كلمة شيخ الزاوية البصيرية مولاي إسماعيل بصير في الندوة الدولية لسنة 2018
كلمة ترحيبية ومداخلة مولاي إسماعيل بصير ، رئيس مؤسسة محمد بصير للأبحاث والدراسات والإعلام، خادم الطريقة البصيرية بزاوية جده الشيخ سيدي إبراهيم البصير
في الذكرى الثامنة والأربعين لانتفاضة سيدي محمد بصير التاريخية بالعيون
وتتضمن :
. “جديد قضية الاختفاء القسري للمقاوم محمد بصير”
. ” التصوف الإسلامي وثقافة السلم والتسامح”
. “المنهج السلمي في حركة وانتفاضة سيدي محمد بصير ضد الاستعمار الإسباني“.
. “دور الزاوية البصيرية في تثبيت السلم ونشر ثقافة التسامح“.
. ” إسهامات إمارة المؤمنين في نشر وتثبيت سلم وأمن المجتمعات الإنسانية: الصحراء المغربية نموذجا“.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
السيد والي صاحب الجلالة على جهة بني ملال خنيفرة، وعامل إقليم بني ملال المحترم.
السيد عامل صاحب الجلالة على إقليم أزيلال المحترم.
السيد عامل صاحب الجلالة على إقليم الفقيه بن صالح المحترم.
السادة رؤساء المصالح الخارجية المرافقين للسيد الوالي وللسيد العامل كل واحد باسمه وصفته ورتبته.
السادة العلماء والشيوخ والأساتذة والأكاديميون المشاركون في أعمال هذه الندوة العلمية الدولية من داخل المغرب وخارجه.
السادة رؤساء المجالس العلمية المحلية المحترمون والعلماء والباحثون
السادة شيوخ وأعيان وأحباب عشيرة آل البصير من القبائل الصحراوية وكل من لبى دعوتنا من أقاليمنا الجنوبية الغالية.
السادة البرلمانيون والمنتخبون،
السادة مقدَّمو فروع الطريقة البصيرية ومريدوها،
السادة أطر مجموعة مدارس الشيخ سيدي إبراهيم البصير
السادة رجال الإعلام والصحافة.
أيتها السيدات، أيها السادة الحضور الكرام،
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته،
بداية، يشرفني ويسعدني أصالة عن نفسي ونيابة عن أهل البصير ومريدي الطريقة البصيرية ومقدميها وأساتذة مجموعة مدراس الشيخ سيدي إبراهيم البصير للتعليم العتيق وطلبتها، أن أرحب بجمعكم العظيم في هذه الزاوية العامرة بالله، وأرحب بكل من أتانا ليشاركنا أعمال هذه الندوة العلمية الدولية التي ننظمها تحت الرعاية السامية لأمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله ونصره، والتي تخلد للذكرى الثامنة والأربعين لانتفاضة سيدي محمد بصير الشهيرة بمدينة العيون، واسمحوا لي باسمكم جميعا أن أرحب بشكل خاص بالسادة العلماء والأساتذة المبجلين الذين استجابوا لدعوتنا مشكورين، وقدموا إلينا من دولة الجزائر، تونس، بوركينافاسو، السنغال، السودان، كينيا، نيجريا، النيجر، لبنان، اليمن، فلسطين، تركيا، بريطانيا، إيرلندا، ألمانيا، جزر القمر، فرنسا، سوريا، وباكستان، جزاهم الله عنا كل خير آمين، وإن نسيت لا أنسى أن أقول مرحبا، وألف مرحبا لاحد لها ولا حصر، لإخواننا وأبناء عمومتنا من أهل الصحراء المغربية، الذين وصلوا رحمهم وأبناء عمومتهم في قلب جبال الأطلس المتوسط قلب المغرب، وصلهم الله بكل خير.
أيتها السيدات، أيها السادة الحضور الكرام،
أقول في البداءة ، بأننا نجتمع اليوم لتخليد ذكرى انتفاضة المجاهد العظيم سيدي محمد بصير ضد الاستعمار الإسباني عام 1970 بمدينة العيون المغربية الأبية، وهي نفسها ذكرى الاختفاء القسري الذي تعرض له منذ أكثر من ثمانية وأربعين عاما، حركته وانتفاضته التي قلبت الموازين في الصحراء المغربية، حيث ومنذ ذلك اليوم بدأ المستعمر الإسباني يشعر بأنه غير مرغوب فيه من قبل ساكنة الصحراء، وبدأ يفكر في الرحيل بعدما كان ينوي أن يجعلها مقاطعة تابعة له جنوب المغرب، تماما كما فعل في شماله باحتلال مدينتي سبتة ومليلية السليبتين.
وعلاقة بموضوع الندوة العلمية الدولية أقول: إن حركة وانتفاضة المقاوم المغربي سيدي محمد بصير اتسمت بالسلمية، منذ نشأنها إلى أن غيبه المستعمر في يوم انتفاضته وإلى اليوم، حيث ذكر في العديد من الكتب التي كتبت عنه، أنه لم يسمح بمواجهة المستعمرين في ذلك اليوم المشهود، الذي اجتمعت حوله حوالي سبعة عشر ألفا من الصحراويين من كل القبائل، ولكنه كان ينشد الحوار الهادئ حول عدة مطالب أهمها: المطالبة بالحقوق والتعليم والشغل والتكوين والعلاج والمساواة، وإنه لم يختر المواجهة المباشرة لكون موازين القوى لم تكن متوازنة، ولم يرغب في تعريض أبناء عمومته الصحراويين لمغامرة فاشلة حقنا للدماء، وبقي معهم في ساحة الانتفاضة بالعيون، وقال قولته الشهيرة بعدما طلب منه الانسحاب من أرض الانتفاضة لكي لايعتقل ويسجن:” الموت معكم هو السجن، لكي لا يقال عني دفعتكم للموت وتخليت عنكم”، بل إنه على العكس من ذلك قتل العديد من الصحراويين المنتمين لحركته وجرح الكثيرون، وغاب هو عن الأنظار منذ ذلك اليوم، ولازلنا نحمل الدولة الإسبانية مسؤولية اختفائه القسري، ويكفي بطلنا العظيم شرفا أنه منذ يوم الانتفاضة إلى اليوم والمجتمع الصحراوي يعرف تغيرا ملحوظا إلى أحسن حال وعلى عدة مستويات.
وهذا المنهج السلمي الذي نهجه الفقيد سيدي محمد بصير، نجده عند غالبية شيوخ الزاوية البصيرية، حيث لو تتبعنا النصوص الموثقة حولهم من لدن العلامة المختار السوسي في المعسول والعلامة محمد المصطفى بصير في كتابيه النزر اليسير والاغتباط، لوجدنا أنهم ومنذ بدايات 1700م إلى اليوم، كانوا دوما يسعون في إخماد الحروب وإطفاء النائرات، وإصلاح ذات البين والبث في النوازل والمنازعات، وترك الخلافات والمناوشات، وسعوا في إحلال الأخوة مكان العداوة بين الناس، وغرس بذور المحبة والتآخي رغبة منهم في نبذ الخلافات، وتكريس قيم الوحدة والتعايش السلمي بين الأفراد والقبائل، والأمر برد المظالم والتبعات والتسامح والتناصح، وبتتبع هذه المصادر المذكورة آنفا، تجد تفاصيل التفاصيل حول أسماء القبائل وأعيانها وغير ذلك.
كما كانوا لايميزون في دعوتهم بين مسلم ويهودي أو نصراني، ولايحصى عدد المرات التي كان فيها الشيخ سيدي إبراهيم البصير رحمه الله يستقبل فيها عابري السبيل من اليهود بالزاوية، والأكثر من ذلك يمدهم بذبيحة، ويقول لهم اذبحوها بطريقتكم واطبخوها بطريقتكم، كما اشتهر في سياحاته الدعوية في العديد من دواوير سهل تادلة، أنه كان يأمر بإقامة خيمة خاصة بالمريدين الحديثي عهد بالتوبة إلى الله، والذين لازالوا يدخنون رحمة بهم وحكمة في دعوتهم. والشواهد الحية على دور الزاوية البصيرية في تثبيت السلم ونشر ثقافة التسامح كثيرة فليرجع إليها في مظانها.
وبخصوص جديد قضية الاختفاء القسري الذي تعرض له المقاوم محمد بصير أقول: إن العائلة تتابع هذا الملف بجدية بالغة مع مجموعة العمل الأممية للاختفاءات القسرية بجنيف، التي راسلت الدولة الإسبانية منذ أكثر من سنتين دون جواب يذكر، مما اضطر العائلة ومنذ بضعة أشهر قليلة مضت، إلى توكيل محام للدفاع عن قضيته المعقدة وكل مايتصل بها من ملفات وقضايا شائكة، ولتيسير عمل العائلة والمحامي ومن يعمل معه، تم إنشاء منظمة وجمعية سيدي محمد بصير بكل من جنيف بسويسرا وفرنسا، وهم الآن في بدايات عملهم، وبهذه المناسبة نرحب بمن يمثلهم معنا في هذا اللقاء، ونتمنى لهم كامل التوفيق والنجاح وتحقيق أجمل النتائج.
والذي يشجعنا ويقوينا للمضي قدما إلى آخر نفس في هذا الملف، هو هذه الرعاية السامية المتواصلة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، لذكرى الفقيد محمد بصير، والتي عرفت به وبقضيته على أكثر من صعيد، وساهمت بشكل كبير في دعم الدفاع عن قضيته، ولولا ذلك لكان هذا الملف سيطويه الزمان ويلفُّه النسيان، وبهذه المناسبة المحجلة نشكر صاحب الجلالة الملك محمد السادس الشكر الجزيل المقرون بالاعتراف بالجميل، ونبارك خطوات جلالته السديدة الناجحة ومواقفه الحكيمة الحازمة.
أيتها السيدات أيها السادة، إنه لما كانت الندوة العلمية التي نظمتها مؤسسة محمد بصير للأبحاث والدراسات والإعلام في العام الماضي، عقدت حول موضوع: ” تجديد الفكر الصوفي والانفتاح على قضايا الأمة المعاصرة“، فإننا عزمنا هذه السنة الانفتاح بجدية على قضايا الأمة المعاصرة التي تشكل أولوية برفع شعار: “التصوف الإسلامي وثقافة السلم والتسامح“، وهو موضوع راهني أسال الكثير من المداد وأثار العديد من الإشكاليات من قبل محترفي الغزو الفكري، وعقدت حوله العديد من المنتديات والمؤتمرات، ذلك وإن كنا قبل ثلاث سنوات طرقنا موضوع :” دور أهل التصوف في حماية المجتمعات من التطرف“، وهو قريب منه بكثير، غير أن تكريس ثقافة السلم والتسامح في المجتمعات الإنسانية غدت تشكل أهمية قصوى أكثر من أي وقت مضى، ووجب على أهل التصوف الاهتمام بها، وجعلها نصب أعينهم، وذلك لأن تدخلات وإسهامات أهل التصوف ليست كتدخلات غيرهم. وأيضا، لأنه لا يوجد أحسن وأسلم من منهج السادة الصوفية تحققا بالسلم والتسامح.
هذا وإن أكبر مشكلة تعانيها المجتمعات الإنسانية اليوم هي عدم الأمن والسلام، وهذا الأمر لايحتاج إلى بيان، وحلت مصطلحات عديدة مثل كلمة الإرهاب والإسلاموفوبيا، إلخ محل الإسلام الذي يعني السلم والسلام، ومعروف أن المسلم حقيقة هو من سلم المسلمون من لسانه ويده كما بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كل ما ترونه من مظاهر وتجليات انعدام الأمن والسلم والتسامح في المجتمعات، مما يجري تحت مسمى الجهاد زورا وبهتانا، أو التفاني في رفع راية الإسلام، وبموجبه يتم قتل أهل الإسلام وغيرهم من أهل الملل الأخرى، وترويعهم وتشريدهم وتيتيمهم، فإن الإسلام بريء من كل ذلك براءة الذئب من دم يوسف كما يقال.
ألا يعلم هؤلاء الإرهابيون أن النبي صلى الله عليه وسلم في بداياته الأولى في مكة، ما كان يستقبل عدوان المشركين له إلا بمزيد من الشفقة عليهم والرحمة لهم، فما حرك لسانه بكلام قاس لهم أو بدعاء عليهم، حتى في أحلك الساعات وأقسى الظروف التي مرت به وبالمسلمين في تلك السنوات الطوال.
ألا يعلم هؤلاء الإرهابيون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما دخل مكة فاتحا منتصرا لم يثبت عنه أنه أرغم مشركا على الإسلام، ولم يستقبل من المبايعين له إلا من ساقته إليه قدماه طوعا، وبسبب ذلك نزل عليه قوله تعالى:” وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لايعلمون”. وهي حقيقة عظيمة ينبغي أن تعتز بها الإنسانية أيما اعتزاز.
ألا يعلم هؤلاء الإرهابيون أنه ما من بقعة سعدت بالفتح الإسلامي من المشرق إلى المغرب، إلا وكانت صورة رائعة لتعايش سعيد ما بين المسلمين وغيرهم أيا كانوا، وما كان ليكون ذلك لولا أحكام الشريعة الإسلامية التي تحث على بث قيم السلم والتسامح في كل زمان ومكان.
بعد هذا أتساءل ماذا حدث للمجتمعات الإنسانية حتى وجدنا من يدعي انتماءه للإسلام هو من يقتل ويفجر ويرعب ويروع؟ أقول في الجواب، إنه قد ظهر بين ظهرانينا من لا يملكون من زاد العلوم والثقافة الإسلامية ما يساوي القدر الذي يتمتعون به من حرارة العاطفة والوجدان والحماس، فكان لابد للعاطفة التي لاتتقيد بعلم رصين أن تصاب بالنظرة السوداوية، إلى حكام المسلمين، بل إلى الكثير من عامة المسلمين أنفسهم، مما أدى بهم تلقائيا إلى التكفير و التفسيق واجترؤوا على الغلو والتطرف وإثارة الفتن باسم الجهاد.
نعم أيها الحضور الكرام، إن التشدد في الدين لا ينتهي إلا إلى التطرف الديني، ولا ينتهي التطرف إلا إلى العنف وشيوع ثقافة التكفير ونشر الفتنة وزرع الكراهية والأحقاد واستباحة الدماء بلا حرمة، فكان كل ذلك سببا في الخراب ونشر الفوضى وتفكك المجتمعات والدول، وقد تمكنت الجماعات المتطرفة الدخيلة من بث سمومها الفكرية والنجاح في تكوين جماعات مسلحة قوامها الشباب الجاهل، والمتتبع لهؤلاء الشباب لايجد فيهم من شم رائحة التصوف، لأنه كما يقال: “كيفما يكن المربي يكن المربى”.
وإذا كانت ظواهر التكفير أو الإرهاب ظهرت في بعض التيارات الفكرية الدخيلة، فإن الفكر الصوفي بقي أبعد ما يكون عن هذه الظواهر، لأنه يأخذ ينابيعه من الكتاب والسنة ومن حياة الربانيين الصالحين التي تنشر الرحمة والأمان .
وفي هذا المقام أقول: إن أعداء الدين، وبعد اطلاعهم على التاريخ الإسلامي وخبايا البلاد الإسلامية، أدركوا أن التصوف السني هو الذي يمثل الإسلام الحقيقي في أرقى معانيه، وهو أهم عامل في وحدة المسلمين لتسامحه في المنهج، وتجنبه التكفير، وتعظيم حرمة المسلم، وعدم الخروج على الحاكم، علاوة على تقويته لروحانية المسلم في عبادته لله، وتحققه بالإسلام الحق، قال أحد ألد أعداء الإسلام في مناسبة من المناسبات: “نحن لا نخشى العالم العربي والإسلامي الآن، إنما نخشى أن تعود تلك الزوايا التي خرجت أمثال عمر المختار، وعبد القادر الجزائري، وعبد الكريم الخطابي، والإمام المهدي، وغيرهم من الذين أمدوا المجتمع الإسلامي بالروح التي ألهبت الجذوة الإيمانية لتحطيم إرادة المستعمرين”.
وهنا لابد أن أشير إلى أن الفرق بين حركة الجهاد التي قادها الصوفية وما يقوم به أعداؤهم الانفجاريون، أن الصوفية بدؤوا أولا بتطهير أنفسهم من تلك الأمراض النفسية قبل أن يقوموا بجهاد غيرهم، فكانت التقوى إمامهم، والفهم الصحيح للدين يقودهم نحو الالتزام بآداب الشرع، وعمدتهم في ذلك كله العلم والإخلاص وصدق النية لله سبحانه، فلم يسجل لهم التاريخ خروجا عن آداب الإسلام في جميع أحوالهم، سواء في ذلك حالة السلم أم الحرب. بل إن أهل التصوف عندما وفقهم الله لنشر الإسلام في كل ربوع إفريقيا وبعض دول آسيا والدول الغربية اليوم، لم ينشروه إلا بفضل كريم أخلاقهم.
أضف إلى ذلك أنهم يتسمون بالأمان والحب والتسامح، ولا يقرون العنف ولا التكفير ولا التطرف، ومعروفون بكونهم أهل الصفاء، يقتدون برسول الله عليه الصلاة والسلام في كل أمورهم، وهم يعلمون أنه لا يصح لأحد أن يكفر أحداً، لأن من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما، ولم يثبت أن خرج من عباءة التصوف أي إرهابي أو متطرف، بل كان الصوفية حريصين على نشر الأمان وضمان الاستقرار. ومعروف عنهم أنهم لا يظنون بالناس إلا خيرا، ولا تحمل قلوبهم إلا الحب إلى جميع العباد.
والذي ينبغي أن يعرف أن أول من تصادم مع المتبنين لهذه الأفكار المتطرفة الشاذة في غالبية المجتمعات، هم أهل التصوف وأرباب الزوايا والعلماء العاملون والربانيون ومن يخالطهم، وذلك لأن أصحاب الزوايا في نظر المتطرفين، أناس مبتدعة ضالون مشركون، نعتوهم بأفظع أنواع النعوت والصفات القادحة، وذلكم كنعتهم بالقبوريين والطرقيين، وقد وصل ببعضهم أن كفرهم وأخرجهم عن الملة، وهكذا أنكروا عليهم الكثير من المسائل المشهورة، كمسألة الجهر بالذكر، ومسألة الذكر الجماعي جهرا وجماعة ووقوفا، وقراءة القرآن على الأموات، والذكر في السبحة، وأنكروا عليهم زيارة القبور، وقراءة الحزب الراتب، وأنكروا عليهم التوسل، وأخذ الورد عن الشيخ والصلاة بالسدل، وقراءة القنوت في صلاة الصبح، والمصافحة والدعاء بعد الصلاة وإحياء مناسبة المولد النبوي وغيرها من المسائل.
أيتها السيدات أيها السادة، إن حياة المجتمعات في هذه الآونة أحوج ما تكون إلى تعاليم أهل التصوف، التي تنظر للناس على أنهم إخوة وأبناء أسرة واحدة، يتحابون ويتعاطفون ويأخذ كل منهم بيد أخيه ويتعاون معه ولا يعاديه، ويحبه ولا يبغضه، لا تعرف الأنانية طريقها إلى قلوبهم، لأنهم يتحابون في الله، ومن أجل ذلك، فإن هذه المرحلة التي تمر بها أمتنا والإنسانية جمعاء، هي أحوج ما تكون إلى قيم الفكر الصوفي السني، القائم على التأسي بخير خلق الله سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم السلام.
ختاما لابد من التنويه بتدخلات مولانا أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس في نشر وتثبيت السلم والأمن والأمان في بلده المملكة المغربية من شمالها إلى جنوبها، بل في العديد من المجتمعات الإنسانية في إفريقيا ودول العالم، حيث إنه يسعى جاهدا أن يعيش المواطن المغربي في نعمة وراحة بال دائمة، وهاأنتم ترون ورغم الاستفزازات المتكررة من إخواننا بتندوف في الآونة الأخيرة في الكركرات والمناطق العازلة، لم يتسرع في اتخاذ قرار يمكن أن يدخل المنطقة برمتها في أمور لا تحمد عقباها لاقدر الله. وليس غريبا أن يختار السلم والأمن فوالده أمير المؤمنين الملك الحسن الثاني رحمه الله مبدع المسيرة الخضراء اختار أن تكون سلمية، وكانت كذلك سلمية لم ترق فيها بفضل الرحيم الرحمن قطرة دم، وعلى ذلك شهد العالم برمته. وفي السياق نفسه ننوه بإعادته هيكلة الحقل الديني بالمملكة المغربية منذ بدايات الألفين وأنوه بالمقاربة التشاركية الدينية الأمنية التنموية التي يشرف عليها، والتي جنبت البلاد المغربية العديد من قلاقل أهل الفتنة والحركات الدخيلة، والتي كانت لها نتائج وثمرات محمودة انعكست إيجابيا على واقع التدين والأمن والاستقرار في المغرب، وجعلت منه نموذجا يحتدى ومطلوبا للاقتفاء من كثير من دول العالم الإسلامي.
وقبل أن أختم أحب أن أقول لإخواني وأبناء عمومتي من أهل الصحراء الأشاوس، إن الأعداء يتربصون بنا الدوائر من أجل تفرقتنا وإنجاح مخططاتهم العدوانية وفصل جنوب هذا الوطن عن شماله، والمأمول هو أن تبقى هذه الأواصر والروابط متحدة اتحادا حقيقيا لا يؤثر فيها أي عدو ظاهر أو خفي، يقول تعالى:” واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا”، ويرحم الله ذلك الذي خلد هذه الحقيقة التي لا تتبدل في المثل التالي: “وقعت رأس فأس في بستان فذعرت الأشجار، من هذا العدو المداهم، ولكن شجرة كبيرة تقادمت عليها السنون طمأنتهم قائلة: لن تستطيع هذه الحديدة أن تنال من أي منكم بأذى، إلا إن تبرع غصن منكم بأن يكون مقبضا لها”.
ختاما أشكر الشكر الجزيل، كل من السيد والي ولاية بني ملال خنيفرة، وعامل إقليم بني ملال، والسيد عامل صاحب الجلالة على إقليم أزيلال، على تنسيقهما ومتابعتهما لأمر هذا اللقاء وحرصهما على نجاحه، وعلى دعمهما الدائم لأنشطة الزاوية، وأسأل الله للجميع التوفيق والسداد والعون والحفظ، وأن يجعلهم عند حسن ظن مولانا أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله، الذي نسأل الله تعالى أن يكلأه بعين عنايته ويوفقه لما فيه خير وسعادة المغاربة وتنمية المغرب، والحمد لله رب العالمين.