المرأة في الإسلام (3)

الحمد لله، الحمد لله الذي أنعم على عباده بالتوفيق، فأرشدهم إلى أقوم سبيل وأحسن طريق، وخلق الزوجين الذكر والأنثى، وساوى بينهم في الحقوق والواجبات فقال جل وعلا: “ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف، وللرجال عليهن درجة”، نحمده تعالى، حمدا لا ينتهي أمده، ونشكره شكرا لا يحصى عدده،
ونشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، كان يستوصي بالنساء خيرا، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أولي الفضل والنهى والمجد والتقى ، وسلم تسليما كثيرا،
أما بعد: فيا أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات،
بمناسبة ذكرى اليوم العالمي للمرأة، تكلمنا في الجمعتين الماضيتين وسلطنا الضوء على مكانة المرأة في الإسلام، وبيننا أن وضعيتها حسب الشرع الإسلامي وضعية سليمة وأن هذا الدين، قد صان للمرأة كرامتها، وقلنا أن ما يدعيه دعاة التحريف والإلحاد والتخريف بخصوص  المرأة في ظل الشريعة الإسلامية ما هو إلا زعم باطل وادعاء جاهل،
وقد أشرنا في الخطبة الماضية إلى نماذج من النساء الصالحات من الرعيل الأول اللائي عشن فترة نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكيف أن الإسلام لم يمنعهن من التعلم وكيف ضمن لهن كرامتهن، فإذا قامت إحداهن بما فرض الله عليها تجاه نفسها وأسرتها، فإن ذلك يقوم في نظر الشرع مقام الجهاد في سبيل الله وحضور الجمعة والجماعات والعيدين وعيادة المريض وغير ذلك من الأعمال المفروضة على أخيها الرجل،
فيا لها من مساواة تحظى بها المرأة في ظل الإسلام من غير عناء ومن غير أن تمتهن كرامتها، وتكون عرضة للتحرش بها والعبث بشرفها وعفتها؟، وتذكري أختي المسلمة رئيسة الجمعية الأولى لنساء العالم، وهي أختك أسماء بنت يزيد بن السكن الأشهلية رضي الله عنها التي طلبت من الرسول صلى الله عليه وسلم أن تحظى المرأة ببعض الحقوق فقالت: “بأبي وأمي أنت يا رسول الله، أنا وافدة النساء إليك، إن الله  عز وجل  بعثك إلى الرجال والنساء كافةً، فآمنا بـك وبإلهك وإنا -معشر النساء- محصورات مقصورات، قواعد بيوتكم، ومقضى شهواتكم ، وحـامــلات أولادكم،  وإنكم -معشر الرجال- فُضلتم علينا بالجُمع والجماعات، وعيادة المرضى،وشهود الجنائز، والحج بعد الحج، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله، وإن الرجل إذا خــرج حـاجـاً أو معتمراً أو مجاهداً، حفظنا لكم أموالكم وغزلنا أثوابكم، وربينا لكم أولادكم، أفما نشـاركـكـم الأجر والثواب؟ فأجابها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: “افهمـي أيتها المرأة وأَعلِمي مَن خلفك من النساء أن حسن تبعُّل المرأة لزوجها -أي حُسن مصاحبتها له- وطلبها مرضاته، واتباعها موافقته يعدل ذلك كله”،
وإن القرآن الكريم أعطى للمرأة شرفا عظيما حيث تم ذكرها في كثير من آياته، منهن مريم بنت عمران أم عيسى عليه السلام، فقد ذكر المسيح عيسى بن مريم عليه السلام خمسا وعشرين مرة في القرآن الكريم. تسع مرات باسمه المجرد وست عشرة مرة بنسبته إلى أمه مريم، هذه العفيفة الطاهرة، مريم الصديقة العذراء، مريم البتول المجاهدة العابدة القانتة المحبة المصطفاة المصدقة بكلمات ربها العاملة بشرعه، مريم نجية الملائكة، نزلت سورة في القرآن الكريم باسمها تتلى إلى يوم القيامة، إنها نموذج للمرأة المجاهدة المقاومة المكافحة المتحررة من كل عبودية إلا عبوديتها لله تعالى، ونذكر منهن أيضا آسية بنت مزاحم امرأة فرعون التي ربت نبي زمانها، موسى ابن عمران وتعلمت منه الهدى ودين الحق، ووقفت في وجه جبار طاغية يهلك الحرث والنسل زوجها فرعون مصر ، وضرب الله بها مثلا للنساء المؤمنات فقال جل وعلا: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)،
ومنهن أيضا أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها آمنت بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كفر به الناس، ونصرته وحمته حين خذلوه، وأحبته حبا شديدا، وأنفقت كل مالها في سبيل نصرته، وكانت له خير معين في دعوته، وجاهدت في سبيل نصرة دين الله، وكان لها على هذا الدين فضل كبير، روى الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَال: “يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هِىَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلاَمَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّى، وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، لاَ صَخَبَ فِيهِ وَلاَ نَصَبَ”.
أختي المسلمة، لاتغرنك الأكاذيب والأقاويل الباطلة ممن لا يعرفون الإسلام، ولا يعرفون تاريخ النساء الصالحات، ويكفي أن تعلمي أن البخاري قد عقد في كتاب الجهاد من كتابه الجامع الصحيح خمسة أبواب للأعمال التي كان يقوم بها أخواتك من النساء، لقد قاتلت الصحابيات رضي الله عنهن جنبا إلى جنب مع الصحابة رضي الله عنهم قاتلن ولم يفرض الإسلام القتال عليهن، وكانت أم المؤمنين عائشة بنت الصِّدِّيق رضي الله عنها وغيرها من الصحابيات قاتلن متطوعات وأبلين البلاء الحسن،  
أخرج البخاري في “باب غزو النساء وقتالهن مع الرجال” عن أنس رضي الله عنه قال: “لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْهَزَمَ النَّاسُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: وَلَقَدْ رَأَيْتُ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ وَأُمَّ سُلَيْمٍ وَإِنَّهُمَا لَمُشَمِّرَتَانِ أَرَى خَدَمَ سُوقِهِمَا، تَنْقُزَانِ الْقِرَبَ على مُتُونِهِمَا، ثُمَّ تُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ، ثُمَّ تَرْجِعَانِ فَتَمْلآنِهَا، ثُمَّ تَجِيئَانِ فَتُفْرِغَانِهَا فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ”. وعقد بابا، باب حمل النساء القِرَبَ إلى الناس في الغزو، قَالَ ثَعْلَبَةُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ:”إِنَّ عُمَرَ بْن الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَسَمَ مُرُوطًا بَيْنَ نِسَاءٍ مِنْ نِسَاءِ الْمَدِينَةِ، فَبَقِيَ مِرْطٌ جَيِّدٌ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ مَنْ عِنْدَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَعْطِ هَذَا ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  الَّتِي عِنْدَكَ . يُرِيدُونَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عَلِىٍّ.فَقَالَ عُمَرُ: أُمُّ سَلِيطٍ أَحَقُّ،  وَأُمُّ سَلِيطٍ مِنْ نِسَاءِ الأَنْصَارِ، مِمَّنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ عُمَرُ: فَإِنَّهَا كَانَتْ تَزْفِرُ لَنَا الْقِرَبَ يَوْمَ أُحُدٍ،  قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: تَزْفِرُ تَخِيطُ”.،
وأورد في “باب مداواة النساء الجرحى في الغزو” و”باب رد النساء الجرحى والقتلى” عن الرُّبَيِّع بنت مُعَوّذٍ قالت: “كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فنسقي القوم. ونخدمهم. ونرد الجرحى والقتلى إلى المدينة”. وباب غزو المرأة في البحر روى فيه عن أنس رضي الله عنه قال: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى ابْنَةِ مِلْحَانَ فَاتَّكَأَ عِنْدَهَا. ثُمَّ ضَحِكَ فَقَالَتْ: لِمَ تَضْحَكُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: نَاسٌ مِنْ أُمَّتِى يَرْكَبُونَ الْبَحْرَ الأَخْضَرَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ، مَثَلُهُمْ مَثَلُ الْمُلُوكِ عَلَى الأَسِرَّة، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، قَال: اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا مِنْهُمْ، ثُمَّ عَادَ فَضَحِكَ، فَقَالَتْ لَهُ مِثْلَ أَوْ مِمَّ ذَلِكَ فَقَالَ لَهَا مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَتِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، قَالَ صلى الله عليه وسلم “أَنْتِ مِنَ الأَوَّلِينَ” وَلَسْتِ مِنَ الآخِرِين، قال أَنَسٌ: فَتَزَوَّجَتْ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ، فَرَكِبَتِ الْبَحْرَ مَعَ بِنْتِ قَرَظَةَ، فَلَمَّا قَفَلَتْ رَكِبَتْ دَابَّتَهَا فَوَقَصَتْ بِهَا، فَسَقَطَتْ عَنْهَا فَمَاتَتْ”،
هذه نماذج من أخواتك السابقات المؤمنات الللاتي فهمن دين الإسلام وتربين بآدابه، وكن مفخرة لك أختي المسلمة، فلا تغرنك الأقاويل المبنية على الجهل بالدين، والتي تهدف إلى التغرير بك، فاتقوا الله عباد الله، وكونوا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب.
نفعني الله وإياكم بكتابه المبين، وبسنة نبيه المصطفى الأمين، وغفر لي ولكم وللمسلمين أجمعين، آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية
ها أنت أختي المؤمنة أخي المؤمن، تعلمون جميعا أن وضعية المرأة في ظل الشرع الإسلامي وضعية سليمة، وأن ما أصابها من هوان ومن امتهان يرجع لتفريطها، ولعدم فهمها لهذا الدين الحنيف، ولرغبتها في التشبه بالنساء الأجنبيات اللائي اخترن عيش حياة إباحية، حتى تفسقت عن هويتها، وامتهنت كرامتها، وشهرت بها وسائل الإعلام والقنوات الإباحية بشتى الوسائل، والله تعالى اختار لها أن تكون في قمة مجدها عندما تلزم حدود ربها، فقال جل وعلا: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا، وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا، يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا، وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا، يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ ۚ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ، فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا، وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ۖ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا.)

الدعاء…

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *