أهمية وجود القدوة الحسنة في حياة الأطفال والشباب
أهمية وجود القدوة الحسنة في حياة الأطفال والشباب
الدكتور مولاي عبد المغيث بصير
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم على ذكره.
أما بعد فيا عباد الله، لايشك أحد من الناس في أهمية وجود النموذج السلوكي للاقتداء في حياة أي مجتمع وأي أمة، وعندما نقول النموذج السلوكي، فإننا نقصد وجود فئة من الصادقين والصادقات تمكنوا بفضل اقتدائهم بنماذج ناجحة من التفوق سواء في مشوارهم العملي أو في علاقتهم مع الخالق والخلق، فأصبحوا أهلا للانتفاع بهم.
ومسألة وجود القدوة في حياة الإنسان أمر ذو أهمية بالغة الأثر في تكامل الثقافة والإعداد من أجل أن يأخذ الفرد دوره الباني الفعال في حياة الجماعة وبناء المجتمع، كما أن اعتماد القدوة يوفر الكثير من الوقت والجهد على الوالدين في تربية أبنائهم ومحاولة غرس السلوكيات الجيدة فيهم. فعندما يختار الطفل القدوة الجيدة فإنه يقلِّدها في سلوكياتها. وننتج بالتالي أفرادا يتسمون بالسلوكيات والصفات الجيّدة مثل المثابرة على العمل والنجاح بعيداً عن الصفات السلبية، فما معنى اتخاذ القدوة الحسنة؟ ولماذا نحتاج للقدوة الحسنة في أيامنا هذه؟ وأين تكمن أهميتها في حياة الإنسان؟
عباد الله، القدوة هي التأثر بشخصيةٍ معينةٍ ومتابعتها وتقليدها والتأسي بها، وقد فطر الناس هكذا، فقد جبلوا على التشبه ببعضهم البعض، فكم من الناس من لم يرد خيراً ولا شراً حتى رأى غيره – لا سيما نظيره – يفعله ففعله، وقد تكون هذه القدوة حسنةً أو سيئةً، وأكثر الفئات التي تحتاج إلى معرفة طريقة اختيار القدوة الحسنة هم الأطفال والشباب، فعندما يقوم المربون والآباء بتعليمهم طريقة اختيار القدوة الحسنة منذ الصغر، فإنهم بذلك يجنبونهم الوقوع في الاختيار الخاطىء للقدوة وبالتالي الفشل في الحياة، فإعجابهم بهم يؤدي إلى اتباعهم، ويبدأ ذلك أولا بمشاعر الحب ثم ملاحظة القدوة ثم الامتثال والاقتداء.
عباد الله، لعلكم تلاحظون اليوم ما عليه حال غالبية الأطفال والناشئة والأجيال الصاعدة والشباب من أزمة في التخلق بالأخلاق الفاضلة، وماهم عليه من ضياع في الاقتداء والتأسي بنماذج سيئة لاتصلح لذلك، وغالب القدوات المبرزة المشهورة في أيامنا هذه مما يعرف باسم النجوم ليست مؤهلة لتربية الجيل وإكسابه القيم المطلوبة، وليس سلوكها العملي مما يعزز هذه القيم ويدعو إليها، ولذلك فإن الحاجة ماسة إلى تلمس مواطن القدوة من سيرته صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين والربانيين وغيرهم من الناجحين في علاقتهم بربهم وبالناس، وإعادة عرضها للناشئة بأسلوب جذاب متقن يراعي مداركهم وينسجم مع واقع عصرهم.
