التوبة -2-
الحمد لله، الحمد لله الكريم الوهاب، الرحيم التواب، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب، يحب التوابين والمتطهرين ويعفو عن السيئات ويضاعف الحسنات، ويجزي الشاكرين ويقول: “ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله، إن الله يغفر الذنوب جميعا، إنه هو الغفور الرحيم”، نحمده تعالى ونشكره على أن فتح لعباده أبواب رحمته وأمرهم بالإسراع إلى توبته، وقال جل وعلا في كتابه: “وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون”، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، سيد التائبين وإمام المرسلين وقائد الغر المحجلين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين تابوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم اللقاء به، أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، في الجمعة الماضية تكلمنا عن وجوب التوبة، والرجوع إلى الله كلما ألم الإنسان بذنب، وأن يعجل بها قبل فوات الأوان، واليوم نريد التأكيد على أن التوبة ليست مجرد لفظ يتردد على اللسان من غير التزام بمدلولها المتمثل في الرجوع من المعصية إلى الطاعة، ومن الشك إلى اليقين، ومن الخطأ إلى الصواب، وذلك لا يكون إلا بتوفر شروط التوبة التي تجمل في أربعة نقط وهي: أولا الندم على ارتكاب الذنوب والحزن على ما وقع فيه الإنسان من المعصية والإستحياء من الله عز وجل الذي لا يخفى عليه شيء. ثانيا الإقلاع عن الذنب بتركه والإبتعاد عنه وعن أسبابه الموصلة إليه نهائيا، كأصحاب السوء وأهل الفواحش. ثالثا أن يعزم التائب عزما أكيدا جازما على ألا يعود إلى ارتكاب الذنب مرة أخرى طول حياته. رابعا إذا كان الذنب الذي تاب منه الإنسان يتعلق بحق إنسان فلا بد أن يتحلل منه، ويطلب من صاحبه المسامحة فإن كان هذا الحق مالا قد أخذه بغير حق اغتصابا أو سرقة أو خيانة في معاملة أو وديعة أو عارية وجب رده إلى صاحبه إن كان باقيا، أو رد قيمته إن كان تالفا، وإن كان الحق غير مالي، كالوقوع في عرض غيره بغيبة أو نميمة أو سب أو شتم وجب عليه أن يستسمحه إن أمكن أو يدعو له ويثني عليه إذا لم يمكن التحلل منه، أو خاف من إخباره بذلك ضررا أكبر عليه، وإن تعدى عليه في بدنه بضرب أو قطع طرف أو جراحة عضو وجب عليه أن يمكنه من الإقتصاص منه بقدر مظلمته إن شاء صاحب الحق الإقتصاص أو يعفو عنه إن شاء العفو، وفي هذا يروي الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة (ض) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو من شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه”. وفقني الله وإياكم للتوبة النصوح والعمل الصالح واجتناب الفواحش، وجعلني وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب. آمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
فيا أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، توبوا إلى الله من جميع الذنوب لعلكم تفلحون، فالتوبة النصوح هي التي تعيد للقلب رقته وضياءه، ولوجهه نوره وبهاءه، ولجوارحه بركتها، ولقواه ثمرتها. والجأوا إلى ساحات كرمه وجوده، وقفوا بين يديه تائبين راغبين، فإن التائب إليه موضع عنايته، ورعايته ولطفه ورحمته، يغدق عليه الخيرات، وينزّل عليه البركات، ويبارك له في الأولاد والأموال والثمرات، وأكثروا من الإستغفار، فما أصبنا به من قلة الأمطار هذه السنة ما هو إلا نتيجة مباشرة لتمادينا في الغفلة العصيان، وعدم التوبة مما نقترفه بالليل وفي واضحة النهار، والله تعالى يقول: “فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا، يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا”. وهلموا إلى التوبة ما دامت أسبابها ميسرة، وأبوابها مفتوحة، وشروطها متوفرة، وخذوا بأسبابها وادخلوا من أبوابها، واغتنموا فرص قبولها، وتضرعوا إلى الله قائلين: “رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ”، الدعاء.