الحملة الوطنية للتلقيح ضد الحصبة والحميراء
الحمد لله، الحمد لله مدبر الأكوان، أكمل خلق الإنسان، ومتعه بالصحة وأرشده إلى ما فيه مصلحته بالسنة والقرآن، نحمده تعالى ونشكره على نعمة الإيمان، ونشهد أن لا إله إلا إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، الداعي إلى اتخاذ الوسائل للمحافظة على صحة الأبدان، وعلى آله وأصحابه الذين جاهدوا بأموالهم وأنفسهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا، وسلم تسليما كثيرا ما تعاقبت الأيام و توالت الأزمان،
أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون،
إن مهمة الإنسان في هذه الحياة عظيمة، وأمانته فيها جسيمة، ومسؤوليته كبيرة، وذلك أن الله عز وجل خلقه في الأرض ليكون له خليفة، يعمر الأرض ويظهر أسرار الله فيها، ويعمل على صلاحها وإصلاحها وإقامة شرع الله فيها، وإقرار السعادة في ربوعها، فقال تعالى: (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون؟)، ولكن لا سبيل إلى هذه المهمة التي أنيط بها الإنسان وتحمل أعباءها ولد آدم، إلا إذا توفرت لديه أسباب التغلب على صعوباتها، فتحصن بالصحة التي يكمل بها عقله ويسلم بها تدبيره، وتتصل بها جهوده، والعقل السليم في الجسم السليم.
فالصحة عنصر مهم لا بد منها في قوام الحياة الإنسانية، لأنه ما من شيء في هذه الحياة إلا وهو محتاج إليها ومتوقف عليها، ولا وجود إيجابي للإنسان بدونها، ولا نعلم هادما للسعادة، قاضيا على الهناءة مفككا لعرى الأمة مضيعا للعزة والمناعة مثل المرض، الذي يجب محاربته بكل ما أوتي الإنسان من حزم وعزم، وأن تحشد القوى بصدق وإخلاص ونية للقضاء عليه، وأن تواجه الأوبئة بتدبير محكم، قائم على تخطيط قويم، وتصميم من الأخطاء سليم، حتى تنقذ الأمة من شرها المستطير، وتحفظ من أداها الخطير،
أيها المسلمون، لقد كان الإسلام حكيما في اتخاذ الوسائل التي تقضي على الأمراض والأوبئة، ولو اتبعنا ما رسمه لنا الإسلام في القضاء عليها لوفرنا على أنفسنا هذه الجهود الضائعة، ولاختصرنا الطريق، ولكنا في غنى عن كثير من هذه الدعايات والخطب والمقالات والإعلانات التي تفور لتتبخر، وترتفع لتنخفض، وتظهر لتختفي.
لقد حارب الإسلام المرض بجميع أشكاله، فأمر بالوقاية، وهي أفضل من العلاج، وحت على لسان رسوله بالتداوي فقال: “تَدَاوَوْا عِبَادَ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إِلا أَنْزَلَ مَعَهُ شِفَاءً إِلا السَّامَ وَالْهَرَمِ”، وأباح للمريض والخائف من المرض أن يتيمم بدل الوضوء، وأباح الفطر في المرض والسفر والحيض والنفاس والحمل والرضاع والشيخوخة رفعا للحرج ودفعا للعلل والأمراض، كل ذلك أيها الإخوان والأخوات عناية بصحة الإنسان واهتماما بسلامة ووقاية الأبدان من المرض الذي يعطل مهمة الإنسان في هذا الوجود، لأنه كما تعلمون لا علم إلا بالصحة، ولا جهاد إلا بالصحة، ولا عمل إلا بالصحة، ولا حركة قائمة إلا بالصحة، فالصحة هي رأس مال الإنسان، وربحه هو ما يعود عليه بالنفع أو الخسران، قال تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ، ثم َتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)، وقال صلى الله عليه وسلم: “نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ”.
ومن عوامل المحافظة على الصحة العناية بنظافة الثوب والبدن والمكان والفم والأسنان، وعدم الإفراط في النوم والسهر والطعام، وتناول ما يضر بالعقل والجسم والمال من المخدرات والمسكرات وشرب الدخان، هذه الخبائث التي حذر من سوء عواقبها القرآن وأصبح خطرها الآن منتشرا بين الرجال والنساء في كل مكان، ومن قال عنها شيئا اتهم بالرجعية والنقصان، والله تعالى يقول: (وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)، وقد استقر هذا المعنى في نفوس المسلمين حتى اشتهر بينهم “أن صحة الأبدان مقدمة على صحة الأديان”.
أيها الإخوة المؤمنون، اسجدوا لله شكرا على العافية بعد الإسلام، فإن الصحة تاج على رؤوس الأصحاء يتلألأ لا يراه إلا المرضى. فيا مَنْ مَنَّ الله عليك بالعافية بعد الإسلام، اسجد لربك شكرا على هذه النعمة، ويا منْ منَّ الله عليك بالعافية اعلم بأن نعمة الله عليك بالصحة بعد الإيمان هي أعظم نعمة، فهناك من الناس من يظن أن الرزق هو المال، ونسي نعمة العافية ونعمة الصحة ونعمة الإسلام، فاعترف أخي بنعم الله عليك ظاهرا وباطنا سرا وإعلانا فهو القائل سبحانه: (وأما بنعمة ربك فحدث)، واجعل النعمة في طاعة الله لتكون شاكرا (لئن شكرتم لأزيدنكم، ولئن كفرتم إن عذابي لشديد).
فاللهم إنا نسألك دوام العافية، وتمام العافية، والشكر على العافية، والغنى عن الناس، آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.