الدبلوماسية الموازية في قضية الصحراء (الأدوار الرهانات الكبرى)

شكلت سنة 1956، انخراط المغرب المستقل في الدبلوماسية العالمية، لكن هذا لا ينفي أن الدولة المغربية منذ عهد الأدارسة كانت تربطها علاقات بدول الجوار وببعض دول العالم، يمكن إدخالها  في خانة العلاقات والأعراف الدبلوماسية.

وحاولت الدولة الحديثة العهد بالاستقلال، أن تضع أسسا وضوابط لسياساتها الخارجية تتماشى مع تطلعاتها وانتظاراتها في تأسيس سياسة خارجية تعكس استقلاليتها في اتخاذ القرار، وسيادتها على كامل ترابها الوطني، ولهذا وضعت ثوابت، تتمثل بالأساس في الحفاظ على وحدة الوطن، والدفاع عن حوزته الترابية، والذود عن هويته الدينية، وتوطيد أواصر الانتماءات العربية والإسلامية، تجسيدا للروابط الروحية والثقافية والتاريخية بعمقها العربي الإسلامي والإفريقي (1).
وتنامى بمرور الوقت، الحضور الأوربي في العلاقات الخارجية المغربية، خاصة في الأمور ذات الطبيعة السياسية والاقتصادية والعسكرية، وشكلت أوربا الغربية، الوجهة المفضلة للمغرب، الذي بدا متأثرا بالديمقراطيات التي بدأت تتجذر في هذه الدول، وذات  النفوذ الاقتصادي المتوسع، مستفيدا من الطفرة الصناعية والمالية لهذه الدول (2).
وبالتالي، فإن الدبلوماسية المغربية عملت على اتجاهين، الأول توجه بقوة نحو تكثيف الفعل الدبلوماسي باتجاه القطب الغربي، والثاني عمد إلى مد جسور التعاون مع دول الاعتدال الإفريقي والعالم العربي، لكونهما يشكلان عمقا استراتيجيا مهما له، الأول ذو بعد جغرافي، والثاني ذو بعد عقائدي وعرقي وتاريخي(3).
وتجدر الإشارة إلى أن الوضع الجغرافي الذي يوجد عليه المغرب في منطقة شمال غرب إفريقيا، وتواجده أيضا بالضفة الجنوبية للمتوسط، ووجهتين بحريتين، إحداهما متوسطية، وأخرى أطلسية، هذا الموقع الجيواستراتيجي الهام، جعل منه بوابة أوربا نحو أفريقيا جنوب الصحراء، بالإضافة إلى كونه معبرا لإفريقيا نحو القارة العجوز. هذا الموقع الجغرافي، جعل من المغرب شريكا لا محيد عنه في علاقة شمال جنوب، خاصة  في مواضيع متعلقة بالشراكة الاقتصادية والمالية، وأيضا بمحاربة العنف والتصدي للإرهاب وإشاعة السلم في المنطقة المتوسطية، بالإضافة إلى معالجة ملفات كالهجرة واللجوء، وهنا يظهر الدور المتعاظم للجغرافيا. وفي هذا السياق يقول “بسمارك” : “إن التاريخ يتكون من عناصر عدة منها ما يتغير في نوعه وحجمه، لكن هناك شيء أساسي لا يتغير في التاريخ هو الجغرافيا” )4(.
راكم المغرب خلال مسيرة خمسة عقود من العمل الدبلوماسي، تجربة، ميزتها الأساسية أنها تتأسس على قاعدة محورية، وهي التغيير في ظل الاستمرارية داخل السياسة الخارجية المغربية، إلا أن هذا التغيير لا يمس الثوابت، وقد تتطلب المصلحة أحيانا  إحداث تغيير في سلم  أولويات السياسة الخارجية (5).
وحري بالذكر، أن مفهوم السياسة الخارجية والحقل الدبلوماسي، ظهر في الغرب رغم صبغته التاريخية القديمة، إلى أن أصبح الآن أكثر شيوعا وتداولا، نظرا للأدوار الجديدة التي أصبحت تلعبها العلاقات الخارجية بين الدول من خلال تعزيز العلاقات وتبادل المنافع والمصالح، ناهيك عن الرهانات الكبرى التي أصبحت ملقاة على عاتق المنظمات والهيئات الحكومية والقطاع الخاص والإعلام، في خلق أجواء التقارب والتعاون الدولي والدفاع عن مصالح الأفراد والأمم.

الإطار المفاهيمي للفعل الخارجي والدبلوماسي
أ- السياسة الخارجية
عادة ما تعرف السياسة الخارجية بأنها تحرك الدولة اتجاه العالم الخارجي، سواء اتخذ هذا التحرك مظهرا أساسيا أو اقتصاديا أو عسكريا، على ضوء الفلسفة أو الإيديولوجيا التي يتبناها القائمون بها(6).
كما أن السياسة الخارجية ليست ردة فعل آلي للبيئة الخارجية، ولكونها عملية واعية، تنطوي على محاولة التأثير على تلك البيئة أو التأقلم معها وتحقيق مجموعة من الأهداف.
أما “مرسيل مرل” « Marcel Marel » فيعرفها بكونها “ذلك الجزء من النشاط الحكومي الموجه نحو الخارج، أي الذي يعالج بنقيض السياسة الداخلية، مشاكل تطرأ خارج الحدود” (7).
في حين عرفها المحلل الأمريكي “جيمس روزنو” « James Rosneau » “هو ذلك المجهود الذي تبذله جماعة وطنية من أجل التحكم او مراقبة محيطها الخارجي من خلال تكريس الوضعيات الإيجابية أو تعديل تلك الوضعيات السلبية التي لا تخدم مصالحها” (8).
تنوعت وتعددت التعريفات التي أطلقت على السياسة الخارجية والتي تجمع كلها على انها عمل صادر عن سلطات رسمية تابعة لأجهزة الدولة. ويتركز  نشاط  هذه السلطة خارج حدود الدولة ويتوجه لتحقيق مجموعة من الهداف قد تتوزع  ما بين السياسية والاقتصادية والعسكرية…إلخ.
ب- الدبلوماسية
تعرف القواميس، الدبلوماسية بأنها مشتقة من لفظ دبلوم، أي الوثيقة الرسمية التي كانت ولازالت تمنح للمبعوثين الرسميين لاعتمادهم لدى سلطات البلد الموفدين إليه.
كما أنه الفرع من السياسة الذي يعنى بالعلاقات بين الدول، ويرعى المصالح الخارجية للدولة، ويتفاوض باسمها مع الآخرين ويتابع تنفيذ الاتفاقيات (9).
ولقد عرف العالم تاريخا طويلا من الممارسة الدبلوماسية، حيث ذكرتها قصص “الالياذة” لـ”هوميروس”، كما توجد العديد من الأمثلة من العهد اقديم والتاريخ اليوناني والروماني، وكذا من تاريخ الإمبراطورية البيزنطية في العصر الوسيط، حيث كان السفراء بمثابة مفاوضين مع الخارج دون ان يكونوا دائمين، لكن مع عناية خاصة لطقوس البرتوكول (10).
لقد ظهرت الدبلوماسية في أبهى صورها  في عهد الرسول “ص” في بداية القرن السابع ميلادي، بعد استقرار دولة الإسلام الأولى في المدينة، فكانت رسائله “ص” مختومة بخاتمه إلى كسرى فارس، وهرقل قيصر الروم وغيرها، حيث استخدم الرسول “ص” أساليب الدبلوماسية ففاوض خصومه، وأبرم معهم الصلح، ودخل معهم في حوار، وعقد معهم اتفاقيات احترام متبادل وتعايش معهم في سلام واحترام، كل دين للدين الآخر، والتقيد بالاتفاقية المبرمة بينه وبين الغير، فالسيرة النبوية دونت مفاوضات محمد “ص” مع الأباطرة والملوك، ونشرت رسائله إليهم، كما دونت الاتفاقيات التي أبرمها مع غير المسلمين، كصلح الحديبية مع قريش (11).
واهتمت الكثير من الكتابات بالدبلوماسية منذ القديم، ولعل أبرزها كتاب “التفاوض مع الملوك للدبلوماسي الفرنسي فرانسوا كاليير، الذي ألفه عام 1776 في عهد لويس الرابع عشر (12).
وتبقى الدبلوماسية هي علم إدارة العلاقات الدولية عن طريق المفاوضات بواسطة السفراء والممثلين الدبلوماسيين، وتستخدمها الدولة من أجل تنفيذ سياستها الخارجية في إطار تعاملها مع الدول ذات السيادة والفاعلين الدوليين الآخرين ضمن قواعد القانون الدولي، وهي فن إدارة العلاقات بين الدول المستقلة، وهي نشاط تحتكره السلطة التنفيذية، ويمارس باسم الدولة ذات السيادة، وهي مجال محفوظ للدولة ذات السيادة (13).
ج- الدبلوماسية الموازية
مفهوم الدبلوماسية الموازية Paradéplomacy، استعمله الأمريكيون في إطار تجديد الدراسات حول النظام الفدرالي، والسياسة المقارنة، من اجل تشخيص النشاط الدولي للكيانات التابعة للدولة المركزية في كل من كندا والولايات المتحدة الأمريكية.
وأول من استعمل هذا المفهوم هو الباحث الكندي بجامعة مونتريال « Panyotis Soldatos » ، وهو مفهوم غير معروف بشكل كبر، فبالرغم من أن الظاهرة أصبحت أكثر بداهة وجلاءً في العلاقات الدولية.
ويتعلق الأمر بالأنظمة الفيدرالية، كما هو الشأن بالنسبة لحكومة كبيك بكندا، والتي تحظى بتمثيلية في المنظمة العالمية للفرانكفونية، وكذا حكومات الولايات المتحدة التي أصبحت تحظى بتمثيلات بالخارج منذ عام 1997، في استقلالية تامة عن مراكز اتخاذ القرار بواشنطن، ونفس الأمر ينطبق على الحكومات المحلية في اسبانيا (الأندلس، كطالونيا، جزر الكناري) (14).
أما الدبلوماسية البرلمانية، فعرفت لأول مرة مع كاتب الدولة في الخارجية « Dean Rusk »  في حكومة “جون كينيدي”، الذي استعمل هذا المصطلح في الستينات من القرن الماضي.
الدبلوماسية العامة هي مجموعة السياسات والبرامج وأدوات التواصل المستعملة من طرف الدولة من أجل تعزيز قيم مجتمعها لدى الخارج، بهدف الحصول على تعاطف الرأي العام الخارجي اتجاه هذه الدولة وسياستها الخارجية وتلجأ في ذلك إلى وسائل الاتصال المؤثرة، ويمكن أن يقود جزءا منها فاعلين مختلفين من القطاع الخاص المؤسسات والمنظمات غير الحكومية.
ونجد أيضا الدبلوماسية الاقتصادية والتي يقوم بها الدبلوماسيين من أجل دعم المقاولات الوطنية بالخارج وتقوية الامتيازات الوطنية للمستثمرين الأجانب بالداخل، وأصبح دورها في تصاعد مع ظهور تنامي قوة الشركات المتعددة الجنسيات، ويضاف إلى ما سبق، الدبلوماسية البرلمانية والمدنية التي أصبح دورها ريادي وفي تصاعد متنامي(15).

الدبلوماسية المغربية من المجال المحفوظ إلى المجال المفتوح.
استأثرت المؤسسة الملكية بسلطة القرار السياسي، خاصة ما يتعلق بالشأن الخارجي، ومستندة في ذلك على مرجعية ذات أسس دينية دستورية، ويعد الملك الفاعل المحوري في الحياة السياسية المغربية. فرجحان دور الملك داخل دائرة صنع القرار، بالاعتماد على هيئة من المستشارين، والذين لا يشكلون هيئة مستقلة ومؤسسة قائمة بذاتها، بل هم أشخاص يتم انتدابهم نظرا لكفاءتهم ومؤهلاتهم العلمية والعملية، ومن الطبيعي أن يكون إلى جانب الملك أشخاص على قدر كبير من الإلمام بملفات مختلفة، كالدين والسياسة والاقتصاد والاجتماع..إلخ (16).
فنظرا لخصوصية السياسة الخارجية، فيظل الملك هو المشرف على التعيينات والمتدخل المباشر في اجتماعات مختلف التنظيمات الدولية، أو المنظمات الدولية الجهوية، وفي جلسات الأمم المتحدة.
فالملك يقوم بتنفيذ السياسة الخارجية عن طريق الحكومة والمستشارين المكلفين او ممثلي الأحزاب السياسية، حيث يتكلفون بتبليغ رسائل الملك إلى قادة العالم، وظلت صناعة القرار السياسي حكرا على رئيس الدولة (17).
إلا ان المجال المحفوظ بدأ في الانفتاح الأكثر على مختلف الفاعلين السياسيين بالمغرب، فجاء الإصلاح الدستوري لفاتح يوليوز 2011 بمستجدات على مستوى تفويض مجموعة من الصلاحيات التي كانت مجتمعة في يد رئيس الدولة وتحويلها إلى رئيس الحكومة، حيث يشير الفصل 48 من الدستور الأخير إلى ان الملك يترأس مجلس الوزراء، لكنه يمكنه أن يفوض الأمر إلى رئيس الحكومة، وذلك بناءا على جدول اعمال محدد. اما في الفصل 49 من نفس الدستور، فإن الملك يعين السفراء باقتراح من رئيس الحكومة.
ويسترجع الفصل 88 من دستور المملكة المغربية الجديد للحكومة أن تضع برنامج عمل يستعرض للميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية والتفافية والخارجية.. إلخ (18).
ومع مجيء الحكومة الحالية عقب انتخابات نونبر 2011، اصبحت حقيبة الحكومة الخارجية تحت قيادة وزير متحزب، وهذا يشكل تراجعا لصالح فسح المجال أمام فعاليات جديدة لتلج الحقل الدبلوماسي. هذا الأخير الذي بدأ يعرف تحولا متوترا، وذلك بالانفتاح على فاعلين جدد، كانوا في عهد قريب يناصبون النظام السياسي العداء، واستقدام كفاءات ظلت لسنوات طوال في صفوف امعارضة، وتحويل الاهتمام نحو فاعلين غير رسميين في سياسة الدولة، خاصة الجانب الدبلوماسية والخارجي منها،  فبدأت تعبئة وتجنيد أنصار جدد للدفاع عن مصالح الدولة المغربية التي أصبحت مستهدفة في حرب دبلوماسية لا هوادة فيها، فظهرت إلى حيز الوجود كما عرف بالدبلوماسية الموازية، والتي أعلنتها ظرفية دولية ضاغطة نتيجة ما شهدته المنطقة المغاربية من أحداث متلاحقة، عصفت بأنظمة ظلت عصية على السقوط. بالإضافة إلى التحولات العميقة التي يشهدها المغرب، في ظل الرغبة في دمقرطة المشهد السياسي وتوسيع فضاء الحريات والحقوق واستجابة للتطورات المتلاحقة لقضية المغرب الأولى.

رهانات الدبلوماسية الموازية في ظل المحيط المتحول
لا يمكن الحديث عن الدبلوماسية الموازية في المغرب، وبداية الخروج من المجال المحفوظ إلى المجال المفتوح، وتوسيع دائرة المساهمين في الدبلوماسية، إلا من خلال خطاب الملك الراحل الحسن الثاني، أثناء خطابه يوم 18 ماي 1990 بمناسبة إنشاء المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، حيث قال: هذا هو عملكم وهذه هي مهمتكم، فهي أن تغسلوا المغرب وجهه، لأن لكل سبب تأتي منظمة العفو الدولية وتمارس علينا الرقابة، وكأننا تحت الحماية” (19).
وعليه فإن الدبلوماسية الموازية جاءت كآلية لمساندة العمل الدبلوماسي الرسمي، وهذا المسار هو الذي سار عليه الملك محمد السادس في خطابه الموجه إلى الندوة الأولى للدبلوماسية المغربية المنعقد بتاريخ 28 أبريل 2000، حيث جاء في معرض رسالته: “إن المغرب له مثل سائر الدول، مصالحه وموقعه الاستراتيجي ومشروعه المجتمعي الديمقراطي والحداثي، وغايتنا في ذلك بناء صرح دبلوماسي متين لتقوية مكانة المغرب في مستهل الألفية الثالثة، وهذا يقتضي في المقام الأول، دعم القدرات التنسيقية للدبلوماسية التقليدية… وذلك حتى يكون في مقدورها متابعة كل الفاعلين غير الحكوميين في العمل الدبلوماسي” (20).
وتتمثل الأجهزة المباشرة للدبلوماسية الموازية، في البعثات البرلمانية والأحزاب السياسية والملتقيات الثقافية والعلمية وقطاع التجارة والمقاولات وفعاليات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية(21).

الفاعلون الجدد في الدبلوماسية المغربية
منذ انطلاقة تجربة الدبلوماسية الموازية في المغرب، كان التركيز مباشر على البعثات البرلمانية والأحزاب السياسية في مرحلة نظرا لصبغتها الشبه الرسمية وقربها وتقاطعها مع نفس التوجهات الحكومية خاصة من ثوابتها الأساسية، إلا انه مع اتساع   دائرة المتدخلين في ميدان السياسة الدولة خاصة المنظمات غير الحكومية والشركات لمتعددة الجنسيات، وجد المغرب نفسه مضطرا لإقحام هيئات المجتمع المدني وبعض القطاعات الحكومية خاصة المهتمة بحقوق الإنسان والحريات وأيضا بميدان التجارة  والاقتصاد  في ما اصبح معروفا بالدبلوماسية الموازية.
1. البعثات البرلمانية والأحزاب السياسية
تعد الدبلوماسية البرلمانية اليوم من الأدوات الضرورية لتدعيم الدبلوماسية الرسمية، فالظرفية الدولية فرضت على المغرب انتهاج أساليب جديدة من الدبلوماسية المتجددة، نظرا للتطورات العالمية المتلاحقة والمتغيرة(22).
تربط مجلس النواب المغربي بالمنظمات البرلمانية الدولية علاقات وثيقة كالاتحاد البرلماني الدولي، والاتحاد البرلماني العربي، والاتحاد البرلماني الإفريقي ومجلس الشورى المغاربي والمنتدى الأورومتوسطي الذي تأسس سنة 1998. هذه العلاقات لم تستثمر بالشكل المطلوب، خاصة في دفاع المغرب عن قضاياه المصيرية، كما ان الزيارات التي قامت بها الوفود البرلمانية المغربية لدور أوريا وأمريكا اللاتينية، والتي  تم التركيز فيها بشكل كبير على شرح الموقف الرسمي المغربي من نزاع الصحراء، وبالإضافة إلى الترويج لمقترح الحكم الذاتي الذي تم الإعلان عنه عام 2007، ورغم الزيارات المتبادلة من طرف وفود الدول السابقة للمغرب، فإن حصاد هذه الجولات من المباحثات، يظل هزيلا مقارنة مع الانتظارات والتطلعات المعقودة عليها.
ومن جهة ثانية، فإن مجموعة من الأحزاب المغربية تنخرط في منظمات حزبية دولية كالأممية الاشتراكية، والأممية الليبرالية وأحزاب الوسط، هذه الأخيرة انضمت إلى الدبلوماسية الرسمية في الترويج لمخطط الحكم الذاتي الذي اقترحه على الأمم المتحدة في 11 ابريل 2007، والذي رحب به مجلس الأمن في قراره 1754 ليوم 30 أبريل 2007(23).
ويبقى أداء هذه الأحزاب محتشما نظرا لضعف التنسيق بينها، وغياب التكوين، وتشتت الرؤية الموجهة للعمل المشترك فيما بينها، وتتبع الإمكانيات المرصودة للدبلوماسية الموازية (24).

2. دبلوماسية المجالس الاستشارية
1.2 – المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان
شكل الخطاب الملكي للملك الراحل الحسن الثاني بمناسبة إنشاء المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، انخراط المغرب في دينامية تصفية الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، والتي دشنت بالإفراج عن المعتقلين السياسيين، وعودة المغتربين من منافيهم، وتوج هذا المسلسل بتجربة هيئة الإنصاف والمصالحة (2004-2005) والتي تندرج في ما يعرف بالعدالة الانتقالية.
ويعمل المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي حل محل المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان على تتبع تنفيذ توصيات هيئة الانصاف والمصالحة، المتعلقة بجبر الضرر الفردي والجماعي وحفظ الذاكرة، والدفع بالمغرب إلى المصادقة على كل العهود والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وأيضا بالمواثيق ذات الصلة. وبفضل الحراك المجتمعي والدينامية السياسية، تم تضمين مجموعة من الحقوق في الوثيقة الدستورية لسنة 2011.
وفي الوقت الحالي، أصبح يعهد إلى المجلس بتلقي الشكاوي ومعالجتها وتتبعها وتقديم التوصيات بشأنها، وإحالتها عند الاقتضاء على الجهات المختصة وإخبار المستكين المعنيين بذلك.
وفي السياق ذاته، يقوم المجلس بتقديم تقارير سنوية حول وضعية حقوق الإنسان بالمغرب، بالإضافة إلى تقديم تقارير موضوعاتية متعلقة بالحقوق والحريات. كما أن المجلس المذكور، أقدم على إنشاء لجان جهوية لحقوق الإنسان بغية الاطلاع عن قرب على الوضعية الحقوقية.
ويساهم المجلس في مجموعة من الملتقيات الدولية حول حقوق الإنسان و، والهدف منها إبراز الجهود المبذولة في ميدان حقوق الإنسان، خاصة في  ظل توالي التقارير الصادرة، خاصة في المنظمات الدولية غير الحكومية (مراسلون بلا حدود، منظمة العفو الدولية،  هيومن رايت وتش) والتي تتعرض لواقع حقوق الإنسان.
ويتكامل هذا الدور الذي قوم به المجلس مع ما يقوم به مجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج والذي لوحظ تصاعد نشاطه في الآونة الأخيرة، خاصة في أوربا الغربية(25).
2.2- المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية
أنشئ المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية في صيغته الجديدة في 25 مارس 2006، والغرض من إنشاءه هو خلق هيئة استشارية إلى جانب الملك، ترفع تقارير بشأن السبل الكفيلة بالنهوض التنموي في الصحراء، كما أن هذا المجلس انخرط في الدبلوماسية الموازية المتعلقة بالنزاع في الصحراء، فتم إشراك رئيسه وأمينه العام في الجلسات التفاوضية الذي أشرفت عليها الأمم المتحدة (26).
كما شارك أعضاء من الوفد في عدة جلسات بالمنتظم الدولي، خاصة في اللجنة الأممية الرابعة، وفي سياق متصل شارك وفد عن المجلس السالف الذكر في اللقاءات الخاصة بالمجلس الأممي لحقوق الإنسان بجنيف، كما قام أعضاء منه بزيارات لأمريكا اللاتينية لشرح مضامين الحكم الذاتي.
ويبقى عمل المجلس لا يرقى إلى الطموحات والتوقعات المنتظرة منه بسبب طبيعة الهيكلة المكونة له،  والصراعات الداخلية وغياب أجندة واضحة المعالم لعمله(27).
3. دبلوماسية المجتمع المدني
تجمع أغلب الدراسات المهتمة بالميدان الدبلوماسي على الدور المتعاظم الذي أصبحت تلعبه منظمات المجتمع المدني في ميدان الدبلوماسية الموازية، نظرا  لدورها المتعاظم  في التعبئة والتأطير والدفاع عن القضايا الوطنية (28).
وفي المغرب، أصبح للمجتمع المدني دور كبير في الحياة اليومية للمواطن بدءاً من الميدان الاجتماعي، مرورا  بالميدان الحقوقي، ووصولا إلى الميادين الاقتصادية والثقافية والبيئية. ونسجت هذه المنظمات علاقات وطيدة بالمنظمات غير الحكومية في أوربا وأمريكا اللاتينية، واتسعت رقعة أنشطتها، وأصبحت فاعلا أساسيا في الحياة التنموية، ويتمتع بقدر من المصداقية وقاعدة شعبية تزداد اتساعا يوما بعد آخر، الأمر الذي أدى إلى ظهور ما يعرف بدبلوماسية المجتمع المدني، خاصة في المنتديات الاجتماعية، والتي نشطت بشكل كبير خاصة بأمريكا اللاتينية وإفريقيا وأوربا. ولاحظ الجميع، الحضور الكمي والنوعي للمجتمع المدني في هذه الملتقيات، وكانت قضية الصحراء ومشروع  الحكم الذاتي المقترح، في أولى أولويات الوفد المغربي.
ورغم كل هذا فإن الاستثمار المغربي لهذه الفضاءات الحوارية لازال دون التوقعات المنتظرة، نظرا لما تطرحه مسألة التمثيلية والاستقلالية والتقاطع في الرؤى ونوعية آليات الترافع المستخدمة والأهداف المسطرة من تحديات، وعلى الطرفين دولة ومجتمع مدني(29).

الدبلوماسية الموازية، أية افق؟
أقدمت وزارة الخارجية المغربية على عقد لقاء لجميع تمثيليتها الدبلوماسية في العالم بغية، تقييم الأداء الدبلوماسي، وذلك في 30 غشت 2013، وافتتح هذا اللقاء برسالة ملكية، ركزت على ضرورة إيلاء الهوية المغربية، وكذا موقعه الجيوستراتيجي أهمية في الترويج للمغرب. كما دعا إلى الحفاظ على الثوابت الأساسية للأمة، وضرورة التعبئة من أجل الدفاع عنها، في السياق ذاته، ركزت الرسالة الملكية على أهمية التعاطي المثمر والبناء مع الفاعلين الدوليين الصاعدين بقوة، خاصة في الميدان الاقتصادي وتنشيط ما يسمى بالدبلوماسية الاقتصادية ومجابهة التحديات المتعلقة بالبيئة والأمن الغذائي.
ومن ناحية اخرى دعت الرسالة إلى أهمية تقوية العمق الأفريقي والعربي (خاصة الخليجي منه)، مع الانفتاح على الفاعلين الجدد، كالبرلمانات والمنظمات غير الحكومية، ووسائل الإعلام والفاعلين الأكاديميين والثقافيين ومراكز النفوذ(30).
تظهر هذه الرسالة بجلاء ضرورة الاعتماد على ما يعرف بالدبلوماسية الموازية، كعنصر لا محيد عنه في تدعيم الدبلوماسية الرسمية والتي يشوبها نوع من القصور وعدم التعاطي بفعالية مع القضايا المصيرية للمغرب، وهو الأمر الذي دفع العاهل المغربي  إلى توجيه رسالة وصفت بالحارقة، لكونها تحوي الاختلالات والجوانب الضمور الذين تعرفهما الدبلوماسيتين الرسمية والموازية، حيث يقول: “إن أغلب الفاعلين لا يتعبؤون بقوة إلا إذا كان هناك خطر محدق.. إن قضية الصحراء ليست فقط مسؤولية ملك البلاد، وإنما هي قضية الجميع، مؤسسات الدولة، والبرلمان، والمجالس المنتخبة، وكافة الفعاليات السياسية والنقابية والاقتصادية، وهيئات المجتمع المدني، ووسائل الإعلام، وجميع المواطنين، لذا أدعو الجميع مرة أخرى إلى التعبئة القوية واليقظة المستمرة والتحرك الفعال على الصعيدين الداخلي والخارجي، للتصدي لأعداء الوطن أينما كانوا وللأساليب  غير المشروعة التي ينهجونها”(31).
يظهر هذا الخطاب بوضوح إلحاحية انخراط الجميع في الدبلوماسية الموازية، بالإضافة إلى الفعاليات السابقة، برلمان وأحزاب ومجتمع مدني وهيئات استشارية، أصبح التوجه لازما نحو فاعلين جدد، كالنقابات والهيئات الاقتصادية والإعلام وعموم المواطنين دائرة هذه الدبلوماسية اتسع قطرها، وتوسع مداها ليضم فاعلين جدد وحقول عمل جديدة، مع التأكيد على ان هذه الدبلوماسية يجب ان تكون مبادرة ولا تكتفي فقط بردات الفعل.
فقضية الصحراء ستعرف تطورات حاسمة مما يحتم على المغرب وضع  استراتيجية شاملة حسب د. محمد تاج الدين الحسيني، والذي يرى أيضا: “على هذه الدبلوماسية استحضار المسار التاريخي للنزاع منذ مستهل الستينات إلى الآن، وإعادة قراءته قراءة متأنية لاستخلاص الدروس والعبر مع الاستعانة قي ذلك بالخبراء في القانون الدولي ومراكز البحث والدراسات ذات الصلة بالموضوع”، كما يرى “أن إيلاء البعد الحقوقي والجانب المتعلق بالثروات الطبيعية أهمية خاصة في أثناء عملية الترافع على هذه القضية أمام الهيئات الأممية والبرلمان الأوربي والمنظمات غير الحكومية الدولية المهتمة بميدان الحقوق، سواء كانت سياسية ومدنية أم اقتصادية واجتماعية وثقافية.
والدبلوماسية الموازية تفرض على افاعلين المغاربة في المجال هذا أن يتلقوا تكوينا في علم التفاوض والترافع، ويعملوا بدعم من مراكز الدراسات والخبراء القانونيين الدوليين في إعادة ملفات والمرافعات، والأمر ذاته ينطبق على الإعلاميين الذين يجب أن يتحلوا بقدر كبير من المهنية والركية في عملهم(32).
إن الدبلوماسية الموازية أثبتت نجاعتها في الكثير من المنتديات الدولية، إلا ان الهيئات المغربية لازالت تعاني من صعوبات في تسويق خطابها والدفاع عن أطروحاتها، نظرا لغياب استراتيجية واضحة المعالم، وتشتت الجهود الرسمية وغير الرسمية العاملة  في الحقل الدبلوماسي، بالإضافة إلى قلة الإمكانيات العاملة المادية ومحدودية التكوين لدى العنصر البشري وغياب تسييج متماسك مع الجمعيات الدولية الداعمة للموقف المغربي.

——————————–
الهوامش:

(1). عبد الهادي بوطالب: “مسار الدبلوماسية العالمية، دبلوماسية القرن 21″، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 2004، ص 75.
(2)  . Chaouiki Serghine : « Les déterminations de la politique externes marocaine », Ouvrage collectif, présenté par  George Vadel, Edition Albin Michel, Juillet 1986, p :443.
(3). الحسان بوقنطار: “السياسة الخارجية المغربية الفاعلون والتفاعلات”، بابل للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط 2002، ص 121.
(4). الحاج محمد غومريس: “السياسة الخارجية المغربية، مقاربة استمولوجية وتجريبية”، دار القلم، الرباط، 2001، ص 15.
(5). الحسان بوقنطار: “المغرب ومحيطه الجيواستراتيجي في الماضي الحاضر”، الدورة الرابعة لأكاديمية المملكة المغربية،  25-27، ابريل، 2002.
(6). الحسان بوقنطار: “محاضرات في العلاقات الدولية”، مكتبة دار السلام، 1999.
(7). جودة بدران: تخطيط السياسة الخارجية- دراسة نظرية وتحليلية محلية- ، السياسة الدولة، العدد 69، سنة 1982، ص 67.
(8). الحسان بوقنطار: “محاضرات في العلاقات الدولية”، مرجع سابق.
(9). احمد سليم: “النظم الدبلوماسية والقنصلية”، دار الفجر الحديث، القاهرة، 2007، ص 23.
(10). عبد الرحمان محمد المطوع: “النظم القنصلية والدبلوماسية”، دار الكتاب العربي، الرياض، 2004، ص 31.
(11). أحمد المهدي:”الدبلوماسية في العهد النبوي”، الدار العربية للطباعة، بيروت، 2006، ص 14.
(12). إيمان راغب: “الدبلوماسية في العصر الحديث”، دار الأقصر للنشر، القاهرة، 2007، ص 8.
(13). مرجع سابق.
(14). ابراهيم السعيدي: “هل يمكن الحديث عن الدبلوماسية الحزبية في قضية الصحراء؟”، التجديد، 9 غشت 2005.
(15). مرجع  سابق.
(16). عبد القادر بابنة: “المستشارون ليسوا مؤسسة مستقلة”، جريدة الاتحاد الاشتراكي، عدد 8735، 28 يناير 2007.
(17). يونس امغران: “الدبلوماسية من مرحلة الوهم إلى العزم”، المجلة المغربية، عدد 02، نونبر 2004، ص
(18). دستور 2011.
(19). خطاب الملك الحسن الثاني بمناسبة إنشاء المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، 18 ماي 1990.
(20). الرسالة الملكية الموجهة إلى الندوة الأولى للدبلوماسية المغربية، 28 أبريل 2000.
(21). إيمان راغب، الدبلوماسية في العصر الحديث، مرجع سابق.
(22). عبد الهادي التازي، جريدة المغرب الدبلوماسي، عدد 5 يوليوز 2007، ص 27.
(23). ابراهيم السعيدي،  جريدة التجديد، مرجع سابق.
(24). الحسان بوقنطار، مرجع سابق.
(25). محمد تاج الدين الحسيني، برنامج قضايا وآراء.
(26). محمد اتركين: “المجلس الملكي لشؤون الصحراوي- محددات الانتماء وقواعد الوظيفة ومجالات الرهان”، وجهة نظر، عدد 31، شتاء 2007، ص 16.
(27). محمد اتركين، مرجع سابق.
(28). التقرير السنوي لمركز الدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات، 2006.
(29). توفيق بوعشرين، المجتمع المدني- رهان الفعالية والاستقلالية”، مجلة وجهة نظر، عدد 18 شتاء 2003، ص 15.
(30). الرسالة الملكية الموجهة للسفراء وممثلي وزارة الخارجية 3 غشت 2013.
(31). الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة من الولاية التاسعة للبرلمان 11 أكتوبر 2013.
(32). محمد تاج الدين الحسيني، مرجع سابق.

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *