القواسم المشتركة بين صوفية المغرب والجزائر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله بدءا وختاما، أحمده حمد عبد يخشى يوم القيامة انتقاما، وأشكره شكر معترف بالنعم دواما، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ارتساما وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله نبي بأمر الله قد قاما، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة وسلاما دائمين متلازمين التزاما.
حادي الركب إن وصلت الخياما أقرئ عني تلك الوجوه السلاما
قبل الأرض ثم قل أنا والله على العهد ما نقضت الذماما
كيف أختار مذ رحلت بديلا وهواكم بمهجتي قد أقاما
أما بعد
بادئ ذي بدء أيها السادة الحضور،
أيها العلماء، أيها الفقهاء، سيدي مولاي إسماعيل بصير الشريف المشيشي الإدريسي الحسني شيخ زاوية آل بصير السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
عنوان مداخلتي المتواضعة بين أيديكم وفي حضرتكم الكريمة هو: “القواسم المشتركة بين صوفية المغرب والجزائر”
فإن التصوف أيها السادة الكرام صلة بين الله وعبده في أرقى الحالات، لا يظفر به إلا أهل الجد والصدق من السادات، لأجل هذا اختلفوا في تعريفه وبيانه، لأنه أمر ذوقي خاص يكون بين الله تعالى وعبده، ومن ذاق حلاوته الحقة لم يصبر عن مخاطبة الخلق، لأنه شعور راق وحالة من الحب يصعب بيانها وتحديدها كما قاله سلطان العاشقين سيدي ابن الفارض رحمه الله تعالى:”هو الحب فاسلم ما الهوى سهل”.
وهو خلاصة الشريعة وزبدتها وروحها التي لا يمكن أن تقوم إلا به، فسبحان من لم يجعل الدليل على أوليائه إلا من حيث الدليل عليه، ولم يوصل إليهم إلا من أراد أن يوصله إليه، وأصبحنا نرى الخلل اليوم في عصرنا الحاضر لما غاب التصوف عن الساحة، وكل ما وقع لهذه الأمة هو بسبب غياب أهل التصوف عن الساحة، وأصبحنا نرى أشياء يفعلها المنسوبون للإسلام تسييء للإسلام. وبرجوعنا إلى التاريخ نجد أن الذي أدخل المغول والتتار إلى الإسلام هم شيوخ التصوف، ووجهوهم توجيها صحيحا سليما، حتى أصبحوا أعظم حكام الهند وغيرها من البلاد، وشيوخ التصوف هم الذين أدخلوا الإسلام إلى بلاد أندونيسيا وماليزيا والهند والسند وتلك النواحي، فالتصوف حيث ما كان فهو رحمة، لأنه تربية وتزكية وصلة بالله تعالى وبرسوله الأمي صلوات ربي وسلامه عليه إلى يوم الدين.
إن التصوف في بلاد المغرب العربي وخاصة في الجزائر والمغرب الشقيق الحبيب خرجا من مشكاة واحدة للظروف الطبيعية والتاريخية العميقة التي كان عليها أهل البلاد الطيبة، وهما صنوان من منبت واحد وتربة واحدة، زرعه شيوخ انتموا إلى وحدة الأرض والعقيدة والمذهب، وكلا المدرستين أثرت في الأخرى، والمثال على ذلك يتجلى في الطريقتين الشاذلية والتيجانية، فالشاذلية هي الطريقة الأكثر انتشارا في المغرب العربي بفروعها، وأصلها يعود إلى سيدي الشيخ العارف بالله أبي الحسن الشاذلي قدس الله سره الذي أصله من المغرب ومن جبال غمارة بالتحديد، ولها أتباع كثر في الجزائر والمغرب، والطريقة التيجانية يعود أصلها إلى الشيخ العارف بالله سيدي أبي العباس أحمد التيجاني قدس الله سره ونور ضريحه وانطلاقتها كانت من الجزائر وبالتحديد من قرية عين ماضي بالجنوب الجزائري والمعلوم أن الشيخ التيجاني استقر في آخر حياته بفاس المحروسة وبنى زاويته بها وقبره معلوم بفاس عليه سحائب الرحمة والرضوان.
ومن الجزائر والمغرب انطلقت انطلاقة قوية نحو إفريقيا عبر الشناقطة، فهم الذين لهم فضل انتشارها بتلك البقاع كما هو مدون في كتب شيوخ التيجانية، ولا زال أحفاد الشيخ التيجاني بالجزائر من ولديه اللذين أمرهما بالرجوع بالتعمير في البلاد، قال أحد الدكاترة المصريين في كتاب عن الطريقة الشاذلية، مدرسة أترت في تصوف المدرسة العراقية والمدرسة المغربية، وهذا الكلام يحتاج إلى توضيح وبيان، لأن الكثير من شيوخ المغرب كانت لهم أعمال جليلة، من دعوة وتربية وأخلاق سامية وبناء كالإمام الشاذلي والشيخ أحمد البدوي الذي أصله من فاس وعبد الرحيم القنائي المغربي وابن العربي الأندلسي والمرسي الأندلسي تلميذ الشاذلي ووارث سره وخليفته من بعده والسنوسي الجزائري الذي بنى في مكة المكرمة زاوية هناك نشرت الطريقة الشاذلية، وقد ألف كثيرا من الكتب في التصوف، وهو الذي أسس الزوايا بالقطر الليبي ونشر الإسلام في إفريقيا.
ومن القواسم المشتركة أيضا بين صوفية الجزائر والمغرب طريقة حياة الشيوخ، فالشيخ في البلدين لابد أن يكون له زاوية، لا للتعليم فقط بل لنفع الناس من إطعام الطعام وإيواء ابن السبيل والإصلاح بين الناس وجمع الكلمة بينهم وغيرها من الأعمال الجليلة، وهذا المنهج من خصائص زوايا التصوف المغربي عموما، حتى إن شيوخ البلدين يسخرون نسائهم وأبنائهم وأهليهم في خدمة الزاوية والناس الوافدين عليها.
ومن القواسم المشتركة بين شيوخ البلدين، غلبة الحال على العلم، وهذا شيء ملاحظ في التصوف المغاربي حتى أنني سمعت من شيخي ومجيزي العلامة سيدي عبد الهادي الخرسة الدمشقي حفظه الله هذه العبارة القيمة، حيث قال لي: يجب شد الرحال لأرباب أهل الحال، وقال الشيخ سيدي زروق رحمه الله تعالى: إذا طلعت شمس الحقيقة قل تعلم الولي، ثم لكثرة جلوسهم مع الناس، والذي يجلس طول الوقت مع الناس أين يجد الوقت ليقرأ أو يؤلف؟، ولقد أجاب الشيخ أبو الحسن الشاذلي فقال: كتبي تلاميذي، وقد سئل الشيخ العلامة محمد بن الكبير من أرض توات بأدرار لماذا لم تؤلف الكتب؟ فأجابهم إنما أؤلف الرجال.
ومن القواسم المشتركة بين شيوخ البلدين أن الذي قام بالجهاد في البلدين هم شيوخ التصوف كالأمير عبد القادر الجزائري، وسيدي المجاهد المختار البوتشيشي القادري ببني يزناسن والأمثلة على ذلك كثيرة.
ومن ذلك أن طريق المغاربة في السلوك هو طريق الموت وهذا الكلام، نقله الشيخ زروق عن شيخه الحضرمي، فشيوخ التصوف في البلدين في جهاد ومجاهدة وتعب وسفر واستقبال للضيوف وإطعام للطعام وتعلم للقرآن وفناء تام في طاعة الله عز وجل، قال الله تعالى: “من المؤمنين رجال صدقوا ما عهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما تبدلوا تبديلا”.
وختاما، الله نسأل أن نسير فينا سيرة المشايخ الربانيين كما نسأله سبحانه أن يجعل هذا المؤتمر نبراسا ينير الطريق للسالكين وينصر أمير المؤمنين مولاي جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده ورحم الله فقيدا العروبة والإسلام مولاي محمد الخامس المغفور له ومولاي الحسن الثاني المغفور له والله نسأل أن يمد آل بصير باليمن والتيسير وعلى رأسهم شيخ الزاوية مولاي إسماعيل بصير.
إن الصلاة على النبي لتقوية ووسيلة تمحى بها الآثام
كن للصلاة على النبي ملازما فصلاته الإعزاز والإكرام
والحمد لله رب العالمين.