الحياء -2-

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، الحمد لله الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم، وهداه الصراط المستقيم، وجمله بالحياء والخلق الكريم، نحمده تعالى ونشكره على فضله العميم، ونشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو رب العرش العظيم، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المصطفى الهادي الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن لكل دين خلقا، وخلق الإسلام الحياء”، ويقول أيضا: “الحياء والإيمان قرناء جميعا، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر” . أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، في الجمعة الماضية تكلمنا عن خلق الحياء، الذي اختصه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالذكر من بين كل خصال الإيمان في قوله: صلى الله عليه وسلم. “الإيمان بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان”، وقوله أيضا: “الحياء لا يأتي إلا بخير” ذلكم الخلق الإسلامي الرفيع الذي يثمر في صاحبه الكمال في كل شأنه، ويضفي عليه من المهابة والوقار ما يسمو به بين أبناء جنسه وأقرانه، والذي يحبب إلى المتحلي به الطاعة والتقوى والإستقامة والإيمان، ويقف به عند حدود الله الملك الديان، ويبغض إليه الكفر والفسوق والعصيان. واليوم بإذن الله تعالى نريد التنبيه على أمور ينبغي مراعاتها في حياتنا وسلوكنا المبني على الحياء، فإذا كان الحياء شعبة من شعب الإيمان، وخلقا ممتازا من أخلاق الإسلام، فما أجمل أن نتخلق به يا عباد الرحمان، وأن يكون لنا منه الزاد الذي نواجه به الأعاصير القوية التي تكاد تعصف بكل القيم والمبادئ السامية التي جاء بها الإسلام، وأن يكون الحياء شعارنا في هذه الدنيا المشحونة بالفتن، والحافز القوي على رفع لواء الحق والتسامي عن السير في ركب الباطل والإنحراف مع الهوى وحزب الشيطان، فعن سيدنا ابن عمر (ض) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “دعه فإن الحياء من الإيمان”، واعلم أخي أن أعلى درجات الحياء ما كان ناشئا عن الشعور برقابة الله عز وجل وعظم حقه على عباده، وهذا هو الحياء الذي يدعو إليه الإسلام، وهو الذي يقرب صاحبه إلى درجة المراقبة والشعور بمعية الله لعباده، فيستحيي الإنسان من الله في خلوته وفي جلوته، ويراقب الله تعالى في كل حركاته وسكناته. أيها المؤمنون والمؤمنات، اعلموا أن الذين يتنكرون لدينهم وما يدعو إليه من مكرمات وينسلخون عن مقوماتهم الوطنية والإجتماعية المنبثقة من روح ديننا الإسلامي الحنيف، ويتخلون عن تقاليدهم وما تحتم عليهم من التزامات إنما هم جماعة مقلدون لأناس لا خلاق لهم ولا دين لهم، ولا هوية لهم، ولا حياء يردعهم، شأنهم في ذلك شأن الطفل الصغير حين يشعر بالنقص أمام الرجل الكبير، ينسى نفسه ويحاول تقليد من هو أكبر منه، والواقع أننا بانسياقنا وراءهم وما يروجون له من أفكار، فإننا حينئذ نترك اقتداءنا وتأسينا بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي كان أرق الناس طبعا، وأنبلهم سيرة، وأعمقهم شعورا بالواجب، وكان في باب الحياء كما وصفه سيدنا  أبو سعيد الخدري (ض) بقوله: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها، وكان إذا رأى شيئا يكرهه عرفناه في وجهه”، وعن أمنا عائشة الصديقية (ض) قالت: “قال صلى الله عليه وسلم: يا عائشة لو كان الحياء رجلا لكان رجلا صالحا، ولو كان الفحش رجلا لكان رجل سوء”. بهذا الحياء الكبير والخلق العظيم، استطاع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أن يجعل من الأعرابي الفض الغليظ القلب، الحاد الطبع، الصعب الإنقياد، الإنسان الرحيم ذا الخلق الكريم، الذي ملأ الدنيا بسلوكه القويم خيرا، وأفاء على الناس من حيائه معروفا وبرا، أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، إننا بالإيمان وبالإسلام وبالإحسان لنا شخصيتنا المتميزة، ومقوماتنا الحية القوية، وتقاليدنا العريقة الطاهرة النقية، ومن الحياء ألا نتخلى عن هذه الأخلاق الفاضلة التي تميزنا عن غيرنا، وتبوئنا مكانا عاليا عند ربنا، جاعلين نصب أعيننا أن الإيمان قرين الحياء، وأن من لا حياء فيه لا خير فيه، وأن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول: “إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت”. فلمن يفسدون في الأرض ولا يصلحون نقول هذا، ولمن لا يراعون حرمة المسجد نقول هذا، ولمن لا يراعون حرمة المؤمنين والمؤمنات، وللمجاهرين الله بالمعاصي بالليل والنهار وأمام أعين الناس في المجامع والطرقات، نقول هذا، ولمن لا يخافون عقاب الله نقول: “إن لم تستح فاصنع ما شئت”. فاللهم لا تخيب فيك رجاءنا، وجملنا بالحياء واجعلنا من عبادك المخلصين، جعلني الله وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب، آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخطبــة الثانـيـة

أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون، اعلموا أن خلق الحياء من الأمور الهامة التي ينبغي على الآباء والأمهات والأساتذة والمعلمين، والجيران وكل فئات المجتمع أن يتعاونوا على زرعها في فلذات أكبادنا، فأولادنا وبناتنا أمانة في أعناقنا، وكلنا راع وكلنا مسؤول عن رعيته، ولنعد بفكرنا إلى سنوات قليلة ماضية حيث كان كل واحد من المجتمع يقوم بواجبه نحو أمته بتلقائية وبإيمان، عالما أنه لا يستقيم المجتمع إلا ببذل الجهود لإصلاح أبنائه وبناته، ومن الحياء أيضا أن نعمل جميعا على حصر ما نتوصل به من أخبار وفيديوهات، ونشرات المقصود بها التشهير ببعض الناس من الرجال والنساء، والمسؤولين من بلدنا ومن غير بلدنا، بدعوى نشر الخبر أو تغيير المنكر، في حين أن أغلب ذلك مفبرك ولغم المقصود به نزع لباس الحياء الاجتماعي من المجتمعات المسلمة، ونشر الفاحشة (قولا وفعلا) بين أوساط الأمة خاصة منهم أبناؤنا وبناتنا، فعلينا جميعا أن نبذل الجهود ونتعاون كل حسب استطاعته على بث الأخلاق الفاضلة في ناشئتنا، فهم مستقبل أمتنا وهم الشاهد على أعمالنا فبصلاحهم نكون قد أدينا المسؤولية الملقاة على عاتقنا، وبدونها لانستحق ثناء الله علينا في قوله: “كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله”. إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما”. الدعاء

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *