الزكاة، شروط إخراجها، أنصبتها،الأحكام الضرورية المتعلقة بها، ومستحقوها

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إلاه إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى وأحثكم على ذكره.

أما بعد فيا عباد الله، نستأنف إن شاء الله حديثنا عن موضوع الزكاة الذي طرقناه في خطبة ماضية، لنبين بحول الله تعالى شروط إخراجها، وبعض أنصبتها المهمة المختلفة، وبعض الأحكام الضرورية المتعلقة بها، وبيان مستحقيها فبخصوص الشروط العامة لإخراج الزكاة، فهي الحرية والملك التام، والشروط الخاصة هي النصاب ومرور الحول بالنسبة للأموال والأنعام، والحصاد بالنسبة للثمار والحبوب، والإخراج بالنسبة للمعادن والركاز، إذن فقد أوجب الله تعالى الزكاة في أصناف مختلفة من المال، أوجبها أولاً في الخارج من الأرض من الحبوب والثمار، قال سبحانه:”وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حِصَادِهِ”، وجعل شرط ذلك أن تبلغ الحبوب والثمار خمسة أوسق، وهو مايعادل ستمائة وثلاثة وخمسين (653) كيلو غراما، وأوجب فيها العشر، أي عشرها، بمعنى عشر الخارج من الحبوب والثمار، هذا إن سقيت بلا مؤونة ولا كلفة، وجعل نصف عشرها إن سقيت بالكلفة والمؤونة، وإذا أردنا أن نخرج زكاة هذه الثمار، فإن حبوب القمح والشعير تضم إلى بعضها، والقطاني تضم كلها إلى بعضها، والأمر نفسه بالنسبة لأنواع التمر فإنها تضاف إلى بعضها، والزبيب كذلك، في حين لا تضم الزيوت إلى بعضها.

هذا عن الحبوب، أما عن الخضروات والفواكه والحلبة والعسل والجوز واللوز، فلم يوجب الشارع فيها الزكاة لأنها غير مدخرة، وإنما هي قوت وقتها، بخلاف الحبوب والثمار المكيلة المدخرة، فإنها تبقى على مدار العام.

أيها الإخوة الكرام، وبالإضافة إلى ما ذكرنا، أوجب الله تعالى الزكاة في بهيمة الأنعام من الإبل والبقر والضأن أي الغنم والماعز.وسنتكلم هنا عما يهمنا فقط، أما نصاب الغنم فأربعون، وفيها شاة جذعة وهي التي أتمت سنة، وهكذا إلى حدود 120، فإذا وصلت 121 وجبت فيها شاتان إلى 200، فإذا بلغت 201 وجبت فيها 3 شياه، وهكذا ففي كل مائة من الغنم شاة مهما كثرت، هذا مع الإشارة إلى أن الغنم تجمع مع الماعز في زكاة واحدة.

أما البقر فنصابه ثلاثون، وفيها تبيع وهو العجل الذي أكمل سنتين، إلى أربعين وفيها مسنة، وهي التي أتمت 3 سنين، وهكذا في كل ثلاثين (30) يتم إخراج تبيع، وفي كل 40 يتم إخراج مسنة،

وتجدر الإشارة إلى أن ما ذكرناه من زكاة الأنعام هو في الأنصبة، ولا زكاة في الأوقاص (ما بين أعداد الأنصبة)، كما تجدر الإشارة إلى أن ذلك يرتبط بالأنعام المملوكة والسائمة، أما الأنعام التي يعدها مالكها للبيع والشراء، ويقرّب لها العلف والماء، فهذه لا تزكى كما ذكرنا، ولكن تصبح من عروض التجارة، وزكاة هذا النوع هي أن يقومها صاحبها عند كل عام، ويخرج زكاتها ربع عشر قيمتها (2.5%). وألحقت بعروض التجارة لأنها معدة للبيع والشراء وليس للكسب، وعروض التجارة هي كلّ ما أعده المسلم للبيع والشراء من أنواع السلع المختلفة، مطعوماً أو ملبوساً أو مركوباً أو غير ذلك من العقارات والسيارات والأواني وغيرها، يقول سمرة بن جندب رضي الله عنه:” أمرنا رسول الله أن نخرج الزكاة مما نُعدّ للبيع”.

وإخراج الزكاة يكون في الشهر الذي يصل فيه النصاب عند كل مزكي، وليس شهر محرم كما يفعل غالبية الناس، حيث نقومه عند رأس كل حول، فننظر قيمته الحاضرة، سواء زادت على قيمة الشراء أو نقصت، ولا ننظر إلى القيمة الشرائية، ولكن ننظر إلى قيمة البيع، فنقدر السلع مهما يكن نوعها على قدر ذلك، يقدر صاحب المتجر السلعة الموجودة عنده بما سيبيعه بها في الحال.

لكن لابد من التنبيه هنا أيها الإخوة الكرام، أن ما ذكرناه عن عروض التجارة يسري على التاجر المدير لتجارته، أما التاجر المحتكر، فيزكي تجارته كزكاة الدَّيْن تُزكى لعام واحد ولو بقي عند المدين عدة سنوات، فهو كذلك لا يزكي إلا على عام واحد بعد بيع السلعة، لأن الشرط هنا هو قبض الثمن ثم بلوغ النصاب، فلا تتهاونوا في إخراج زكاة أموالكم طيبة بها نفوسكم، وتنافسوا في كثرة صدقاتكم؛ فإنها ربح لكم في الدنيا وذخر لكم في الآخرة، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين.

الخطبة الثانية:

الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد فياعباد الله، ومن الأشياء التي تجب فيها الزكاة أيضا هناك النقدان الذهب والفضة ما لم يكونا للزينة والتجميل، فقد قال الله تعالى: “وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ، يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِى نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لأنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ”، إذاً فالنقدان: الذهب والفضة، والأوراق النقدية القائمة مقامهما، والتي أخذت حكمها في الشراء والتعامل كلها تُزكى، يُخرج ربع عشرها (2.5%) بعد مرور الحول، ونصاب الذهب في الإسلام عشرون دينارا ذهبا، أي ما يعادل85غراماً، ونصاب الفضة مائتا درهم إسلامي، أي ما يعادل590غراماً. وقد ذهب أغلب العلماء المحققين من المالكية إلى إخراج الزكاة بناء على قيمة الفضة، وفي هذا المقام ينبغي أن نشير إلى أن الموظف الذي بلغت أمواله التي يكدسها في حسابه النصاب الذي أشرنا إليه، فإن الزكاة واجبة عليه.

أما فيما يخص الدور والعقارات المؤجرة، فتجب الزكاة في الأجرة من حين ابتداء العقد، مثلا إذا ابتدأت العقد واستلمت الأجرة في آخر العام فزكها إن بلغ النصاب، وإن كنت تستلمها كل ستة أشهر أو عند كل شهر، وتستهلكها ولا ترصدها فلا زكاة عليها، أما المسكن الذي تسكنه، والسيارة التي تركبها، والذهب والفضة اللذان تتخذهما النساء للزينة، كل هذا لا زكاة فيه ما دامت غير معدة للبيع والشراء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة)، إلا صدقة الفطر على الرقيق.

أيها الإخوة الكرام، إن الزكاة فريضة أوجبها الله تعالى لأصناف محددة ذكرها في كتابه، قال تعالى:”إِنَّمَا ٱلصَّدَقَـٰتُ لِلْفُقَرَاء وَٱلْمَسَـٰكِينِ وَٱلْعَـٰمِلِينَ عَلَيْهَا وَٱلْمُوَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِى ٱلرّقَاب وَٱلْغَـٰرِمِينَ وَفِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ فَرِيضَةً مّنَ ٱللَّهِ، وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ”، ما وكل الله الزكاة لنبي ولا مَلَك، ولكن تولى قسمتها بنفسه. فلا تعطى الزكاة للعبيد، ولا للكفار إلا من أجل تحبيب الإسلام إليهم، ولا للأغنياء إلا أن يكون ابن سبيل، ولا لمن تلزمك نفقته كزوجة أو أم أو أب أو أبناء. فآمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه، فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير، أنفقوا على من أمركم الله بالإنفاق عليه من مال الله الذي آتاكم؛ فإنه عارية عندكم، استخلفكم الله فيه لينظر كيف تعملون. فاتقوا الشحّ والبخل فإن الشحّ والبخل أهلك من كان قبلكم، واتقوا الله ما استطعتم، واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيراً لأنفسكم، ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون.والحمد لله رب العالمين.

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *