وقفات مع معجزات النبي صلى الله عليه وسلم

وقفات مع معجزات النبي صلى الله عليه وسلم

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله، خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى وأحثكم على ذكره.

أما بعد فيا عباد الله، مادمنا نعيش أواخر شهر ربيع الأول الأنور، الذي ولد فيه خير البرية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، حيث لازلنا نعبق نسائمه الزكية، سنتوقف اليوم عند مجال آخر من حياة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهو الاطلاع على بعض ماتيسر من المعجزات التي أكرمه المولى عز وجل بها. علنا نتعرف على نبينا حق المعرفة، فنحبه من صميم قلوبنا، ونتبعه ونحن مقتنعون، ونعظمه ونحن مدركون متيقنون، ونصلي ونسلم عليه ونحن مقصرون.

أيها الإخوة الكرام، في البداءة المعجزة هي مايعجز الخلق عن الإتيان بمثله، ويعطاه الأنبياء والرسل، وهي على ضربين: ضرب هو من نوع قدرة البشر فعجزوا عنه، فتعجيزهم عنه فعل لله دل على صدق نبيه، وذلك كالعجز عن الإتيان بمثل القرآن الكريم، وضرب هو خارج عن قدرة البشر، فلم يقدروا عن الإتيان بمثله، كإحياء الموتى، وقلب العصا حية وغير ذلك.

واعلموا أيضا أن المعجزات التي ظهرت على يد نبينا صلى الله عليه وسلم، تعد من دلائل نبوته وبراهين صدقه، وقد أكرمه الله تعالى بهذين النوعين معا، وهو أكثر الرسل معجزة وأبهرهم آية وأظهرهم برهانا.

ولعله من نافلة القول أن أقول بأن القرآن الكريم هو من أبهر المعجزات العظيمة الدائمة التي نعلم بقطعيتها، حيث نقل إلينا متواترا، فلا مرية ولا خلاف بمجيء النبي به وظهوره من قبله، وكل المتعلقات المتصلة به معجزات أخرى كثيرة أكرم الله بها نبيه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

أيها الإخوة الكرام، ومن أهم المعجزات التي أعطيها النبي صلى الله عليه وسلم إنشقاق القمر، يقول تعالى في كتابه الكريم: “اقتربت الساعة وانشق القمر، وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر”، في هذه الآية يخبر عز وجل بانشقاق القمر بلفظ الماضي، وإعراض الكفرة عن آياته، وقد أجمع المفسرون وأهل السنة على وقوعه، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال:” انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين: فرقة فوق الجبل، وفرقة دونه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” اشهدوا”، وفي رواية أخرى: حتى رأيت الجبل بين فرجتي القمر، فقالت كفار قريش، سحركم ابن أبي كبشة، فقال أبو جهل: هذا سحر، فابعثوا إلى أهل الآفاق حتى تنظروا أرأوا ذلك أم لا؟، فأخبر أهل الآفاق أنهم رأوه منشقا، فقالوا -يعني الكفار-: سحر مستمر”.

ومما أكرم الله به نبيه صلى الله عليه وسلم من المعجزات مايتصل بنبع الماء من بين أصابعه الشريفة وتكثيره ببركته، روى الإمام البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحانت صلاة العصر، فالتمس الناس الوضوء، فلم يجدوه، فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الإناء يده، وأمر الناس أن يتوضأوا منه، قال: فرأيت الماء ينبع من بين أصابعه فتوضأ الناس حتى توضأوا من عند آخرهم، قال: كم كنتم؟، قال: كنا زهاء ثلاثمائة.

ومما يشبه هذا من معجزاته، تفجير الماء ببركته وانبعاثه بمسه ودعوته، روى الإمام مالك في الموطأ عن معاذ بن جبل رضي الله عنه في قصة غزوة تبوك، وأنهم وردوا العين وهي تبض بشيء من ماء مثل الشراك، فغرفوا من العين بأيديهم حتى اجتمع في شيء، ثم غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه وجهه ويديه، وأعاده فيها، فجرت بماء كثير، فاستقى الناس، وفي رواية فانخرق من الماء ماله حس كحس الصواعق، ثم قال: يوشك يامعاذ إن طالت بك حياة أن ترى ماهاهنا قد ملئ جنانا”.

ومن معجزاته تكثير الطعام ببركته ودعائه، روى الإمام البخاري عن أبي هريرة حين أصابه الجوع، فاستتبعه النبي صلى الله عليه وسلم، فوجد لبنا في قدح قد أهدي إليه، وأمره أن يدعو أهل الصفة، قال: فقلت: ماهذا اللبن فيهم؟ كنت أحق أن أصيب منه شربة أتقوى بها فدعوتهم. وذكر أمر النبي صلى الله عليه وسلم له أن يسيقيهم، فجعلت أعطي الرجل فيشرب حتى يروى، ثم يأخذه الآخر حتى روي جميعهم.

قال: فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم القدح، وقال: بقيت أنا وأنت، اقعد فاشرب”، شربت، ثم قال: اشرب، ومازال يقولها وأشرب حتى قلت: لا ، والذي بعثك بالحق، ما أجد له مسلكا، فأخذ القدح فحمد الله وسمى وشرب الفضلة. أسأل الله تبارك وتعالى أن يعرفنا بنبيه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حق المعرفة أمين أمين أمين، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد فياعباد الله، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفره، فدنا منه أعرابي، فقال:” يا أعرابي أين تريد؟ قال: إلى أهلي، قال:” هل لك إلى خير؟ قال وماهو؟ قال:” تشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأن محمدا عبده ورسوله”، قال: من يشهد لك على ماتقول؟ قال: هذه الشجرة السمرة، وهي بشاطئ الوادي، وادعها فإنها تجيبك”، فأقبلت تخذ الأرض حتى قامت بين يديه، فاستشهدها ثلاثا، فشهدت أنه كما قال، ثم رجعت إلى مكانها…

ومثل هذا في سائر الجمادات أيضا، روى الإمام البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: لقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل، وفي حديث آخر أخذ النبي صلى الله عليه وسلم كفا من حصى، فسبحن في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا التسبيح، ثم صبهن في يد أبي بكر رضي الله عنه فسبحن، ثم في أيدينا فما سبحن”.

وروى الدارمي والحاكم في المستدرك عن علي رضي الله عنه قال: “كنا بمكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج إلى بعض نواحيها فما استقبله شجرة ولا جبل إلا قال له: السلام عليك يارسول الله”.

فهذا غيض من فيض معجزاته صلى الله عليه وسلم الكثيرات العظيمات، وحسبنا أننا نبهنا على بعضها علها تحفزنا على فضول الاطلاع على الكثير، فكلما اطلعنا على تفاصيل حياة الحبيب كلما أحببناه من سويداء قلوبنا وازددنا اقتفاء له وتعظيما لجنابه، والحمد لله رب العالمين.

الدكتور مولاي عبد المغيث بصير

 

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *