استغلال الوقت قبل الامتحانات

الحمد لله، الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أمر عباده بالإخلاص في العمل، وأخبرهم بأنه يجازيهم عليه فقال: “فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره”.
ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، كان يحث على اغتنام الأوقات واستغلالها قبل فوات الأوان، القائل: “نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ” صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أمَّا بعد .فيا أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات،
في الجمع الماضية تناولنا الحديث عن العمل وقيمته التي نوه بها الإسلام، وكان عنوانا على شرف وعلو مكانة العاملين، وبيننا أن المطلوب منا إنجاز الأعمال بإتقان، واليوم نتوجه لأبنائنا وبناتنا المقبلين على الامتحانات النهائية، التي يختمون بها سنة دراسية وعاما من أعمارهم، فنقول وبالله التوفيق، أيها الأبناء والبنات، أيها الآباء والأمهات، أيها الناس، كلٌّنا مسؤول ومحاسَب عن ساعات عمره فيما أمضاها، وشرعنا لا يعطي  للإنسان الحق في إضاعة وقته، هذا الوقت الذي هو عمر الإنسان، أقسم الله به، لبيان نتيجة الإنسان في حسن أو سوء استغلاله فقال سبحانه: “وَالْعَصْرِ  إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ  إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر”، وقال أيضا: “إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى” بعد أقسامه بالشمس والقمر والنهار والليل ونّفْس الإنسان، لبيان أن المقصود هو سعي الإنسان في هذه الأوقات كلها.
وفي سورة الليل كان البيان واضحا حيث قال سبحانه عن نفس الإنسان التي هي عمره: “قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا  وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا” لبيان مسؤولية الإنسان عن لحظات عمره، فوقتك أيها الطالب أيها التلميذ ثمين ونفيس، وما مضى منه فلن يعود، ولا الزمان بما مضى منه يجود، وأشد الأوقات هذه التي تمر بها حين يقترب موعد الامتحانات النهائية، فمن أبنائنا من يستثمرها في الجد والمثابرة، لأنه يعلم بأنه مقبل على يوم أو أيام ينبغي أن يعطي فيها الدليل على تفوقه وحسن تحصيله، ومنهم من يقضي هذه الأيام في البحث عن الوسائل للغش والنقل واستعمال أساليب التهديد للطاقم الإداري المشرف على الامتحانات حتى يتمكن من استغلال جهود النجباء من التلاميذ، وما علم هذا أن الغش حرام كيفما كان نوعه، وأن نجاحه في النقل أو الغش لن يعطي تقييما حقيقيا لما حصله خلال السنة الدراسية التي أضاع أوقاتها في تتبع نجاح الآخرين، أتدرون أي نجاح أقصد؟ إنه نحاج فرق الرقص والرياضات واللهو، فتراه طيلة السنة منهمكا في إضاعة وقته منتصرا لفريق أو لجمعية رياضية أو لتتبع مهرجانات للسينما والرقص واللهو في حين أن أقرانه يمضون أوقاتهم في الدراسة والجد والتحصيل.
إن الحفاظ على الأوقات واستثمار الأعمار يحتاج إلى حزم وعزم وهمّة وقوّة إرادة، أما البَطَالة والكسل فهي داء وَبِيل ومرض خطير تنعكس آثاره السيئة على الأفراد والمجتمعات، ويسبّب الخمول والفقر والتخلّف المادّي والمعنوي، ويؤدّي إلى الرذائل والمنكرات، ومَن أكثر الرُّقَاد عُدِم المُرَاد، ومن دام كسله خاب أمله، أيها الطلبة والتلاميذ، من بُورِك له في عمره أدرك في زمن يسير من مِنَن الله تعالى ما لا يُعد ولا يحصَى، وكم من موفّق لأعمال كثيرة في أزمنة يسيره، فترى إنجازات سلفنا الصالح وكأنها ضربًا من الخوارق، وما هي إلا التوفيق والبركة واستثمار الوقت فيما ينفع، وخير مثال لذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أخرج الناس من الظلمات إلى النور، وغَيّر وجه التاريخ في ثلاث وعشرين سنة.
وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يواصل ليله بنهاره يقول: “إن نمت الليل ضيّعت نفسي، وإن نمت النهار ضيّعت رَعِيّتي فكيف النوم بين هذين؟”، وقال ابن عَقِيل (ح): “إني لا يحلّ لي أن أضيّع ساعة من عمري، حتى إذا توقّف لساني عن مذاكرة أو مناظرة، وبصري عن مطالعة، أعملت فكري في حال راحتي وأنا مُسْتطرِح، فلا أنهض إلا وقد خطر لي ما أسطّره”، لذا فقد ألّف كتابه الفُنُون الذي قال عنه الذهبي رحمه الله: “لم يُؤلَّف في الدنيا أكبر من هذا الكتاب”. وقال ابن القيّم عن شيخه: “وقد شاهدت من قوة شيخ الإسلام ابن تيمية في سننه وكلامه وإقدامه وكتابته أمرً عجيبًا، فكان يكتب في اليوم من التصنيف ما يكتبه الناسخ في جمعة”، وقال الذهبي: “إن تصانيفه تبلغ خمس مائة مجلّدة”، هذا مع ما يقوم به من تعليم ودعوة وجهاد، وعند الترمذي بسند حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من خاف أَدْلَجَ، ومن أَدْلَجَ بلغ المَنْزِل، ألا إنّ سِلْعَة الله غالية، ألا إنّ سِلْعَة الله الجنة”، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.   

الخطبـة الثانـية
الحمد لله الذي لا ينبغي الحمد إلا له، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبوة والرسالة وعلى أله وصحبه وكل من انتمى له، عباد الله من اتقى الله فاز برضى مولاه ومن جاءته موعظة من ربه فانتهى فأجره على الله
أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون،
إذا كنا في الجمعة الماضية ألححنا على إتقان العمل، فمن باب أولى أن نلح على شبابنا وشاباتنا وأطفالنا بالإتقان في تهييئهم للامتحانات التي يقبلون عليها خلال هذه الأسابيع، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: “ما ندمت على شيء ندمي على يومٍ غربت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزد فيه عملي”، وقال الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز (ح): “إن الليل والنهار يعملان فيك فاعملْ فيهما”، وقال الحسن البصري (ح): “يا ابنَ آدم، إنما أنت أيام، فإذا ذهب يوم ذهب بعضُك”، وقال أيضًا: “أدركت أقوامًا كانوا على أوقاتهم أشد حرصًا منكم على دراهمكم ودنانيركم”، وقال رجل لعامر بن عبد قيس أحد التابعين الصلحاء: كلِّمني، فقال له عامر: أمسكِ الشمس. في إشارة إلى استغلال كل اللحظات حتى لا تمر بدون فائدة.
فاستغل أيها الطالب، أيها التلميذ، هذه الفرصة حتى تكون من الفائزين، وتذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه”، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم  رفع من قيمة طلبة العلم المجدين، وبين أن الملائكة في السماء يرضيها اجتهاد أبناء الأمة في طلب العلم وتحصيله فقال صلى الله عليه وسلم: “من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع”، وأن هذا الاستعداد للامتحانات عبادة يتقرب بها التلاميذ والطلبة لله عز وجل الذي يرى ويجازي عن الأعمال، وهو القائل سبحانه: “وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون”.
الدعاء…

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *