مقاصد الاحتفال بعيد العرش المجيد

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله، خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى وأحثكم على ذكره.

أما بعد فيا عباد الله، قال الله تعالى في كتابه الكريم :” ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بأيام الله، إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور”، قال بعض العلماء في تفسير الآية: أي ذكرهم ياموسى بأياديه ونعمه عليهم في إخراجه إياهم من أسر فرعون وقهره وظلمه وغشمه وإنجائه إياهم من عدوهم وفلقه لهم البحر وتضليله إياهم بالغمام وإنزاله عليهم المن والسلوى”، وقال أيضا عز وجل:” يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ”، فإذا كان سيدنا موسى عليه السلام أمر بأن يذكر قومه بأيام الله ونعمه عليهم، وأمر بنوا إسرائيل أن يذكروا نعم الله عليهم وأنه فضلهم على العالمين، فبماذا ينبغي أن نذكر قومنا نحن اليوم من نعم الله وأفضاله علينا؟ وماهي الأحداث والمناسبات التي تستحق أن نهتم بها ونتوقف عند مقاصدها ونأخذ منها العبرة والاتعاظ؟.

أيها الإخوة الكرام، لقد ثبت في التاريخ القديم والحديث أن لكل أمة ذكريات وأحداث ومناسبات تمجدها وتقدسها، والأصل في إحيائها والاحتفال بها هو أن تكون مصدرا للعظة والعبرة ونبراسا للاقتداء والاهتداء، والمناسبات سبب من أسباب ربط الأمم بماضيها وتذكيرها بأمجادها حتى لا تضل الطريق، ولا ترجع إلى الوراء، وهذا أمر من صميم تعاليم الدين، فعندما نتأمل سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، نجده كان يربط الحوادث الدينية بالأزمنة، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال فيما رواه الإمام البخاري :” قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ماهذا؟ قالوا: هذا يوم صالح ، هذا يوم نجى الله بني اسرائيل من عدوهم فصامه، قال: فأنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه”.

وقد اعتاد الناس أن يتحدثوا عن المناسبات التاريخية في مثل كل يوم وقعت فيه، لأن ذلك يجعل أثرها أبلغ، قال العلامة ابن حجر رحمه الله معلقا على الحديث الذي رواه أبو داود عن أنس رضي الله عنه قال: “لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، لعبت الحبشة فرحا بذلك، لعبوا بحرابهم، ولا شك أن يوم قدومه صلى الله عليه وسلم كان عندهم أعظم من يوم العيد”.

فذكرى الهجرة وذكرى بدر وذكرى القادسية كلها أيام وطنية كان يحتفل بها المسلمون بعد مرور الصدر الأول من الإسلام ولا زالوا، بل إن الذين شاركوا في بدر أُعْطُوا وساما وطنيا – هو وسام الدفاع عن حوزة الإسلام – من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال لسيدنا عمر رضي الله عنه فيما رواه الإمام البخاري وقد هم بضرب رأس حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه، بعدما تبث غشه ونفاقه، قال له:” إنه قد شهد بدرا، وما يدريك لعل الله عز وجل قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم  فقد غفرت لكم” .

وأخرج البخاري ومسلم عن أمنا عاشة رضي الله عنها قالت:” دخل علي أبو بكر، وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث، قالت: وليستا بمغنيتين، فقال أبو بكر : أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله؟ وذلك يوم عيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبابكر، إن لكل قوم عيدا، وإن عيدنا هذا اليوم”. تأملوا في قوله صلى الله عليه وسلم:”إن لكل قوم عيدا”، فإنه يشمل الأمم الماضية والآتية.

نعم إن لكل بلد أيامه ولكل قوم أعيادهم ومناسباتهم الوطنية التي يستقبلونها بشوق وسرور، وهذه سنة الله في خلقه، وبلدنا المغرب له والحمد لله أحداثه التاريخية الكبرى التي تزهو بها صفحات أمجاده، منذ أن نور الله بالإسلام ربوع بلاده.

وشيء طبيعي أن يتأثر الإنسان بالوطن وبالبيئة التي ولد فيها ونشأ على ترابها وعاش من خيراتها، وأقل مايجب اتجاه هذا الوطن الذي احتضننا، هو أن نفرح لما يُفْرحه ونغضب لما يغضبه ونهتم لاهتماماته وندعوا له بالفرج والتيسير الدائم، والنصر والتأييد، والأمن والأمان، في كل وقت وحين.

وإذا لم يكن في الاحتفال بهذه الذكريات والمناسبات الوطنية اليوم من مزايا ومقاصد، سوى شد المواطن إلى الارتباط بوطنه، وتمتين الوحدة بين أفراده، ونبذ الفرقة والتشرذم بين ساكنته، وحمايته من التأثر بالأفكار الدخيلة للأعداء، والفتن التي يثيرونها بين الفينة والأخرى، لكان يكفي أن نحتفل بها بكل فرح وسرور، نعم أيها الإخوة والأخوات ينبغي أن نعتبر اليوم من العديد من الشعوب الإسلامية في الكثير من الأوطان، أفلا تنظرون إلى ما أصابهم من تشرذم وتفرقة وانحطاط؟ أفلا تعتبرون بما لحقهم من دمار وتقتيل وتفكك؟ أفلا نتأمل كيف تسلل إليهم أعداء الدين واحدا واحدا ومزقوهم شر ممزق؟ وما كان ليكون ذلك وارتباطهم بأوطانهم قويا، وما كان ليكون ذلك مع وجود قوة وحدة تجمعهم؟ وما كان ليكون ذلك لو انتبهوا لمخططات الأعداء، أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا من المعتبرين، وأن يتم علينا نعمه وأن يعرفنا إياها بدوامها علينا آمين، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد فياعباد الله، إن من المناسبات الوطنية الغالية التي تحتفل بها أمتنا المغربية في هذه الأيام عيد العرش المجيد، وهي مناسبة وطنية مجيدة تذكرنا جميعا بتلكم المبادئ الدينية المثلى والأحكام الإسلامية العظمى التي تضمنها ديننا الحنيف، وبخاصة منها مايتعلق بنظام الحكم في الإسلام، والعلاقة القائمة بين الراعي والرعية، والرابطة القوية التي تجمع بين الإمام الخليفة وأمته التي ولاه الله أمرها، وهي عند النظر علاقة ورابطة تقوم على أساسين اثنين: أولهما البيعة الشرعية من الأمة، قال تعالى: “إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسنوتيه أجرا عظيما”، وثانيهما: السمع والطاعة لأولي الأمر من الخلفاء في الإسلام، تلك الطاعة التي أمر بها الله سبحانه في كتابه، وقرنها بطاعته وطاعة رسوله إبرازا لأهميتها في المجتمع الإسلامي، وإظهارا لفضلها وميزتها في الحفاظ على جمع كلمة الأمة وضمان استقرارها وطمأنينتها، مصداقا لقول الله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم”.

والذي ينبغي أن يعلم لدى الخاص والعام، أن من أفضال الله على المغاربة عبر التاريخ، أن بلدهم المغرب وبحمد الله تعالى، حافظ على نظام الخلافة والبيعة الشرعية بما يفرضه من تحديد واجبات الراعي والرعية وحقوقهما من عهد المولى إدريس رحمه الله إلى مولانا محمد السادس حفظه الله، ولايوجد في العالم الإسلامي كله أمة من الأمم يربطها بإمامها عقد البيعة، فينبغي إذن أن نعرف هذه النعمة وفضلها ونقدرها حق قدرها ونحمد الله ونشكره عليها، ونبقى متشبثين بها.
ولو لم يكن من مزايا الاحتفال بعيد العرش سوى التعبير عما يجمع بين إمارة المؤمنين والرعية من أواصر المحبة والولاء والبيعة لكان يكفي، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام مسلم والدارمي وأحمد عن عوف بن مالك رضي الله عنه: “خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم “، أي تدعون لهم ويدعون لكم”، أسأل الله تبارك وتعالى أن يحفظ بلادنا من كل مكروه وسوء، وأن يديم علينا نعمة إمارة المؤمنين، أمين والحمد لله رب العالمين.

مولاي عبد المغيث بصير

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *