أعظم هدف ينبغي أن ينشده المسلم في رمضان

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك وأشهد أن لا إلاه إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله خير نبي أرسله أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى وأحثكم على ذكره.

أما بعد فيا عباد الله، أخرج ابن خزيمة في صحيحه والبيهقي والخطيب والأصبهاني في الترغيب عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال:”خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان فقال:” يا أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله تطوعا، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة، وشهر يزاد فيه في رزق المؤمن، ومن فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء، قالوا يا رسول الله، ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم، قال يعطي الله هذا الثواب من فطر صائما على مذقة لبن أو تمرة أو شربة من ماء، ومن أشبع صائما سقاه الله من الحوض شربة لايظمأ حتى يدخل الجنة، وهو شهر أوله رحمة ووسطه مغفرة وآخره عتق من النار، فاستكثروا فيه من أربع خصال، خصلتان ترضون بهما ربكم، وخصلتان لاغنى بكم عنهما، أما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم، فشهادة أن لاإله إلا الله وتستغفرونه، وأما الخصلتان اللتان لاغنى بكم عنهما فتسألون الجنة وتعوذون من النار”. هذه الخطبة ضعفها بعض أهل الحديث ولكن يجوز العمل بها.

أيها الإخوة الكرام هذه هي خطبة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان، ومن خلالها يعد الصحابة الكرام رضي الله عنهم الإعداد النفسي والروحي لاستقبال شهر رمضان المبارك والغنيمة منه قدر الإمكان، فأمرهم بالصيام وندبهم إلى القيام، وشجعهم وحرضهم على ذلك وعرض عليهم الأجور المغرية التي أعدها الله تعالى وادخرها لمن صام وقام احتسابا لما عنده، وأعلمهم أن رمضان مدرسة لتعلم الصبر والمواساة والإحسان، وأنه شهر التعرض لنفحات المغفرة والرحمة والعتق من النار، وأنه شهر الذكر والدعاء، وكما سمعتم فهي خطبة مختصرة جامعة مانعة لمن كانوا يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ولا يحتاجون لطول الكلام وضرب الأمثلة وحكي القصص والمناقشة، لأن ترقيق القلوب ووعظها في ذلك الزمان كان لايحتاج إلى طول الكلام، لوجود رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم، ولعدم وجود أسباب الغفلة والفتنة.

أيها الإخوة الكرام، هذه مقدمة استهلالية لأطرح هذه الأسئلة: ماهي أعظم غاية ينبغي أن ينشدها المسلم بصيامه لشهر لرمضان؟ وماهو أعظم هدف ينبغي أن ننشده من خلال صيامنا لشهر رمضان؟، الجواب يوجد في قول الله سبحانه: ” ياأيها الذين أمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون”، فالتقوى إذن هي غاية ماينبغي أن يحصله كل فرد منا بصيامه لشهر رمضان، والمفروض عند وصول شهر رمضان إلى النهاية، أن تتغير سلوكاتنا وتصل إلى المقصود والغاية، وهي التوبة النصوح إلى الله وتقوى الله وخشية الله سبحانه وتعالى وقوة الإيمان بالله عز وجل. أيها الإخوة الكرام، لقد وفقنا الله تعالى لصيام عدة شهور من رمضان في السنوات الماضية، ولكن هل حصلنا التوبة الدائمة؟ هل حصلنا التقوى الدائمة؟ هل حصلنا الاستقامة الدائمة؟ هل تقوى إيماننا؟ فالسؤال إذن اليوم هل أعددنا العدة ليحصل كل واحد منا هذه التقوى خلال شهر رمضان؟ وهل عزم كل واحد منا على اعتمادها منهجا في حياته إلى أن يلقى الله؟ وهل اتخذنا قرارا لنتغير نحو الأحسن في علاقتنا بربنا وفي علاقتنا بالخلق؟ وهل عزمنا على الفرار إلى الله والتقرب منه أكثر فأكثر؟ وهل عزمنا على التوبة الصادقة النصوح؟ فإذا لم تكن لدينا هذه النيات الصادقة اليوم، وهذه العزيمة وهذه الإرادة، فاعلموا بأننا سنصوم رمضانا شكليا صوريا، ولن نستفيد منه أية استفادة، فالعبرة كل العبرة بالمداومة والاستمرار على الطاعة، فلا نبات لشجرة الإيمان دون ثبات على الطاعات.

أيها الإخوة الكرام، بداية لابد أن أقول كلمة مختصرة حول التوبة النصوح مذكرا لنفسي أولا ولكم ثانيا، التوبة هي الرجوع عما كان مذموما في الشرع إلى ما هو محمود فيه، ولها بداية ونهاية، فبدايتها التوبة من الكبائر، ثم التوبة من الصغائر، ثم التوبة من المكروهات، ثم التوبة من رؤية الحسنات، ثم التوبة من رؤية أننا صرنا معدودين في العباد والربانيين، ثم التوبة من رؤية أننا صادقين في التوبة، ثم التوبة من الخواطر التي تجول في خاطرنا في غير مرضاة الله عز وجل، وأما نهاية التوبة فكلما غفلنا عن مراقبة ربنا طرفة عين، نبدأ بالتوبة من جديد، لأنها أساس لكل درجة أو شعبة يرتقي إليها العبد المؤمن حتى يموت، فكما أن من لا أرض له لا بناء له، فكذلك من لاتوبة له فلا عبادة له ولا درجة له، ومن كلام الربانيين: “من أحكم مقام توبته حفظه الله تعالى من سائر الشوائب في الأعمال”، وهكذا نستمر في طريق الطاعة تائبين إلى أن نصل إلى التقوى التي هي الغاية من الصوم.

سَأَل سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أُبى بن كعب رضي الله عنه عن التقوى، فأجابه أُبي: ياأمير المؤمنين أما سلكت طريقاً فيه شوك؟ فقال: نعم،  قال له فماذا فعلت؟ قال عمر: أُشمر عن ساقي و أنظر مواضع قدمي وأُقدم قدماً وأؤخر أخرى مخافة أن تصيبني شوكة، فقال ابن كعب: تلك التقوى”، وقال سيدنا ابن مسعود رضي الله عنه في تعريفها:”  أن يطاع الله فلا يعصى ويذكر فلا ينسى وأن يشكر فلا يكفر”إلى هذه الدرجة ينبغي أن نصل وهكذا ينبغي أن نكون، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد فياعباد الله، ولكي نحصل الغايات المنشودة والأهداف المرجوة من صيام شهر رمضان، ينبغي أن نحرص كل الحرص على اغتنام إحياء أيامه ولياليه بالعبادة، بأن نقرأ القرآن الكريم ونتدبره ونعمل بأحكامه والتخلق بأخلاقه ونختمه عدة ختمات، والإكثار من النوافل والإنفاق مما رزقنا الله، وإطعام الطعام وإدخال السرور على الفقراء والمساكين، وصلة الأرحام والتصدق على الأيتام والأرامل والمرضى والمزمنين والمعاقين وذوي الحاجة، والإكثار من الدعاء والتضرع والالتجاء إلى الله والتذلل بين أعتابه والذكر والاستغفار، واستصحاب نيات عمل الصالحات ولو لم يكن في مقدورنا القيام بها، ورد عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” نية المؤمن خير من عمله”.

وأختم بما كان بعض السلف رحمة الله عليهم يقوله في نية صيام رمضان، كانوا يقولون: نوينا مانواه سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، والسلف الصالح من آل البيت الكرام، والصحابة الأعلام، ونوينا القيام بحق الصيام على الوجه الذي يرضي الملك العلام، ونوينا المحافظة على القيام وحفظ الجوارح عن المعاصي والآثام، ونوينا تجنب الغيبة والنميمة والكذب وأسباب الحرام، ونوينا كثرة الصدقات ومواساة الأرامل والفقراء والأيتام، ونوينا كمال الالتزام بآداب الإسلام والصلاة في الجماعة في أوقاتها بانتظام، ونوينا كل نية صالحة نواها عباد الله الصالحين في العشر الأوائل والأواسط والأواخر وليلة القدر في سائر الليالي والأيام”، فاستحضروا هذه النيات وغيرها من نيات الخير من الآن كي تظفروا بالتقوى والقرب من الرحيم الرحمان والحمد لله رب العالمين.

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *