أصناف البر في رمضان
أصناف البر في رمضان: للأستاذ يوسف المختار بصير
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، الحمد لله الذي كتب صيام شهر رمضان على عباده المؤمنين، وجعله ركنا من أركان الإسلام التي أوجبها على المكلفين، فقال وهو أصدق القائلين: “يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات”، نحمده تعالى حمد الشاكرين، ونسأله الفوز والظفر بالنعيم المقيم الذي ادخره لعباده الصائمين، ونشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو العليم بما تكنه نفوس الصابرين المحتسبين، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين، القائل بوحي من ربه: “من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه” صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، في الأسبوع الماضي تكلمنا عن فضائل شهر رمضان وذكرنا الخطبة الجامعة التي خطب بها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على أصحابه، رضوان الله عليهم، في آخر جمعة من شعبان، يذكر من خلالها بأنواع القربات التي يمكن للمسلم التقرب بها إلى المولى عز وجل في هذا الشهر الفضيل، واليوم بحول الله وقوته نذكر بعضا من صنوف البر الكثيرة والمتنوعة التي ينبغي التنافس عليها في رمضان، إن لم نقل في سائر الأيام، يأتي في مقدمتها الصيام الذي فرضه الله تعالى على عباده مصداقا لقول الله تعالى في الحديث القدسي “وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه”، فالصيام يغفر به الله ما تقدم من السيئات، ويبلغ به العبد العالي من الدرجات، فعن أبي هريرة (ض) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه”. فصيام هذا الشهر سبب لغفران الذنوب بشرط أن يكون الصوم لله تعالى لا رياء فيه ولا سمعة ولا عادة، بل عبادة لله رغباً ورهباً. وهذا فضل صيام رمضان خاصة وأما فضائل الصيام عموماً فذاك بحر بعيد ساحله ويكفي في ذلك قول الله تعالى في الحديث القدسي: “كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به”. ومن صنوف البر في هذا الشهر الكريم قيام الليل الذي تواردت في الحث عليه وبيان فضله الأخبار إذ فيه تسكب العبرات وتمحى السيئات وتحصل به الدرجات وقد خص قيام هذا الشهر بمزيد فضل فعن أبي هريرة (ض): “من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه”. وقيام رمضان يتحقق بالمحافظة على صلاة العشاء في جماعة والصبح في جماعة بالإضافة إلى صلاة التراويح التي تعتبر من مميزات هذا الشهر الفضيل، فعن أبي ذر (ض) قال: “صمنا مع رسول الله رمضان فلم يقم بنا شيئاً في الشهر حتى بقي سبع فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل فلما كانت السادسة لم يقم بنا فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب شطر الليل فقلت: يا رسول الله لو نفلت قيام هذه الليلة؟ قال: فقال صلى الله عليه وسلم: “إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حُسب له قيام الليلة”، وهذا يفيد أن من صلى مع الإمام ولم يفارقه حتى ينصرف كُتب له قيام هذه الليلة وإذا حافظ على ذلك جميع ليالي الشهر يكون قد قام رمضان ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن حافظ على ذلك أيضاً حصّل فضل قيام ليلة القدر، التي هي إحدى ليالي الشهر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في فضلها: “من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه”. ومن صنوف البر في هذا الشهر الكريم قراءة القرآن: فإن هذا الشهر هو شهر القرآن قال الله تعالى: “شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ”، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يختم القرآن في رمضان فعن أبي هريرة (ض) قال: “كان جبريل يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم القرآن كل عام مرة، فعرض عليه مرتين في العام الذي قبض فيه”. وقد كان السلف يهتمون بالقرآن اهتماماً زائداً في هذا الشهر، كان الإمام مالك رحمه الله إذا دخل رمضان ترك قراءة الحديث وأقبل على قراءة القرآن الكريم من المصحف، وقال الزهري: إذا دخل رمضان فإنما هو قراءة القرآن وإطعام الطعام. أيها المؤمنون، ومن أبواب الخير أيضا في هذا الشهر الكريم الجود والكرم والسخاء والصدقات، وذلك أن النفوس إذا زكت وطهرت أعطت وبذلت، فعن ابن عباس (ض) قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه جبريل في كل ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة”. فعليكم أيها الأحباب بكثرة النفقة والصدقة في وجوه البر في هذا الشهر الكريم فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “كل امرئ في ظل صدقته حتى يُقضى بين الناس”، وقال صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الترمذي بسند صحيح: “والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار”. أيها المؤمنون، ومن أبواب الخير في هذا الشهر اعتكاف العشر الأواخر منه فإن النبي صلى الله عليه وسلم: “كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل”. وهكذا أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات ترون أن صنوف البر والخير في هذا الشهر كثيرة والسعيد من اغتنم مواسم النفحات وسارع في الخيرات وصدق من قال: طوبى لمن كانت التقوى بضاعته ** في شهره وبحبل الله معتصما. فاغتنموا عباد الله هذا الموسم الكريم واعلموا أن الحسنة فيه تضاعف والسيئة تعظم فاستكثروا من الحسنات وتخففوا من السيئات فإن الصيام لم يشرع إلا لتحقيق هذه الغاية وهذا المقصد قال الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”، فقد ذكر الله تعالى في هذه الآية أن الغاية من فريضة الصيام على هذه الأمة وعلى الأمم التي قبلها هي تقوى الله عز وجل فليس المقصود من الصيام الجوعَ والعطشَ وتركَ الشهوة فحسب فإن هذه الأشياء وسيلة إلى غاية ووصلة إلى نهاية وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من لم يدع قول الزور والعملَ به فليس لله حاجةٌ في أن يدع طعامه وشرابه”. فاتقوا الله عباد الله وأكثروا من عبادة الله تعالى في هذا الشهر فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخص رمضان بالإكثار من العبادات والطاعات واستغلوا أيها المؤمنون مواسم الخيرات لتكثير الحسنات وتكفير السيئات فإن المحروم من أدرك هذا الشهر ولم يغفر له فيه. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين.
الخطبة الثانية
غدا إن شاء الله تعالى تحل بنا ذكرى وطنية غالية، يستحضر فيها المغاربة الأحرار، وفاة ملك مبجل، ضحى بحياته، وكافح وناضل من أجل استقلال مملكتنا المغربية، واستنهض الهمم العالية للمغاربة الذين سجلوا بمداد العز والافتخار أمجاد تضحياتهم من أجل أن نعيش ويعيش أبناؤنا من بعدنا كرماء أعزاء، فقاوموا الاستعمار الغاشم الذي جثى على بلادنا وحاول تفريق وحدتنا بوسائله المختلفة، مما جعل المغاربة بكل فئاتهم يلتفون حول صاحب الذكرى جلالة المغفور له محمد الخامس وولي عهده آنذاك المغفور له الحسن الثاني في تخطيط محكم ساهم فيه العلماء والسياسيون والتجار والفلاحون، والنساء والرجال على اختلاف طبقاتهم ليكونوا يدا واحدة، وليطردوا الاستعمار إلى غير رجعة، وتحقق النصر بهذه الإرادة الجماعية، وتوفي محمد الخامس مخلفا وراءه تاريخا حافلا بالبطولات والأمجاد، ثبتها وارث سره جلالة المغفور له الحسن الثاني بالمنجزات العظام التي بناها بمعية شعبه الوفي، وها هو الآن وارث سرهما جلاله الملك محمد السادس نصره الله وأيده، يعطي الأمثلة يوما بعد يوم، منذ اعتلائه عرش أسلافه المنعمين، بانيا وداعيا بالعمل قبل القول إلى التضامن وتثبيت دعائم المملكة الرائدة في الإصلاح والتنمية، وجمع الوحدة الوطنية والترابية والقارية، وخدمة القضية الأولى للمغاربة وهي قضية صحرائنا المغربية. فلنكن إخواني على حذر مما يحاك ضد وحدتنا الوطنية، ولنحافظ على أمننا وأمجاد أمتنا، لنستحق الخلافة بعد أسلافنا. الدعاء
خطبة الجمعة من مسجد الحسنى عين الشق، الجمعة 9 رمضان 1439 موافق 25 ماي 2018