والثوابت تتميز عن غيرها في جزئيات قد تكون لها أهمية بالغة، ويستأنس في تأصيل هذا اللفظ بقوله تعالى: ” يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ويضل الله الظالمين، ويفعل الله ما يشاء” (1).
“يثبت الله الذين آمنوا في الحياة الدنيا وفي الآخرة بكلمة الإيمان المستقرة في الضمائر الثابتة في الفطر المثمرة بالعمل الصالح المتجدد الباقي في الحياة، ويتبتهم بكلمات القرآن، وكلمات الرسول عليه الصلاة والسلام وبوعده للحق بالنصر في الدنيا، والفوز في الآخرة، وكلها كلمات ثابتة صادقة حقة، لا تتخلف ولا تتفرق بها السبل، ولا يمس أصحابها قلق ولا حيرة ولا اضطراب”.(2)
وقد عرف المغرب عبر مساره التاريخي عناية فائقة بالثوابت الدينية والوطنية التي على أساسها تأسست كل الدول التي تعاقبت على حكمه منذ دولة الأدارسة إلى عهد الدولة العلوية الزاهر منذ إنشائها إلى عهد كنف أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس دام عزه ونصره، وقد لخص العلاقة عبد الواحد بن عاشر في رجزه المرسوم بالمرشد المعين على الضروري من علوم الدين ثلاثة ثوابت أساس في الإعتقاد والفقه والسلوك في قوله:
في عقد الأشعري وفقه مالك وفي طريقة الجنيد السالك(3)
فقد اقتضت ممارسة الدين صياغة إطار مرجعي تفصيلي لجماعة معينة، لأن الدين لا يقبل العبث ولا يحتمل غياب اليقين، وإن وقع فيه الاجتهاد ففي داخل ضابط الثوابت المختارة، وفي انسجام مع روحها العامة.
ولعل من أهم الثوابت التي لها علاقة مباشرة بموضوع هذه الندوة العلمية المنيفة حول العلماء والزاويا البصيرية في خدمة القضية الوطنية، ثابت إمارة المؤمنين وهي من أجل الثوابت وأعظمها منزلة لأنها تؤطر الأمرين معا: الدين والعمل، وأصلها في خلاقة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بلغ الرسالة، وعلم الدين وأسس الأمة، وأقام الدولة على أساس البيعة الشرعية بين الراعي والرعية.
فقد لجأ إدريس بن عبد الله إلى المغرب وقد نجا من القتل في موقعة فخ، فكان أول أمير للمؤمنين بويع خارج نطاق الحرب والإنقلاب بعد الخلفاء الراشدين الثلاثة الأول، كانت بيعته اختيارا طوعيا ذكيا متجليا في أربعة مظاهر:
1- أن إمارة المؤمنين أعطاها المغاربة لآل البيت المضطهدين على أساس بناء صرح لدولة سنية.
2- أن إمارة المؤمنين شكلت القطب الذي خلق الإنسجام في ضمير المغاربة بين السياسة والدين.
3- أن إمارة المؤمنين قد شكلت القطب الذي تبلور حوله بناء الدولة في استمرارها، ووحدتها، والمجتمع في تعدده اللغوي والعرقي.
4- أن هذه الإمارة اتخذت صبغة روحية وجدانية، مصدرها التعلق بآل البيت، وهو تعلق خلاق لتعبئة للقضايا الوطنية وعلى رأسها الوحدة الترابية.
ولعل من أهم الركائز التي تنبني عليها إمارة المؤمنين، نظام البيعة، إذ لا يمكن تصور وجود دولة قوية ومستقرة، وشعب آمن، دون أن يكون هناك عدل من أولي الأمر وطاعة من الرعية قال عمر بن الخطاب ري الله عنه “إنه لا إسلام إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمارة، ولا إمارة إلا بطاعة” (4) وهذه الجماعة لا كيان لها إذا كان أفرادها لايربطهم نظام ولا يجمعهم أمير ينظم أحوالهم ويرعى شؤونهم ويحمي بيضتهم .
ولهذا نجد علماء الإسلام يضعون القواعد والمبادئ الكفيلة بتكوين مجتمع متماسك ملتف حول القيادة الرشيدة، ويحثون على لزوم الجماعة وطاعة الإمام، وعدم الخروج على النظام، حتى لا يعيش المجتمع في اضطراب دائم، وفتن تحرم الأمة من الإستقرار السياسي والسلم الإجتماعي، والأمن الداخلي.(5)
لذلك كانت البيعة عند علماء الإسلام الأسلوب الأمثل لتأكيد الطاعة للإمام يقول ابن خلدون :
” البيعة هي العهد على الطاعة، كأن المبايع يعاهد أميره على أن يسلم له النظر في نفسه فيما يكلفه به من الأمور على المنشط والمكره” (6).
وقد بحث العديد من الدارسين نظام البيعة، وعرفوها بتعريفات مختلفة تتفق في المعنى وإن اختلفت في المبنى الذي ذهب إليه إبن خلدون، ومن هذه التعريفات أن البيعة: إعطاء العهد من المبايع على السمع والطاعة للأمير في المنشط والمكره، والعسر واليسر،وعدم منازعة الأمر، وتفويض الأمور إليه(7). وهي في جوهرها عقد وميثاق بين طرفين الأمير الإمام والجمهور(8)، والبيعة بالمفهوم السياسي المعاصر هي إظهار الولاء العام للنظام السياسي الواقع فعلا وعدم الخروج عليه، أو العهد من الأمة على الطاعة لإمامهم.(9)
إن البيعة تشكل إحدى القواعد الأساس التي استمدت منها الملكية مشروعيتها، حيث قال المغفور له الحسن الثاني رحمه الله: ” إن ما نعتز به ونحمد الله عليه، أن نظام الحكم في هذا البلد العزيز تأسس على مبادئ ديننا الإسلامي الحنيف، وقام على قواعده المتينة، مما جعل منه بلدا آمنا بنعم الطمأنينة والإستقرار، وينعم بالأمن والإستمرار، ومن جملة تلك المبادئ وفي مقدمتها البيعة الشرعية والخلافة الإسلامية” (10).
إن نظام الحكم في المغرب من هذا المنظور نابع من التقاء مرجعيتين الأولى دينية، وتعبر عن البعد المقدس لمشروعية الملكية، والثانية مدنينة تعاقدية وهي البيعة التي تعتبر وسيلة للأولى، فالبيعة إذن أخذ وعطاء، حقوق وواجبات.
وفي إطار هذا الترابط الذي يؤسس للمفهوم العميق للبيعة، يتحدث جلالة المغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراه عن الواجبات التي طوقت أمانة البيعة عنقه بها فيقول :” إنها تملي على ملك المغرب الحفاظ على البقاء في مستواها الذي يتطلب التفاني في خدمة الأمة طبقا للقيم الدينية المتضمنة في تلك البيعة وهذا ما يقود الملك أحيانا إلى ممارسة ضرب من التصوف السياسي” (11).
الدينية العظمى وواجباته السامية تجاه دينه ووطنه وشعبه، يقول الباحث مصطفى قلوش ” إن المغرب يعتبر البلد الوحيد الذي احتفظ لرئيس الدولة بأحد الألقاب التي أطلقت على متولي هذه الإمامة العظمى من أجل ربط الماضي بالحاضر، والهدف من الإبقاء على لقب أمير المؤمنين الذي أطلق على الملوك المغاربة عن جدارة واستحقاق ابتداء من الدولة الموحدية، وإلى أن تم تكريسه دستوريا، هو إلتزام الملك باعتباره أمير للمؤمنين بالاستمرار في القيام بواجباته المتعلقة بالشؤون الدينية ” (12)
وبناء عليه فإن علاقة علماء الأمة بالحفاظ على هذا الثابت الأساس من الثوابت المغربية المجتمع عليها هي علاقة تفاعلية تكاملية بين أهل الحل والعقد من العلماء وإمارة المؤمنين، الضامنة لوحدة واستقرار وازدهار الأمة وهذا يدعونا إلى الرجوع إلى تاريخنا التليد لنستجلي الأدوار الطلائعية التي قامت بها مؤسسة العلماء العاملين في ترسيخ أحد أهم ثوابت الأمة.
ثالثا : دور العلماء في الحفاظ على ثوابت الأمة
خلق الله سبحانه أناسا في هذه الدنيا أدوا رسالتهم أحسن أداء، وأبلوا البلاء الحسن بما قاموا به من جلائل الأعمال، وأنبل الخصال، ورفعوا شأن أوطانهم، وأثروا في الأجيال مما كان له جميل الأحدوثة، وجليل الذكر بين الخافقين من بعدهم.
وإن كان هذا النوع من الرجال الأفذاذ لا يرجو ولا يطمع أن تذكر أعماله ولا أن تنشر خصاله، إذ كان لها من صفاء الإخلاص، وصدق النيات ما يسمو بها عن شوائب الرياء وأخيال السمعة الكافية. إنهم العلماء ورثة الأنبياء(13) كما أن العالم لأجياله في مرتبة الأب الوالد، لأنه يربي ويعلم ويقوم ويخاطب القلوب والأرواح والضمائر فينعكس الأثر المحمود على السلوك والجوارح، وتلك منقبة تفوق حنان الأبوة وتنم عن معدن السخاء والفتوة، والعلم من جنس الجهاد في كل بقعة وبلاد، إذ المجاهد يكافح بسلاحه وماله، والعالم يجاهد بقلمه ولسانه ومواقفه الثابتة إزاء ثوابت بلده.
ولنا في تاريخ المغرب القائم بإمارة المؤمنين وعلمائه أهل الولاية رضي الله عنهم من الأمثلة على لطف الله بهذه الأمة ودرء الفتن عنها بهم قدس أسرارهم.
ولعل التاريخ لا يغفل أبدا ما قام به المولى القاسم من مولى إدريس الأزهر حيث يذكر ابن أبي زرع في روض القرطاس أنه لما اشتعل فتيل الفتنة بين سيدي يحيى بن المولى إدريس الخارج عن طاعة أخيه الأمير مولاي محمد أخاهم المولى عمر لقطع دابر فتنة أخيه يحيى، تنازل المولى القاسم عن ولاية طنجة درءا للفتنة ولم يحارب إخوته ولم يقاتلهم وبنى مسجدا على شاطئ المحيط تعبد فيه إلى أن لقي الله عز وجل وفي رقبته أمير الوقت لم يخلعها ولم يشارك في المؤامرة عليه دقنا للدماء وحفاظا على وحدة الأمة واستقرارها الأمني.
ثم إن سيدنا المولى عبد السلام بن مشيش رضي الله عنه كان السباق إلى قطع دابر فتنة إدريس المامون الموحدي حيين استعان بالنصارى القشتاليين لمنازلة أخيه يحيى وخلق فتنة كبرى عمت البلاد أهلكت الزرع والضرع وقد أدى هذا العالم ثمن موقفه هذا شهادة في سبيل الله إذ قتله النصارى كما يذكر المؤرخ التطواني محمد عزوز حكيم الذي أبرز الدور الذي لعبه هذا القطب الكبير في دفع فتيل الفتنة وفاء لعهد البيعة الذي في عنقه للأمير يحيى الموحدي أمير الجهاد ضد المستوطن الإبيري.
ومن الأمثلة الواقعية لعلماء المغرب في الحفاظ على ثوابت الأمة، موقف محتسب الصوفية الإمام أبي العباس أحمد زروق الفاسي الذي وقف بجانب شيخه الإمام القوري بفاس حينما أغرى خطيب جامع القروين الشيخ عبد العزيز بن موسى الورياغلي عامة المدينة بسلطانها ويهودها، ولما كان القروي متصورا لخطة الإفتاء فقد قصده الناس ليسلمهم فتوى تبيح لهم خلع السلطان عبد الحق المريني ونقض ذمة اليهود، فأبى لعدم موجب شرعي لذلك ولتعلقه ببيعة سلطانه، وقد أصاب الشيخ زروق كما أصاب شيخه من شرور هذه الفتنة الكثير.
كانت سببا في هجرته فاس لمدة سبع سنين إلى مصر، حيث ألف بجامع الأزهر كتاب ” النصيحة الكافية لمن خصه الله بالعافية ” سنة 877 هـ الذي استقبله بالقبول الصوفية والفقهاء على حد سواء وكان محل عناية في العهود اللاحقة في مجالس الدرس وفي الإجازة، وفي الإسناد وفي الشرح، وفي الاستشهاد به، والنقل منه بفضل ما تميز به من حيث موضوعه وهو النصيحة الشاملة لله ولرسوله ولكاتبه ولعامة المسلمين وخاصتهم وما يتعلق بذلك من إرشادات ونصائح للسلوك الفردي للمسلم لتكون عونا له على التمييز بين الصحيح والمستقيم من المعاملات، وقد خصص جانبا مهما في كتابه هذا في الحث على طاعة أولي الأمر وعدم الخروج عليهم والاعتقاد في آل البيت والحرص على محبتهم وتكريمه، والتصديق للعلماء، فاستطاع أن يرتقي بقارئه إلى مستوى الكمال الخلقي الذي يجعله ينأى بنفسه عن مواطن الشبهات والانغماس في مهالك الفتن.
ومن العلماء الأولياء الذين ساهموا بمواقفهم في حماية ثوابت الأمة البدل الشهير سيدي رحال الكوش دفين مدينة قلعة السراغنة السلطانين أحمد بن أحمد السعدي وأحمد الو طاسي قرب زاويته، حيث عاد السعدي إلى مراكش والو طاسي إلى فاس دون تراق قطرة دم واحدة. وهذا الموقف يذكرنا بموقف العارف بالله، الشيخ المربي سيدي محمد بن ناصر الدرعي حين بقي متشبثا ببيعة السلطان مولانا إسماعيل رغم فتنة ابن مصوز الذي شق عصى الطاعة وأراد أن يستقل بالجنوب المغربي، ويفصله عن وطنه الأم، ورغم العلاقة العلمية والروحية التي كانت تجمع بين الإمام الناصري وابن مجوز زعيم الفتنة فإن الشيخ الناصري رجح الأصوة الأقوى التي تربطه بالسلطان بعقد البيعة باعتباره أميرا للمؤمنين قائلا ” ونحن نحبك أحبك الله، ونحن استقامتكم على سيرة جدك المصطفى عليه الصلاة والسلام وندعو لك بالتوفيق والنصر والتأييد”.
وما دامت المناسبة شرط ونحن في هذه الندوة المباركة نناقش قضية مصيرية من قضايا وطننا الحبيب ودور العلماء في الدود عن حماها وهي قضية الصحراء المغربية اسمحوا لي أيها الأفاضل أن انتقل بحضراتكم إلى بستان يانع بالمواقف الرجولية لعلماء الصحراء المغربية فنقطف لكم زهرة يانعة من زهراته الكثيرة والمتنوعة. إنه الشيخ محمد المصطفى ماء العينين بن الشيخ محمد فاضل بن محمد الأمين الملقب بمامين، المتوفى سنة 1910 م مؤسس مدينة السمارة العاصمة العلمية للصحراء المغربية، ودفين مدينة تزنيت من أرض سوس العالمة، الذي يتفق الدارسون لشخصيته عن الحضوة الكبرى والتأثير القوي الذي حضي به عند من عاصرهم من سلاطين الدوحة العلوية الشريفة من عهد السلطان عبد الرحمان بن هشام إلى سيدي محمد بن عبد الرحمان، فعهد السلطان الحسن الأول ثم عهد ابنه المولى عبد العزيز ثم أخيرا عهد السلطان مولاي عبد الحفيظ.
فقد احتضن الملوك العلويين الحركة المعينية منذ بدايتها لما كان يربط بين الشيخ ماء العينين وهؤلاء الملوك الشرفاء من آواصر البيعة والطاعة والولاء فكان من خدام العرش العلوي الأوفياء.
وقد نظر الشيخ ماء العينين لعلاقة العلماء بأولي الأمر من الأمراء والسلاطين في مختلف تواليفه لعل من أبرز كتاب نعت البدايات وتوصيف النهايات الذي بعد أن فصل الحديث فيه عن آداب الشيخ المرشد مع العلماء، وما يجب في حقهم من التكريم والتبجيل، انتقل للحديث عن آداب الشيخ مع أولي الأمر من حكام المسلمين الذين يوجب الشرع الحكيم طاعتهم، وعدم الخروج عليهم لأن “السلطان ظل الله” والأدب معه يورث الأمان(14). ويستشهد هنا بما ذكره صاحب روح البيان في ضرورة طاعة العلماء لولاة الأمر من الأمراء المتصفون بالعدل والإنصاف والاستقامة (15)ولذلك فهو يدعو إلى ضرورة الوحدة ولم الصف وعدم الإنقلاب على الحكام والولاة، حفاظا على مصلحة الرعية التي تحتاج إلى الأمن والطمأنينة والاستقرار أكثر من حاجتها إلى العدل والطعام(16).
وهذا هو الموقف السياسي الذي سيعلنه الشيخ ماء العينين بكل وضوح في كتابه الذي ألفه نعت البدايات وهو كتاب: فاتق الرتق على راتق الفتق الذي يعبر عن الواقع الثقافي والسياسي الذي كان يعيشه المغرب في تلك المرحلة الحرجة من تاريخه حيث اشتدت الأطماع الأجنبية التي كانت تسعى بمكائدها الظاهرة والباطنة لنشر الفتنة الطائفية والمتهيبة والعصبية بين فتات المجتمع المغربي، مما يتطلب معه من أهل الحل والعقد من علماء الشريعة والحقيقة، الحرص على وحدة الأمة وإن تطلب ذلك بعض التنازلات تحقيقا لمقاصد الشريعة في حفظ الدين والنفس والنسل والعقل والمال، ولن يتم ذلك إلا بوجود سلطة مركزية قوية يساندها العلماء لما يتشعون به من نفوذ روحي وعلمي في قلوب وعقول تلامذتهم ومريديهم، وهذا ما يؤكده الشيخ ماء العينين بقوله : ” واعلم أن من ولي شيئا من أمور المسلمين وجب الصبر تحت لوائه وإن جار وعمل الكبائر، ولايجوز الخروج عن الولاة… وأنشد السلفي مرغما في طاعة السلطان:
عليك بطاعة السلطان سرا وجهرا ما بتيت مدى الزمان
فطاعة من لم أمر ونهى أمان في أمان في أمان
ولا تعبأ بذي سفه وطيش وضيع قد يمنيك الأماني
فإن صلح الأمير وعدا زاد فضله وتضاعف أجره، ويروى “أسد حطوم خير من وال ظلوم ووال ظلوم خير من فتنة تدوم” (17)
وهذا الموقف السياسي للشيخ ماء العينين المتسم بالوسيطة والاعتدال يؤكد لنا أن الحركة المعينية وعلماء الصحراء عموما كانوا أشد حرصا على الحفاظ على ثوابت الأمة وعلى رأسها الحرص على الوحدة ولم الشمل فهي كانت تناهض الظلم والطغيان من أجل تحقيق مقاصد العدالة لكن بطرق سلمية بعيدة عن كل أشكال العنف والفلو والتطرف، وبفضل هذه السياسة المعتدلة نجحت الحركة العلمية في الصحراء المغربية في إعادة ترتيب العلاقة المتصدعة أحيانا بين الدولة والقبائل، وتثبيت السلم الاجتماعي الأسري عن طريق إصلاح ذات البين بين القبائل الصحراوية بل إن الشيخ ماء العينين كما في حروبها الدائمة تؤكد ذلك المصادر التي ترجمت له ولحركته كان يعمد أحيانا إلى مقاطعة القبائل الجائرة وقد تمكن بفضل هذه السياسة الوحدوية من تسوية
الصراعات القبلية وتقليص النزاعات الهامشية وقد ساعده في ذلك علاقته المتميزة من سلاطين الدولة العلوية الذين استطاع بحكمته ضمان احترامهم وتقديرهم وتعيينهم ممثلا لهم في المنطقة الخلفية من الصحراء المغربية فأمسى وكيلهم في نقل توجيهاتهم وأوامرهم إلى قبائلها فهو صورة الممثل الشرعي للمخزن المغربي بالصحراء المغربية الذي اختار العمل والتحرك في إطار الشرعية عن طريق عقد البيعة الذي عقده مع ملوك الدولة العلوية الشريفة وقضى نحبه وهو وفي ماتزم بهذا العهد المقدس رغم دوائر الزمن وظروفه الصعبة ونوائبه الشداد.
وحديثنا عن الشيخ ماء العينين ودوره في ترسيخ الثوابت المغربية يفرض علينا بالضرورة الختم بمسك فواح يفوح أريجه أرجاء الأرض كلما ذكر إسمه إنه العالم المجاهد القطب الرباني الذي نتشرف اليوم بالإستجابة لدعوة أحفاده المنظمين لهذا اللقاء العلمي المبارك إنه الولي المربي المؤسس لزاوية الذكر والمذاكرة سيدي ابراهيم البصير، مؤسس زاوية بني اعياط بتادلة العالمة والذي يقول فيه العلامة محمد المختار السوسي رحمه الله: “إنه إن كان لكل آل البصير شفوف في أعصارهم فإن له عليهم شفةفا كبيرا بما تأتى له من شهرة كبيرة، متسعة الهالة، مستفيضة الأحاديث، فياضة الأخلاق والكرم” (18)
فقد أثبت المصادر والدراسات التي تناولت حياة هذا العالم العامل المجاهد أنه أسس زاويته على الوفاء والإلتزام بعقد البيعة التي تعاهد عليه أجداده في الصحراء، وجددها بمواقفه المبدئية من سلاطين الدولة العلوية الشريفة حيث كان دائما يدعو إلى السمع والطاعة للسلطان، وبنذ الفرقة، وعدم طاعة أصحاب الرياسات الوهمية الذين فرقوا الأمة قددا (19).
ويؤكد الدارسون لسيرته العطرة أن علاقته الإلتزامية بالعهد العلوي تعود إلى مرحلة مبكرة من حياته حيث كان يقوم بزيارات خاصة إلى السلاطين أو تجمعه بهم اللقاءات المفاجئة، من ذلك لقاؤه بالسلطان المولى الحسن الأول سنة 1303 هـ حينما زار واد نون فاتصل به في بونعمان وطلب منه الدعاء، وتكررت لقاءاته بالسلاطين العلويين رفقة شيخه الشيخ ماء العينين أثناء زياراته المتكررة للسلطان، حيث جاء في المعسول أنه في سنة 1318 هـ مر الشيخ ماء العينين في طريقه إلى مراكش بموضع عمرانة فجاء الشيخ سيدي ابراهيم البصير للسلام عليه فطلب منه الشيخ ماء العينين مرافقته إلى مراكش فلبى طلبه وسافر معه، وكان الشيخ ماء العينين يبالغ في إكرامه ويحضره معه إلى مجلس السلطان فيقف حيث يتحدث الشيخ والسلطان (20)
ويعلق الباحث الشاب الدكتور كريم الجيلالي على هذه العلاقة بين الشيخ سيدي ابراهيم البصير والعرش العلوي المجيد ” أن ابراهيم البصير كان من خدام الدولة العلوية مثل شيخه ماء العينين، وأن علاقة زاويته بالعلويين ظلت منذ تأسيسها إلأى يومنا هذا علاقة : ولاء وطاعة ولا أدل على ذلك من الظهائر الملكية الشريفة التي أنعم بها ملوك الدولة على هذه الزاوية (21)
واستمرت مسيرة علماء الزاوية البصيرية في الدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة المغربية، ومعانقة قضايا الشعب المغربي المصيرية متوسلين بمختلف الوسائل العلمية والفكرية والثقافية والروحية والإعلامية في شحذ الهمم، وإنارة النفوس للوقوف صفا واحدا ضد جميع التحديات التي تعترض سبيل تحقيق الوحدة ولم الشمل بين أفراد ومريدي أهل البصير في شمال المغرب وجنوبه وفي غربه وشرقه وماهذه الندوات العلمية التي تحتضنها الزاوية البصيرية في عهد شيخها الشاب المجدد مولاي اسماعيل بصير بارك الله مدته، والتي تنظم تحت الرعاية السامية لأمير المؤمنين صاحب الجلالى الملك محمد السادس نصره الله إلا دليل قاطع على وفاء هذه الأسرة العلمية لعهد البيعة المقدس، والإلتزام بقضية الصحراء المغربية، مستغلة كل المناسبات الدينية والوطنية للتعبئة الشاملة خدمة لهذه القضية المغربية المقدسة الثابتة من ثوابت الأمة.
رابعا : دور المرأة العالمة في ترسيخ الثوابت المغربية :
من القيم التي ترتبط بالجذور التاريخية للمغاربة نساء ورجالا، وتسم هويتهم، وتطبع تاريخهم في مختلف حقبه، التحلي بروح الوطنية المرتكزة على حب الوطن والولاء لإمارة المؤمنين، والتفاني في الدفاع عن البيعة المقدسة، وافتدائها بالروح والكيان.
ومن الإضاءات المشرقة في تاريخنا المشاركة الفعالة للمرأة المغربية في حماية الثوابت الدينية والوطنية.
وقد برزت بعد الفتح الإسلامي لبلاد المغرب أسماء عالمات استطاعت أن تتبوأ مكاتنة متميزة في الدفاع عن الدين والوطن، نذكر على سبيل المثل لا الحصر المرأة الي كان لها شرف قتل أول جندي صليبي دخل سبتة حين تعرضت هذه المدينة سنة 1415 م لهجوم قامت به الحملة الصليبية البرتغالية الأولى (22)
وتعد السيدة الحرة بنت الأمير مولاي علي بن راشد التي حكمت تطوان لمدة 15 سنة (سنة 1525 م–1542 م) على رأس قائمة النساء العالمات المجاهدات حيث كان لها أسطول بمرسى مرتيل يتولى الجهاد البحري في حوض غربي البحر الأبيض المتوسط وبوغاز جبل طارق (23)
ومن العالمات والشاعرات الأمازيغيات نستحضر هرة حسين نايت بنهكو التي أرخت لمقاومة أيت عطا واصفة لمعركة أيت بووكامز التي استشهد فيها زوجها، وعبرت عن رفضها للإستعمار الدخيل، وتشبتها برمز المقاومة أمير المؤمنين محمد بن يوسف طيب الله تراه. إلى جانب العالمة زينة احماد تاوريرت أيت امزيل التي عبرت في شعرها ونترها عن رفضها لتوقف المقاومة المسلحة سنة 1934 م، وقصائدها هجاء لاذع للرجال المتقاعدين عن الجهاد المستسلمين للكفرة المعتدين، المخالفين لبيعة أمير الجهاد أمير المؤمنين.(24)
وقد واصلت المرأة الصحراوية العالمة بكل شهامة معركة الحفاظ على ثوابت الأمة المغربية، وسقطت منهن شهيدات في معركة الكرامة من بينهن : أم الفضل ماء العينين من العيون سنة 1957 م، والدولة بنت على من الساقية الحمراء سنة 1958 من الشرفاء الركيبات. وحين دعا أمير المؤمنين الحسن الثاني طيب الله تراه المغاربة للمشاركة في المسيرة الخضراء لتحرير الصحراء المغربية سلميا سنة 1975 م لبت المرأة الصحراوية النداء الوطني ولازالت حتى اليوم تواصل القيام بواجبها في الحفاظ على الوحدة الترابية للمملكة المغربية لأنها تؤمن إيمانا راسخا بأن الصحراء مغربية وليس لها استعداد للتخلي ولو عن شبر من ترابها النقي وذرة من رمالها الزكية الطاهرة.
ومن النساء العالمات اللواتي حافظن عن ولائهن لثوابت الأمة نذكر كذلك.
مريم بنت سالم الحدرامي التي ازدادت بشنقيط سنة 1933 م والتي انضمت إلى خلية “فرقة مبارة علي بويا” وكانت مكلفة بنظافة أعضاء الفرقة وبالإخبار عن أماكن المستعمر وتنقلاته في الصحراء المغربية.
والسيدة العالمة الفاضلة الشريفة المساجر عائشة بنت محمد ازدادت بأيت باعمران بمنطقة اصبويا سنة 1937 م كانت ضمن خلية القيادة العليا لجيش التحرير بقيادة رئيسها العلم الفقيه زوجها إدريس الحارثي، والتي استشهدت إثر مشاركتها في معركة بوجريف بين الجيش الإسباني وجيش التحرير بالجنوب المغربي.
وأخيرا وليس آخرا نذكر من العالمات المنافحات عن وحدة الوطن وثوابته السيدة الشريفة فاطنة بنت أحمد بن محمد فال، ازدادت بمدينة سيدي إفني من قبائل أيت باعمران، كانت عضوة في جيش التحرير بالصحراء، كانت حافظة لكتاب الله تعلم الصبيان القرآن، وتعلم المجاهدين آيات الجهاد وأحكامه، استشهدت رحمها الله إثر إصابتها برصاصة أُناء معركة أسكا تاركا وشاي بقيادة قبائل أيت باعمران ضد الإستعمار الإسباني.
ونختم بذمر العلمة بالله، البتول بنت امبارك بن أزليف التي ازدادت بتاولين من قبائل أيت باعمران سنة 1927 والتي انضمت لخلية جيش التحرير بالصحراء، شاركت في معركة تالوين واستشهدت وهي تحمل السبحة في يدها والمؤوتة والدخيرة للمجاهدين(25)
خامسا: اقتراحات
وفي الختام إسمحوا لي أيها السادة الأفاضل أن أختم مداخلتي المتواضعة هته ببعض الاقتراحات التي يمكن تفعيلها إجرائيا على أرض الواقع حتى يؤتي هذا المجهود المشكور أكله بعد حين بإذن ربه ، وألخصها في الاقتراحات التالية:
1- على العلماء العمل الجاد على تقريب وتقرير مفهوم البيعة وإمارة المؤمنين بأساليب معاصرة مقنعة دون لبس أو تأويل.
2- وضع ترجمة وافية للعلماء الملتزمين بثوابت الأمة عبر التاريخ والمشاركين في المسيرة الخضراء وتحقيق تراثهم العلمي حول ثوابت الأمة المغربية.
3- مبادرة العلماء ذاتيا لإبداع طرق حديثة للم شمل الأمة متسلحين بما حباهم الله به من زاد روحي وشفوف علمي لإقناع جيل الشباب بعدالة قضيتنا الوطنية وعدم انتظار الإشارة للتحرك تأكيدا للخطاب الملكي السامي الأخير لصاحب الجلالة أمير المؤمنين محمد السادس نصره الله ، وتنفيذ أمره المطاع كما حدت في ذلك الزاوية البصيرية والعلماء في استجابتهم التلقائية لهذا المبدأ الملكي السامي.
4- وضع برنامج متكامل واضح المعالم لتأطير الجالية المغربية بتحصينها في العقيدة والسلوك والانتماء الروحي والعاطفي والعقلي لهذا الوطن. وجعلهم سفراء متحركين في بلدان المهجر مدافعين عن حقوق المغرب التاريخية والواقعية في صحرائه المغربية.
—————-
(1) سورة ابراهيم، الآية 27
(2) في ظلال القرآن، سيد قطب، دار الشروق، الطبعة 24-1995ج 4ص 2099
(3) المرشد المعين، عبد الواحد بن عاشر، دار الرشاد، البيضاء 1990م ص 3.
(4) النظام السياسي في الإسلام د/ محمد عبد القادر أبو فارس-بيروت 1984 ص 67
(5) المصدر نفسه ص 68
(6) مقدمة ابن خلدون، طبعة دار الفكر (د.ت) ص 209
(7) النظام السياسي في الإسلام ص 229
(8) نظام الإسلام- الحكم والدولة، محمد المبارك، دار الفكر 1981 ص 30
(9) البيعة في النظام السياسي الإسلامي وتطبيقاتها في الحياة السياسية المعاصرة، أحمد صديق عبد الرحمان، القاهرة 1988 ص 35.
(10) الرسالة الملكية إلى المشاركين في ندوة البيعة والخلافة في الإسلام بالعيون في 19 يوليوز 1993 انبعاث أمة عدد 39 ص 292
(11) انبعاث أمة عدد 38 – 1990 ص 268.
(12) النظام الدستوري المغربي، المؤسسة الملكية طبعة 1996 ص 24
(13) اقتباس من حديث: “العلماء ورثة الأنبياء” أخرجه أبو داود والترمدي ورمز له الأباني بالصحة في سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم 1073 ج 3 ص 223 .
(14) نعت البدايات وتوصيف النهايات للشيخ ماء العينين : تحقيق ودراسة عبد الهادي السبيويأطروحة لنيل الدكتورا كلية الأداب والعلوم الإنسانية بنمسيك السنة الجامعية 2011-2012 ص 115
(15) نعت البدايات ص 116
(16) نعت البدايات 177.
(17) فاتق الرتق على راتق الفتق (ص 190).
(18) المعسول ج 12 ص 109
(19) الإغتباط بزاوية آل البصير ببني اعياط محمد امصطفى بصير ص 261.
(20) المعسول ج 12 ص 115
(21) زاوية أهل البصير بتادلة. رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة السنة الجامعية 2004-2005 مرقوثة بكلية الآداب بالجديدة ص 227
(22) المرأة المغربية المجاهدة ودورها في الدفاع عن حوزة الوطن ذ/ محمد ابن عزوز حكيم منشورات جمعية السيدة الحرة، تطوان 2007 ص 26
(23) المصدر نفسه ص 46
(24) شاعرات المقاومة المسلحة في الجنوب المغربي، ضمن ندوة دور المرأة المغربية في ملحمة الإستقلال والوحدة، منشورات المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير 2004 ص 22.
(25) لمزيد من التفاصيل عن هؤلاء العالمات المجاهدات. انظر كتاب : المرأة المغربية في ملحمة الاستقلال والوحدة، تراجم عن حياة المرأة المقاومة بالشمال والجنوب المغربي، نشر المندوبية السامية للمقاومين وأعضاء جيش التحرير، الرباط وما بعدها 2004 ج 3 ص 4 ومابعدها.