حقيقة الموت والاستعداد لها

الحمد لله الذي كتب على عباده الموت والفناء، وتفرد سبحانه بالحياة والبقاء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

ونحن نسير في دروب الحياة ، ونتقلب على هذه الأرض ، كم نحن بحاجة إلى وقفة روحانية ، وقفة، نجدد فيها الإيمان في القلوب ، ونزيل عنها غبار الغفلة والذنوب.
تعالوا بنا اليوم نؤمنْ ساعة .. تعالوا بنا اليوم نجلس مع أنفسنا جلسة تزكية ومصارحة .. نقلب فيها بعض الصفحات .. ونستلهم شيئاً من العظات .. لعل الله تعالى أن يجمعنا في غرفات الجنات .

أتحدث إليكم اليوم عن حقيقة عظيمة من حقائق الإيمان، من أنكرها كفر، و أصلاه الله سقر  حقيقة عظيمة أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم بكثرة ذكرها، ومع هذا فالكثير منا يشمئزون عند ذكرها ولا يحبون الحديث عنها.. إنها حقيقة الموت ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، (كلّ نفس ذائقة الموت وإنما تُوَفَّوْن أجوركم يوم القيامة.فمن زُحزِح عن النار وأُدخِل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور)

إنها الحقيقة الكبرى .. كل حيٍ سيفنى ، وكل جديدٍ سيبلى .. وما هي إلا لحظةٌ واحدة ، في مثلِ غمضةِ عين ، أو لمحةِ بصر ، تخرج فيها الروح إلى بارئها ، فإذا العبد في عداد الأموات.ذهب العمر وفات .. يا أسير الشهوات .. ومضى وقتك في سهو ولهو وسبات .. بينما أنت على غيك حتى قيل مات .

احبتي في الله  .. ونحن في غفلة الحياة، كثيرًا ما نفاجأ باتصال أو رسالة أو غير ذلك أن فلانًا مات، وقد كان في كامل صحته وعافيته، وذلك مصداق حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من اقتراب الساعة أن يرى الهلالُ قُبُلاً فيقال لليلتين، وأن تتخذ المساجد طرقاً، وأن يظهر موت الفجأة) . رواه الطبراني وحسنه الألباني

احبتي في الله  اعلموا  أنه من كان للموت ذاكراً كان للموت مستعداً، قال أبو علي الدقاق (من أكثر من ذكر الموت أكرم بثلاث أكرم بتعجيل التوبة ونشاط في العبادة وقناعة في القلب، ومن نسي الموت عوقب بثلاث تسويف في التوبة وكسل في العبادة وعدم القناعة في القلب)، فمما يرقق القلوب التفكر في الموت وفي أحواله وفي القبر وظلماته، فبالله عليك أخي هل تفكرت يوماً وأنت تخرج في الصباح أنك لن ترجع إلى بيتك مرة ثانية، هل تفكرت أن هذا اليوم هو آخر يومٍ لك في الحياة، هل إذا أتاك ملك الموت في هذا اليوم أنت راض عن نفسك، هل أنت راضٍ عن عملك الذي ستقابل به ربك؟ هل تخيلت حالك قبيل الموت كيف تكون؟ هل تخيلت أنفاسك الأخيرة على أي حال ستنقضي وهل ستكون ممن يحبون القدوم على ربهم أم ستكون كالعبد الآبق يطلب الرجعة؟ فيا أخي أنت الآن في مهلة فاغتنم فرصة العمل قبل انقضاء الأجل، فوالله لا ينفعك أن تقول : ﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ ﴾ فلا تغفل أيها الغالي عن الموت فإنه ليس له مكان معين، ولا زمن معين، ولا سبب معين، ولا عمر معين يأتيكم بغتة وأنتم لا تشعرون ﴿ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾.فكم صديقا او قريبا او جارا او ابنا او بنتا او زوجا او زوجة او زميلا في العمل كثيرون نعرفهم وقد يحدث ان صلينا معهم وتجادبنا معهم أطراف الحديث ، لنفاجئ بعد يوم أو أيام أنهم قد فارقونا إلى دار البقاء.

عباد الله،   الموت  حق لا ريب فيه ويقين لا شك فيه، فلا احد  يجادل في الموت وسكرته،ولا احد يخاصم في القبر وضمته، و لا احد  يقدر على تأخير موته وتأجيل ساعته، ﴿ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ لذا   أوصيكم  عباد الله ونفسي بان لا نغفل عن الموت وأن نعد الزاد لحين خروج الروح ومفارقتها لأجسادنا  لعل الله يرحمنا  ويختم بالصالحات أعمالنا ولنقتفي اثر السلف الصالح ونجعلهم عبرة لنا وأسوة حسنة . كيف لا وقد كانوا يكثرون من ذكر الموت و كانوا يخافون من سوء الرحيل مما كان يقض مضجعهم، ويجعلهم يزهدون في هذه الدنيا، خشية سوء الخاتمة، وكانوا يسألون الله أن يتوفاهم على الإسلام. كانوا يستعدون للموت في أبهى تجلياتها  و يعملون   و يجتهدون  في  طاعة الله و يعملون دائماً لآخرتهم  ، فما كانوا يتركون  الغفلة تستحوذ عليهم أو كانوا ينشغلون بحطام الدنيا أو جمع الأموال أو بناء الفيلات والعمارات أو التباهي بالأرصدة البنكية  أو  البحث عن السلطة أو الجاه أو أرضاء الشهوات،  بل كانوا يتذكرون الموت  دائما ن و يتذكرون أهوال يوم القيامة يقينا منهم أن  الدنيا  فانية ، وانه دوما نصب عيونهم قوله تعالى  في سورة الأنعام  وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ۖ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ ۚ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ (94)،

لقد كان كل هم سلفنا الصالح   هو العمل لأجل الآخرة لأنهم يدركون أن حسن الخاتمة لا يكون إلا لمن استقام ظاهره وصلح باطنه من الرياء والنفاق، ويدركون أيضا انه من علامات حسن الخاتمة: أن يتوفاهم الله على الإسلام، وأن يوفقهم  للتوبة عن الذنوب والمعاصي والإقبال على الطاعات، وأن يوفقهم  للنطق بالشهادة يقينا منهم أن من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة.

ومن صور استعداد السلف الصالح للقاء الله ما قاله مجاهد : ان عثمان بن عفان خطب ، فقال: ابن آدم! اعلم أن ملك الموت الذي وكِّل بك لم يزل يخلفك ويتخطى إلى غيرك مذ أتيت في الدنيا، وكأنه قد تخطى غيرك إليك وقصدك، فخذ حذرك واستعد له، ولا تغفل فإنه لا يُغفل عنك، واعلم يا ابن آدم أنك إن غفلت عن نفسك ولم تستعد لها، لن يستعد لها غيرك ولا بد من لقاء الله، فخذ لنفسك ولا تكل نفسك إلى غيرك والسلام

 ويقول: أحمد بن إسحاق الحضرمي: سمعت صالحاً المري  يبكي ويقول: هو والله السفر البعيد فتزودوا لمراحله، فإن خير الزاد التقوى، واعلموا أنكم في مثل أمنيتهم، فبادروا الموت واعملوا قبل حلوله، ثم يبكي.

اجل لقد كان سلفنا الصالح  يستعدون للموت  فعن أحمد بن عبد الله، قال:” قيل لـحاتم الأصم: علام بنيت علمك؟ قال: بنيت علمي على أربع: على فرضٍ لا يؤديه غيري فأنا به مشغول، وعلمت أن رزقي لا يجاوزني إلى غيري فقد وثقت به، وعلمت أني لا أخلو من عين الله طرفة عين، فأنا منه مستح، وعلمت أن لي أجلاً يبادرني فأبادره”.وكانوا يتزودون للرحيل، فها هي امرأة أبي محمد الفارس توقظه في الليل وتقول: قم يا حبيب ، فإن الطريق بعيد وزادنا قليل وقوافل الصالحين سارت من بين أيدينا ونحن هنا ماكثون.

إخوتي في الله  إن للعمر أيامه، وإن للحياة نهايتها، ولا ندري متى تنقضي أيام العمر ومتى تبلغ الحياة غايتها.فنحن  قومٌ مسافرون، والطريق طويل والعقبات كثيرة،، فلنتزود لآخرتنا من دنيانا، ولا تلهنا هذه الدنيا عن غايةٍ، فنضل عن، الطريق.

فلنتخيل أخي في الله أنفسنا ونحن على فراش الموت نعاني مرارة الموت، ولنتخيل ممشانا إلى القبر، ومبيتنا فيه وحدنا فرادى في حفرة ضيقة مظلمة مغلقة محكمة، لنتخيل أول ليلة نبيتها وأول نزلة ننزلها وأول سؤال نسمعه في القبر من ربنا  وما ديننا فلنتخيل  حالنا كيف سيكون حينها، عن أنس رضي الله عنه قال: (ألا أحدثكم بيومين وليلتين لم تسمع الخلائق بمثلهن أول يوم يجيئك البشير من الله تعالى إما برضاه وإما بسخطه، ويوم تعرض فيه على ربك آخذ كتابك إما بيمينك أو بشمالك، وليلة تستأنف فيها المبيت في القبور وليلة تمخض صبيحتها يوم القيامة).

لنتزود إذن  بتقوى الله، فإنه زادٌ سيصبح ثمنه غالياً، وترتفع سوقه، ويربح

طالبه: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ [البقرة:197]. لابد لنا من المبادرة قبل حلول الأجل. فإننا مهما لهثنا، ومهما ركضنا، ومهما جمعنا من مال ، ومهما أسرعنا، فلن تنتهي الأشغال، ولن نبلغ الآمال، وستموت النفوس بأناتها وحسراتها، ما لم تكن مشغولة في طاعة الله. فلا  ينفعنا إلا عمل صالح ندخره للرحيل ونجعله الزاد، ونجعله سفينة النجاة في بحار الشهوات، ففي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يقول ابن آدم: مالي مالي، قال: وهل لك يا بن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت؟).فلا ينفع أحدٌ من المال إلا ما قدم لنفسه وأنفقه في سبيل الله عز وجل، فأما ما أكله ولبسه فإنه لا له ولا عليه؛ إلا أن يكون فيه نية صالحة، وأما ما خلفه وتركه فهو لورثته لا له، وإنما هو خازن لورثته، فأما ما أنفقه في المعاصي فهو عليه لا له، وكذلك ما أمسكه ولم يؤد حق الله عز وجل فيه فهو عليه لا له.

ومما يحكى  عن رحيل السلف الصالح  ما  روي أن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عند احتضاره قال لـابن مسعود رضي الله عنه: قم فانظر أي ساعة هي؟ فقام ابن مسعود ، فقال: قد طلعت الحمراء- أي الشمس- فقال حذيفة : أعوذ بالله من صباح إلى النار، أعوذ بالله من صباحٍ إلى النار، وروي أن أبا هريرة رضي الله عنه بكى عند موته، ثم قال: والله ما أبكي حزناً على الدنيا ولا جزعاً من فراقكم؛ ولكني أنتظر إحدى البشريين من ربي بجنة أم نار، ولما حضرت بلالاً رضي الله عنه الوفاة، قالت امرأته: واحزناه! فقال: بل وا طرباه! غداً نلقى الأحبة، محمداً وحزبه، ولما توفي عبد الله بن المبارك سنة (181هـ) بعد انصرافه من الجهاد وله من العمر ثلاثٌ وستون سنة، لما احتضر قال ابن المبارك لمولاه نصر: اجعل رأسي على التراب، فبكى نصر، فقال له: ما يبكيك؟ قال: ذكرت ما كنت فيه من النعيم وها أنت ذا تموت فقيراً غريباً، قال: اسكت! فإني سألت الله أن يحييني حياة الأغنياء وأن يميتني موت الفقراء، ثم قال له: لقني ولا تعد علي ما لم أتكلم بكلامٍ ثانٍ، ثم فتح ابن المبارك وضحك، وقال: لمثل هذا فليعمل العاملون، وتشهَّد ثم فاضت روحه، لماذا قال: لمثل هذا فليعمل العاملون؟ لقد رأى البشارة مع ملك الموت يبشره برضوانٍ وروحٍ وريحان، وربٍ راضٍ غير غضبان.

إخوتي في الله إن الذي ينفعنا بعد موتنا هو العمل الصالح، فقد قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن أبي هريرة : (إذا مات الإنسان انقطع عمله) ستنقطع هذه الأعمال بحلول المنايا والرحيل والآجال: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علمٍ ينتفع به، أو ولدٍ صالح يدعو له) و في حديث قتادة: (خير ما يخلف الرجل من بعده ثلاث ولدٌ صالح يدعو له، وصدقةٌ تجري يبلغه أجرها، وعلمٌ يعمل به من بعده) رواه ابن حبان ، وقال صلى الله عليه وسلم(إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته، علماً علمه ونشره، أو ولداً صالحاً تركه، أو مصحفاً ورثه، أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابن السبيل، أو نهراً أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته) رواه ابن ماجة وابن خزيمة.

و ما دام الواحد كما أخبر صلى الله عليه وسلم ينتقل من هذه الدنيا ويتبعه ثلاثة ماله وولده وعمله، فيرجع المال والولد، ولا يبقى إلا العمل، فعلينا أن نخلص لأنفسنا. لننقذ أنفسنا قبل أن ننفع غيرنا، ولنسع في فكاك رقابنا من النار قبل أن نفزع لغيرنا من الخلق، ألا وإن كل واحدٍ منا على خطر، فلنبادر بأن نقدم لهذه الأنفس عملاً صالحا قبل أن يأتي يومٌ لا يجزي والدٌ عن ولده، ولا مولودٌ هو جازٍ عن والده شيئاً.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر   المسلمين  من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

أما بعد:

عباد الله: اتقوا الله وأبكوا على أنفسكم قبل أن يبكى عليكم، وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وأحملوا أنفسكم على الطاعات قبل أن تحملوا على الرقاب، واستعدوا للموت قبل أن ننادي بأعلى الصوت رباه ارجعون فلا يستجاب لنا.

اخي في الله اختي في الله تخيل نفسك  وأنت تزور مقبرة  وأنت تقف  أمام قبر مفتوح، وتأمل هذا اللحد الضيق، وتخيل أنك بداخله، وقد أغلق عليك الباب، وانهال عليك التراب، وفارقك الأهل والأولاد، وقد أحاطك القبر بظلمته ووحشته، فلا ترى إلا عملك. فماذا تتمنى يا ترى في هذه اللحظة؟ ألا تتمنى الرجوع إلى الدنيا لتعمل صالحا، لتركع ركعة، لتسبّح تسبيحة، لتذكر الله تعالى ولو مرة؟! ها أنت على ظهر الأرض حيًّا معافى فاعمل صالحا قبل أن تعضَّ على أصابع الندم وتصبح في عداد الموتى

فإذا هممتَ بمعصية، تذكّر أماني الموتى، تذكّر أنهم يتمنّون لو عاشوا ليطيعوا الله، فكيف تعصي الله؟ .. إذا فترت عن الطاعة، تذكّر أماني الموتى، واجتهد في الطاعة، وبادر إلى التوبة قبل أن يأتيك الموت بغتة، فتقول: يا ليتني قدمت لحياتي، واعلم أن ملايين الموتى يتمنون مثل الدقيقة التي تمر من حياتك ليستثمروها في طاعة الله، وذكره والتوبة إليه، فلا تضيع دقائق عمرك ، لئلا تتحسر في آخرتك .. (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنْ السَّاخِرِينَ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنْ الْمُتَّقِينَ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ) .

فيا أيّها المذنب وكلنا كذلك عد إلى ربّك وجدد التوبة قبل فوات الأوان وعلينا جميعاً الاستعداد لذلك اليوم وتلك النهاية كما كان هو دأب السلف الصالح. فالموت قادم إلينا لا محالة منه ولا مفر، فلنصلح البقية الباقية من أعمارنا في عبادة الله عز وجل، فوالله ما خلقنا إلا لعبادته سبحانه.

وتذكروا قول الله تعالى  ( إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار ) [ البقرة : 166 ، 167 ] ، وقول الله تعالى ( وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ۖ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ ۚ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ)

هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: (( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )) (7). اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.

اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا اللهــم وفق وانصر أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس لما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى،اللهم انصر من نصره واخذل من خذله واحفظه في ولي عهـده الأمير مولاي الحسن وأنبته نباتا حسنا وشد أزره بأخيه المولى الرشيد وباقي الأسرة العلوية الشريفة.

اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يرحمنا، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، اللهم اغفر لنا و لجميع المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، ربنا آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

اللهم يا رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما ارحمنا وارحم أمة محمد رحمة كافة تغنينا عن رحمة من سواك اللهم اغفر لحيينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا كبيرنا وصغيرنا اللهم من أحييته منا فأحييه على الإسلام. ومن توفيته منا فتوفاه على الإيمان. اللهم ارحم موتى المسلمين رحمة واسعة وتغمدهم برحمتك اللهم ارحمهم فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك. اللهم قهم عذابك يوم تبعث عبادك. اللهم نور قبورهم ووسع مدخلهم وآنس وحشتهم  اللهم اجعل قبورهم روضة من رياض الجنة. لا حفرة من حفر النار.اللهم أبدلهم دارا خيرا من دارهم. وأهلا خيرا من عاهلهم. وذرية خيرا من ذريتهم  وأدخلهم الجنة بغير حساب. برحمتك يا ارحم الراحمين اللهم انقلهم من ضيق اللحود ومن مراتع الدود إلى جناتك جنات الخلود .اللهم أطعمهم من الجنة واسقهم من الجنة وارهم مكانهم من الجنة وقل لهم أدخلوا من أي باب تشاءون اللهم ارجع نفسهم اليك راضية مرضيه وأدخلهم في جنتك مع عبادك الصالحين. اللهم إن كانوا من المحسنين فزد في حسناتهم وان كانوا من المسيئين فتجاوز عن سيئاتهم.اللهم ثبتهم بالقول الثابت وارفع درجاتهم واغفر خطيئتهم وثقل موازينهم و حاسبهم حسابا يسيرا يا من هو ارحم بعباده بأنفسهم  من الام بولدها. “رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ”

خطبة الجمعة ليوم  14 دجنبر 2018، مسجد الحسن الثاني سيدي بنور ، د/عبد الهادي السبيوي

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *