أحكام أضحية العيد على المذهب المالكي
الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد، فيا عباد الله، يقول الله تعالى: (والبدن جعلناها لكم من شعائر الله)، أي من أعلام الدين، ويقول عز وجل: (فصل لربك وانحر).
أيها الإخوة الكرام، إن مما يكثر السؤال عنه في هذه الأيام من قبل الكثير من الناس، وهم يستعدون لشراء أضحية عيد الأضحى المبارك ما يتعلق بفقه الأضحية ومختلف الأحكام المتعلقة بها، لذلكم يستحسن التذكير بذلك لئلا نخلط ما تعودنا عليه عادة بأمور العبادة، فأقول وبالله التوفيق:
الأضحية في مذهبنا المالكي سنة واجبة أي مؤكدة، ويكره تركها للقادر عليها، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد والحاكم: “من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا”، والقادر عليها أيها الإخوة والأخوات هو الذي لا يحتاج إلى ثمنها لأمر ضروري في عامه، ولو استطاع أن يستدين استدان ولكن بالطرق الحلال،
ولنعلم جميعا أن سيدنا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، وذلك فيما رواه الإمام البيهقي وغيره، كانا لا يضحيان مخافة أن ترى الناس ذلك واجبا، والمطالب بالأضحية هو كل مسلم حر بالغ عاقل مقيم مستطيع، والأضحية بهذا قربة إلى الله وعبادة تحتاج إلى الإخلاص لله تعالى، وتصحيح النية، إذ لا يجوز أن تكون مباهاةً وافتخارا على الناس والجيران، فكل مضح ينبغي أن ينوي التقرب إلى الله تعالى بذبح أضحيته، وحتى عندما يختار السمينة الحسنة ينبغي أن يكون اختياره نابعا من نية التقرب بالأفضل الأحسن إلى مولاه وخالقه،
والسمينة أفضل من غير السمينة، لقول الله عز وجل: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)، قال ابن عباس رضي الله عنها: “تعظيمها استسمانها واستحسانها، ويقول سبحانه: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي وابن ماجة عن عائشة رضي الله عنها: “ما عمل ابن آدم يوم النحر عملا أحب إلى الله تعالى من إراقة الدم، إنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها، وإن الدم ليقع من الله عز وجل بمكان قبل أن يقع على الأرض فطيبوا بها نفسا”، وسئل النبي صلى الله عليه وسلم ما هذه الأضاحي؟ قال: “سنة أبيكم إبراهيم” قالوا: مالنا منها؟ قال: “بكل شعرة حسنة”، قالوا: فالصوف؟ قال: “بكل شعرة من الصوف حسنة”، والحكمة من تشريعها أيها الإخوة الكرام هو شكر الله على نعمه المتعددة، وعلى بقاء الإنسان من عام لعام، ولتكفير السيئات عنا.
ويشترط لصحة الأضحية سلامة الحيوان المضحى به من العيوب الفاحشة، وهي أربعة: فلا تجوز العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ضلعها، والعجفاء الهزيلة التي لا تنقي أي لا نقي لها، أي لا مخ لها، بمعنى أن الأفضل ما كان كامل الخلقة دون أي نقص فيه،
ولا يجزئ من الإبل إلا ما تم له خمس سنين (الثني) ، ومن البقر ما تم له ثلاث سنين (الثني) ، ومن المعز ما تم له سنة (الثني) ، ومن الضأن ما تم له سنة (الجدع) ،
وتجزئ البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة، والشاة تجزئ عن الرجل وأهل بيته، ولا يبيع منها شيئاً، ولا يجوز إعطاء الجزار أجرته منها، ولا يجزئ فيها دفع القيمة، والأبيض أفضل من الأسود،
وقد يسأل بعض الناس على الاشتراك في ثمن الأضحية للاستفادة من حصة من لحمها؟، أقول: إن ذلك يكره في مذهبنا المالكي الذي نقتدي به، وأما أن يشتري الرجل الواحد الأضحية ويشرك في ثوابها غيره، قبل أن يذبحها فذلك جائز بشروط: أن يكون المشرك قريبا له وينفق عليه ويسكن معه، وأما أن يعمد أحدنا إلى شراء أضحية ويشرك فيها جماعة من الناس دون أن يدخل نفسه معهم، فهذا جائز من غير شرط.
واعلموا أن وقت ذبح الأضاحي بعد الانتهاء من صلاة العيد، ويمتد إلى غروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق، ومن ذبح قبل الصلاة فهي شاة لحم وليست بأضحية، ولم يصب سنة المسلمين، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى، ومن لم يذبح فليذبح”، ومن السنة أن يذبح المسلم أضحيته بيده، فإن كان لا يحسن جاز له أن ينيب عنه، ولكن عليه أن يشاهدها،
ويستحب في مذهبنا المالكي أن يجمع المضحي بين الأكل من الأضحية والتصدق والإهداء، وليس في الجمع بين الأمور الثلاثة في المشهور عند المالكية حد مقدر في ذلك بثلث ولا غيره، يقول صلى الله عليه وسلم في المتفق عليه: “كلوا وأطعموا واذخروا” وفي رواية: “كلوا واذخروا وتصدقوا”، والحمد لله رب العالمين.
الدعاء.