تأملوا عباد الله في الصحابة رضي الله عنهم، فبفضل القدوة والأسوة أثروا في التابعين، وبفضل الأسوة والقدوة أيضا أثر التابعون في تابعي التابعين، وبفضل القدوة الحسنة وصلتنا آثارهم فيمن يوجد من علماء ربانيين وعالمات ربانيات في عصرنا، يقول الله سبحانه وتعالى:”من المومنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا”، وكأن الله تعالى يقول: الخير فيكم يا أمة محمد باقٍ إلى يوم القيامة، نعم الخير فينا باق إلى يوم القيامة إن اقتدينا بأمثال هؤلاء وتحققنا بصفاتهم، هؤلاء الذين ما تخاذلوا في شيء عاهدوا الله عليه ونذروه لله، فلنطلع على سيرهم، ولنحرص على ذلك، ونقتدي بهم ونتخلق بأخلاقهم.
بقي أن أتكلم عن أهمية القدوة الحسنة في حياة الفرد المسلم، نعم أيها الإخوة والأخوات تكمن أهميتها في حسن أداء الأعمال والاقتداء بالمثل العليا، وبث العزة في النفوس، وحثها على العمل، والدلالة على إمكانية التطبيق، وصدق من قال:” تؤثر بحالك في ألف ولا تؤثر بقولك في واحد”، فقد صح عند الإمام البخاري فيما ورد في قصة صُلح الحديبية، أنه صلى الله عليه وسلم لما فرغ من قضية الكتاب قال لأصحابه: قوموا فانحروا ثم احلقوا، قال: فو الله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد، دخل على أم سلمة رضي الله عنها فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي الله أتحب ذلك؟ اخرج ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالِقك فيحلقك، فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك، نحر بدنه ودعا حالِقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلِقُ بعضا. أسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم من الذين يتأسون بالصادقين الناجحين أمين أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد فيا عباد الله، يقول الله تعالى:”لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا”.
عباد الله، وتكمن أهمية التأسي بالقدوة الحسنة أيضا في كونها نيابة عن البلاغ، يقول الله عز وجل:” وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ”، معنى ذلك، ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله” أي: دعا عباد الله إليه، وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ، أي وهو في نفسه مهتد بما يقوله.
دقوا عباد الله في هذه المعاني، إنه عندما يصطفي الحق سبحانه وتعالى إنسانا للرسالة رسولا كان أو نبيا، فالرسول يوحى إليه بمنهج فيطبقه على نفسه ويبلغه للناس، والنبي يوحى إليه بمنهج، وهو مصطفى ليطبق المنهج فقط، إذن فالرسول واسطة تبليغية ونموذج سلوكي، والنبي ليس واسطة تبليغية، بل هو نموذج سلوكي فقط.
ومثال ذلك عصرنا الحاضر المنهج موجود، وكل الناس تعلم الحلال والحرام، ولكن خيبة أيامنا هذه تأتي من ناحية عدم حمل أنفسنا على المنهج، والأسئلة التي تفرض نفسها علينا بقوة هي: أين العمل؟ وأين التطبيق؟ وأين القدوة والتأسي؟
ختاما عباد الله، أؤكد لكم بأنه لابد من وجود النموذج السلوكي في حياة الإنسان في الوقت المناسب من حياته، وهو بإمكانه أن يغيِّر، وبإمكانه أن يستفيد من هذه القدوة قبل فوات الأوان، تأملوا هل هناك أحد أشدَّ شرا من فرعون الذي قال: “أنا ربّكم الأعلى” ! تمعنوا فيما قاله حينما أدْركهُ الغرق ؟ قال:”آمنتُ بالذي آمنتْ به بنو إسرائيل”، فالمشكلة ليْسَت مشكلةُ معرفةٍ، وإنما مشكلة وقت معرفة المعرفة.
فتمام العقل أن يتخذ أطفالنا وشبابنا قدوات ناجحة وهم في مقتبل العمر، وهم يتنفسون الحياة في صحة وسلامة من أمرهم، كي يشكّلوا حياتهم وفقَ أوامر الله عز وجل، فالاطلاع على حياة الناجحين من الناس وصفاتهم وبعض توجيهاتهم، واتخاذهم قدوة وأسوة في الحياة، يعد أحد الأسباب الرئيسية للنجاح، والحمد لله رب العالمين.