وثيقة المطالبة بالاستقلال وواجب كل مواطن
وثيقة المطالبة بالاستقلال وواجب كل مواطن
الدكتور مولاي عبد المغيث بصير
الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد فياعباد الله، إن من أعظم الشدائد والبلايا والمحن التي مرت بها الأمة المغربية في الأربعينيات من القرن الماضي، ظروف الاستعمار القاهرة، التي عانى منها أبناء الشعب حينئذ، ولولا وجود رجال ونساء صادقين في كل أحوالهم مع خالقهم عز وجل، ولولا صدق التجائهم إليه وتذللهم بين أعتابه وتضرعهم ودعاءهم، لما رفع عنهم قهر الاستعمار وظروفه القاسية التي يدريها من عايشها بين سنة 1912 وسنة 1956.
نعم عباد الله لولا وجود الصادقين، ولولا صبرهم وتضحياتهم الجسام وصدق التجائهم لله، لولا تضافر كل ذلك لما أحرز مغربنا على استقلاله، هذا الاستقلال الذي سبقته عدة أعمال عظيمة نستحضرها بإكبار كبير، ومنها مانخلده يوم الحادي عشر من يناير من كل سنة.
ففي مثل هذا اليوم تم تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، حيث تعددت الخلايا السرية في صفوف المواطنين، وعمت المظاهرات العارمة تأييدا للوثيقة واستنكارا لحملات الاعتقال والقمع ضد الوطنيين وتوج عملها بتقديم عريضة المطالبة بالاستقلال، مذيلة بتوقيعات أربعة وستين وطنيا رحمات الله عليهم أجمعين.
نعم عباد الله، تم تقديم نسخة من هذه الوثيقة لأمير المؤمنين محمد الخامس رحمة الله عليه، ونسخة إلى المقيم العام الفرنسي وممثلي بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، بغية أن يصاحب ذلك اعتراف دولي باستقلال المغرب، وهكذا يظهر أن المشاركة في الجهاد ضد المستعمر شارك فيها جميع المخلصين من مكونات هذا الشعب في كل بقعة من بقاع وطننا، الذين تظاهروا وعبروا عن غضبهم وجاهدوا بكل مايملكون، يؤازرهم في ذلك أمير المؤمنين محمد الخامس وولي عهده آنذاك الحسن الثاني رحمة الله عليهما، الذين قاموا بإيصال تلك المطالب للمنتظم الدولي.
هذه الخطوات الجريئة قام بها الآباء والأجداد رحمة الله عليهم من أجل أن تنعم هذه البلاد بالحرية والاستقرار والأمن والتنمية على جميع الجبهات، فكل مايتراقص بين أعيننا من نعم في أيامنا هذه مما لم يكن في تلك الأيام فهو بفضل تضحيات وصبر الأوائل.
اعلموا أيها الشباب والجيل الصاعد، أن أمراء المؤمنين وأسلافنا رحمة الله عليهم عانوا في تلك الأيام معاناة شديدة، فكل ماترون من بنيات تحتية وإدارات وطرقات وكهرباء وماء ومؤسسات وتطور في مختلف الميادين وغير ذلك، كل ذلك لم يكن في عهدهم. ولم يتنعموا به لحظة من لحظات حياتهم.
أقول هذا للناشئة، لأنهم فتحوا أعينهم على هذا الوطن، وقد تفضل الله عليه بغزير نعمه ومننه، ويظنون أن هذا التطور وهذه النعم أتت من فراغ، كلا لم يأت كل هذا من لاشيء، بل بسبب تضحيات وصدق وإخلاص أولئك الأوائل رحمة الله عليهم.
عباد الله، إن هذه البلاد اليوم أمانة في أعناقنا جميعا كي نرعاها ونحافظ على أمنها واستقرارها، ونساهم في رقيها وازدهارها، أمانة في عنق الكبير والصغير، الذكر والأنثى، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والحمد لله رب العالمين.