كلمة الدكتور عبد المغيث بصير
إضاءات حول رجل الذكــرى والقضية الوطنية
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد فيا أيها الأحبة الكرام نجتمع اليوم وإياكم للاحتفال من جديد بذكرى عمنا المجاهد الشهيد سيدي محمد بصير رحمه الله ورضي عنه،فبعدما اجتمعنا العام الماضي في مكان وقوع الانتفاضة بمدينة العيون الأبية، نجتمع اليوم وإياكم في مسقط رأسه بزاوية الشيخ سيدي إبراهيم البصير.
وأهم شيء في هذه الندوة العلمية الدولية أنها تعقد تحت الرعاية السامية لمولانا المنصور بالله جلالة الملك محمد السادس حفظه الله وأيده ،وهذا فيه دلالة على أن هذا العهد الجديد المبارك الذي أكرمنا الله به هو عهد حرية التعبير وعهد دولة الحق والقانون بامتياز وعهد الثقة بين الملك وشعبه، حيث لم يصبح شيئا يعد من قبيل المحرم الخوض فيه، وبالأمس القريب كان الشيخ الوالد والأعمام رحمة الله عليهم أجمعين لا يستطيعون ذكر أخيهم سيدي محمد بصير على ألسنتهم.
وأهم شيء أيضا أن هذه الندوة تعقد بمقر زاوية الشيخ سيدي إبراهيم البصير مسقط رأس الشهيد سيدي محمد بصير رحمة الله عليه، في قلب جبال الأطلس المتوسط، ولهذا الأمر بالذات أكثر من دلالة :
أولا : معلوم أن عشيرة آل البصير ذات انتماء صحراوي عريق، حيث إنها تنتمي إلى عشيرة المؤذنين من الرقيبات، لها زوايا بالصحراء وبسوس وبمراكش والرحامنة والدارالبيضاء والشاوية وتادلة وأزيلال، وتصل فروع زاويتهم إلى حوالي ثلاثين فرعا داخل المغرب وحوالي ثمانية فروع خارجه، ورجالاتها وصالحوها تجد قبورهم في الصحراء كما تجدها في سوس وتجدها أيضا في مراكش وبني اعياط.
يظهر من هذا أيها الإخوة الكرام أن هذه العشيرة التي ينتمي إليها سيدي محمد بصير رحمه الله لم تكن متعصبة لأصولها وجذورها منغلقة على نفسها، بل إنها كانت ولا زالت تحب الخير للجميع منفتحة على الجميع، وهذه هي مبادئ طريقة زاويتهم، وهذه هي الأفكار التي رضعها سيدي محمد بصير من ثدي أمه وهو طفل صغير.
أيضا هنا في الزاوية يجتمع المريد الدرقاوي بالتيجاني والكتاني والبوعزاوي والرفاعي والنقشبندي والبوتشيشي والقادري والناصري من غير أن تجد إنكارا على أحد أو تعصبا ضد أحد، فهذه هي الثقافة التي ترسخت منذ عهد الشيخ سيدي إبراهيم البصير إلى الآن، وهي نفسها الثقافة التي تشبع بها الشهيد سيدي محمد بصير .
وهو عندما هاجر إلى المشرق لاستكمال دراسته العليا، شاء الله تعالى أن يصادف حكم الرئيس جمال عبد الناصر والدعوة إلى القومية العربية والوحدة العربية على أشدها، وقد عبر عن إعجابه بكل هذا في الكثير من رسائله وأترك التفصيل في هذه النقطة للدكتور لحسن مهراوي حفظه الله.
كان سيدي محمد بصير يعبر كغيره من شباب المغرب في ذلك الوقت عن طمعه في التغيير نحو الأحسن، كان يتطلع إلى الأفضل، كان متدمرا للغاية من مشروع إسبانيا الذي يقضي برغبتها في ضم الصحراء إليها، وهذا هو السبب الأول الذي دعاه إلى تكوين المنظمة الطليعية لتحرير الصحراء.
تقول مجلة 20 ماي – اللسان الناطق باسم إخواننا الصحراويين- عدد 129 الصادرة بتاريخ 1997م، والحق والفضل ما شهدت به الإخوان كما يقال:”بدأت إسبانيا تحضر لتنظيم تظاهرة تسعى من خلالها أن يعرب الصحراويون أمام كاميرات تلفزتها وإذاعتها ومختلف وسائل إعلامها عن تعلقهم بإسبانيا ورغبتهم في الاندماج معها، ولهذا الغرض فقد استقدم الاسبان حافلات لنقل المواطنين من كل المناطق الصحراوية في اتجاه مدينة العيون “.
أيها الإخوة الكرام أمام هذا الكلام أحب أن أطرح الأسئلة التالية: كيف يتصور العقل أن يرفض الزعيم سيدي محمد بصير وأتباعه الصحراويون الانضمام إلى إسبانيا وهي صاحبة القوة العظمى آنذاك سياسيا وثقافيا واقتصاديا، ويسعى اليوم الذين يدَّعُون بأنهم يسيرون على نهجه بالبوليزاريو لاكتساب جنسيتها ويطلبون بين الحين والآخر مساعدتها وتأييدها؟ لقد كانت العدو اللدود لسيدي محمد بصير وللصحراويين، فكيف تسعون اليوم لكسب صداقتها؟ ثم هذه الجزائر التي تحميكم اليوم لم تحقق مطالب وسعادة مواطنيها وشعبها فكيف تطمعون أن تحقق سعادتكم؟.
أعود فأقول: إنه لايتصور في الذهن أن يكون العدو جاثما على أرضي ينفد في سياساته التخريبية التجهيلية التنصيرية يسعى لضمي إليه، وأفكر أنا في إخراجه وفي نفس الوقت أفكر في الاستقلال عن وطني الأم الذي تربطني به روابط عديدة، فهذا لايمكن أن يقبله العقل.
فالهم الوحيد الذي كان يحمله سيدي محمد بصير ويحمله معه المنخرطون في حركته، والذين تقدرهم الإحصائيات بحوالي سبعة عشرة ألف في يوم الانتفاضة الأغر هو إخراج المستعمر الإسباني .
ولدي والحمد لله أدلة على ذلك استخرجتها من مجلة عشرين ماي المذكورة آنفا.
ففي الصفحة 4وعند دخوله لمنطقة الصحراء تقول المجلة على لسان سيدي لياسعة البصير، واصل رحلته باتجاه السمارة وألقت السلطات الإسبانية القبض عليه ومن معه، ولم تخل سبيلهم إلا بعد تدخل أهله لدى الإدارة الاستعمارية التي منحته بطاقة إقامة مؤقتة، يعني هذا أنه كان تحت المراقبة منذ دخوله .
وفي الصفحة 8 تقول المجلة على لسان سيدي إبراهيم سلامة اجدود الذي يحكي يومياته مع الانتفاضة :” عندما دخلنا وجدنا بها شابا بلحية كثيفة جميل المحيا مشرق الابتسامة، وقف لمعانقتي، وخلال تبادل التحيات والسلام ألقيت نظرة سريعة على محتويات الغرفة المضاءة بشمعة، كانت تتناثر بها كتب وأوراق كثيرة، أجلسني بقربه ووضع ذراعه اليمنى على كتفي، بدا بشوشا وقسمات وجهه الخيرة تبعث على الطمأنينة، قال :مرحبا بك ياسيدي إبراهيم، لقد عرفتك من خلال حديث بدة أحمد حمادي عنك، فأنت تعمل مترجما مع الاسبان، مقربا جدا منهم، اعذرني على طريقة التعارف هذه، لكن الوقت لا يرحم، إننا نتمنى انضمامك إلى منظمتنا الطليعية، قاطعته متسائلا: أية منظمة وإلى ماذا تهدف؟ رد ستعرف كل شيء فيما بعد، إننا حريصون على تأطير كل الصحراويين خاصة الذين يعملون مع الإسبان،لأن ذلك يفيدنا كثيرا ويزودنا بالمعلومات الهامة …فقلت له أنا موافق …عندها تيمم وأخذ مصحفا وطلب مني أن أفعل مثله،ثم أخذ يدي اليمنى ووضعها على المصحف ثم أديت القسم “.
وفي الصفحة 9 يقول سيدي إبراهيم سلامة اجدود: في يوم 4-6-1970م جاءني حاكم مدينة حوزة GALMI COTE GARRIDوأمرني بالذهاب معه إلى الإدارة التي كنت أعمل بها كمترجم له، وهناك أخبرني أننا سنذهب في مهمة خاصة إلى اجديرية انطلقنا في الرحلة … وخاطبني قائلا :أنت صديقي وثقتي فيك كبيرة سواء تعلق الأمر بالقضايا الشخصية أو بالقضايا العامة للبلد الذي نعمل معا في إطاره ونسهر على حماية مصالحه، وأنت تعلم أني كنت مدعوا إلى مدينة العيون من طرف الحاكم العام FERNANDO PEREZ DELEMA للقيام بمهمة سرية، وقد عرفت منه أنه قد حصل على معلومات خطيرة عن طريق أحد الشيوخ الذي علم من أحد أفراد عائلته أنه تم تأطيره في حزب مضاد لمصالح إسبانيا ،وقد وجدت أن اسمك مسجل ضمن لوائح المنخرطين فيه فأجبته على الفور وبصراحة :إني أنتمي إلى المنظمة الطليعية لتحرير الصحراء “
وحسب نفس المجلة فالمطالب الأولى للمنظمة الطليعية لتحرير الصحراء التي أسسها سيدي محمد بصير كانت هي المطالبة بالمساواة في فرص العمل وفي الأجور مع العمال الإسبان، وأيضا المطالبة بتدريس اللغة العربية للأبناء في المدارس .
والذي يظهر من خلال هذا كله أن الهم الأول لمنظمة سيدي محمد بصير هو إخراج المستعمر وإخراجه تدريجيا، (اعتماد السرية في أول الأمر، اختيار العناصر، إنشاء الفروع، فتح باب الانخراط للجميع ، تحرير المطالب)، ولكنه لم يعبر في يوم من الأيام عن نيته في فصل الصحراء عن المغرب، والذي يملك دليلا على ذلك فليطلعنا عليه، وهذا شيء طلبناه في السنة الماضية ونطلبه اليوم أيضا، ونتحدى أن يدلي أحد بوثيقة بخط يده تؤيد ذلك، واليوم لا نتحدى فقط، وإنما أقول بلسان العائلة جميعا: سنحاكم كل من تبث استغلاله لاسم سيدي محمد بصير خارج نضاله الوطني.
والعجب كل العجب أن إخواننا الصحراويين في الضفة الأخرى لا يملكون دليلا ومع ذلك يتجرؤون ويحتفلون كل عام ويستغلون نضال سيدي محمد بصير لصالحهم، وأمام هذه الجرأة المتوالية فإنه لايمكننا أن نسكت.
والكل يعلم أنهم يدعون أن حركته ومنظمته هي النواة الأولى لتشكيل دولتهم المزعومة،وهذا شيء باطل بما أسلفنا من الأدلة الدامغة، وكل ما بني على باطل فهو باطل من أساسه.
ثانيا: أيها الإخوة الكرام هذه الزاوية التي نجتمع فيها اليوم فيها نشأ سيدي محمد بصير رحمه الله ورضي عنه كما أسلفنا، هنا كانت والدته رحمة الله عليها هنا كان والده هنا كان إخوانه وأحبته، كان يحبهم ويحبونه إلى درجة لايمكن تصورها وهذا تؤكده كل الرسائل المعروضة أمامكم بالمعرض المخصص لوثائقه الشخصية، فهل يعقل أو يتصور في الذهن أن يتركهم هنا ويرحل عنهم عازما تكوين دولة جديدة في الجنوب، فهذا لا يتصوره العقل، ولم يعبر عنه سيدي محمد بصير في يوم من الأيام .
والذي ينبغي أن يعلمه الجميع هو أن سيدي محمد بصير إلى حدود 1969م – أي سنة قبل اختفائه – لازال هنا بالزاوية، لم تنقطع علاقته بإخوانه الموجودين بالزاوية، كان دائم الاتصال بهم عن طريق المراسلة التي أظنها كانت واحدة من هواياته.
ثالثا: هذه الزاوية التي نجتمع فيها اليوم أيها الأحبة لا يحيط بها إلا الأمازيغ، فلا تكاد تسمع للغة العربية همسا،ولا تكاد ترقب لعوائد الصحراء حسا،ومع ذلك رحبوا بوالده الشيخ سيدي إبراهيم البصير، وأهدوه هذه الأرض التي نجتمع فوقها، وتعايش معهم سيدي إبراهيم رحمه الله أطيب عيشة، ووجدوا فيه الأخ والصديق والحبيب والرجل الصالح والجوار الطيب، ولم يتعصب يوما ما لنفسه أو عاملهم بدنية، وهذه هي الأخلاق التي غرست في سيدي محمد بصير منذ غابر الزمن.
رابعا :أيها الأحبة: هذه الزاوية التي نجتمع فيها اليوم مسقط رأس الشهيد محمد بصير رحمة الله عليه، في مقبرتها العتيدة تجد قبورا لعشائر صحراوية كثيرة كانت لها علاقة بآل البصير، منهم اليوم بعض آباء وأجداد شيوخ بعض القبائل الصحراوية المقيمين في الضفة الأخرى.
من خلال هذا كله أحب أن أقول: إن الصحراويين الأحرار من أجدادنا لم يكونوا يوما ما تحدهم حدود أو مسافات أو أوطان، فوطنهم هو الأرض كل الأرض، شعارهم قول الله تبارك وتعالى :” ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها “.
ولهذا تجد الصحراويين في الرحامنة كما تجدهم بعبدة وتجدهم بسوس كما تجدهم بالشاوية وزيان وجبل العلم، هكذا كان أجدادنا الصحراويين الأحرار يتحركون في كل الأرض، والذي يريد أن يحجر الإنسان الصحراوي في مكان ما ويحد من ترحاله وسفره فهو يسعى إلى ضرب من الخيال.
هنا أيضا أحب أن أطرح الأسئلة التالية: ما قيمة أن أهاجر وطني وأتنكر له لأسجن عند جاري؟ وما قيمة أن أسجن في مخيمات فوق الصحاري والقفار تفتقر لأبسط متطلبات الحياة مدة تزيد على الثلاثين سنة؟ ماذا جنينا وماذا حققنا طول هذه المدة؟ فبعدما كان آباؤنا وأجدادنا أحرارا طليقين يرتعون في الأرض كيف شاءوا يجوبونها طولا وعرضا شمالا وجنوبا، أصبحنا اليوم محدودو الحرية يتحكم فِينا عصابة من الناس من جيراننا يعدون على رؤوس الأصابع لا يهمهم سوى مصالحهم الشخصية، أما آن لنا أن نقول كلمتنا ؟
لقد بدأنا نقول كلمتنا والحمد لله، والذي يبين هذا الواقع ويجليه أكثر هذه الأفراد من الصحراويين – أحب أن أسميهم بالصحراويين الأحرار الخلص- الذين يصلون يوميا بحمد الله عائدين إلى أرض الوطن، والذين تقدرهم الإحصائيات حاليا بحوالي سبعة إلى ثمانية أفراد أسبوعيا، بعدما وعوا بواقع الأمر والحال وراجعوا أفكارهم وأدركوا بأن في الجمع كل الخير، وأدركوا أن الصحراوي الحر يعيش حرا طليقا يتحرك بدون ملل شمالا وجنوبا إلى أن يتوفاه مولاه، واستنتجوا أيضا أن وجودهم في مخيمات تندوف كانت نتيجة غضب وشنآن وقع في وقت ما تحت ظروف معينة عبر عنه بعض الشباب المتحمس بالابتعاد خوفا من جحيم الدولة في ذلك الإبان، واستغلت غضبهم هذا أطراف أخرى فاستطاعت أن تجعل من هذا الأمر مشكلا عويصا.
وهنا أطرح السؤال التالي: لماذا لا نفكر في إنتاج برنامج تلفزيوني خاص بالعائدين إلى أرض الوطن ؟هذا أتمنى أن نجعله من أولى الأولويات لفائدته العظمى على القضية الوطنية.
وفي هذا المقام أتوجه لأفراد الشعب الجزائري الشقيق وأقول لهم من صميم فؤادي: هل يرضيكم ونحن جيران هذه العلاقات المتشنجة التي تربط بيننا وبينكم؟ وهل أنتم مرتاحون لهذه الحدود المغلقة بيننا وبينكم؟ وهل لا تستطيعون أن تجمعوا بيننا وبينكم وبين إخواننا في تندوف؟ فنحن أمة واحدة ذات مصير واحد، فأنتم ياأفراد الشعب الجزائري هم أملنا في حل هذه المشكلات، فإذا تحركتم في هذا الجانب فسننتظر مستقبلا أفضل لنا ولكم وللمغرب العربي برمته، فالمعول بعد الله تعالى عليكم يا أفراد الشعب الجزائري.
وهنا أقول: إذا كانت الدولة الجزائرية وأجهزتها المتحكمة – هداهم الله -لا ترغب في التقارب ولا في حل المشكل، فينبغي أن نقصد بخطابنا وحوارنا علماء الجزائر ومفكريه ومثقفيه وشبابه الواعي بمجريات الأمور، وفاعلي المجتمع المدني به، فهؤلاء لا يخلون من بركة، ومن هنا أرى يبتدأ الحل بحول الله.
بقي أن أطرح سؤالا في غاية الأهمية، وهو كيف تسلل سيدي محمد بصير إلى قلوب الصحراويين واستطاع إقناعهم بالدخول في حركته ؟
لقد تسلل سيدي محمد بصير إلى قلوب الصحراويين عن طريق توظيفه لثقافة الزاوية، والتي هي في مجملها تتلخص في الثقافة الإسلامية التي تجمع ولا تفرق، وهو لم يكن متصنعا قي ذلك بل كان ذلك هو وصفه الطبيعي.
فقد سعى جادا في تأسيس مدارس للغة العربية، وإنشاء الكتاتيب القرآنية، وكان يحرص أن يؤدي المنخرطون في حركته للقسم على المصحف وبطهارة تامة، ويلتزم التزاما بقراءة الفاتحة في أول الاجتماع وآخره، ومن حين لآخر يطرق موضوع الجهاد في الإسلام في جميع خطبه لتشجيع الناس على مقاتلة العدو، وعندما يرسل رسوله لتأدية عمل ما يقول له “بسم الله توكل على الله”، بهذا كله عمل سيدي محمد بصير على توحيد عمل الصحراويين في خندق واحد، وبهذا التفت حوله أفراد جميع القبائل الصحراوية من دون عصبية قبلية أو غير ذلك .
والملاحظ اليوم أنه عندما أغفلنا هذا الجانب الإيماني تجذرت فينا العصبية القبلية والطمع المادي والسعي وراء المصالح الشخصية وغيرها من الأمراض التي يتعسر علاجها، فالإنسان الصحراوي بفطرته المسلمة السليمة عموما له تفاعل مع كل ماهو إسلامي من شرع الله وشرع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعندما ضعف الوازع الإيماني وافتقدنا لمن يوقظه من الرجال الصالحين سهل على الآخرين غزونا بأفكارهم التي تدعو إلى التفرقة والتجزئة وحق الشعوب في تقرير مصيرها مع أن هذه الأمة الواحدة لها مصير واحد، وطال أمد حل هذا المشكل البسيط المعقد.
فإذا أحيينا لديه ما يوقظ إيمانه بحملات تحسيسية فعالة بين الحين والآخر، سيجدد لا محالة الإيمان في قلبه وسيتفاعل مع قيم وشعب الإيمان جميعها، وعندها سيحل المشكل القائم. فإذا قوي هذا الوازع الإيماني لدى الإنسان الصحراوي فإن الوحدة والتوحد والتعاون والانسجام وتوحيد الرؤى وحسن الجوار ونبذ العصبية القبلية وصلة الأرحام وعدم هجر الأحبة والإخوان وبقية شعب الإيمان الأخرى سيصبح شيئا طبيعيا يسري في عروقه ودمه، وهذه هي النتيجة التي نتمنى أن نصلها في يوم من الأيام.
وأنا لا أتكلم من فراغ، فإذا علمنا أن عدد المساجد في إقليم كإقليم العيون يقدر بحوالي ستة وثلاثين مسجدا، وبإقليم السمارة حوالي تسعة عشرة مسجدا، وبإقليم الداخلة حوالي ثمانية عشرة مسجدا، سيتبين حجم تقصيرنا في غرس الإيمان في قلوب الساكنة بالمنطقة الصحراوية، وإذا قارناها ببعض المساجد في أقاليم أخرى سيتبين الفرق واضحا (تمارة :190،المحمدية ،156زاكورة 473،وجدة 296) ، والنقص في عدد المساجد يعني بالتبعية نقص في عدد الكتاتيب القرآنية، نقص في عدد مؤطري محو الأمية، فراغ روحي خاصة لدى الشباب في تلك المناطق.
شيء أخير أختم به وهو تلك التصريحات الهامة التي أدلى بها ميغيل أورثيت،رئيس المخابرات الاسبانية بالصحراء قبل الانسحاب الاسباني، والتي تعد واحدة من النتائج الجميلة للندوة التي عقدت بالعيون السنة الماضية، حيث أكد أنه شاهد عيان على استشهاد سيدي محمد بصير، وأنه يعرف المكان الذي دفن به.
نحن عائلة الشهيد لن نقف مكتوفي الأيدي أمام هذه التصريحات الهامة، وإنما سنعمل على متابعتها دوليا عن طريق منظمات حقوق الإنسان الوطنية والدولية إلى آخر وهلة، إلى أن نقف على قبره بعد التأكد منه بالوسائل المعروفة والحمد لله رب العالمــــين.