كيف نجعل بناتنا نساء صالحات؟

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى وأحثكم على ذكره،
أما بعد، فيا عباد الله،
قال تعالى في كتابه الكريم مخاطبا نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن، فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض، وقلن قولا معروفا، وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى، وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا، واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة، إن الله كان لطيفا خبيرا)، فكأني بهذا الخطاب القرآني يقول اليوم لكافة نساء الأمة الإسلامية، ي انساء العالم الإسلامي لستن كأحد من نساء العالم كله إن اتقيتن الله ورسوله، وتخلقتن بأخلاق الإسلام، وابتعدتن عن سبل الشيطان وما توقع فيه من خبث ورذيلة، وصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وقال عز وجل في آية أخرى: (إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما)، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه: “الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة”.
أيها الإخوة الكرام، تبعا لما بدأناه في الخطبة الماضية بكلامنا عن بعض التقنيات والمهارات التي ينبغي أن نسلكها مع أولادنا ذكورا وإناثا كي نصنع منهم رجالا يعتمد عليهم في المستقبل ويعيشوا حياتهم وهم في كامل الرجولة والشهامة بما تعنيه هذه الكلمات من معنى ويؤدوا مختلف المسؤوليات الملقاة على عاتقهم باقتدار، أحببت أن أخصص خطبة هذا اليوم، ونحن في اليوم العالمي للمرأة لبعض التوجيهات الخاصة بالنساء والبنات باعتبار أنه إذا استطعنا أن نصلح شأن المرأة بإعدادها الإعداد الحسن، فإنه بمقدورنا إعداد أسر قوية متماسكة ومجتمع عريق شديد الأركان لا يمكن أن تهده رياح المشاكل والهموم مهما كانت قوتها، ولله ذر الحكيم الذي قال: “الأم مدرسة إن أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق”،يعني ذلك أن الأم هي نصف المجتمع وهي من تربي النصف الثاني ذكورا وإناثا، والذي يمعن النظر بين ماضينا وحاضرنا يجد أن الأم التي كانت تسهر على تربية الأولاد أحسن تربية وتكد وتجتهد صابرة محتسبة إلى جانب زوجها دون شكوى أو عتاب، أصبحت اليوم شيئا نادرا عز وجوده في بنات اليوم، وذلك لعدم سهر الأمهات على متابعة البنات من جيل اليوم المتابعة اليومية لتلقي توجيهات الأم المربية الكفؤة،
والعجيب أن أمهاتنا وجداتنا رحمهن الله لم يكن متعلمات ولا دارسات ولم يتوفر لهن ما توافر لنساء اليوم، لكنهن بحمد الله استطعن أن يخرجن أجيالا من الرجال والنساء نموذجا في التربية والاحترام والعلم والأخلاق والسلوك والمسؤولية، فلعموا بناتهن الخجل والاحترام والحياء والفضيلة والاستمساك بالدين والاعتماد على أنفسهن، وضربن أكبر المثل في القدوة الصالحة وحرصن على توجيه بناتهن التوجيه الصحيح كي لا يواجهن الصعاب في حياتهن المستقبلية، فحرصن على ملء قلوب بناتهن بالإيمان والتخلق بأخلاق القرآن وجعلن منهن نساء صالحات تماما كما ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلنقارن حال المرأة اليوم بحال نسائنا السالفات، ولنطرح الأسئلة التالية: هل بمقدور نساء اليوم أن يخرجن المرأة الصالحة ذات الكفاية التي يمكن التعويل عليها في المستقبل؟ وعلى ماذا ينبغي التركيز في تربية البنات كي نخرج منهن البنات الصالحات؟ وما المرأة الصالحة أيها الإخوة والأخوات إلا المتدينة المستقيمة التي تساعد زوجها على نوائب الدهر، وتقوي عزمه على الطاعة وأعمال البر، التي إذا نظر إليها زوجها سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته في ماله ونفسها وكل حق له عليها.
أيها الإخوة الكرام، إذا رجعنا لقصص القرآن الكريم وأحاديث سيد المرسلين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم وإلى كتب التاريخ الإسلامي نجدها تحدثت لنا عن قوة الفراسة وشدة بعد النظر التي اتصفت بها إحدى ابنتي شعيب عليه السلام، وتحدثت لنا عن حسن الحيلة والقدرة على الإقناع التي تميزت بها أخت موسى عليه السلام، وأبرزت لنا دور المرأة المسلمة في الجهاد والعلم والأدب، فهذه السيدة رفيدة التي اشتهرت بالطب في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه الخنساء المسلمة الصابرة المحتسبة، وهذه نسيبة بنت كعب الأنصارية الخزرجية التي اشتهرت بالبطولة والإقدام، وهذه أسماء بنت الصديق، التي يضرب بها المثل في حفظ السر والأمانة والوفاء بالعهد، وتحمل المشقة والتعرض للإيذاء والعناء، وغيرهن كثير، فمن خلال هذه النماذج والأصناف الموصوفة من النساء المؤمنات المتشبعات بروح الإيمان يتبين لنا جميعا أن المرأة كانت منبتا طيبا للأجيال، ومدرسة كبيرة لصنع الأبطال، فهل نستطيع أن نربي في بناتنا اليوم هذه الصفات العظيمة التي اتصفت بها هؤلاء النساء رحمهن الله؟ وهل نستطيع تخريج أجيال كهذه؟.
أيها الإخوة الكرام، هناك أمور لابد أن نعمل ونكد كي تكون في بناتنا إذا أردنا أن نخرج منهن بنات صالحات:  فلنرب في بناتنا قوة الإرادة ونعلمهن كيفية اتخاذ القرار الإيجابي الصائب، ونحرضهن على النهل من العلم ونعلمهن المحافظة على السمعة، سمعتها هي أولا قبل سمعة عائلتها، ونحذرهن من الكلمات المعسولة التي قد تسمعها من الغير وتنطلي عليها، ونعلمهن ألا يركض وراء الزواج بل أن يجعلن من مميزاتهن هي التي تهيأ لهن فرص ذلك، ونعلمهن الابتعاد عما يضرهن ويضر بعائلتهن، ونذكي فيهن الثقة بالنفس ونعلمهن عدم الإكثار من الشكاوى، ونعلمهن كيف يملأن الفراغ بتغذية الروح والعقل، ونمرنهن على التعاون وحب الخير والمحافظة على العلاقة الوطيدة بأفراد العائلة، ونحذرها من تسليم مفتاح السمعة لمن تحب قبل الزواج مهما كان هذا الشخص، ونعلمها أن تهتم بالزينة بعيدا عن المبالغة، وأن تتجنب تقليد الأعمى للأخريات، وأن تفكر مرات ومرات قبل أن تقدم على الخطوة التي تحدد مستقبل حياتها، وأن تتجنب أي عمل يكون في الخفاء والسر، وأن لا تكثر البكاء ولتكن دموعها في أوقاتها وأماكنها المناسبة، وأن لا تفشي سرها إلا لمن هو أقرب الناس إليها، وليكن وجهها مبتسما دائما وأن تكون قوية أمام العقبات وأن تعبر عن آرائها بثقة عالية، وإن كنت عاملة صاحبة مهنة أن تثبت وجودها من خلال مهارتها العملية والعلمية، وأن تفرض احترامها على الآخرين بسلوكها القويم، وأن تطرد الخوف في التعامل مع الآخرين مهما كان نوعهم، وأن تكون شجاعة في مواجهة من يسيء إليها، وأن لا تبالغ في إظهار الخجل، فالخجل ميزة جيدة للفتاة ولكن المبالغة فيه غير محببة، وأن تكون صريحة بعيدة عن المبالغة وأن تجعل أمها صديقة لها، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

الخطبة الثانية:
الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد فياعباد الله،
كثيرا ما نسمع قصة عجيبة لأم عاقلة مع بنتها وهي تريد توديعها إلى بيت زوجها حيث قالت لها: إي بنية، إنك فارقت بيتك الذي منه خرجت وعشك الذي فيه درجت إلى رجل لم تعرفيه وقرين لم تألفيه، فكوني له أمة يكن لكي عبدا، واحفظي له خصالا عشرا تكن لك ذخرا، أما الأولى والثانية، فالخشوع له بالقناعة وحسن السمع والطاعة، وأما الثالثة والرابعة، فالتفقد لمواضع عينه وأنفه، فلا تقع عينه منك على قبيح ولا يشم إلا أطيب ريح، وأما الخامسة والسادسة، فالتفقد لوقت منامه وطعامه فإن حرارة الجوع ملهبه وتنغيص النوم مغضبه، وأما السابعة والثامنة، فالاحتفاظ بماله والإرعاء على حشمه وعياله وملاك الأمر في المال حسن التقدير وفي العيال حسن التدبير،… فهل تحرص الأمهات اليوم على تربية هذه التفصيلات الدقيقة في بناتهن كي يضموا لهن العيش الهني في بيت الزوجية.
واسمعوا قصة أخرى لامرأة جمعت كل خصال المرأة الصالحة، سأل الشعبي شريحاَ القاضي عن حاله في بيته، فقال له شريح: من عشرين عاماَ لم أرَ ما يغضبني من أهلي، فقال له الشعبي وكيف ذلك؟ فقال شريح من أول ليلة دخلت على امرأتي، رأيت حسناً فاتناً وجمالاً نادراً فقلت في نفسي: فلأتطّهر وأصلي ركعتين شكراً لله  فلمّا سلّمت من صلاتي وجدت زوجتي تصلي بصلاتي، وتسلم بسلامي، قمت إليها واقتربت منها لأصيب منها ما يصيب الرجل من زوجته فقالت لي: على رسلك يا أبا أمية  كما أنت ثم قالت:

الحمد لله أحمده وأستعينه وأصلي على محمد وآله، إني امرأة غريبة عنك لا علم لي بأخلاقك فبين لي ما تحب أن آتيه فآتيه وما تكره فأتركه، ثم قالت: إنه كان في قومك من تتزوجه من نسائكم، وفي قومي من الرجال من هو كفء لي، ولكن إذا قضى الله أمراً كان مفعولا، وقد ملكت فاصنع ما أمرك الله به إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولك،

قال شريح: فأحوجتني والله ياشعبي إلى الخطبة في ذلك الموضع فقلت: الحمد لله أحمده وأستعينه، وأصلي على النبي وآله وأسلم، وبعد فإنك قلت كلاماً إن ثبت عليه يكن ذلك حظّك (أي يكن خيراً كثيراً لك) وإن تدعيه يكن حجة عليك ثم قال: وإني أحب كذا وكذا وكذا، وأكره كذا وكذا وكذا، وما رأيت من حسنة فانشريها، وما رأيت من سيئة فاستريها.

فقالت لي: كيف محبتك لزيارة أهلي؟  فقلت ما أحب أن يملّني أصهاري، أي لا أحب أن يكثروا من زيارة باستمرار فأمل منهم فقالت: فمن تحب من جيرانك أن يدخل دارك فآذن له؟ ومن تكره فأكره؟ فقلت بنو فلان قوم صالحون، وبنو فلان قوم صالحون فائذني لهم، وأما بنو فلان و بنو فلان فقوم سوء فلا تأذني لهم، قال شريح فبت معها تلك الليلة بأنعم ليلة، وعشت معها عاماً كاملاً لا أرى منها إلاّ ما أحب وأتمنى فلما كان رأس السنة الجديدة، رجعت من مجلس القضاء إلى بيتي فإذا بفلانة في بيتي فقلت: من هذه المرأة ؟ فقالوا: ختنك بمعنى أم زوجتك فالتفت إليّ وسألتني، كيف رأيت زوجتك يا أبا أمية؟ فقلت خير زوجة، فقالت لي: يا أبا أمية إن المرأة لا تكون أسوأ حالاً منها في حالين إذا ولدت غلاماً، أو حظيت عند زوجها أي شعرت بحبه وتعلقه بها، فوالله ما حاز الرجال في بيوتهم شراً من المرأة المذللة، فأدّب ما شئت أن  تؤدب وهذب ما شئت أن تهذب. والحمد لله رب العالمين.
الدعاء.

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *