الحياء.. خلق الإسلام

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، الحمد لله الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم، وهداه الصراط المستقيم، وجمله بالحياء والخلق الكريم، نحمده تعالى ونشكره على فضله العميم؛

ونشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو رب العرش العظيم، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المصطفى الهادي الأمين،  صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه والتابعين، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين؛
أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات؛
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن لكل دين خلقا، وخلق الإسلام الحياء”، ويقول أيضا: “الحياء والإيمان قرناء جميعا، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر”.
أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، في الأسبوع الماضي تكلمنا عن خلق الحياء، وبينا كيف أن سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم اختصه بالذكر من بين كل خصال الإيمان في قوله صلى الله عليه وسلم: “الحياء لا يأتي إلا بخير” وقوله أيضا: “الإيمان بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان”، وقلنا بأن خلق الحياء، خلق إسلامي رفيع يثمر في صاحبه الكمال في كل شأنه، ويضفي عليه من المهابة والوقار ما يسمو به بين أبناء جنسه وأقرانه، ذلكم الخلق المحمود الذي يحبب إلى المتحلي به الطاعة والتقوى والاستقامة والإيمان، ويقف به عند حدود الله الملك الديان، ويبغض إليه الكفر والفسوق والعصيان.
وإذا كان الحياء شعبة من شعب الإيمان، وخلقا ممتازا من أخلاق الإسلام، فما أجمل أن نتخلق به يا عباد الرحمان، وأن يكون لنا منه الزاد الذي نواجه به الأعاصير القوية التي تكاد تعصف بكل القيم والمبادئ السامية التي جاء بها الإسلام، وأن يكون الحياء شعارنا في هذه الدنيا المشحونة بالفتن، والحافز القوي على رفع لواء الحق والتسامي عن السير في ركب الباطل والانحراف مع الهوى وحزب الشيطان، فعن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “دعه فإن الحياء من الإيمان”.
واعلم أخي أن أعلى درجات الحياء ما كان ناشئا عن الشعور برقابة الله عز وجل وعظم حقه على عباده، وهذا هو الحياء الذي يدعو إليه الإسلام، وهو الذي يقرب صاحبه إلى درجة المراقبة والشعور بمعية الله لعباده، فيستحيي الإنسان من الله في خلوته وفي جلوته، ويراقب الله تعالى في كل حركاته وسكناته.
أيها المؤمنون والمؤمنات، اعلموا أن الذين يتنكرون لدينهم وما يدعو إليه من مكرمات وينسلخون عن مقوماتهم الوطنية والاجتماعية المنبثقة من روح ديننا الإسلامي الحنيف، يتخلون عن تقاليدهم وما تحتم عليهم من التزامات إنما هم جماعة مقلدون لأناس لا خلاق لهم ولا دين لهم، ولا هوية لهم، ولا حياء يردعهم، شأنهم في ذلك شأن الطفل الصغير حين يشعر بالنقص أمام الرجل الكبير، ينسى نفسه ويحاول تقليد من هو أكبر منه.
والواقع أننا نترك اقتداءنا بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي بعثه الله ليكون لنا أسوة، فكان صلى الله عليه وسلم أرق الناس طبعا، وأنبلهم سيرة، وأعمقهم شعورا بالواجب، ونفورا من الحرام، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها، وكان إذا رأى شيئا يكرهه عرفناه في وجهه”، بهذا الحياء الكبير والخلق العظيم، استطاع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أن يجعل من الأعرابي الفض الغليظ القلب، الحاد الطبع، الصعب الانقياد، الإنسان الرحيم ذا الخلق الكريم، الذي ملأ الدنيا بسلوكه القويم خيرا، وأفاء على الناس من حيائه معروفا وبرا، فعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: “قال  صلى الله عليه وسلم يا عائشة لو كان الحياء رجلا لكان رجلا صالحا، ولو كان الفحش رجلا لكان رجل سوء”.
أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، إننا بالإيمان وبالإسلام وبالإحسان لنا شخصيتنا المتميزة، ومقوماتنا الحية القوية، وتقاليدنا العريقة الطاهرة النقية، ومن الحياء ألا نتخلى عن هذه الأخلاق الفاضلة التي تميزنا عن غيرنا، وتبوئنا مكانا عاليا عند ربنا، جاعلين نصب أعيننا أن الإيمان قرين الحياء، وأن من لا حياء فيه لا خير فيه، وأن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول: “إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت”.
فلمن يفسدون في الأرض ولا يصلحون نقول هذا، ولمن لا يراعون حرمة المسجد نقول هذا، ولمن لا يراعون حرمة المؤمنين والمؤمنات، وللمجاهرين الله بالمعاصي بالليل والنهار وأمام أعين الناس في المجامع والطرقات، نقول هذا، ولمن لا يخافون عقاب الله نقول: “إن لم تستح فاصنع ما شئت”.
جعلني الله وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب، آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخطبــة الثانـيـة
الحمد لله الذي لا ينبغي الحمد إلا له، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبوة والرسالة وعلى أله وصحبه وكل من انتمى له، عباد الله من اتقى الله فاز برضى مولاه ومن جاءته موعظة من ربه فانتهى فأجره على الله
أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون،
اعلموا أن خلق الحياء من الأمور الهامة التي ينبغي على الآباء والأمهات والأساتذة والمعلمين، والجيران وكل فئات المجتمع أن يتعاونوا على زرعها في فلذات أكبادنا، فأولادنا وبناتنا أمانة في أعناقنا، وكلنا راع وكلنا مسؤول عن رعيته، ولنعد بفكرنا إلى سنوات قليلة ماضية حيث كان كل واحد من المجتمع يقوم بواجبه نحو أمته بتلقائية وبإيمان، عالما أنه لا يستقيم المجتمع إلا ببذل الجهود لإصلاح أبنائه وبناته، فعلينا جميعا أن نبذل الجهود ونتعاون كل حسب استطاعته على بث الأخلاق الفاضلة في ناشئتنا، فهم مستقبل أمتنا وهم الشاهد على أعمالنا فبصلاحهم نكون قد أدينا المسؤولية الملقاة على عاتقنا، وبدونها لا نستحق ثناء الله علينا في قوله: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله).
فاللهم لا تخيب فيك رجاءنا، وجملنا بالحياء واجعلنا من عبادك المخلصين، (إن الله وملائكته يصلون على النبيء، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).
الدعاء…

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *