ظاهرة العنف ضد النساء وكيف عالجها الإسلام

ظاهرة العنف ضد النساء وكيف عالجها الإسلام

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله، خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى وأحثكم على ذكره.

أما بعد فيا عباد الله، قال الله تعالى في كتابه الكريم:” والذين يوذون المومنين والمومنات بغير مااكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا”.

أيها الإخوة الكرام، إن ديننا الإسلامي الحنيف كرم المرأة وشرفها وبوأها منزلة كبرى سواء كانت أما أو زوجا أو بنتا، وحرم إذايتها وتعنيفها، وحفها بسياج عظيم من التكريم وأحاطها بفيض كبير من الحفظ والصون والاهتمام. لكن المتأمل بعين فكره في الظواهر الاجتماعية السلبية التي تعاني منها العديد من النساء في مجتمعنا في أيامنا هذه، يجد ظاهرة العنف ضد المرأة، حيث تجد بعضهن يشتكين من العنف البدني، وبعضهن تشتكين العنف الاقتصادي، وأخريات يشتكين العنف العاطفي واللفظي، أو يشتكين جرائم الشرف التي اتخذت مظاهر عديدة علنية، وغير ذلك. مما تسبب في موت بعضهن جراء هذا العنف، وعيش بعضهن بعاهات مستديمة وأمراض نفسية عصيبة، ومنهن من أجهض حملها من جراء الضرب والعنف وغير ذلك من التجليات التي تعرفونها.

أيها الإخوة الكرام، لقد حض نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم على إكرام المرأة، وعد الرجل الذي يلجأ إلى إهانتها بضربها أو التكبر عليها، أو توجيه الكلام المهين إليها، مثل هذا عده النبي صلى الله عليه وسلم لئيما في طبعه، دنيئا في أخلاقه، يحاول أن يعوض عن نقصه وتقصيره في نواحي معينة بهذه السلوكات غير اللائقة، وهو بذلكم يعبر عن عدم إدراكه المعنى الحقيقي للعلاقة الزوجية القائمة على قوله تعالى:” وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً”.

أمثال هؤلاء أيها الإخوة الكرام أساؤوا فهم قوله عز وجل:” واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن”، فالإسلام عندما أباح ضرب الأزواج لزوجاتهن، أباحه على أنه علاج لبعض أمراض الزوجة الخلقية المشينة، وعند تيقن الفائدة من هذا السلوك، أما أن يكون الضرب سلاحا بيد الزوج مسلطا على المرأة كل حين ولأتفه الأسباب، وبحجة أن الإسلام أباحه، فهذا ما لا يرضى عنه الله ورسوله أبدا. قال الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه العديد من أهل السنن:” حق المرأة على زوجها أن يطعمها إذا طعم، ويكسوها إذا اكتسى، ولا يضرب الوجه ولا يهجر إلا في البيت”، وفي أحاديث أخرى بين النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا الضرب، في حال حصوله، يجب ألا يكون ضربا مبرحا فيه أذى للمرأة، فقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه ابن ماجة :”استوصوا بالنساء خيرا، فإنهن عندكم عوان، – أسيرات – ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك، إلا أن ياتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا”، وفي صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم: “اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه، فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح”.

والضرب كما ذكر العلماء اشترط فيه أن يكون غير مبرح، والتبرح هو الإيذاء الشديد، قال عطاء رحمه الله: قلت لابن عباس رضي الله عنهما :”ما الضرب غير المبرح ؟ قال بالسواك ونحوه”. وبذلكم فالضرب في حال حصوله يراد منه التأنيب والتأديب لا التعذيب، بالجلد مثلا أو الصفع أو الوكز.

أيها الإخوة الكرام، روى أصحاب السنن عن أنس رضي الله عنه قال:” لما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ضرب النساء وقال:”لاتضربوا إماء الله تعالى”، جاء سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال:”يارسول الله إن النساء ذئرن- بمعنى نفرن ونشزن واجترأن على أزواجهن وساءت أخلاقهن معهم- فرخص للرجال في ضربهن، فضرب الناس نساءهم تلك الليلة، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم نساء كثير نحو سبعين امرأة كلهن يشتكين الضرب، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا فقال:” وأيم الله لقد طاف بآل محمد صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشتكون أزواجهن من كثرة الضرب، وأيم الله لاتجدون أولئك بخياركم”، وفي رواية: “لن يضرب خيركم”.

أيها الإخوة الكرام، إن تعنيف المرأة بأي شكل من الأشكال يعد احتقارا لإنسانية المرأة وإنسانية الرجل على السواء، قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام البخاري: “يعمد أحدكم يجلد امرأته جلد العبيد، فلعله يضاجعها من آخر يومه”، وفي رواية:” يظل أحدكم يضرب امرأته ضرب العبيد ثم يعانقها يضاجعها من آخر يومه”، وفي رواية يظل أحدكم يضرب امرأته ضرب العبيد ثم يعانقها ولا يستحي”. أسأل الله تعالى أن يصلحنا وأن يصلح أهلينا وذوينا وكل من كان منا، وأن يفقهنا بأمور ديننا أمين، أمين أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد فياعباد الله،  قال الله تبارك وتعالى:” وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا”، وقال صلى الله عليه وسلم:” لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر”.

أيها الإخوة الكرام، إن العطف والحنان اللذين يبثهما الزوج في أرجاء بيته ويملأ بهما حياة زوجته، والرفق واللين اللذين ينبعان من سلوك الرجل وتعامله مع زوجته، كل هذه الأمور تعمل عمل السحر في بث روح السعادة والهناء في البيت والأسرة، فأكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخياركم خياركم لنسائهم، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وسأختم أيها الإخوة والأخوات بقصة رواها الإمامان البخاري ومسلم عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: “والله إنا كنا في الجاهلية ما نعد للنساء أمرا حتى أنزل الله فيهن ما أنزل، وقسم لهن ماقسم، قال فبينا أنا في أمر أتأمره، إذ قالت امرأتي: لو صنعت كذا وكذا قال فقلت لها: ومالك أنت ولما ههنا؟، فيما تكلفك في أمر أريده، فقالت لي: عجبا لك يا ابن الخطاب، ماتريد أن تراجع أنت؟ وإن ابنتك لتراجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يظل يومه غضبان؟ فقام عمر فأخذ رداءه مكانه حتى دخل على حفصة، فقال لها: يابنية إنك لتراجعين رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يظل يومه غضبان؟ فقالت حفصة: والله إنا لنراجعه، فقلت: تعلمين، إني أحذرك عقوبة الله وغضب رسوله، يابنية لا يغرنك هذه التي أعجبها حسنها حب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها- يريد عائشة رضي الله عنها- قال: ثم خرجت حتى دخلت على أم سلمة لقرابتي منها فكلمتها، فقالت أم سلمة رضي الله عنها: عجبا لك ياابن الخطاب دخلت في كل شيء حتى تبتغي أن تدخل بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه؟ قال: فأخذتني والله أخذا كسرتني عن بعض ما كنت أجد فخرجت من عندها…”

فانظروا رحمكم الله إلى روعة الحلم عند النبي صلى الله عليه وسلم عندما راجعت زوجة عمر زوجها في بعض الأمور، فاستعظم عمر ذلك واستكبره، بيد أن زوجات النبي كن يراجعنه ويجادلنه ويناقشنه، وصلى الله عليه وسلم يسمع لهن ولا ينكر ذلك منهن تواضعا منه صلى الله عليه وسلم ورأفة منه، بل حتى أن إحداهن كانت تراجعه في الكلام، وتهجره إلى الليل.

نسأل الله عز وجل أن يحسن أخلاقنا، وأن يهدينا لأحسنها، فإنه لايهدينا لأحسنها إلا هو، والحمد لله رب العالمين.

الدكتور مولاي عبد المغيث بصير

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *