في ظلال سورة النور
د/عبد الهادي السبيوي
الحمد لله نور السماوات والأرض، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن والاه واتبع هداه إلى يوم الدين.أما بعد:
أحبتي في الله :
في هذه الخطبة المباركة سأقف وإياكم إنشاء الله عند سورة عظيمة من سور القرآن الكريم علما أن القرآن كله عظيم وهذه الخطبة تتمة للخطبة السابقة والتي تحدثنا فيها عن آفة الزنا وعن التحريم القطعي لها وعن آثارها السلبية على الفرد والمجتمع .
وما دمنا بصدد الحديث عن الأخلاق والتربية الإسلامية ارتأيت أن أقف وإياكم كما أسلفت تحت ظلال سورة أتمنى أن يقراها كل واحد منا وان يتمعن في معانيها ،لأنها سورة تميزت بميزات فريدة واختصت بخصائص فريدة وذلك أنها تميزت بالحفاظ الشديد على كرامة الأسرة وقيمة العرض والشرف وفصلت هذه السورة ما ينبغي أن يلزمه المجتمع المسلم كي يحافظ على حرمات الله وعلى حقوق الناس ورسمت هذه السورة للقضايا الجنسية والاجتماعية صورا دقيقة ألزمت المؤمنين بها وأوقفتهم عند حدودها.
إنها سورة الآداب، السورة الكريمة التي ذكر الله فيها جملة من الآداب الاجتماعية عامة، وآداب البيوت خاصة، ووجّهت المسلمين إلى أسس الحياة الفاضلة الكريمة بما فيها من توجيهات رشيدة، وآداب سامية، تحفظ المسلم ومجتمعه، وتصون حرمته، وتحافظ عليه من عوامل التفكك الداخلي، والانهيار الخلقي الذي يدمّر الأمم
إنها سورة النور التي جاء في حديث عن الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: «من قرأ سورة النور أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد كل مؤمِن ومؤمنة فيما مضى وفيما بقى». وترتيبها الرابعة والعشرون في ترتيب المصحف الشريف، وآياتها أربع وستون آية. ، والنور صفة من صفات الرحمن، وقد سميت سورة النور بهذا الاسم لما فيها من إشعاعات النور الرباني بتشريع الأحكام والآداب، والفضائل الإنسانية التي هي قبس من نور الله على عباده، وفيض من فيوضات رحمته وجوده، قال تعالى: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) [النور:35].ويذكر فيها النور بآثاره ومظاهره في القلوب والأرواح; ممثلة هذه الآثار في الآداب والأخلاق التي يقوم عليها بناء هذه السورة. وهي آداب وأخلاق نفسية وعائلية وجماعية، تنير القلب، وتنير الحياة; ويربطها بذلك النور الكوني الشامل أنها نور في الأرواح، وإشراق في القلوب، وشفافية في الضمائر، مستمدة كلها من ذلك النور الكبير.
وهي تبدأ بإعلان قوي حاسم عن تقرير هذه السورة وفرضها بكل ما فيها من حدود وتكاليف، ومن آداب وأخلاق: سورة أنزلناها وفرضناها، وأنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون .. فيدل هذا البدء الفريد على مدى اهتمام القرآن بالعنصر الأخلاقي في الحياة; ومدى عمق هذا العنصر وأصالته في العقيدة الإسلامية، وفي فكرة الإسلام عن الحياة الإنسانية..
وسورة النور من السور المدنية التي تتناول الأحكام التشريعية، وتعنىبأمور التشريع والتوجيه والأخلاق، وتهتم بالقضايا العامة والخاصة التي ينبغي أن يربى عليها المسلمون أفراداً وجماعات، وبالخصوص الاسرة المسلمة ، وقد اشتملت هذه السورة على أحكام مهمة، وتوجيهات عامة تتعلق بالأسرة التي هي النواة الأولى لبناء المجتمع الأكبر.
أحبتي في الله
سميت هذه السورة بهذا الاسم أي (النور)، ولم يثبت لها اسم غيره. لقوله تعالى فيها: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النور من الآية:35].
قال الشيخ أبو زهرة رحمه الله: “وإنها لو سُمِّيَت سورة (الأسرة) لكانت جديرة بهذا الاسم”.
وقال الشيخ الشعراوي رحمه الله: “وإذا استقرأنا موضوع المُسمَّى، أو المعنون له بسورة (النور) نجد النور شائعًا في كل أعطافها -لا أقول آياتها ولا أقول كلماتها- ولكن النور شائع في كل حروفها، لماذا؟ قالوا: لأن النور من الألفاظ التي يدل عليها نطقها، ويُعرِّفها أكثر من أي تعريف آخر، فالناس تعرف النور بمجرَّد نطق هذه الكلمة، والنور لا يُعْرَف إلا بحقيقة ما يؤديه، وهو ما تتضح به المرئيات، وتتجلى به الكائنات، فلولا هذا النور ما كُنَّا نرى شيئًا”.
ونقل الشيخ القاسمي عن المهائمي رحمهم الله قوله: “سُمِّيَت به لاشتمالها على ما أمكن من بيان النور الإلهي، بالتمثيل المفيد كمال المعرفة الممكنة لنوع الإنسان، مع مقدِّماتها، وهي أعظم مقاصد القرآن”.
اما فضائلها فقد روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها -وذكرت الإفك- قالت: “جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكشف عن وجهه، وقال: «أعوذ بالله السميع العليم، من الشيطان الرجيم، {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} [النور من الآية:11]».
وروى الطبري بسنده، قال: “استعمل علي بن أبي طالب ابنَ عباس رضي الله عنهم على الحج، قال: فخطب الناس خطبة، لو سمعها التُّرك والروم لأسلموا، ثم قرأ سورة النور، فجعل يُفسِّرها”. وفي رواية: “والله لو سمعتها التُّرك لأسلموا”.
وروى الطبراني في (الأوسط) عن أُبيِّ بن كعب رضي الله عنه، قال: “لمَّا قَدِمَ النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، وآوتهم الأنصار رضي الله عنهم، رمتهم العرب عن قوسٍ واحدة، فنزلت: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ} [النور من الآية:55]”. قال الهيثمي: “رجاله ثقات”.
وروى البيهقي وغيره عن مجاهد مرفوعًا، قال: “علِّموا رجالكم سورة المائدة، وعلِّموا نسائكم سورة النور”. وفي (تفسير القرطبي) أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أهل الكوفة: “علِّموا نساءكم سورة النور”.
وقد قال بعض العلماء في آيات الإفك: “إنها أرجى ما في القرآن؛ لأن الله عظم شأن الإفك، وتوعَّد عليه غاية الوعيد، وجعله منافيًا للإيمان، ثم أمر بالعطف على بعض من وقع فيه، ووصفهم بالقرابة والمسكنة والهجرة، وندب إلى الإنفاق والعفو عنهم والصفح”.
أحبتي في الله
إن المحور العام الذي تدور حوله سورة النور هو محور التربية، قال القرطبي: “مقصود هذه السورة ذكر أحكام العفاف والستر”.
وقال الشيخ الشعراوي رحمه الله: “وسورة النور جاءت لتحمل نور المعنويات.. نور القيم، نور التعامل، نور الأخلاق، نور الإدارة والتصرُّف، وما دام أن الله تعالى وضع لنا هذا النور فلا يصح للبشر أن يضعوا لأنفسهم قوانين أخرى؛ لأنه كما قال سبحانه: {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور من الآية:40]، فلو لم تكن هذه الشمس ما استطاع أحد أن يصنع لنفسه نورًا أبدًا. فالحق تبارك وتعالى يريد لخليفته في أرضه أن يكون طاهرًا شريفًا كريمًا عزيزًا؛ لذلك وضع له من القوانين ما يكفل له هذه الغاية، وأول هذه القوانين وأهمها قانون التقاء الرجل والمرأة التقاء سليمًا في وضح النهار؛ لينتج عن هذا اللقاء نسل طاهر جدير بخلافة الله في أرضه”.
ويمكن تلخيص مقاصد سورة النور وفق التالي:
- بيان أن هذه السورة -وهذا شأن القرآن كله- وما تضمَّنته من أحكام ومبادئ إنما هي من عند الله سبحانه، فهو سبحانه أعلم بما يصلح عباده وما يفسدهم، وأن ما يختاره سبحانه لعباده فرض عليهم التزامه والعمل به؛ لأن فيه تحقيق مصلحتهم الدنيوية، ونيل سعادتهم الأخروية، ولا يمكن تحقيق هذه وتلك إلا بما شرعه الله سبحانه.
- تجريم عقوبتي الزنى والقذف، وبيان حدِّ كل منهما؛ لما لهاتين الجريمتين من خطر -أي خطر- على أمن المجتمع وسلامة الأسرة.
- تبرئة السيدة عائشة رضي الله عنها مما رُمِيَت به من إفك وزور، وأنها رضي الله عنها كانت طاهرة عفيفة، لا يشك في هذا إلا كل أفَّاك أثيم. وقد قرَّرت السورة في هذا السياق قاعدة مهمة، وهي أن الأصل حُسْن الظن بالمسلم، ولا يُعْدَل عن هذا الأصل إلا بيقين. إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم(11) لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين(12)
- التحذير من إشاعة الفاحشة في المجتمع؛ إذ إن انتشار الفاحشة في المجتمع من أهم عوامل هدمه وانهياره، وانتشار الفاحشة في المجتمع يعني خرابه ودماره، وشيوع الفضيلة فيه يعني بناءه واستقراره.إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون .
أحبتي في الله ، إن الإسلام لا يعتمد على العقوبة في إنشاء مجتمعه النظيف فقط ، وإنما يعتمد قبل كل شيء على الوقاية، وهو لا يحارب الدوافع الفطرية. ولكن ينظمها ويضمن لها الجو النظيف الخالي من المثيرات المصطنعة، والفكرة السائدة في منهج التربية الإسلامية في هذه الناحية، هي تضييق فرص الغواية، وإبعاد عوامل الفتنة وأخذ الطريق على أسباب التهييج والإثارة، مع إزالة العوائق دون الإشباع الطبيعي بوسائله النظيفة المشروعة..
ومن هنا كذلك ييسر الزواج للفقراء من الرجال والنساء؛ فالإحصان هو الضمان الحقيقي للاكتفاء..وينهى عن تعريض الرقيق للبغاء كي لا تكون الفعلة سهلة ميسرة، فتغري بيسرها وسهولتها بالفحشاء.
فقد جاءت آيات في هذه السورة تتحدث إلى أولياء الفتيات، وجاءت أيضاً تتحدث إلى من يريد الزواج أو من يقدر عليه ويطلبه نقرأ قوله تعالى: (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يُغنيهم الله من فضله والله واسع عليم) (النور 34) ، ويشرح النبي صلى الله عليه وسلم هذا التوجيه فيقول: [ إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض ] [ رواه الترمذي وغيره ] ،
وإلى أن يتزوج طالب الزواج ، وإلى أن يستكمل دينه ماذا يصنع بقول الله : (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله) (النور 33)، فلا بد أن يستعفف، وعبارة الاستعفاف تعني أن المرء يتكلف أو يعاني أو يتعب نفسه، ولا بد من ذلك في كبح الهوى وضبط الغريزة،فإن الغريزة العاتية تحتاج إلى إرادة حديدية، وهنا نجد أن الإسلام حارب الانحراف والجنس الحرام بمحاربة بوادره الأولى أو المقدمات التي تغري به.. وكان في هذا ديناً عملياً.
أحبتي في الله
لقد أكد الإسلام إن للبيوت حرمة لا يجوز المساس بها; فلا يفاجأ الناس في بيوتهم بدخول الغرباء عليهم إلا بعد استئذانهم وسماحهم بالدخول، خيفة أن تطلع الأعين على خفايا البيوت، وعلى عورات أهلها وهم غافلون،لقوله تعالى: (يأيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون) (النور 27) ، وكما قال أحد السلف إذا سمعت الآية تقول : (يأيها الذين آمنوا) فأعرها سمعك فإما خير تؤمر به أو شر تُنهى عنه..هذا النداء يستثير الإيمان.. لماذا؟ لأن الإيمان هو الذي يخلق الضمير اليقظان الحي الذي يجعل الإنسان إذا قرع بيتاً ولم يجد الرجل فيه يرجع من حيث جاء.. لا يجوز بتةً اقتحام بيت ليس فيه صاحبه.. لا يجوز ديناً ولا مروءة اقتحام البيت وفيه امرأة وحدها فإن البيت حصنها، وينبغي أن تبقى في هذا الحصن مصونة.. والإسلام يرفض كل تقليد اجتماعي يتواضع الناس عليه لجعل الخلوة ممكنة واذ يرفض الإسلام هذا فلأنه يريد أن يسد أبواب الفتنة.
في إطار ما تحمله هذه السورة من معاني تربوية ، نجد حرص الإسلام على تنبيه وتوجيه الناس إلى أمر مهم وهو: غض البصر، لأن الإنسان إذا أرسل عينه تتلصص على الأعراض من هنا أو من هنا فإنه يفتح أبواب الشر على نفسه وبالتالي فباب الفتنة يكون بالعين المُحَمْلقة والبصر الطامح.. والإيمان أساسي – هنا – في كبح الهوى ؛ لأنه مَن الذي يعلم خائنة الأعين ؟ من الذي يعرف كيف ترسـل بصرك ، وما النية الكامنة وراء هذه النظرة ؟ إن الإيمان هو الأساس الذي لا بد أن يثبت في القلوب : ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون ) (النور 30)
وبالإضافة إلى ما سبق فقد نهى الإسلام عن المثيرات الحسية لقوله سبحانه : ( وقل للمؤمنات يغضُضْن من أبصارهنّ ويحفظنَ فروجهنّ ولا يبدينَ زينتهنّ إلا ما ظهر منها ولْيَضربْنَ بخُمُرِهنّ على جيوبهنّ ) (النور 31) ، ومعنى هذا أن جسد المرأة عورة ينبغي أن يُوارى أو أن يُدارى وما عدا الوجه والكفين ينبغي ستره … فلا يجوز أن تلبس ملابس تصف البدن أو تشف عن مفاتنه أو تغري العيون الجائعة باستدامة النظر إليه فإن هذا كله فتح لباب الفتنة..والإسلام عندما يأمر بالعفة وعندما ينهى عن الفحش فهو يسد الطريق ابتداءً أمام المثيرات التي ينزلق بعدها القدم… لهذا كانت السورة كما قلنا سورة آداب اسرية وتربوية إلى جانب أنها ضمانات وحصانات للأعراض وللشرف وللقيم… من ذلك في أول السورة وآخرها أدب الاستئذان.. ففي أول السورة : ( يأيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأسنوا وتسلّموا على أهلها ذلك خير لكم لعلكم تذكرون ، فإن لم تجدوا فيها أحداً فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم ، وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم ) (النور 27،28) .
وفي آخر السورة يقول : ( يأيها الذين آمنوا لِيستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحُلُم منكم ثلاث مرات : من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوّافون عليكم بعضكم على بعض كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم ، وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم كذلك يبين الله لكم آياته والله عليم حكيم ) (النور 58،59) .
ومعنى ذلك أن الأولاد في البيت ينبغي أن يعلموا آداب الدخول إلى الغرف.. هذا المعنى – معنى أن الأسرة التي تسكن شقة ، وفيها غرف يُنبه على الأطفال في أوقات معينة ألا يدخلوا إلا بعد استئذان واضح.. – أدب إسلامي ينبغي أن يعرفه المسلمون وأن يلتزموه.. هذا أدب إسلامي لا ينبغي أن نتجاهله أو نزدريه لأنه من ضوابط العِرض وصيانات الشرف التي تُربى عليها الأسرة الإسلامية . فقد تعلق سورة جنسية في ذهن الطفل فتؤذيه أو تقلقه أيها الإخوة المسلمون هكذا كما لاحظنا في هذه السورة جاءت فيها وسائل الوقاية عن أسباب الغواية جاء فيها الحض على زواج الأيامى والتحذير من البغاء والنهي عن إبداء الزينة والتبرج والأمر بغض البصر وشرعت آداب للبيوت للاستئذان على أهلها من خارجها وداخلها كل ذلك أسباب وقائية لضمان الطهر والتعفف ودفعا للمؤثرات والمثيرات التي تهيج المجون وترهق أعصاب المتحرجين أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وعلى إمام المرسلين محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن سار على دربهم ومن نهج نهجهم إلى يوم الدين. وبعد:
أيها الإخوة المسلمون ، بعد تلك الضمانات والحصانات والصيانات التي جاءت في هذه السورة المباركة التي قررها المنهج الرباني الفريد لضبط الغريزة الجنسية أقول بعد هذه الحصانات وهذه الصيانات والوسائل الوقائية إذا حدث انحرف شخص أو امرؤ فلم يحترس بهذه الوسائل ولم يأخذ بأسباب الوقاية حتى دنس عرضه فلا بد إذن من محاكمته ومعاقبته وعرض أمره على أولي الأمر حتى يكون عبرة لمن يعتبر وحتى لا يتمادى في غيه وفحشه وفساده . ولا يتعلق الامر هنا بالزناة فقط ذكورا واناثا بل يجب الضرب بيد من حديد ايضا على كل من سولت له نفسه أن يتكلم بالألفاظ النابية أو يقذف المحصنات او يتحرش أو يحرض نساء المسلمين على الدعارة ، فمن هذا المنبر أقول أيها الأحبة الكرام انه لا يجب أن نتغاضى عن الفاحشة أو نسكت عنها لان الساكت عن الحق شيطان اخرس ، فكم من العمارات والمجمعات والأحياء السكنية تعج بشقق مفروشة معدة للفساد والدعارة والكل ينظر ولا يتكلم الكل يعلم أنها مواخير للفساد ولا تتحرك فيه الغيرة في تواطئ ضمني مع الزناة وكأننا بسلبيتنا تلك نساعدهم على الاستمرار في معصية الخالق ، ولسان حالنا يقول أنا في بيتي وفي شقتي لا يهمني ما يحدث في الشقق الاخرى وان تعلم اخي الفاضل انها النار التي قد تصل بيتك فتحرقه بيتك .
احبتي في الله
إن ترك الألسنة تتكلم في أعراض الناس من شأنه أن يترك المجال فسيحا لمن شاء أن يقذف بريء أو بريئة بتهم نكراء فيصبح المجتمع ويمسي وإذا أعراضه ملوثة وسمعته مجرحه وإذا كل فرد فيه متهم أو مهدد بالاتهام وإذا كل زوج شاك في زوجته وكل رجل شاك في أصله وكل بيت مهدد بالانهيار زد على ذلك من خطورة القذف أن اضطراد سماع هذه التهم في الآذان يوحي إلى النفوس المتحرجة من ارتكاب الفاحشة إلى ارتكابها لأنه أصبح ملوث متهم فلما لا يفعل ذلك وقد اتهم إذن فذلك يغريه ويوحي إليه بأن يفعل ذلك
أيها الإخوة المسلمون هكذا نرى كيف عالج التشريع الإسلامي في هذه السورة أغلظ ما في الكيان البشري وأعتى الغرائز غريزة الجنس عالجها الإسلام أولا بوسائل الوقاية بالوسائل الوقائية فالباب الذي يأتي منه الريح سده واستريح جفف الإسلام منابع الفتن فمنع الخلوة ومنع التبرج والزينة ونهى عن الخضوع في القول والتكسر والتغنج .وحذر الإسلام من مجرد مقاربة الزنا: ولا تقربوا الزنا وحض على الزواج لمن استطاع إليه سبيلا وبالصون وبالاستعفاف لمن لا يستطع وذلل العقبات التي تمنع من الزواج كالمغالاة في المهور والصعوبات والتعقيدات التي توضع في طريق المتزوج كما ارشد الإسلام أرشد إلى أدب الاستئذان من خارج البيوت ومن داخلها بعد هذه الوسائل وسائل الوقاية إذا لم يرتدع الإنسان تأتي العقوبة الرادعة تردع النفوس الشريرة غير العاقلة ليكون المجتمع نظيفا طاهرا نقيا من أي لوثة تفسده تلكم هي أيها الإخوة طريقة الإسلام الفريدة في معالجة هذه الغريزة .
هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: (( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا ))
اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظِّالِمِينَ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعِبادِكَ أَجْمَعِينَ.
اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا اللهـــــم وفق وانصر أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس لما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى،اللهم انصر من نصره واخذل من خذله واحفظه في ولي عهده الأمير مولاي الحسن وأنبته نباتا حسنا وشد أزره بأخيه المولى الرشيد وباقي الأسرة العلوية الشريفة . اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.
رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ. رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.
اللهم نج شبابنا من هموم الحياة ومما يواجهونه من الأهوال والصعاب وابعد عنهم الزنا ، اللهم زوج عزَّابهم، وحصَّن فروجهم، وجنبهم قُرناء السوء، واحفظهم من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم ارزق شباب المسلمين عفة يوسف عليه السلام، وارزق بنات المسلمين طهارة مريم عليها السلام، واحفظهم كما حفظت الأولين، ونَجِّهِمْ بفضلك وقوتك يا قوى يا متين .
اللهم صل على محمد وآله وشفِّع في خطاياي كرمك وعد على سيئاتي بعفوك ولا تجزني جزائي من عقوبتك وابسط عليَّ طولك وجللني بسترك وافعل بي فعل عزيزٍ تضرع إليه عبدٌ ذليلٌ فرحمه أو غنيٍّ تعرض له عبدٌ فقير فنعشه
اللهم لا خفير لي منك فليخفرني عزُّك ولا شفيع لي إليك فليشفع لي فضلك وقد أوجلتني خطاياي فليؤمنّي عفوك فما كل ما نطقت به عن جهلٍ مني بسوء أثري ولا نسيان لما سبق من ذميم فعلي ولكن لتسمع سماؤك ومن فيها وأرضك ومن عليها ما أظهرت لك من الندم ولجأت إليك فيه من التوبة فلعلَّ بعضهم برحمتك يرحمني لسوء
اللهم فكما أمرت بالتوبة وضمنت بالقبول وحثثت على الدعاء ووعدت الإجابة فصل على محمد وآله واقبل توبتي ولا ترجعني مرجع الخيبة من رحمتك إنك أنت التواب على المذنبين والرحيم للخاطئين المنيبين.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