الإستعداد لإستقبال شهر رمضان -1-
الحمد لله، الحمد لله كثيرا، وسبحان الله والحمد لله بكرة وأصيلا، هو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جعل الإسلام لنا دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، بعثه الله للناس كافة بشيرا ونذيرا، وكان للمتقين إماما وبالمؤمنين رؤوفا رحيما، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا، أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، قبل أسبوعين، احتفل العالم الإسلامي بأسره بذكرى الإسراء والمعراج، التي تعتبر معجزة من المعجزات التي أيد الله بها نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم، توجت بمنحة الله تعالى على هذه الأمة المحمدية بفريضة الصلاة التي هي شعار المسلمين، والفاصل بيننا وبين الكافرين بدليل حديث سيد الأولين والآخرين: “العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر”، ولمكانتها العالية وخصائصها الفاضلة فرضها الله في السماء وتلقاها النبي صلى الله عليه وسلم من الله مباشرة، من غير واسطة أمين الوحي، جبريل عليه وعلى نبينا السلام، وباحتفالنا هذا تتطلع نفوسنا إلى استقبال ضيف عزيز، ضيف طالما انتظر المؤمنون قدومه، وتبادلوا عبر وسائل الإتصال الإلكترونية رسائل للتبشير بقدومه، والتوسل إلى الله تعالى لبلوغه، إنه شهر رمضان الذي لا يفصلنا عنه سوى ثلاثة أسابيع، ومعلوم أن لكل ضيف عزيز استعداد خاص، فمن كرم المضيف أن يكون على أتم استعداد لإستقبال ضيفه، بما يليق ومكانته عنده، وقدوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستعد لإستقبال شهر رمضان أيما استعداد، يستعد له قبل أن يحل بالأمة، ليس بأنواع المأكولات والمشروبات والتفنن في قضاء الوقت بالمطبخ والتجول في الأسواق كما نفعله اليوم، بل استعداد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بأنواع العبادات التي يتقرب بها إلى ربه عز وجل قبل حلول رمضان، منها الإكثار من الصيام، وتلاوة القرآن، لأن شهر رمضان يعتبر فرصة سنوية ومنحة ربانية يتفضل بها المولى عز وجل كل عام على عباده المجدين المخلصين فيغفر ذنوبهم ويقيل عثراتهم، ويقبل توبتهم، فيخرجون من صيام رمضان بجائزة تهون دونها ملذات الدنيا بأجمعها، أيها الإخوة المؤمنون، إن مما ينبغي للمسلم فعله قبل حلول شهر الصيام تفريغ النفس من الشواغل والملهيات، لتستقبل رمضان وهي متهيّئة للصيام، بعيدة عن الشواغل وملذات الدنيا، مقبلة على الآخرة، ولقد فهم سلفنا الصالح رضوان الله تعالى عليهم ذلك فكانوا يتهيؤون لرمضان بأنواع الطاعات والقربات، روى ابن عمرَ رضي الله عنهما أنّ رجلاً جاء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسولَ الله، أيُّ الناسِ أحبّ إلى الله؟ وأيّ الأعمالِ أحبُّ إلى الله؟ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: “أحبُّ الناسِ إلى الله تعالى أنفعُهم للنّاس، وأحبّ الأعمال إلى الله سرورٌ يدخِله إلى مسلمٍ، أو يكشِف عنه كربةً، أو تقضِي عنه دينًا، أو تطرُد عنه جوعًا، ولأن أمشيَ مع أخٍ في حاجةٍ أحبّ إليّ مِن أن أعتكِفَ في هذا المسجد ـ يعني مسجدَ المدينة ـ شهرًا، ومن كفَّ غضبَه سترَ الله عورته، ومن كظمَ غيظَه، ولو شاء أن يمضيَه أمضاه، ملأَ الله قلبَه رجاءً يومَ القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجةٍ حتى تتهيّأ له، أثبتَ الله قدمَه يوم تزول الأقدام، وإنَّ سوءَ الخلُق، ليفسِد الدّين كما يفسِد الخلُّ العسل” . أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
أخي المسلم، أتدري لم كان للعبادة في شعبان فضل على غيرها؟ لأنه مقدمة لرمضان، فاكتسب فضلا من هذه الجهة، والعلماء يقولون: إن لكل عبادة مفروضة مقدمة ومؤخرة، فالتقدمة يستعد بها لها، والمؤخرة يرقع بها ما حصل في العبادة من خروق، وشعبان كما جاء عند اللغويين سمي بهذا الإسم لأنه يتشعب منه خير كثير، وهو مشتق من الشعب وهو طريق الجبل، فهو طريق الخير، ثم إن شهر شعبان شهر تكثر فيه الغفلة وذلك لبعده عن مواسم الخيرات، إذ أن آخر عهد الناس بأزمنة البركة عشر المحرم، فيكون الذي يعبد الله في زمن الغفلة هذا أعظم أجراً، وفي الحديث الذي رواه أسامة بن زيد يقول صلى الله عليه وسلم عن شعبان: “ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم”، والنصوص الدالة على فضيلة الطاعة زمن الغفلة كثيرة متوافرة وحسبنا قوله عليه الصلاة والسلام: “ثلاثة يحبهم الله وثلاثة يبغضهم الله، فرجل أتى قوماً فسألهم بالله عز وجل ولم يسألهم بقرابة بينه وبينهم فمنعوه، فتخلفه رجل بأعقابهم، فأعطاه سراً، لا يعلم بعطيته إلا الله عز وجل والذي أعطاه، وقوم ساروا ليلتهم، حتى إذا كان النوم أحب إليهم مما يعدل به، نزلوا فوضعوا رؤوسهم، فقام يتملقني ويتلو آياتي، ورجل كان في سرية فلقوا العدو فهزموا، فأقبل بصدره حتى يقتل أو يفتح له” ، وفي إحياء الوقت المغفول عنه فوائد: منها أنه يكون أخفى وإخفاء النوافل وإسرارها أفضل، ومنها أنه أشق على النفوس لقلة من يتنبه لقيمته، ومنها أن المنفرد بالطاعة من أهل المعاصي والغفلة قد يدفع البلاء عن الناس، فكأنه يحميهم ويدفع عنهم. وهكذا أيها الإخوة يكون العابد المجد في هذا الشهر قد حاز فضيلتين: حسن الاستعداد لرمضان، والذكر زمن الغفلة. ولنا بحول الله عودة لموضوع كيف نستقبل ونستعد لإستقبال شهر رمضان خلال الجمع المقبلة، فاللهم وفقنا للعمل الصالح في شهر شعبان وبلغنا رمضان، ووفقنا فيه للقيام وتلاوة القرآن، ويسر لنا صيامه وقيامه، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. الدعاء.