دور الوالدين في تهييء أبنائهم قبل الامتحانات
الحمد لله، الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
أمر عباده بإعداد العدة والتهيء لكل أمر بما يليق معه من أساليب، بقوة وحزم وعزم، فقال وهو أصدق القائلين: “وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل”،
ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، كان يحث على اغتنام الأوقات واستغلالها قبل فوات الأوان، وحارب الجهل بكل أنواعه ليسمو بالإنسان وليحقق ذلك التكريم الإلهي الذي كرم الله به بني آدم بسبب سعيه لتحصيل العلم والخروج من ظلمات الجهل فقال: “من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع”، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين
أمَّا بعد. فيا أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات،
كان حديثنا في الجمعة الماضية حول استعداد أبنائنا للامتحانات، وكان حديثنا حول تفوقهم واغتنامهم لما تبقى من الوقت حتى لا يضيع سدى في الملاهي وتتبع نجاحات الأخرين في أمور الرياضة والرقص والطرب وغيرها في حين أن كل وقت ضاع فإنما يحتسب من وقت الدراسة والتحصيل وينقص من حظوظ أبنائنا في التفوق والنجاح، مما يضطر بعض الأبناء إلى ابتكار أساليب ماهرة في الغش والنقل وإرهاب الأساتذة من أجل الحصول على نقط ومعدلات لا تعطي الحقيقة عن الطالب وبالتالي يكون النجاح مزورا ونتائجه بعد حين على الأمة والمجتمع وخيمة إذا ما وسدت أمور مصيرية إلى مثل هؤلاء الغشاشين، فتكون نتائج تدبيرهم وخططهم وخيمة على الأمة وعلى المجتمع، واليوم نريد أن نلفت نظر الآباء والأمهات، الذين يأملون نجاح أبنائهم وبناتهم، ويريدون في آخر السنة الدراسية ان يكونوا من المفتخرين بتفوق فلذات أكبادهم، ونقول لهم كما جاء على لسان كثير من علماء التربية والمتخصصين بأن على الأسرة مسؤولية جسيمة في تهييء أبنائهم لاجتياز الامتحانات بشكل إيجابي،
فالحب والهدوء والتحفيز هي الوصفة السحرية التي ينبغي للآباء أن يمنحوها للأبناء قبل اجتياز الامتحانات، أيها الإخوة المؤمنون، لا تجعلوا أيام الامتحانات والتهيئ لها أيام طوارئ داخل البيت، فالأسرة هي التي تخفف جو التوتر والقلق وهي التي تخلق الجو المحفز للطالب، وإن الضغط والتوتر والخوف هي العوامل المشتركة لذى كل أسرة تمر بفترة الامتحانات، ولتقليل هذه المعاناة عليها أن تنظر بموضوعية إلي قيمة هذه الامتحانات لتجد أن الامتحان ليس محنة ولا هو لتحديد التكريم من الإهانة ولكنه فرصة لتقييم وتقويم أداء الطالب حتى يتعرف على ما أنجزه وما يجب أن يركز عليه في المستقبل وأن الجو الأسري المليء بالحب والعطف والتحفيز يكون له أكبر الأثر في التخفيف من جو التوتر الذي يعاني منه الأبناء،
وللأسف فإنه بإعلان حالة الطوارئ يبدأ موسم المشكلات الزوجية، خاصة الاختلاف حول ساعات المذاكرة والاهتمام بالامتحانات ووضع المذاكرة وطبيعتها، وقد تصل الخلافات إلى الهجر بين الزوجين، وتتحول أيام الامتحانات إلى أيام نكد في البيت، يقضى على جو الأمان المطلوب لأبنائنا، ولا حل إلا بالتوازن والاعتدال بين الزوجين، واعتبار هذه الأيام فرصة عطلة عن المشاكل لأن المفروض في البيت المسلم أن يكون مشمولا بالمحبة والعطف والمودة التي يمنحها كل فرد في الأسرة إلى غيره،
وعلى الوالدين الابتعاد عن اعتماد المقارنات بين الأبناء والتركيز على الدرجات العالية لأنها من العادات الخاطئة، والله سبحانه وتعالى لم يجعل الناس سواسية في القدرات والمهارات والمواهب، بل لكل فرد خصوصية ينبغي أن يتعامل معها بمرونة ويسر حتى نتمكن من تحبيب المطالعة والمراجعة للأبناء، ومن الأفضل أن يحس التلميذ بأن أسرته تتحمل معه المسؤولية ومتفهمة لحدود هذه المسؤولية، وإلا فقد يدفعه هذا إلى الإحساس بوحدة موحشة أمام الامتحانات،
ولا تنس أيها الأب أيتها الأم أن تمنحوا أبناءكم قسطا من الراحة والترفيه حتى يتجدد نشاطهم لاستئناف المراجعة والتركيز فكن أخي رحيما بأبنائك، فهم في أشد الحاجة إلى استشعار هذا الإحساس في أيام التهييء للامتحانات، وتذكر قول رسولنا صلى الله عليه وسلم: “ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا”، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبـة الثانية
الحمد لله الذي لا ينبغي الحمد إلا له، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبوة والرسالة وعلى أله وصحبه وكل من انتمى له، عباد الله من اتقى الله فاز برضى مولاه ومن جاءته موعظة من ربه فانتهى فأجره على الله
أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون،
إن اهتمام الأسرة بتفوق أبنائها وتوفير الجو الملائم للمراجعة والتركيز عبادة يتقرب بها الأباء إلى ربنا عز وجل الذي أعلى مكانة العلماء وشرفهم على غيرهم فقال: يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ”، وقال: “هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ”، لذى ينبغي أن يكون محرك التفوق عند الأسرة وعند الطلبة هو رضا الله وأن يزرعوا في أبنائهم أن المثابرة على العلم والتحصيل جهاد في سبيل الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع”،
فكونوا أيها الآباء والأمهات خير معين لأبنائكم، وشجعوهم على الاستمرار في التهييء من غير إرهاب ولا تكسروا عزائم أبنائكم بمقارنات جهودهم بغيرهم من المتفوقين، فنتائج المقارنات تعود سلبا وتحبط عزائمهم، وبشروا ولا تنفروا، والله ولي التوفيق، وهو القائل: “إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يوتكم خيرا”، وهو القائل سبحانه: “وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون”.
الدعاء…