خلق التبسم عند النبي صلى الله عليه وسلم

خلق التبسم عند النبي صلى الله عليه وسلم

الحمد لله الذي أضاء الكون بنور الرسالة، وهدى الإنسانية برسوله صلى الله عليه وسلم إلى الحق وسواء السبيل بعد التيه والضلالة، وبعث في الناس رسولا من أنفسهم يحرص على خيرهم ويطهرهم مما تخلقوا به من جاهلية وسفاهة، نحمده تعالى ونشكره شكرا جزيلا يوافي نعمه، ويدفع عنا نقمه، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله كان خلقه القرآن، وكان لأمته نعم القدوة وخير مثال، القائل: “إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق”، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين آمنوا به وعزروه ونصروه وتأسوا به وتخلقوا بأخلاقه، واهتدوا بهديه، وساروا على دربه، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم اللقاء به، أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون،ونحن نتفيأ ظلال المحبة في حبيبنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، يطيب لي أن أجول معكم في صفة من الصفات العظيمة التي اتصف بها حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم، والتي عز اليوم أن نجد لها مكانا في أخلاقنا ومعاملاتنا، ألا وهي صفة التبسم، التي جعلها النبي صلى الله عليه وسلم من الصدقات التي يستطيع الكل بذلها، غنيهم وفقيرهم، صغيرهم وكبيرهم، الكل يستطيع أن يشمل الأخرين بابتسامة تختلج صدورهم فتبث المحبة والألفة بينهم، أيها الإخوة المؤمنون، اعلموا ان الخلق الحسن صفة سيد المرسلين، وأفضل أعمال الصديقين، وهو على التحقيق نصف الدين، وثمرة مجاهدة المتقين، ورياضة المتعبدين المخلصين، الذين يروضون أنفسهم على البر والتقوى ويرغمونها على اتباع سبل الرشاد والهدى، فكانوا يتسابقون إلى تقليد رسول الله صلى الله عليه وسلم والتخلق بأخلاقه التي منها خلق التبسم الذي يقول عنه حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه الإمام مسلم: “إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق”، والقائل “لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق”، أيها الإخوة المؤمنون، من الأشياء التي غيبناها في سلوكنا وفي حياتنا الأسرية والإجتماعية، تلك الإبتسامة التي تلقى بها الأخرين، ظنا منا بأن من التدين والتقوى إطهار الجدية في القول وفي السلوم، وما علمنا أن حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو أتقى الناس وأخشاهم لرب العالمين، كان يوصي بالإبتسامة والتبسم في وجه الناس، حتى قال: “وتبسمك في وجه أخيك صدقة”، روى الإمام مسلمعن سماك بن حرب قال : قلت لجابر بن سمرة: “أكنت تجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم كثيراً، كان لا يقوم من مصلاه الذي يصلى فيه الصبح حتى تطلع الشمس، فإذا طلعت قام، وكانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية، فيضحكون، ويبتسم صلى الله عليه وسلم”، وعن سيدنا أبي الدرداء (ض) قال: “ما رأيت أو ما سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يحدث حديثا إلا تبسم”، و في حديث آخر عن سيدنا عبد الله بن الحارث بن جزء قال: “ما رأيت أحدا أكثر تبسما من رسول الله صلى الله عليه وسلم”، أيها الإخوة المؤمنون، الإبتسامة علامة الحياة، وهي السحر الحلال، وهي عنوان الأخوة بين الناس، وعربون الصفاء، ورسالة الود، وخطاب المحبة. الابتسامة تقع على صخرة الحقد فتذيبها، وتسقط على ركام العداوة فتزيلها، وتحل حبل البغضاء وتطرد وساوس الشحناء وتغسل أدران الضغينة وتمسح جراح القطعية. والابتسامة لها رونق وجمال وتعبيرات تضفي على وجه صاحبها مالا يضفيه العبوس والإنقباض، لأنها تحدث في ومضة و يبقى ذكرها دهرا، وهي المفتاح الذي يفتح أقسى القلوب، وهي العصا السحرية التي تمحي الغضب و تسرّي عن القلب الهموم،يقول الإمام ابن عيينة: البشاشة مصيدة المودة، ويقول الشاعر:هشّت لك الدنيا فمالك واجماً*** وتبسَّمَت فعلام لا تتبسم** إن كنتَ مكتئباً لعزٍ قد مضى*** هيهات يرجعه إليك تندُّم. أيها الإخوة المؤمنون، لماذا لا نبتسم؟ ولا يلقى بعضنا بعضا بالإبتسامة التي وصانا النبي صلى الله عليه وسلم بها عند لقاء الناس؟،  لقد انتبه الكثير من المحللين إلى هذا السلوك فوجدوا أمورا تعد أسبابا لموانع الابتسامة منها أن البعض يظن أن عدم الابتسامة هو جزء من الجدية التي لابد منها في شخصية الإنسان وهي من كمال الدين، وهذا ظن ليس في محله حيث إن الناس جُبلوا على الميل والمحبة لمن يبش في وجوههم، وأما ما يتعلق بالجدية فإنه لا يوجد إنسان جدي أكثر  جدية من الرسول صلى الله عليه وسلم . ولم يكن هذا التبسم لينقص من مكانته صلى الله عليه وسلم، وإنما هو اللطف الذي ما خالط شيئاً إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه. ومن موانع الإبتسامة في سلوكنا أيضا الخوف من قسوة القلب: إذ يخلط بعض الناس بين الإكثار من الضحك الذي أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم أنه سبيل لموت القلب وبين أهمية وضرورة الابتسام والضحك المعتدل لتقويم النفس وإزالة الهم وكسب الآخرين، وفي هذا المجال علينا أن ننتبه جيداً إلى كثير من الأقوال المروية عن بعض الزهاد كقولهم: “ما ضحك فلان قط”، أو “ما رأي فلان إلا مهموماً”، فهذا خلاف الفطرة والسنة النبوية. وما جاء في نص الحديث الذي رواه ابن ماجه بإسناد صحيح “لا تكثر الضحك، فإن كثرة الضحك تميت القلب” فلم ينه صلى الله عليه وسلم عن الضحك إنما نهى عن كثرته والقهقهة خلاله”. يقول الإمام ابن القيم في أهمية البشاشة وبسط الوجه: “إن الناس ينفرون من العبوس ولو بلغ في الدين ما بلغ، فليس الثقلاء بخواص الأولياء، وما ثقل أحد على قلوب الصادقين المخلصين إلا من آفة هناك، وإلا فهذه الطريق تكسو العبد حلاوة ولطافة وظرفا، فترى الصادق فيها من أحب الناس وألطفهم وقد زالت عنه ثقالة النفس وكدورة الطبع.”يقول بعض العارفين: “لا يكفي المال وحده لتأليف القلوب ولا تكفي التنظيمات الاقتصادية والأوضاع المادية، لابد أن يشملها ويغلفها ذلك الروح الشفيف، المستمد من روح الله، ألا وهو الحب، الحب الذي يطلق الابتسامة من القلوب فينشرح لها الصدر وتنفرج القسمات فيلقىالإنسان أخاه بوجه طليق.”جعلني الله وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب، آمين وآخر دعوانا أن الحمد له رب العالمين.

الخطبــة الثانـيـة

أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون. أعلموا أن من أراد الله به خيرا حسّن خلقه وليّن قلبه ونوّر محيّاه ببسمة رائقة لإخوانه تفيض بها عليهم أنوار السكينة وترسل عليهم نسائم الأمن والطمأنينة، وليعلم عبوس المحيا كالح الوجه سيئ الخلق أنه هو الخاسر لا غيره لأنه فقد أحبابه وأصحابه وضيّع صداقة يُدفع من أجلها القناطير المقنطرة من الذهب والفضة ولا يجد لها سبيلا، أيها الإخوة المؤمنون، ما أحوجنا اليوم إلى الابتسام في وجوه بعضنا البعض لنزيل غبار التناحر والتباغض فيما بيننا. ويا عجبا للمسلمين الذين يزورون بلاد أوروبا وأمريكا ويأتون منبهرين بما تعود الناس عليه في هذه البلاد من بدل التحية وبسط الوجه عند لقاء بعضهم لبعض من غير أن تكون بينهم معرفة سابقة، وننسى أن ديننا الإسلامي أمرنا بهذا ونحن عنه معرضون إلا من أخذ الله بيده، وكان سيدنا ابن عمر (ض) ينشد: بنيّ إن البر شيء هين *** وجه طليق وكلام لين، فهيا أخي نبتسم في وجوه الناس، نبشرهم و لا ننفرهم، نغير الصورة التي طبعها البعض في أذهان الناس عن الملتزمين المتزمتين فنبين لهم أننا ملتزمون مبتسمون نحب الخير للناس ونتمنى لهم الهداية والسعادة ونشعرهم أننا نهتم بهم وهمنا همهم وفرحنا فرحهم فجرب أخي هذا المفتاح للوصول إلى القلوب فتبسم في وجه من تلقاه من أهلك وأصدقائك وإخوانك وزملائك وطلابك أو موظفيك وترى ردة فعلهم، لعل الله يكتب لك أجر المعروف بأن تلقى أخاك بوجه طلق، أو يكتب لك ما هو خير من حمر النعم بأن يشرحالله صدر أحدهم على يديك أو على شفتيك. الدعاء.

خطبة الجمعة من مسجد الحسنى عين الشق، خلق التبسم عندالنبي صلى الله عليه وسلم الجمعة 20 ربيع الثاني 1440 موافق 28 دجنبر 2018 ، الأستاذ مولاي يوسف المختار بصير

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *