أهمية التعلم والنهل من العلوم والتكوينات
أهمية التعلم والنهل من العلوم والتكوينات
الخطبة الأولى:
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم على ذكره.
أما بعد فيا عباد الله، يقول الله تعالى في كتابه الكريم:” إقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، إقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم، علم الإنسان مالم يعلم”، هذه أيها الإخوة والأخوات أول آية أوحى الله تعالى بها إلى رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، واستنبط منها العلماء الدعوة إلى العلم والتعليم والقراءة والكتابة، هذا أول أمر طولب به نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم قبل أن يؤمر بباقي الأوامر والنواهي من صلاة وزكاة وحج وغيرها، وما أمر بذلك إلا لنعلم جميعا بكون العلم سابق على العمل، وإلا لنعلم بكون العلم هو كل شيء في حياتنا، فبدون علم نحن في ظلام الجهل والأمية، وبدون علم لايوجد فهم، وبدون فهم لايوجد عمل وبدون عمل لاتوجد أخلاق وبدون أخلاق لايمكن خلق مجتمع راقي متحضر متطور.
أيها الإخوة الكرام، هذا شيء، والشيء الثاني هو أننا إذا لم نجد من يربينا ويهذب أخلاقنا إضافة إلى الجهل والأمية، فإننا حتما سنعيش عديمي الأخلاق غير منظمين وغير قابلين للتنظيم، ولا يمكن أن نقدم أي خير ونفع للأمة وللمجتمع، وهذه الفئة الجاهلة الغير المهذبة الأخلاق تكون في الغالب الأعم هي مصدر تعاسة وإعاقة المجتمع وفقره وضعف تنميته على جميع الأصعدة، تأملوا في غالبية المعضلات التي تعاني منها المجتمعات، تجدون سببها الأول هو الجهل والأمية الغير المصحوب بالتهذيب والتخلق والتربية، نعم أيها الإخوة والأخوات هذا هو الواقع.وهذه هي الحقيقة المرة. والحقيقة المرة خير ألف مرة من الوهم المريح.
أيها الإخوة الكرام، فإذا كان الأمر بالقراءة هو أول أمر صدر للنبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، فما هو حالنا مع القراءة؟ هل نقرأ؟ وهل نتعلم؟ وكم نقرأ؟ وماذا تعلمنا من علوم نافعة؟ وفي حال كنا نقرأ ماذا نقرأ؟ وماذا فعلنا كي نحبب القراءة والعلم لأبنائنا ولمن هم تحت مسؤوليتنا؟ وماذا حصلنا من تجارب ومن تكوينات إلى حد الساعة؟، وهل صدرنا ماتعلمناه لغيرنا؟، هذه كلها أسئلة موضوعية ينبغي أن نطرحها على أنفسنا، ليس فقط في بداية العام الدراسي، وإنما في كل أوقات العام والسنة وجل حياتنا، لأن طلب العلم من المهد إلى اللحد كما يقال. فما تقدم من تقدم من مجتمعات، وما تطور من تطور من مجتمعات إلا باهتمامها بالعلم والتربية وتهذيب الأخلاق.
أيها الإخوة الكرام، قال الله سبحانه وتعالى في آية أخرى: “وقل ربي زدني علما”، في هذه الآية الكريمة يأمر الحق سبحانه نبيه الكريم بطلب الاستزادة من العلم، وهو من هو كيف بنا نحن؟ وروى أبو داود والترمذي عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول:” مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الجَنَّةِ، وَإِنَّ المَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ العِلْمِ، وَإِنَّ العَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالحِيتَانُ فِي جَوْفِ المَاءِ، وَإِنَّ فَضْلَ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ كَفَضْلِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ عَلَى سَائِرِ الكَوَاكِبِ، وَإِنَّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، إِنَّمَا وَرَّثُوا العِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ”، فأهل العلم المصحوب بالعمل والتربية والأخلاق، هم في الأعم الأغلب يحصلون سعادة الدارين في الدنيا والآخرة، ويحصلون رضى الخالق قبل رضى الخلق، ويتفاعل معهم سائر المخلوقات، ولهم أفضال كثيرة على العباد والزهاد، ومن تحقق بالعلم ورث الأنبياء، فالأنبياء عليهم السلام لم يورثوا درهما ولا دينارا، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ بالعلم أخذ بحظ وافر من إرث الأنبياء، فنحن الآن في القرن الخامس عشر الهجري، فإذا كان الواحد منا من أهل العلم فهو من ورثة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وهذا فضل عظيم، لايزهد فيه إلا محروم.
أيها الإخوة الكرام، إن ديننا الإسلامي أعطى لكلمة العلم مدلولا واسعا ومفهوما كبيرا، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:” طلب العلم فريضة على كل مسلم”، فالعلم بالنسبة للمسلم والمسلمة يراد به أولا ما يجب عليهما تعلمه والعمل به، مما هو فرض عين في حياتهما اليومية العملية، من التعلم للمبادئ الأساسية في الدين، ومن معرفة أحكامه الضرورية التي ندين بها لله، ونتعبده بها في العقيدة والعبادة والأخلاق والسلوك والمعاملة، والغريب في أيامنا هذه أن هذه العلوم التي تشكل رأسمال كل مسلم وينبغي أن يحصلها كل مسلم زهدنا فيها أيضا، وأصبح الكثير منا يعبد الله بالجهل.
ويدخل في ذلك، تعلم مبادئ اللغة العربية ومعرفة قواعدها الأساسية وعلومها، بالإضافة إلى تعلم اللغات الأجنبية وغيرها، لما في ذلك من الخير العميم للأمة، وإن كلمة العلم والتعلم والمعرفة في الإسلام يراد بها كذلك ما ينبغي للمسلم والمسلمة تعلمه وتحصيله ومعرفته وفهمه والتكوين فيه من علوم ومهن وحرف ومعارف إنسانية أخرى، من علوم أدبية واجتماعية وجغرافية وحضارية وقانونية واقتصادية وطبية وفلكية ومهنية، وغيرها من العلوم الإنسانية النافعة، فقد تعلم الصحابة لغة الأقوام في زمنهم، وتعلم السلف الصالح علوم غيرهم من غير المسلمين، فترجموا كتبهم إلى اللغة العربية من أجل نفع الأمة، فحازوا قصب السبق في العلوم المختلفة التي صارت من بعدهم أصول العلوم الإنسانية والعمدة في الطب والرياضيات والفيزياء والكيمياء وغيرها، نسألك اللهم أن تعلمنا ما ينفعنا، وأن تنفعنا بما علمتنا وأن تزيدنا علما، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه،
أما فيا عباد الله، يقول الله سبحانه وتعالى:”يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات”.
أيها الإخوة الكرام، ونحن نعيش أجواء الدخول المدرسي الجديد، الذي نعلق عليه آمالا كبيرة لتنشئة الأجيال الصاعدة تنشئة تتيح الانخراط بإيجابية في الحياة المجتمعية. نغتنمها فرصة لنذكر كل واحد منا بواجباته، لأن مجتمعنا اليوم في حاجة ماسة وملحة أن يلتزم الجميع معه لتنشئة الجيل الصاعد على تلقي العلم والتكوين الضروريين، والتربية على الأخلاق والقيم الرصينة لديننا وبلدنا، لذلكم ينبغي أن يلتزم الآباء والأمهات أن يأتي ابنهم للمدرسة مرتاحا، أخذ القسط الكافي من الراحة والنوم والأكل والنظافة واللباس النظيف اللائق بالمدرسة، والتوجيهات الإيجابية اللطيفة المشجعة على التعلم والمنافسة الشريفة، وينبغي على هيئة التدريس الالتزام بالقيام بواجبها كاملا في التعليم والتلقين والتربية بجدية وأداء الأمانة والمسؤولية المنوطة بهم نحو تلامذتهم وطلابهم ومجتمعهم، وعلى الجميع العناية أكثر بمن هم في سن التعليم الأولي أو من ابتلوا بالهدر المدرسي أو تركوا الدراسة بدون شواهد.
أيها الإخوة الكرم، إن من واجبنا جميعا أن ندرك أفضال وفوائد عملية العلم والتعلم واكتساب المعرفة والتكوين على الفرد والأسرة والمجتمع والأمة بأسرها، فنهرع إلى تسجيل أبنائنا وبناتنا للالتحاق بمدارسهم في إبانها وحينها، ونتعهدهم في هذه الفترة الأولى في كل يوم وفي كل وقت حتى يتعودوا على المثابرة والجد والاجتهاد، فكل امرئ على ماعودته يتعود، ولا ننسى متابعتهم ومراقبتهم بلطف، حتى لا يضيعوا أوقاتهم فيما لا فائدة من ورائه، وحتى لا تنتشلهم رفقة السوء فنتحسر ونندم على عدم قيامنا بمسؤوليتنا في الوقت الذي يجب.
ختاما، أذكر الجميع بضرورة تضافر الجهود والتعاون المثمر بين رجال التعليم والآباء والأمهات، وبأن يعرف كل واحد منهما للآخر حقه وفضله، حتى تثمر العملية التعليمية وتعطي أكلها الطيب والنتائج المرجوة منها، ونرى الأجيال بخير والمجتمع على خير والحمد لله رب العالمين.
الدعاء.
الدكتور مولاي عبد المغيث بصير ، خطبة الجمعة ليوم 7 شتنبر 2018