الزكـــــــاة (تابع)
الزكـــــــاة (تابع)
الحمد لله، الحمد لله حق حمده، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جعل الزكاة للدين أساسا وبنيانا، وركنا من أركان الإسلام يسد حاجة الفقراء والأرامل واليتامى، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، حث على أداء الزكاة، وقال: “حصنوا أموالكم بالزكاة”، وقال أيضا لا يجتمع الشح والإيمان في قلب مؤمن أبدا”، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين اهتدوا بهداه، وسلم تسليما كثيرا، أما بعد: فيا أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، في الجمعة الماضية تكلمنا عن فريضة الزكاة، وذكرنا اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون من بعده، وسلفنا الصالح بأدائها وإعطائها لمستحقيها الذين جاء ذكرهم في الآية الكريمة: “إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل”، إذ لا يجوز صرفها أي إعطاؤها لغير هذه الأصناف الثمانية ولا تبرأ ذمة المزكي إذا أعطيت لغيرهم، وللفائدة أذكركم وأذكر نفسي بهذه الأصناف الثمانية المستحقة للزكاة، وهم أولا: الفقراء، وهم الذين لا يجدون من كفايتهم قوتا وتطبيبا وحاجة أساسية، إلا شيئاً قليلاً لا يكفيهم لتغطية نصف سنة، فإذا كان الإنسان لا يجد ما ينفق على نفسه وعائلته نصف سنة، فهو فقير، فيعطى ما يكفيه وعائلته سنة. والثاني هم المساكين، وهم الذين يجدون من كفايتهم ما يسد الحاجيات الأساسية والضرورية لعيش كريم نصف السنة فأكثر، ولكن لا يجدون ما يكفيهم سنة كاملة، فيكمل لهم نفقة السنة. الثالث هم العاملون عليها، وهم الذين يوكلهم من ولاه الله تعالى أمر جباية الزكاة وجمعها، وتصريفها إلى مستحقيها، وحفظها، ونحو ذلك، فيعطون من الزكاة بقدر عملهم وإن كانوا أغنياء، وهذا النوع لا يوجد عندنا في بلادنا وإنما نذكر به، فحيثما وجد فهو مستحق لأخذ نصيبه من الزكاة، والصنف الرابع هم المؤلفة قلوبهم، وهم غير المتدينين من الذين يعيشون مع المسلمين في بلاد الإسلام وكذلك رؤساء العشائر، الذين ليس في إيمانهم قوة، فيعطون من الزكاة، ليقوى إيمانهم، فيكونون دعاة للإسلام وقدوة صالحة في قبائلهم. والصنف الخامس زكاة توجه لعتق الرقاب، ويدخل فيها شراء العبيد من مال الزكاة وإعتاقهم، ومعاونة المكاتبين، وفك الأسرى من المسلمين. الصنف السادس هم الغارمون، وهم المدينون، وما أكثرهم في بلادنا، إذا لم يكن لهم ما يمكن أن يوفوا منه ديونهم فهؤلاء يعطون من الزكاة، ما يوفون به ديونهم. والصنف السابع: في سبيل الله، وهو مال الزكاة الموجه لأصناف من الجهاد في سبيل الله، فيعطى المجاهدون من الزكاة ما يكفيهم لجهادهم، وكذلك يصرف على الجهات التي تعمل لتكوين أجيال المسلمين الصالحين من أبناء الأمة في التعليم كالمدارس العتيقة في البوادي ووراء الجبال، وفي المشاريع الموجه ريعها لمنفعة الفقراء واليتامى والأرامل وذوي الحاجيات الخاصة، والصنف الثامن: ابن السبيل، وهو المسافر الذي انقطع به السفر، فيعطى من الزكاة، ما يوصله إلى بلده، فهؤلاء هم أهل الزكاة، لذلك أخي المزكي لابد لك من أمرين: الأول إخراج الزكاة بالتمام والوفاء، والثاني صرفها في مصرفها الشرعي الذي حددته الآية الكريمة وابحث عن معرفتهم معرفة دقيقة تامة حتى لا تضع زكاتك في غير محلها، ولا تجعل الزكاة وقاية لمالك بأن تدفعها لمن له حق عليك، كوالديك وزوجك وأولادك الصغار الذين هم بين يديك، وإذا أخرجت زكاتك وأعطيتها شخصاً يغلب على ظنك أنه مستحق، فتبين لك فيما بعد أنه غير مستحق، أجزأت عنك، والإثم عليه، حيث أخذ ما لا يستحق إذا علم أنها زكاة مالك، كما يجوز لك أن تدفعها إلى أقاربك الذين لا تُنفق عليهم، إذا كانوا من هؤلاء المستحقين الذين بينناهم آنفا فهي صدقة وصلة، وكما نقول ففي المقربين أولى، حيث لها تأثيرا على المودة والمحبة وتجلب الدعاء الخالص بدل الحقد والضغينة والكراهية بين الأسر، ويجوز أن تدفعها لشخص محتاج للزواج، إذا لم يكن عنده ما يتزوج به، اقتداءا بسيدنا عمر بن الخطاب حيث صرفها لتزويج الشباب الصالحين، وينبغي التنبيه هنا بأن الزكاة لا تصرف في بناء المساجد، فبـادروا بزكـاة المـال إن بها *** للنفس والمال تطهيراً وتحصينـاً *** ألم تروا أن أهل المـال في وجـل *** يخشـون مصرعهـم إلا المزكينا *** فهل تظنـون أن الله أورثكــم *** مالاً لتَشْقَوا بـه جمعاً وتخزينـاً *** أو تقصروه على مرضاة أنفسكم *** وتحرموا منـه معتداً ومسكينـاً *** ما أنتم غيـر أقـوام سيسألكم *** إلهكـم عن حسـاب المستحقينا *** ولن تنالوا نصيبـاً من خلافتـه *** إلا بأن تنفقـوا ممـا تحبـونـا. جعلني الله وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله، وأولئك هم أولوا الألباب، آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
فيا من تسألون الناس إلحافا، وتأخذون الزكاة وتلحون في ذلك إلحاحا، عليكم أن تعلموا أنها لا تحل لغني عنده ما يكفيه لمدة عام، ولا تحل لقوي في بدنه يقدر على الإكتساب والحرفة والعمل بوصف عام، فمن أخذها منكم وهو غني عنها لا يريد بها سد جوعه وكسوته، وإنما يريد جمع الدراهم و التكثر بها، أو أخذها وهو قوي في بدنه، عنده قوت سنته، قادر على اكتساب معيشته فإنما يأخذ حراما وسحتا ويأخذ جمرا وعذابا أليما في جهنم، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذي يسأل الناس تكثرا وليس به حاجة، وإنما يريد تكثير ماله، فإنما يسأل جمرا، وأنه يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم، ويأتي يوم القيامة وقد أثرت مسألته في وجهه، وكثير من هؤلاء المتسولين يكذب على الله وعلى خلقه فيظهر أمام الناس بمظهر الفقير وهو غني ويظهر أمام الناس بمظهر المريض العاجز وهو قوي معافى، ويظهر أمام الناس بمظهر المصاب بالآفات والمصائب من العرج والعمى والبكم وهو سليم، وهؤلاء إن خفي أمرهم على الناس فليعلموا أنه لا يخفى على الله الذي يعلم ما نخفي وما نعلن، ولكنهم لا يخافون الله ولا يبالون بالكذب، والحلف بالله وقد نزع الحياء منهم فصاروا يضايقون الناس في مساجدهم وفي بيوتهم وأسواقهم، وقد تؤدي الوقاحة ببعضهم إلى أن يسب أخاه المسلم عندما يعتذر إليه بعدم إيجاد النقود لديه في تلك الساعة، وهؤلاء يجب على الحكومة أن تضرب على أيديهم وتردعهم عن فعلهم القبيح الشنيع لأنهم يشوهون سمعة الإسلام ومبادئه القائمة على الحب والوئام والتعاون والتضحية والسلام، قال تعالى: “خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم، والله سميع عليم، ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم، وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون، وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون”. الدعاء
خطبة الجمعة من مسجد الحسنى عين الشق، الزكاة (تابع) ، الجمعة 2 صفر 1440 موافق 12 أكتوبر 2018 الأستاذ مولاي يوسف المختار بصير