الاستعداد لاستقبال شهر رمضان 3

الحمد لله الذي جعل المؤمنين إخوة متحابين وشرع لهم بموجب هذه الأخوة ما يجلب لهم السعادة في الدارين، نحمده تعالى حمد الأبرار المتوكلين، ونشكره جل وعلا شكر الأوفياء المخلصين.

ونشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو رب العالمين، امتن على عباده المؤمنين بأن جعلهم متآخين متآزرين بعد أن كانوا أشتاتا متفرقين، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الصادق الوعد الأمين بين ما يجب للمسلم على أخيه المسلم في كل حين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الغر الميامين الذين ضربوا أروع الأمثلة في الإقتداء بنبيهم العظيم وسلم تسليما كثيرا إلى يوم العرض على الله الكريم
أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات،
لا زلنا مع الاستعداد الذي ينبغي أن نستقبل به شهر رمضان، شهر الطهر والعبادة والصيام والقيام، فبالإضافة إلى ما قدمنا في الخطب الماضية حول ما كان عليه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك الصحابة والتابعون المتأسون به من الاستعداد لاستقبال شهر رمضان بالصيام وتلاوة القرآن والإكثار من عمل البر في شهر شعبان، والتي فصلنا الحديث عنها،
وكذلك تهيئ النفس بالتوبة والعمل الصالح لتتم التخلية من جميع الشوائب التي علقت بالنفس خلال سنة من الغفلة، ليستحق صاحبها الفوز ببشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي صح عنه أنه قال: “الصلاة إلى الصلاة، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان كفارات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر”، والكبائر من الذنوب لا يغفرها إلا التوبة النصوح التي يجددها المسلم كلما اقترف ذنبا مصداقا لقول الله تعالى: (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم)، وبعد التخلية من الشوائب والذنوب تأتي التحلية بمكارم الأخلاق والفعال التي تيسر للمسلم الفوز بما أعده الله تعالى للصائمين،
وإذا كنا قد أشرنا في الخطبة الماضية على أن يسعى المسلمون لتيسير أمور إخوانهم الفقراء والمعوزين في هذا الشهر شهر شعبان وكذلك التجار بعدم احتكار المواد التي يحتاجها إخوانهم طلبا للزيادة في أسعارها لكثرة الطلب عليها في رمضان فإننا نشير اليوم إلى أمور تهم عامة المسلمين والتي ينبغي أن نجعلها نصب أعيننا حتى يكون صيامنا لشهر رمضان مثمرا خلقا نافع ومغيرا لسلوكنا الأناني الذي لا يليق بنا ونحن ندعي أننا مسلمون،
لآن المسلمين كما جاء في وصفهم في القرآن الكريم: (إنما المؤمنون إخوة)، ومجتمع المسلمين يقوم على المحبة والمساواة أساسه التضامن والتضحية ونبذ الخلافات، والأخوة كما تكون في النسب والوطن تكون كذلك في المبادئ والقيم والدين والمعاملات، وإن أوثقها رابطة وأحكمها صلة وأثبتها مودة لهي الأخوة في الدين التي لا تنفصم عراها ولا تغير الأحداث المتعاقبة صفوها، فإذا كان للأخوة حقها في كل شيء فإن حق الأخوة في الدين فوق كل شيء، وقد بين رسولنا المصطفى صلى الله عليه وسلم موجبات هذه الأخوة في قوله: “المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة”،
وإن من علامات الأخوة الصادقة أن تحب أخي المسلم وأختي المسلمة لأخيك النفع كما تحبه لنفسك، وأن تفرح بوصول الخير إليه كما تفرح بوصوله إليك، فإذا اجتهد المسلم في تحقيق هذه الغاية فقد تقرب إلى الله عز وجل بأزكى الطاعات وأعظم القربات، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه كان معتكفا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل فسلم عليه ثم جلس فقال له ابن عباس يا فلان أراك مكتئبا حزينا، قال نعم يابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم لفلان علي حق ولاء، وحرمة صاحب هذا القبر، ما أقدر عليه، قال ابن عباس رضي الله عنه أفلا أكلمه فيك؟ قال إن أحببت، قال: فانتعل ابن عباس ثم خرج من المسجد، فقال له الرجل: أنسيت ما كنت فيه؟ قال لا، ولكني سمعت صاحب هذا القبر والعهد به قريب – ودمعت عيناه- يقول من مشى في حاجة أخيه وبلغ فيها كان خيرا له من اعتكاف عشر سنين، ومن اعتكف يوما ابتغاء وجه الله تعالى جعل الله بينه وبين النار ثلاثة خنادق كل خندق أبعد مما بين الخافقين” – يعني المشرق والمغرب- هذا الحديث يصور لنا أيها المسلمون تكريم ديننا الإسلامي لعلائق الإنسان المسلم مع أخيه وتقديره الكامل لأنواع الخدمات التي يقدمها إليه، وذلك لإرساء أركان الإسلام وصيانة بنيانه، وتآلف القلوب بين المسلمين جميعا، لقد آثر ابن عباس رضي الله عنهما أن يدع اعتكافه ويقضي حاجة أخيه المسلم لأنه تعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أجر قضاء الحاجات أعظم عند الله من الاعتكاف للصلاة والصيام في المساجد ولو كان ذلك في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث تكون الحسنة بألف حسنة، وقديما قيل المرء قليل بنفسه كثير بأخيه.
ومن حق الأخوة الإسلامية أن يشعر المسلم في أي مكان كان بأن إخوانه المسلمين ظهير له في السراء والضراء وأن قوته لا تتحرك وحدها، بل إن قوى المسلمين جميعا تساندها وتشد أزرها وتضحي من أجل نصرتها، قال صلى الله عليه وسلم: “المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا”.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المؤمنين والمؤمنات إنه هو الغفور الرحيم آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية
أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، ليكن شعارنا هذه السنة ونحن نستعد لاستقبال شهر رمضان الأبرك تحقيق التضامن والأخوة الإسلامية التي تفرض التعاون والإيثار والتناصر بين المسلمين في أقطار المعمور، لا تناصر العصبيات العمياء كما هو معروف عند ذوي الأغراض الخبيثة، وكما هو مشاهد الآن في عالم التكتلات والمصالح الدولية والعنصرية، بل تناصر المؤمنين المصلحين الذين يسعون إلى إحقاق الحق وإبطال الباطل وردع المعتدي وإجارة المظلوم، وتنفيس كربة المكروب ولم شعث المتألم المحروم.
وما أحوجنا لترسيخ هذه الأخلاق الإسلامية بيننا، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم وبصحابته الأبرار الذين فهموا حقيقة دين الإسلام فآثروا إخوانهم على ما تشتهيه أنفسهم من الاستكثار من ملذات الدنيا والتباهي بالعبادات كالقيام بالعمرة في كل سنة وإنفاق المال في غير معروف في حين أن هناك من الناس من يسعى ويستجدي الناس لقضاء الدين ومواجهة الملمات والأمراض المزمنة ونفقات العلاج وغيرها، ولنا في مولانا أمير المؤمنين أسوة حسنة إذ دعانا جميعا عمليا من خلال مبادراته السنوية للتخفيف عن رعاياه في البوادي والقرى والحواضر بتقديم الدعم لذوي الحاجات والرسول صلى الله عليه وسلم يبشر من كان في عون أخيه أن الله تعالى معينه وناصره قال صلى الله عليه وسلم: “والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه”.
الدعاء…

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *