وحدة الأمة سبيل الرشاد
الحمد لله العزيز الحكيم، يؤيد بنصره القائمين بطاعته ومرضاته، ويخذل الباغين الخارجين على صراطه وسلطانه، وهو القائل في محكم كتابه: (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز)، نحمده سبحانه وتعالى على فضله وإحسانه، ونشكره تعالى على ما من به علينا من جوده وكرمه،
ونشهد أنه الله الذي لا إله غيره، ولا معبود بحق سواه، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ومصطفاه من خلقه وخليله، جمع الله به الكلمة ووحد به الأمة، فكان خير رسول أرسل إلى الناس كافة، بشيرا ونذيرا، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم لقائه.
أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون. إن أمتنا الإسلامية أمة واحدة بشهادة القرآن الذي يقول: (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون)، أمة ذات تاريخ طويل عتيد، حافل بمواقف البطولات ومواطن الكفاح المجيد، بعد أن مر عليها حين من الدهر كانت فيه عبارة عن فرق وشيع وقبائل ممزقة الأشلاء، ضعيفة البناء، لا تجتمع على كلمة سواء ولا تربط بين أجزائها عقيدة رب الأرض والسماء، ولا غاية لها إلا التناحر واتباع الأهواء.
ثم هبت عليها نفحة من نفحات الله بواسطة بعثة خير البرية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي كان سببا في إخراجها من ظلمات الجاهلية إلى نور الإيمان، فجمع شتاتها، ووحد كلمتها، وألف بين قلوبها بإذن ربها، فجنت أطيب الثمرات بواسطة وحدتها واتحادها وتماسكها مع بعضها، وأدركت عمليا بعد أن آمنت بربها أن الوحدة سبيل الرشاد، وأن التماسك قوة تدرأ الفساد، وأن الفرقة ضعف وهوان وإبعاد، وأنه ما من شدة تعرضت لها إلا كان لها منفذ من بين الإختلاف والإنقسام والإعراض عن ذكر الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول: “عليكم بالجماعة فإن الذئب لا يأكل من الشاة إلا القاصية”، ولذلك كان هم أعدائها الدخلاء عليها أن يتبعوا معها سياسة “فرق تسد”،
وما زال هؤلاء الأعداء المتنوعون المنبتون في أرجاء المعمور يتربصون بها الدوائر عن يمين وشمال، وهم لا يغيضهم ويقض مضاجعهم شيء إلا أن يروا هذه الأمة متآلفة متماسكة متناصحة متعاونة يشد بعضها بعضا كالبنيان المرصوص، ولا يسرهم ويطمئن قلوبهم شيء إلا أن يروها متفرقة متمزقة متنازعة متخاذلة قال تعالى: (إن تمسسكم حسنة تسؤهم، وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها)،
لأنهم حين يرون ائتلافها واتحاد كلمتها لا يستطيعون أن ينالوا منها منالا، أو يكيدوا لها كيدا، ولكنهم حينما يتفرقون ويتمزقون ويخرج بعضهم عنهم، ويوالي بعضهم أعداء الله وأعداءهم الطامعين في اختلافهم، يجدون الثغرات التي ينفذون منها إلى مآربهم الخسيسة الخبيثة التي يسعون إليها بكل ما أوتوا من حيلة، والله تعالى يقول: (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم)، كما يقول عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء، تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم).
ومن أجل ذلك أرسل الله سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم ليكون نبي الوحدة والتوحيد، فيثبت كلمة التوحيد، ويحقق توحيد الكلمة، وقال في محكم كتابه: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا)، وقال: (وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم، واصبروا إن الله مع الصابرين).
كما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أتباعه أن يكونوا يدا واحدة وقلبا واحدا في كل مادياتهم ومعنوياتهم، وفي حركاتهم وسكناتهم، حتى لا يمكنوا أعداءهم منهم، ويفتحوا للشيطان بابا للسيطرة على الضعفاء بينهم، فقد روي أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا في أول أمرهم إذا نزلوا منزلا تفرقوا في الشعاب والأودية، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن تفرقكم هذا من الشيطان”، فصاروا لا ينزلون منزلا إلا انضم بعضهم إلى بعض حتى قيل لو بسط عليهم ثوب لعمهم جميعا.
واعلموا إخواني أنه ليس من أخلاق الأمة المؤمنة بربها المعتزة بقرآنها وسنة نبيها المحبة لدينها الحريصة على وحدتها وتوحيدها أن يشد فيها شاذ أو ينحرف عنها منحرف، أو تخرج منها طائفة على جماعتها وكتلتها، وإن من واجب المسلم أينما كان موقعه أن يعد نفسه لبنة في بناء، وجزءا من كل، مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم: “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا”، وواجبه أن يسمع ويطيع في الشدة والرخاء وفي الرضا والغضب، ما دام غير مأمور بمعصية الله، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، روي عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: “بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وعلى أثرة علينا – أي ولو آثروا غيرنا علينا-، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول الحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم.”
فاللهم ألف بين قلوب عبادك المسلمين، واجمع كلمتهم على الحق ونصرة الدين. جعلني الله وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب. آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبــة الثانـيـة
اتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون، واعلموا أن الأمة الواعية العاقلة البصيرة بمسالك الرشاد وسبل السلام، التي تريد لنفسها السعادة والسيادة، في هذه الحياة، هي التي يحرص أبناؤها والمسؤولون عنها حرصا شديدا على رأب الصدع إذا ثلم، ولم الشمل إذا تعرض للتفرق، وإن الوحدة هي درع المسلمين الواقي مما تقع فيه الأمة من النكبات هنا وهناك بواسطة المؤامرات المدبرة من طرف الصهيونية العالمية، المبغضة للسلم والسلام والإستقرار، (وآخرون من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم)، وكل عدو من هؤلاء الأعداء لا يجد ثغرة يصل منها إلى قلب الأمة إلا إذا تفرقت الصفوف، وتمزقت الجماعات، وضعفت الهمم، واشتغلنا بالدنيا وحب الذات، وكرهنا الموت في سبيل الحياة،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم محذرا أمته مما يقع للمسلمين في معظم قارات الدنيا اليوم: “يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على القصعة، قالوا أمن قلة نحن يا رسول الله؟، قال: بل أنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ينزع الله المهابة منكم من قلوب أعدائكم ويقذف في قلوبكم الوهن، قالوا : وما الوهن يا رسول الله؟، قال: حب الدنيا وكراهية الموت.”، وقال صلى الله عليه وسلم: “يد الله مع الجماعة، ومن شد شد في النار.”.
لقد حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجماعة، كما حذر من التفرقة فقال: “عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الإثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة.”، وقال: “من فارق الجماعة قيد شبر خلع ربقة الإسلام من عنقه.”، وقال: “من فارق الجماعة شبرا فمات مات ميتة جاهلية.”.
الدعاء.