أحوال السلف الصالح في رمضان
الحمد لله سهَّل للعباد ويسَّر، وأفاض عليهم من سحائب الجود وسوابغ الإنعام ما لا يعد ولا يحصر، أحمده سبحانه وأشكره شرع مواسم وهيأ مناسبات ينيب فيها العبد إلى ربه ويغسل قلبه من دنس الذنوب ويتطهر.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله نبي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، اللهم صَلِّ وسلِّم وبارك على محمد وعلى آل محمد وعلى صحب محمد، ما اتصلت عين بنظر، وأذن بخبر، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الحشر.
أما بعد: فأوصيكم ونفسي -عباد الله- بتقوى الله حق تقاته، وسارعوا إلى مغفرة ربكم ورضوانه وجناته، واعلموا أن على المسلم أن يعرف قيمة عمره وهدف حياته، فهو خُلق من أجل تحقيق عبودية الله في الأرض فهو صاحب هدف ومبدأ وغاية يعرف قدر الحياة، ويستغل الساعات؛ بل حتى اللحظات، فيكثر من فعل الخيرات إلى الممات، قال تعالى: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر:99]، تذكيراً بأن الأعمار كلها مواسم يربح فيها المسلم العاقل، ويخسر فيها العاصي الغافل.
أما بعد:
أحبتي في الله ، قبل أسبوعين حل بنا الزائر الكريم حل بنا شهر رمضان العظيم شهر الفضائل والمنازل، فاستقبلناه جميعا ، ولكن هل كان استقبالنا لهذا الشهر الفضيل يليق بمقامه وهل استطعنا ان تسير على نهج سلفنا الصالح ؟ وهذا هو موضوع خطبتنا لهذه الجمعة المباركة والتي سنقف فيها عند حال السلف الصالح مع رمضان .
أقول وبالله التوفيق إن سلفنا الصالح كانوا يهتمون برمضان اهتماماً بالغاً، ويحرصون على استغلاله في عمل الطاعات والقربات، وقبل أن نشير إلى حال السلف مع رمضان نشير إلى حال قدوة السلف، بل إلى قدوة الناس أجمعين، محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- في رمضان، قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: “وكان من هديه صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان: الإكثار من أنواع العبادات، فكان جبريل -عليه الصلاة والسلام- يدارسه القرآن في رمضان، وكان إذا لقيه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة، وكان أجـود الناس، وأجود ما يكون في رمضان، يكثر فيـه الصدقة، والإحسان، وتلاوة القرآن والصلاة والذكر، والاعتكاف. وكان يخص رمضان من العبادة ما لا يخص غيره به من الشهور، حتى إنه كان ليواصل فيه أحياناً ليوفر ساعات ليله ونهاره على العبادة”.
لقد كان السلف سباقين إلى الخير، تائبين إلى الله من الخطايا في كل حين، فما من مجال من مجالات البر إلا ولهم فيه اليد الطولى، وخاصة في مواسم الخيرات، ومضاعفة الحسنات، لذلك نجد أن حال السلف مع القرآن في رمضان حال المستنفر نفسه لارتقاء المعالي؛ فهذا الإمام البخاري -رحمه الله- كان إذا كان أول ليلة من شهر رمضان، يجتمع إليه أصحابه فيصلي بهم ويقرأ في كل ركعة عشرين آية، وكذلك إلى أن يختم القرآن. وكان يقرأ في السحر ما بين النصف إلى الثلث من القرآن، فيختم عند الإفطار كل ليلة ويقول: عند كل الختم؛ دعوة مستجابة.
وروي عن الشافعي أنه كان يختم في رمضان ستين ختمة سوى ما يقرأ في الصلاة، قال الربيع: “كان الشافعي يختم كل شهر ثلاثين ختمة، وفي رمضان ستين ختمة سوى ما يقرأ في الصلاة”. وقد يتبادر إلى ذهن أحدنا إشكال فيقول قد جاء النهي عن النبي-صلى الله عليه وسلم- في ذم من يقرأ القرآن في أقل من ثلاث، فكيف هؤلاء العلماء يخالفون ذلك؟، يقول ابن رجب -رحمه الله-: “وإنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على المداومة على ذلك، فأما في الأوقات المفضلة كشهر رمضان خصوصا الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر، أو في الأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتناما للزمان والمكان، وهو قول أحمد وإسحاق وغيرهما من الأئمة، وعليه يدل عمل غيرهم”. يعني من السلف الذين كانوا يقرؤون القرآن في أقل من ثلاث ليال وذلك في رمضان وخاصة في العشر الأواخر.
وأما حال السلف في رمضان مع الصلاة وقيام رمضان فقد ذكر الحافظ الذهبي عن أبي محمد اللبان أنه: “أدرك رمضان سنة سبع وعشرين وأربعمائة ببغداد فصلّى بالناس التراويح في جميع الشهر فكان إذا فرغها لا يزال يصلي في المسجد إلى الفجر، فإذا صلى درّس أصحابه. وكان يقول: لم أضع جنبي للنوم في هذا الشهر ليلاً ولا نهاراً. وكان ورده لنفسه سبعا مرتلاً”.
أحبتي في الله
لقد كان للسلف في كل باب من أبواب القربات أوفر الحظ، ولا بد أن نذكر أنفسنا بشيء من حياتهم، حتى يزداد إيماننا، وتقوى صلتنا بخالقنا، وحتى تقوى عزائمنا، وتشحذ هممنا، فنقتدي بهم ، كيف لا وقد سلفنا في رمضان
يمسكون عن تعاطي جميع المفطرات الحسية والمعنوية، وكانوا يحرصون على فعل ما يرضي الله، يحتسبون نومتهم كما يحتسبون قومتهم، يتنافسون في الطاعات والقربات، ويفرون من مقاربة المعاصي والسيئات يقرون إلى الله ، يحفظون صيامهم من جميع المفطرات، يعملون بكتاب الله وسنة رسوله، ويوصي بعضهم بعضاً بأن لا يكون يوم صوم أحدهم كيوم فطره، فعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: “إذا صمت فليصم سمعك وبصرك، ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء”.
فالسلف لهم أحوال في رمضان غير أحوالهم في غير رمضان من الشهور، فمنهم الإمام مالك بن أنس؛ الذي لا تنقطع دروسه في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم يوقفها في رمضان؛ لأنه ينشغل بشهر القرآن، الإمام مالك بن أنس رحمه الله تعالى إذا دخل رمضان يفرُّ من الحديث، ومن مجالسة أهل العلم، ويُقبل على تلاوة القرآن من المصحف.
وكان سفيان الثوري رحمه الله إذا دخل رمضان ترك جميع العبادات، وأقبل على قراءة القرآن.
وكان محمد بن إسماعيل البخاري – صاحب الصحيح – يختم في رمضان في النهار كلَّ يوم ختمة، ويقوم بعد التراويح كلَّ ثلاثَ ليال بختمة.وكان سعيد بن جبير يختم القرآن في كل ليلتين وكان زبيد اليامي: إذا حضر رمضان أحضرَ المصحفَ وجمع إليه أصحابه.
وكان الوليد بن عبد الملك يختم في كل ثلاثٍ، وختم في رمضان سبع عشرة ختمة.وقال أبو عوانة: شهدتُ قتادة يدرِّس القرآن في رمضان.
وكان قتادة يختم القرآن في سبع، – أي كل سبع ليالي يقرأ القرآن مرة -، وإذا جاء رمضان ختم في كل ثلاثٍ، فإذا جاء العشر الأواخر ختم كل ليلةٍ.
وكان وكيع بن الجراح يقرأ في رمضان في الليل ختمةً وثلثاً، ويصلي ثنتي عشرة ركعة من الضحى، ويصلي من الظهر إلى العصر.
أحبتي في الله
وأما حال حال السلف رضي الله عنهم في النفقة والجود والكرم في رمضان، فحدث ولا حرج، مقتدين في ذلك بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي كان أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان، إنّ جبريل عليه السلام كان يلقاه في كل سنة في رمضان حتى ينسلخ – يعني جبريل طول الشهر يلقَى النبي كل ليلة، فينسلخ الشهر – فيعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، فإذا لقيه جبريل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة). متفق عليه.
وقال ابن رجب: قال الشافعي رضي الله عنه: (أُحبُّ للرجلِ الزيادةَ بالجودِ في شهر رمضان؛ اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولحاجةِ الناس فيهِ إلى مصالحهم، ولتشاغل كثيرٍ منهم بالصَّومِ والصلاةِ عن مكاسبهم)، فالجود في رمضان من أهل الجود والكرم مطلوب.
وكان ابن عمر رضي لله تعالى عنهما يصوم، ولا يفطر إلاَّ مع المساكين، يأتي إلى المسجد فيصلي ثم يذهب إلى بيته ومعه مجموعة من المساكين، فإذا منعهم أهله عنه لم يتعشَّ تلك الليلة. وكان إذا جاءه سائل وهو على طعامه، أخذ نصيبه من الطعام، وقام فأعطاه السائل، فيرجع وقد أكل أهله ما بقي في الجفْنَةِ، فيصبح صائماً ولم يأكل شيئاً.
يقول يونس بن يزيد: كان ابن شهاب – الزهري – إذا دخل رمضان؛ – قال:- (فإنما هو تلاوة القرآن، وإطعام الطعام).
وكان حماد بن أبي سليمان يفطِّر في شهر رمضان خمسَ مائةِ إنسانٍ، – طيلة شهر رمضان هو مسئول عنهم وعن تفطيرهم – وإنه كان يعطيهم بعد العيد لكلِّ واحدٍ – منهم – مائة درهم.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (ليس الصيام) -أي في حقيقته- (من الطعام والشراب وحده، ولكنه من الكذب والباطل، واللغو والحلف). أخرجه ابن أبي شيبة.وعن مجاهد قال: (خصلتان من حفظهما سلم له صومه: الغيبة والكذب). أخرجه ابن أبي شيبة.
فأين نحن من هؤلاء يا عباد الله؟!
فإذا كان هذا هو السلف في رمضان صيام وقيام وقراءة وتدير للقرآن، ، فكيف هو حالنا نحن حال الخلف في هذا الشهر الفضيل فهل كنا خير خلف لخير سلف ؟ لنسأل بالله أنفسنا هل نسير على نهج سلفنا الصالح ؟ وهل نوفي رمضان واجبه ؟ والله إن حال بعضنا ليندى له الجبين، ويتقطع عليه القلب حسرة، فإذا كان الإمام مالك يترك دروس العلم ليقرأ القرآن، فهل نترك نحن الفايسبوك والواتساب والشبكات العنكبوتية والفضائية، وما شابه ذلك لننتبه لقراءة القرآن؟
أم انه في رمضان تزداد الأفلام والمسلسلات وكل انواع المسليات والمغريات والبرامج الترفيهية بل الأدهى والأمر أن بعض بعض الجشعين لا يحترمون قدسية هذا الشهر العظيم شهر الطاعة والمغفرة فتجدهم يقيمون الليالي والسهرات الغنائية بالمقاهي التي يرتادها شبابنا الغفل وخاصة بناتنا اللواتي يحضرن في أبهى زينتهن وتبرجهن إن لم اقل عريهن في استفزاز مفضوح لمشاعر المسلمين في هذا الشهر العظيم.وكأن رمضان بالنهار فقط اما بالليل فلا حرج عليهن ، ومن هذا المنبر منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أقول اتقوا الله في أبنائنا وبناتنا ، اتقوا الله في شبابنا ولا تحرضوه على الانحراف ولا تجروا أرجلهم إلى الهاوية اتقوا الله كي نكون حقا خير خير لخير سلف .
وأن نتأسى بالسلف الصالح ونسير على نهجهم ونتبع خطاهم وان نغثنم كما اعتنموا ما حث عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الدعاء في شهر رمضان، شهر الصيام، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم…).
فاحرصوا يا عباد الله على الاجتهاد في الدعاء؛ فلعل الله أن يتقبل منا دعوةً تكونُ فيها نجاتنا في الدنيا والآخرة، اللهم آمين.اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية
الحمد لله على نعمة الإسلام وهي النعمة الكبرى، ونشهد ان لا إله إلا الله له الأمر في الآخرة والأولى، ونشهد أن محمداً عبدك ورسولك الذي قلت له: (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى) [الأعلى:9]، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله الطاهرين وجميع الصحابة والتابعين والمتنسكين بشرائع الإسلام والقائمين بشعائر الدين.
أحبتي في الله
اعلموا رحمكم الله أن الجمعة من أفضل الأيام، فقد قال عليه الصلاة والسلام: “إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم -عليه السلام-، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا على من الصلاة؛ فإن صلاتكم معروضة علي”، وفيه كملت جميع الخلائق وفيه تقوم الساعة.
يوم الجمعة عيد متكرر كل أسبوع، ففي الحديث عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: “إن هذا يوم عيد جعله الله للمسلمين؛ فمن جاء إلى الجمعة فلْيَغْتَسِل”.
يوم الجمعة يوم تكفر فيه السيئات، روى البخاري عن سلمان -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويتطهر ما استطاع من طهر، ويدهن من دهنه، أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام، إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى”.
يوم الجمعة أمرنا الله بالاجتماع فيه لعبادته فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) [الجمعة:9].
فكيف بعد هذا الفضل، والقدر والمكانة، يقع التفريط والتهاون في هذا اليوم ؟! بل ينبغي على كل مسلم ومسلمة أن يعظم هذا اليوم وساعاته، ويغتنم فضائله ومميزاته، ويستغل دقائقه ولحظاته، وذلك بالتقرب إلى الله تعالى فيه بأنواع القربات، والإكثار فيه من الطاعات والعبادات،
فانظر أخي! كم جمعة مرت عليك مرور الكرام دون أن تعيرها أدنى اهتمام! وهكذا تضيع أعظم الأيام ونحن في غفلة عن الاغتنام.
احبتي في الله ! تعلموا آداب دينكم وأحكامه، وتذكروا أن للجمعة سنن وآداب وأحكام ينبغي أن يلتزم بأحكامها ويتحلى بآدابها بنو الإسلام.
فمن تلك الأحكام والآداب يستحب أن يكثر الإنسان في هذا اليوم من الصلاة على النبي، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: “فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة على”.
وأخرج البيهقي عن أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “أكثروا من الصلاة عليَّ يوم الجمعة وليلة الجمعة، فمَن صلَّى علي صلاة صلى الله عليه عشراً”.
وصلاة الجمعة فرض على كل ذكَر، حُر، مكلف، مسلم، مستوطن ببناء؛ فلا تجب على مسافر سفر قصر، ولا على عبد، ولا على امرأة، ومن حضرها منهم أجزأته.
وتسقط الجمعة بسبب بعض الأعذار كالمرض، والخوف، ولا يجوز السفر في يومها بعد دخول وقتها لمن تلزمه الجمعة إلا بعد أدائها.
والاغتسال يوم الجمعة من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد ثبت في الصحيحين أنه قال: “إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل”.
التطيب والتسوك ولبس أحسن الثيات من الآداب في يوم الجمعة، فعن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري -رضي الله عنهما- قالا: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “مَن اغتسل يوم الجمعة، ولبس من أحسن ثيابه، ومس من طيب إن كان عنده، ثم أتى الجمعة فلم يتخط أعناق الناس، ثم صلى ما كتب الله له، ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يفرغ من صلاته، كانت كفارة لما بينها وبين جمعته التي قبلها”.
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “غسل يوم الجمعة على كل محتلم، وسواك، ويمس من الطيب ما قدر عليه”.
ويستحب التبكير إلى صلاة الجمعة، وهذه سنة كادت تموت، فرحم الله من أحياها، ففي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الأول فالأول، فإذا جلس الإمام طووا الصحف وجاءوا يستمعون الذكر، ومثل المهجّر كمثل الذي يهدي البدنة، ثم كالذي يهدي بقرة، ثم كالذي يهدي الكبش، ثم كالذي يهدي الدجاجة، ثم كالذي يهدي البيضة”.
فأين المتنافسون في الخيرات؟ أين المبكرون إلى الصلوات؟ أين أصحاب الهمم والتطلعات؟ تسابقوا -رحمكم الله- إلى هذا الأجر العظيم بالتبكير لصلاة الجمعة، ففي ذلك فضائل كثيرة من تحصيل مكان في الصف الأول، ونيل فضيلة انتظار الصلاة، وكسب صلاة النافلة، وكثرة الذكر والتسبيح والتهليل والتكبير والدعاء، وقراءة القرآن ولا سيما سورة الكهف، فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “مَن قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين”.
فاعلموا -رحمكم الله- أن هذه الفضائل التي ذكرنا يفوّتها المتأخرون علي أنفسهم وما أكثرهم -وللأسف!- في هذا الزمان! فقد قل الاهتمام بالتبكير إلى صلاة الجمعة، فكثير من الناس لا يأتون إلى الجمعة إلا قبيل دخول الإمام، والبعض بعد دخول الإمام أو عند الإقامة، يحرمون أنفسهم من هذه الأجور العظيمة والفضائل الجليلة، اللهم إلا فئة قليلة نراها دائما في الصفوف الأولى تتنافس عليها، فهنيئا لها الفوز والسبق، وهنيئا لها مجاهدة النفس والصبر، فاصبروا وصابروا ورابطوا وأبشروا؛ فما عند الله خير وابقى.
ويستحب أن يشتغل المسلم بالصلاة والذكر وقراءة القرآن حتى يصعد الإمام المنبر، وحديث أبي هريرة وأبي سعيد -رضي الله عنهما- السابق يدل على ذلك.
ويجب الإنصاب للخطبة والاهتمام بما يقال فيها، ففي الصحيحين أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة: أنصِتْ والإمام يخطب فقد لغوت”، وعمد أبي داود: “ومَن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظُهرا”.
ويستحب لمن دخل المسجد والإمام يخطب أن يصلي ركعتين خفيفتين قبل أن يجلس؛ لحديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: جاء سليك الغطفاني يوم الجمعة ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب فجلس فقال له: “يا سليك، قم فاركع ركعتين وتجوَّزْ فيهما”، ثم قال: “إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما”.
ومن جملة أحكام صلاة الجمعة كذلك أن من أدرك ركعة من صلاة الجمعة مع الإمام أتمها جمعة، أي يضيف إليها ركعة أخرى، وإن أدرك أقل من ركعة كأن يدخل مع الإمام بعد أن يرفع الإمام رأسه من الركعة الثانية فإنه يتمها ظهراً، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: “مَن أدرك ركعة من الجمعة وغيرها فليضف إليها أخرى وقد تمت صلاته”.
هذا و صلوا و سلموا على إمام المرسلين و قائد الغر المحجلين فقد أمركم رب العالمين في محكم التنزيل حيث قال عز قائلاً عليما : { إن الله و ملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنو صلوا عليه و سلموا تسليما} اللهم صلّ على سيدنا محمد و على آل سيدنا محمد و بارك على سيدنا إبراهيم و على آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد و ارض اللهم عن خلفائه الراشدين و عن أزواجه أمهات المؤمنين و عن سائر الصحابة أجمعين و عن المؤمنين و المؤمنات إلى يوم الدين و عنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين و انصرهم على عدوك و عدوهم يا رب العالمين . اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوما و اجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوما و لا تدع فينا و لا معنا شقياً و لا محروما . اللهم إنا نسألك الهدى و التقى و العفاف و الغنى . اللهم إنا نسألك أن ترزق كلاً منا لساناً صادقاً ذاكرا و قلباً خاشعاً منيبا و عملاً صالحاً زاكيا و علماً نافعاً رافعا و إيماناً ثابتاً راسخا و يقينا صادقاً خالصا و رزقاً حلالاً طيباً واسعا يا ذا الجلال و الإكرام. اللهم أعز الإسلام و المسلمين ووحد اللهم صفوفهم و أيد راية المؤمنين و اكسر شوكة أعدائهم و اكتب السلام و الأمن للعالم الإسلامي في كل ربوعه و اجعل العزة و الرفعة للإسلام و جموعه . اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمَّتنا وولاة أمورنا، واجعل اللهم ولايتَنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفق ملك البلاد أمير المؤمنين محمد السادس لما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى، وأعِزَّه بطاعتك، وأعلِ به كلمتك، واجعله نُصرةً للإسلام والمسلمين، وألبِسه لباسَ الصحةِ والعافية، وأمِدَّ في عُمره على طاعتك، واجمَع به كلمةَ المسلمين على الحق والهُدى يا رب العالمين.اللهم كن له معينا ونصيرا وأعنه وانصره على أعدائه وأعداء المغرب وأحفظه اللهم في ولي عهده الأمير الجليل مولاي الحسن وشد أزره بأخيـــــــه المولى رشيد وسائر الأسرة العلوية المجيدة وأيِّده بالحق وارزقه البطانة الصالحة يا ذا الجلال والإكرام
اللهم اجعلنا من الذاكرين لك في الليل و النهار المستغفرين لك بالعشي و الأسحار. ربنا آتنا في الدنيا حسنة و في الآخرة حسنة و قنا عذاب الله . ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا و هب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب . ربنا ظلمنا نفسنا و إن لم تغفر لنا و ترحمنا لنكونن من الخاسرين . اللهم اغفر للمؤمنين و المؤمنات و المسلمين و المسلمات الأحياء منهم و الأموات إنك سميع قريب مجيب الدعاء .
اللهم وفِّقنا للتوبة والإنابة، وافتح لنا أبوابَ القبول والإجابة، اللهم تقبَّل طاعاتنا ودعاءَنا، وأصلِح أعمالنا، وكفِّر عنا سيئاتنا، وتُب علينا، واغفر لنا، وارحمنا يا أرحم الراحمين.اللهم إنا خلقٌ من خلقك، فلا تمنَع عنا بذنوبنا فضلَك.
عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [يونس: 85]، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار [البقرة:201].سبحان ربك ربِّ العزة عما يصِفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
الدكتور عبد الهادي السبيوي