فضل تلاوة القرآن والعناية به
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى وأحثكم على ذكره.
أما بعد، فيا عباد الله،
يقول الله تعالى في كتابه الكريم: (إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور)، ويقول تعالى مخبرا عن رسوله ونبيه سيدنا محمد صلوات ربي وسلامه عليه أنه قال: (وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا)، فعدم الإصغاء للقرآن وعدم سماعه من هجرانه، وإكثار اللغط والكلام عند تلاوته من هجرانه، وترك علمه وحفظه أيضا من هجرانه، وترك تدبره وتفهمه من هجرانه، وترك العمل به وامتثال أوامره واجتناب زواجره من هجرانه، وروى الإمام مسلم بسنده عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لايقرأ القرآن مثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس فيها ريح وطعمها مر”.
أيها الإخوة الكرام، إن الناظر لحال الكثير من المسلمين في علاقتهم بالقرآن الكريم كلام رب العالمين، ليتأسف كل التأسف، حيث يجد علاقتهم به علاقة مناسباتية، يتذكرونه في مناسبات بعينها ثم يهجرونه، ويزداد هذا التأسف المقرون بالألم عندما نعلم أن الكثير من المسلمين لا يحسنون قراءة القرآن بشكل صحيح، أو عندما نعلم أن الكثير منهم لم يسبق له أن ختم القرآن إطلاقا، أو حتى الذين يوفقهم المولى سبحانه وتعالى لختمه ليس لهم استعمال زمني محدد في ذلك، فيقضون من أجل ذلك الشهور الطوال، أما ما يتعلق بحفظه والاستزادة منه، فقل من يجعل ذلك من أولوياته، روى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام:أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني به، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان”، وأخرج الإمام البيهقي عن كعب الأحبار قال: “ينادي يوم القيامة مناد كل حارث يعطى بحرثه ويزاد، غير أهل القرآن والصيام يعطون أجورهم بغير حساب”.
أيها الإخوة الكرام، إننا عندما تأتينا رسالة مهمة من شخص ذي قدر في المجتمع أو شخص نحبه ونقدره، وخاصة الرسائل التي ننتظرها على أحر من الجمر، نفرح بها ونقرأها ونعيد قراءتها وكلنا فرح وسرور، ولكن ألم يان لنا أن نعلم أن آيات القرآن الكريم رسائل المولى عز وجل إلينا، رسائل الخالق إلى مخلوقاته؟ نعم أيها الإخوة والأخوات إنها رسائل يتجدد معناها في كل وقت وحين، ألا تنظرون إلى عدد تفاسير القرآن يزداد عددها يوما بعد يوم وسنة بعد سنة؟ وكل واحد من المفسرين يفهم فهما خاصا على قدر تقواه وورعه وعلاقته بربه، فبقدر ما نتمعن في فهم القرآن وفي تدبره ندرك معاني جديدة تماما كما قال صلى الله عليه وسلم في وصفه لكلام الله، قال فيما أخرجه الترمذى: وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذِى لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة ولا تشبع منه العلماء ولا يخلق على كثرة الرد ولا تنقضِي عجائبه، وفي رواية الحاكم قال صلى الله عليه وسلم: “ولا يخلق من كثرة الرد”، اتلوه فإن الله يأجركم على تلاوته كل حرف عشر حسنات، أما إنِى لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف”.
أيها الإخوة الكرام، إن من مقاصد نزول القرآن الكريم الأولى أن يتعبد الله خلقه بتلاوته ويقربهم إليه ويأجرهم على مجرد ترديد لفظه ولو من غير فهمه، فإذا ضموا إلى التلاوة فهما زادوا أجرا على أجر، قال ابن الصلاح في فتاويه: قراءة القرآن كرامة أكرم الله بها البشر، فقد ورد أن الملائكة لم يعطوا ذلك، وأنها حريصة لذلك على استماعه من الإنس، وذكر أهل العلم أن قراءة القرآن من المصحف أفضل من القراءة عن ظهر القلب، لأن النظر في المصحف عبادة مطلوبة فتجتمع القراءة والنظر، ونقل الإمام الغزالي في الإحياء أن الكثير من الصحابة رضي الله عنهم كانوا يقرؤون من المصحف ويكرهون أن يخرج يوم ولم ينظروا في المصحف، وكان النبي صلى الله عليه وسلم في أول البعثة يتعب نفسه بكثرة قراءة القرآن وقت نزول الوحي مخافة أن ينساه ويفلت منه، فاقتضت رحمة الله بحبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يطمئنه من هذه الناحية وأن يريحه من هذا العناء، فقال تعالى: (لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه).
ومما يبين اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم وعنايته بتعليم الصحابة قراءة القرآن أنه أرسل مصعب بن عمير رضي الله عنه وابن أم مكتوم رضي الله عنه إلى أهل المدينة قبل هجرته إليها، وأرسل معاذ بن جبل رضي الله عنه إلى مكة المكرمة بعد الفتح للإقراء، وقال سيدنا عبادة بن الصامت رضي الله عنه: كان الرجل إذا هاجر دفعه النبي صلى الله عليه وسلم إلى رجل منا يعلمه القرآن
بقي أن أشير إلى أنه بقدر ما نحن جد مقصرين في قراءة القرآن وحفظه ومدارسته فإننا من حيث نشعر أو لا نشعر نربي في أولادنا وبناتنا عدم الاهتمام بالقرآن الكريم، وهذا أمر يتنافى مع ما تعود عليه أهل المغرب في علاقتهم بالقرآن الكريم، يقول ابن خلدون رحمه الله في المقدمة :” فأما أهل المغرب فمذهبهم في الولدان الاقتصار على تعليم القرآن فقط، وأخذهم أثناء المدارسة بالرسم ومسائله واختلاف حملة القرآن فيه، لا يخلطون ذلك بسواه في شيء من مجالس تعليمهم، لا من حديث ولا من فقه ولا من شعر ولا من كلام العرب، إلى أن يحذق فيه أو ينقطع دونه، فيكون انقطاعه في الغالب انقطاعاً عن العلم بالجملة، وهذا مذهب أهل الأمصار بالمغرب ومن تبعهم من قرى البربر، أمم المغرب، في ولدانهم إلى أن يجاوزوا حد البلوغ إلى الشبيبة، وكذا في الكبير إذا راجع مدارسة القرآن بعد طائفة من عمره. فهم لذلك أقوم على رسم القرآن وحفظه من سواهم” انتهى كلام ابن خلدون، وقال ابن عباس توفيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشر سنين وقد قرأت المحكم قيل له وما المحكم قال المفصل، فلنحرض أنفسنا وأولادنا وبناتنا على الاهتمام بالقرآن الكريم والحرص على تعلمه وحفظه ومدارسته فإن في ذلك أفضال كثيرات… أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.