في اليوم العالمي للمرأة.. احتفاء الإسلام بالنساء
الحمد لله، الحمد لله الذي أنعم على عباده بالتوفيق، فأرشدهم إلى أقوم سبيل وأحسن طريق، وخلق الزوجين الذكر والأنثى، وجعل بين الطرفين مودة ورحمة، نحمده تعالى حمدا لا ينتهي أمده،
ونشكره شكرا لا يحصى عدده، ونشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، كان يستوصي بالنساء خيرا، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أولي الفضل والنهى والمجد والتقى، وسلم تسليما كثيرا،
أما بعد: فيا أيها الإخوة المؤمنون، اتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون، واعلموا أن الله عز وجل دعاكم إلى التعرف عليه بواسطة آياته المتجلية في الكون، فقال عز وجل: (وفي أنفسكم أفلا تبصرون)، وقال أيضا: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)،
لقد جعل الله التآلف بين الجنسين أي الذكر والأنثى والمحبة والتراحم بين الزوجين آية تدعو إلى التفكر والاستبصار، وتهدي إلى اليقين والاعتبار، ولكن هل هذا الترابط والتماسك وتلكم السمات والفضائل الخلقية والمحاسن والإشراقات النفسية التي جاءت بها الآيات القرآنية ما تزال متجلية ظاهرة في جو الأسرة المسلمة التي يخاطبها القرآن بقوله: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويوتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله، إن الله عزيز حكيم) أم كل هذه الصفات المثلى والفضائل العليا التي تضمنتها سور القرآن وآياته تلاشت وعصفت بها رياح العصر وتقلباته، وبقيت قرآنا يتلى لا فضائل يتمسك بها ويتحلى؟
والواقع أن هذه السمات الإسلامية لم تبق متوفرة في أغلب الحالات، ولم تصبح أصولها مرعية، عند كثير من العائلات، نظرا للفتن والبدع التي أصبح ينادي بها دعاة التحريف والتغريب والإلحاد الذين ينخدعون بالأقاويل المضللة، والأفكار المستوردة التي تتناقض مع شريعة الله الخالدة وسنة رسوله النيرة الطاهرة، والله يقول: (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم، وأنتم لا تعلمون، ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رؤوف رحيم)، أولئك الذين يزعمون أن الإسلام قد هضم المرأة حقوقها، وسلبها شخصيتها وأعطاها نصف ما للرجل في الميراث، وأعطى للرجل حق التسريح والإمساك في جميع الحالات _أي الطلاق_، ولم يسو بينها وبين الرجل في كثير من أمور الحياة، إنه زعم باطل وادعاء جاهل، فهل المساواة التي ينادون بها تتعلق بالأشغال الشاقة التي يزاولها الرجال بحكم تكوينهم الجسماني؟ أم تتعلق بالسفور والاختلاط الذي يؤدي في كثير من الحالات إلى تدهور الأخلاق وتفكيك العائلات والاستهتار بالروابط والمقدسات؟،
إن الذين يروجون هذه الشبهات في كثير من المناسبات خصوصا في اليوم العالمي للمرأة الذي تحل ذكراه يوم 8 مارس من كل عام، هؤلاء لا يعرفون الإسلام، ولا يعرفون طبيعته القائمة على المساواة والاحترام المبنية على الرحمة والمودة والوئام، المبينة في كتاب الله والمفصلة في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين يصدق فيهم قوله تعالى: (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله)،
أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات إن الإسلام هو الذي كرم المرأة وضمن لها حقوقها كاملة غير منقوصة، وبوأها منزلة رفيعة، ونظفها من شوائب الرجس والرذيلة التي كانت تتخبط فيها الجاهلية، وزينها بحلل الطهر والفضيلة قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “والله إنا كنا في الجاهلية ما نعد النساء أمرا، حتى أنزل الله فيهن ما أنزل وقسم لهن ما قسم”، أختي المسلمة، فالإسلام هو الذي أنار للمرأة طريق الحياة السعيدة، وحصنها ضد الانحرافات وعلمها كيف تحافظ على سمعتها وسمعة أسرتها، فإذا هي تمسكت بتعاليمه المجيدة، ومبادئه الرشيدة، أغنتها عن طلب البديل في غيره، ودلتها على الحق المبين، في تربيته وأخلاقه.
وفي ظل الإسلام حظيت المرأة بالإحترام والتوقير، ونالت الكرامة والعزة والتقدير، وساوى بينها وبين الرجل في كثير من الحقوق والواجبات، فقال على لسان نبيه الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم: “النساء شقائق الرجال في الأحكام”، وقال عز وجل: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف، وللرجال عليهن درجة)، ومن ثم فقد فرض الإسلام لها حقوقا وألزمها بواجبات، فمن حقوقها أنه نادى بتعليمها وتثقيفها وتزويدها بالمعارف المتنوعة والآداب المختلفة، لأنها المدرسة الأولى التي تنشئ الرجال وتكون الأجيال، فقال صلى الله عليه وسلم “طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة”،
وأعطاها الإسلام حق التملك والتصرف فيما تملك، وأعطاها حرية إبداء رأيها، خصوصا في أمر زواجها، حيث لا يجوز أن ترغم على الزواج بغير إذنها، وأعطاها حرية عملها فيما لا يتعارض مع عفتها وكرامتها، ونهى عن منعها من الزواج طمعا في زيادة مهرها، لأن ذلك كبت يؤدي إلى إكراهها على البغاء، لقوله تعالى: (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا)، وأباح لها أن تدخل المسجد مع الرجل خمس مرات في اليوم، وعليها أن تقدر هذا الحق وأن تحترم بيوت الله فلا تلغو فيها ولا تتكلم بغير ما يليق بها، فالمساجد للصلاة والذكر، وليست للكلام في الجماعة المسلمة وأعراضها، ولا لعرض مشاكل الحياة وأغراضها، كما أباح لها الإسلام دخول المساجد مع غض البصر والاحترام سمح لها بأن تدلي برأيها في المهمات وتناقش وتساهم في حل المعضلات، وأن تحضر في كل المجتمعات بشرط عدم الاختلاط، ولقد طلب النساء من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يختصهن بيوم في الوعظ، فكان لهن ما طلبن، ولقد شاركت أمنا عائشة رضي الله عنها في كثير من شؤون السياسة وأمور الدين والحياة، ومن خلال سيرتها وسيرة نسوة غيرها، ندرك أن المرأة لم تكن عضوا مسلوب الشخصية في كيان الأمة الإسلامية، بل كانت تعيش وتحيا بإيجابية كاملة،
ومما يذكر في هذا المجال أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يخطب وأراد أن يضع حدا للمهور فصاحت امرأة من المصليات وقالت: “ليس هذا لك يا عمر لأن الله تعالى يقول: (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا، أتاخذونه إثما وبهتا عظيما، وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا)، فأذعن عمر رضي الله عنه لما وجد أنها تجادل بالعلم، وقال قولته المشهورة: “أصابت امرأة وأخطأ عمر”،
ومعلوم أن كل حق يقابله واجب، فإلى جانب الحقوق فهناك واجبات فرضها الإسلام على المرأة من شأنها أن تؤدي إلى استقرار الأسرة وأمنها والمحافظة على بقائها، فهو يفرض عليها طاعة زوجها، والمحافظة على ذاتها وشرفها وماله ومالها وبيتها، ويدعوها إلى عدم الاختلاط بالرجال، فإذا دعت الضرورة إلى ذلك فلتستر جميع مفاتنها، ولتحرص على الجد في حديثها وعملها ولا تختلي بأجنبي عنها تطبيقا للخطاب الموجه إلى أمهات المؤمنين في الكتاب المبين، حيث يقول عز وجل : (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن، فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض، وقلن قولا معروفا وقرن في بيوتكن، ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى، وأقمن الصلاة وآتين الزكاة، وأطعن الله ورسوله، إنما يريد الله أن يذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)، وقد أباح الإسلام للمرأة أن تمارس الأعمال التي تتناسب مع طبيعتها ، ولا تتعارض مع أحوالها النفسية والجسمية ، كالطب والتعليم ولم يجعل لها حق فسخ عقدة الزواج لئلا تستعمله باندفاع عاطفي فتهدم كيان الأسرة ولكنه أوصى بها خيرا فقال صلى الله عليه وسلم: “استوصوا بالنساء خيرا”، جعلني الله وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله، وأولئك هم أولوا الألباب، أمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
فيا أيها الإخوة المؤمنون، إن المرأة اليوم في بعض المجتمعات الإسلامية جاوزت القصد، وخرجت عن الحد وتمردت على فطرتها ومبادئها، وأنوثتها التي يجب أن تحفظ و تصان، وسارت في طريق اللهو والفتن والغرور والعصيان، حتى تناولتها الألسن والأقلام بالويل والتبور والخزي والعار، واتهمت عند البعض بالفجور، فهي لم تحاول الرقي عن طريق امتثال الأوامر واجتناب النواهي التي رسمها الدين، وبينها النبي الكريم، فكانت النتيجة خسارة لها ولأبنائها، بل للأسرة بأجمعها، إذ لم يعد الرجل يشعر بالسعادة في بيته، ولم يبق الإبن غرس أمه ولا ثمرة تربيتها، فتمرد عليها كما تمرد على والده الذي أرخى له العنان بانشغاله في متطلبات الزمن، كما تمرد على مجتمعه، فأصبحت تصرفاته لا ترضي أحدا من عقلاء جنسه،
ومع الأسف الشديد أن هؤلاء الذين ينادون بحرية المرأة ومساواتها مع الرجل في يومها العالمي، لا يعترضون على تركها تربية أبنائها للخدم، أو غيرهن ممن لا يحسن التربية، ولا يحتجون على مراقصتها للأجنبي في المقاهي الليلية، والحفلات العمومية، وغشيانها المجتمعات العامة بملابس ضيقة شفافة تكشف عن مفاتنها وتظهر أجزاء كبيرة من جسمها، عارية تثير الافتتان بها، وهم مع هذا وذاك لا يذكرون أن المرأة مخاطبة بأحكام الدين كالرجل، سواء بسواء، وأن جسمها عورة كله ما عدا وجهها وكفيها، وصدق الله العظيم إذ يقول: (قل هل أنبئكم بالأخسرين أعمالا، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا، ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزؤا)،
فعلى المرأة المسلمة أن تتشبث بأهذاب ملتها السمحة، وأن تعتز وتتجمل بأخلاق دينها الحنيف، متأسية ومقتدية بأمهات المؤمنين، وبالمخلصات من السابقات في الملة والدين، حتى تكون مثالا للتمسك بالحق والسير على الصراط المستقيم، وليس بعد الحق إلا الضلال، وعليها أن تترفع عن الدنايا وعن أخلاق السوء لتسهم في بناء مجتمع نظيف، وتكون نشأ ذا خلق كريم وطبع شريف،
ولنا عودة لهذا الموضوع في الجمعة المقبلة لتسليك الضوء على نساء كان لهن دور كبير في المجتمع الإسلامي عامة وفي المجتمع المغربي عبر التاريخ، فاللهم لا تنسنا ذكرك، و لا تكشف عنا سترك، ولا تجعلنا من الغافلين، وأكثروا إخواني أخواتي من الصلاة والتسليم على أشرف الورى وسيد المرسلين،
الدعاء.