المرأة في الإسلام

الحمد لله حق حمده، نحمده تعالى ونستغفره ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له،
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة ورحمة، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، جاء بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليما كثيرا،
أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات،
تبعا لحديثنا عن المرأة بمناسبة يومها العالمي السنوي نقول: إن البحث عن وضعيتها قد اتسع مجاله في عصرنا الحاضر، بعد أن ظفرت بحقوق كثيرة، وأصبحت ندا للرجل في كل شؤون الحياة، لا بفضلها إلا بما فضله الله عليها من القوامة والتبعات، ولقد أعاد الإسلام للمرأة اعتبارها وبوأها المكانة اللائقة بها، كأم ومدرسة لتربية البنين، وشريكة للرجل وعونا له على أداء المهمات، وحررها مما كانت تعاني منه من وأد وذلة واحتقار، بعد أن كانت في الجاهلية وعند الأمم الملحدة تعد متاعا ساقطا ليس له اعتبار، ولا يصلح إلا لخدمة الرجل في قعر الدار، حررها الإسلام من كل ظلم وحيف وقع عليها، ورفعها درجة عالية ما كانت قبل الإسلام تحلم بها، وارتقى بها إلى مكانة سامية لا تزال المرأة في كثير من الدول الأوروبية تناضل من أجل الحصول عليها، وأعلن أن المرأة أحد العنصرين الذين تكاثر منهما الإنسان، وجعل  ذلك نعمة ومنة على بني آدم، فقال الله عز وجل: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساءا، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن اتلله كان عليكم رقيبا)،
ولقد قرر الإسلام مبدأ المساواة في الجزاء على الأعمال الصالحات، فقال: (ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا)، كما أن الإسلام جعل مسؤوليتها مستقلة عن مسؤولية الرجل ، فلا يؤثر عليها إذا كانت صالحة فساد الرجل وطغيانه، ولا ينفعها إذا كانت فاسدة صلاحه وتقواه واستقامته، فقال تعالى ضاربا لنا الأمثال بمن سبقنا من الأمم، وإشعارا بالمسؤولية وإيقاظا للعزائم والهمم، “ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين”
وساوى الإسلام بينها وبين الرجل في حق المبايعة فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايع الرجال على السمع والطاعة والقيام بحدود الشريعة، وعلى ذلك بايع النساء أيضا، فقال تعالى: (يا أيها النبيء إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ةلا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله، إن الله غفور رحيم)، والإسلام أيها المسلمون إذ يكرم المرأة ويحترمها ويزيل عنها كل ما تعلق بشخصها من خرافات وأضاليل وأباطيل يسجل لها مواقف عظيمة تدل على بعد نظرها وغيرتها، ومشاركتها للرجل في جميع الأعمال والمواقف، فمن ذلك ما حكاه القرآن متحدثا عن بلقيس ملكة سبأ في الوقت الذي أرسلت هدية إلى سيدنا سليمان عليه السلام، وقالت: إن كان نبيا حق فهديتنا لن تحول بينه وبين تبليغ أمر ربه، وإن لم يكن فسوف تصرفه عن قتالنا وتبقيه في بلده، وقد تحقق صدق رأيها فقال تعالى: (أتمدونني بمال فما آتاني الله خير مما آتاكم، بل أنتم بهديتكم تفرحون، ارجع إليهم فلناتينهم بجنود لا قبل لهم بها، ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون)،
وسجل القرآن للمرأة قوة الفراسة وشدة بعد النظر حيث وصفت إحدى ابنتي شعيب موسى عليهما السلام بالأمانة،ولم تكن تعرف عنه شيئا، ولكن الأيام صدقت فراستها فقال عز وجل على لسانها: “يا أبت استأجره، إن خير من استأجرت القوي الأمين”،  وسجل لها القرآن الكريم حسن الحيلة والقدرة على الإقناع حينما تحدث عن أخت موسى عليه السلام، عندما ألقنه أمه في البحر خوفا عليه من القتل، فالتقطه آل فرعون، وحالت امرأة فرعون بينهم وبين قتله، وامتنع عن تناول اللبن من غير تدي أمه، فقالت أخته: “هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون؟”،
والإسلام هو الذي أبرز دور المرأة المسلمة في الجهاد والعلم والأدب، فهذه السيدة رفيدة التي اشتهرت بالطب في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت لها خيمة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم تداوي فيها الجرحى، وكانت خيمتها أول مستشفى أقيم في صرح الإسلام، وهذه الخنساء التي بكت أخاها صخرا في الجاهلية حتى تقرحت أجفانها وكف بصرها واسلمت وحسن إسلامها، ويبلعها استشهاد أبنائها الأربعة في معركة القادسية المشهورة، فلم تجزع ولم تندب حظها، وإنما صبرت واحتسبت، وقالت قولتها المشهورة: “الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في واسع رحمته”،
وهذه نسيبة بنت كعب الأنصارية الخزرجية التي اشتهرت بالبطولة والإقدام، شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم معظم الغزوات، وكانت تسقي المجاهدين وتعنى بالجرحى، من المصابين، رأت ما تعرض له المسلمون في غزوة أحد فأخذت السيف وجعلت تدافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصابها في كتفها جرح أليم، ولما رأت ابنها قد فترت عزيمته صرخت فيه تحظه على القتال حتى قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يطيق ما تطيقين يا أم عمارة، وقاتلت في حروب الردة ضد مسيلمة الكذاب إلى أن قطعت ذراعها،
وهذه أسماء بنت الصديق، وموقفها من هجرة أبيها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لقد كانت حافظة لسرها مراعية لأمانتها، وافية بعهدها، تحملت من أجل ذلك المشقة وتعرضت للإيذاء والعناء، قالت أسماء رضي الله عنها لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر للهجرة جاءنا أبوجهل ونفر معه، فوقف على بابنا فخرجت إليهم فقالوا: أين أبو بكر؟ فقلت لا أدري والله أين أبي، فرفع أبو جهل يده فلطم خدي لطمة طرح منها قرطي، ثم انصرفوا دون أن يظفروا بشيء، وقد شقت نطاقها حين لم تجد شيئا تربط به ا لزاد لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأبيها، فسميت ذات النكاقين، وهي التي لما قدم عليها ابنها عبد اللهبن الزبير يستشيرها في حرب بني أمية وقد تفرق عنه أصحابه، وقال لها إني لا أخاف الموت، ولكني أخشى أن بمثل بي القوم إن قتلوني، فقالت له كلمتها الخالدة: “إن الشاة لا يضرها سلخها بعد ذبحها”، ولما قتل ابنها وصلبه الحجاج مرت به صابرة صامدة وهي تقول: “أما آن لهذا الفارس أن يترجل؟”،
من خلال هذه النماذج المعروضة عليكم، والأصناف الموصوفة من النساء المؤمنات المتشبعات بروح الإيمان يتبين لنا جميعا أن الإسلام هو الذي أعطى للمرأة مكانتهافأصبحت منبتا طيبا للأجيال، ومدرسةكبيرة لصنع الأبطال، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. جعلني الله وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الأاباب، آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية
الحمد لله الذي لا ينبغي الحمد إلا له، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبوة والرسالة، وعلى آله وصحبه وكل من انتمى له، عباد الله ، من اتقى الله فاز برضى مولاه ومن جاءته موعظة من ربه فانتهى فأجره على الله،
أما بعد فيا أيها الإخوة المسلمون والمسلمات،
إن الله تعالى لم يخلقكم في هذه الدنيا عبثا، ولم يرض لكم أن تعيشوا فيها عيشة ضنكا أبدا، بل بين لكم سبل الحق والرشاد، وهداكم إلى ما فيه خيركم وصلاحكم وفلاحكم في دار الدنيا وزادكم لدار المعاد، فقال تعالى: “أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون”، وعليه فالإسلام أباح للمرأة التمتع بالطيبات من الرزق من ألوان الطعام والشراب والمسكن والثياب، ولبس الذهب والحرير، وأباح لها الطيب والعطر الجميل والزينة المقبولة في حدود الشريعة، فقال تعالى: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق؟، قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة، كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون)، والإسلام  جعل المرأة  شريكة للرجل في الحياة، ترث وتملك وتتعلم وتعلم، لكنه يكره لها أن تكون ساقطة منحرفة لاهية عابثة تبيع شرفها بعرض قليل من الدراهم، تسير في الطرقات مائلة مميلة كاسية عارية مكشوفة الرأس، عارية الذراعين والفخذين، ولسان حالها يقول: ألا تنظرون؟ ألا تنظرون؟، والسفهاء من حولها يتفرجون، وعن قذفها والتعريض بها لا يتورعون ولا يخافون، وعن طريق الحق وغض البصر وحفظ الكرامة ناكبون،
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة”، وما المرأة الصالحة أيتها المسلمة إلا المتدينة المستقيمة التي تساعد زوجها على نوائب الدهر، وتقوي عزمه على الطاعة وأعمال البر، التي إذا نظر إليها زوجها سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته في ماله ونفسها وكل حق له عليها، ومن يكن لصالح التربية وسعادة الأسرة إذا فسدت وتدهورت أخلاقها؟، وتلاعبت الرياح والأهواء والمادة بشعورها؟، أيتها المسلمة، إن لك في نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسوة الحسنة، وفي الآداب التي أمر الله بها الوجهة الطيبة النيرة، قال تعالى: (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن، فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض، وقلن قولا معروفا، وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى، وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا، واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة، إن الله كان لطيفا خبيرا)،
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، وأكثروا إخواني من الصلاة والتسليم على أشرف الورى وسيد المرسلين.
الدعاء.

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *