الحقوق المشتركة بين المسلمين: رعاية الجار(3)
الحقوق المشتركة بين المسلمين: رعاية الجار(3)
الأستاذ مولاي يوسف المختار بصير
الحمد لله، الحمد لله الذي أمرنا بالبر والصلة، ونهانا عن العقوق وجعل حق المسلم على المسلم من آكد الحقوق، وجعل للجار حقا على جاره وإن كان من أهل الكفر والفسوق، نحمده تعالى ونستغفره وبه نثوق، ونشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو الخالق وكل شيء سواه مخلوق، القائل في كتابه المحفوظ والمقروء: “واعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا”، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، الصادق المصدوق، بين من خلال سنته القولية والفعلية ما للجار على جاره من الحقوق، حتى بلغ به الأمر إلى القول: “مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه”، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه المؤدين للحقوق، وعلى التابعين لهم بإحسان من سابق ومسبوق، وسلم تسليما كثيرا أبدا، أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون، في الجمع الماضية تحدثنا عن أحد الحقوق المشتركة بين المسلمين وحتى بينهم اتجاه غيرهم من الآدميين، ألا وهو حق الجوار، الذي يعتبر من آكد الحقوق، حتى جعله النبي صلى الله عليه وسلم من علامات اكتمال إيمان المرء، وأن من لا يراعي للجار حقوقه منزوع الأيمان، حين قال في الحديث الذي رواه الشيخان البخاري ومسلم قالصلى الله عليه وسلم: “والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، من لا يأمن جاره بوائقه”، أي شروره وآثامه، من خلال الخطبتين الماضيتين تعلمنا أن ديننا الإسلامي الحنيف ضمن للجار حقوقا كثيرة، إلا أن الإنسان في بعض الأحيان يتخلى عن تعاليم الدين والإنسانية، ويعوضها بالطغيان والأنانية التي تنسيه حقوق ربه وذويه، وحقوق من يحسن إليه، وحقوق الذي يسكن قرب بيته من الجيران، فيسهل عليه أن ينظر إلى بيت جاره من نافذته أو سطحه، ومن نظر في بيت جاره بغير إذنه ملآ الله عينيه من نار جهنم كما قال صلى الله عليه وسلم، كما يسهل عليه أن يكشف عليه عورته، ويخونه في أهله، ويقلق راحته بأصوات المذياع، والتلفاز، وبدقات المهراس المقلقة، ورقصات الطيش في ليالي الأعراس المختلطة خصوصا إذا كان جاره حديث عهد بمصيبة كمرض أو موت أو عملية جراحية، أو رجوع من سفر، أو ما من شأنه أن يجعله محتاجا إلى الراحة، كما قد يؤذيه بحرمانه من حق التعامل في الماعون، وحق النصيحة، وحق الإحسان الذي يملك الإنسان، فإذا عجزت أخي عن بر جارك والإحسان إليه والإعتراف بفضله، فكف أذاك عنه ولا تضره، ودعه يستريح في منزله، أيها الإخوة المؤمنون، أخرج الشيخان، البخاري ومسلم عن سيدنا معاذ بن جبل (ض) قال: قُلنا: يا رسول الله، ما حقُّ الجار؟ قال: “إن استقرضَك أقرضتَه، وإن استعانَك أعنتَه، وإن احتاجَ أعطيتَه، وإن مرِضَ عُدتَّه، وإن ماتَ تبِعتَ جنازتَه، وإن أصابَه خيرٌ سرَّك وهنَّيتَه، وإن أصابَته مُصيبةٌ ساءَك وعزَّيتَه، ولا تُؤذِه بقَتار قِدرِك إلا أن تغرِف له منها، ولا تستطِل عليه بالبناء لتُشرِف عليه وتسُدّ الريحَ إلا بإذنه، وإن اشتريتَ فأهدِ له منها، وإلا فأدخِلها سرًّا، ولا يخرُج ولدُك بشيءٍ منه يُغيظُ به ولدَه”. وفي حديثٍ مُتفقٌ عليه: “ومن كان له جارٌ في حائطٍ أو شريك فلا يبِعه حتى يعرِضَ عليه”. لقد اشتمل الحديث على صور من صور إذاية الجار، التي ينبغي أن نراعيها اتجاه جيراننا، حتى نكف أذانا عنهم واجعلوا أيها الإخوة المؤمنون نصب أعينكم قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه سيدنا أنس: “من آذى جاره فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن حارب جاره فقد حاربني، ومن حاربني فقد حارب الله عز وجل”. وكان صلى الله عليه وسلم يقول: “اللهم إني أعوذ بك من جار السوء في دار المقامة (أي المدينة)، فإن جار البادية يتحول”، وجاء رجلٌ إلى ابن مسعودٍ (ض) فقال له: لي جارٌ يُؤذِيني ويشتُمُني ويُضيِّقُ عليَّ، فقال: اذهَب، فإن عصَى اللهَ فيك فأطِع اللهَ فيه. ويقول الحسنُ البصري (ح): “ليس حُسنُ الجوار كفّ الأذى، ولكنَّ حُسن الجوار احتمالُ الأذى”. أخرج الإمام أحمد في مسندهفي خبرٍ مرفوعٍ: “إن الله يحبُّ الرجلَ يكونُ له الجارُ يُؤذِيه جوارُه، فيصبِرُ على أذاه حتى يُفرِّق بينهما موتٌ أو ظعن”. جعلني الله وإياكم من الموفين المؤدين لحقوق جيرانهم، من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب. أمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ يَشْكُو جَارَهُ، فَقَالَ: “اذْهَبْ فَاصْبِر”، فَأَتَاهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا فَقَالَ: “اذْهَبْ فَاطْرَحْ مَتَاعَكَ فِي الطَّرِيقِ”، فَطَرَحَ مَتَاعَهُ فِي الطَّرِيقِ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ فَيُخْبِرُهُمْ خَبَرَهُ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَلْعَنُونَهُ: فَعَلَ اللَّهُ بِهِ وَفَعَلَ وَفَعَلَ، فَجَاءَ إِلَيْهِ جَارُهُ فَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ لا تَرَى مِنِّي شَيْئًا تَكْرَهُهُ. أيها الإخوة المؤمنون، قال صلى الله عليه وسلم: “اتق المحارم تكن أعبد الناس، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما، ولا تكثر الضحك، فإن كثرة الضحك تميت القلب، فاحفظوا رحمكم الله حقوق الجار إن كنتم تومنون بالله واليوم الآخر، ودربوا أنفسكم وأهليكم بحملها على الصبر والعفو والصفح فيما أخطأ فيه الجار ف”إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب”.الدعاء
خطبة الجمعة من مسجد الحسنى عين الشق، الحقوق المشتركة بين المسلمين: رعاية الجار(3) ،الجمعة 25 جمادى الأولى 1440 موافق 1 فبراير 2019 .