أركان الحج

الحمد لله، الحمد لله الذي ندبنا إلى حج بيته الحرام، وجعله ركنا أساسيا من أركان الإسلام، فهو على الغني المستطيع فريضة كفريضة الصلاة والزكاة والصيام، نحمده تعالى ونشكره على الدوام،
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الجلال والإكرام، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله سيد الرسل الأعلام، وقدوة كل من صلى وحج وصام، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه البررة الكرام، وسلم تسليما كثيرا ما تعاقبت الليالي وتوالت الأيام،
أما بعد،

فيا أيها الإخوة المؤمنون
طيلة السنة ووسائل الإعلام ببلدنا تبث برامج خاصة لتعليم الحجاج ما ينبغي معرفته إداريا وفقها من أجل أداء فريضة الحج على الوجه الأكمل، وتقوم وزارة الأوقاف والمجالس العلمية بتنظيم  دورات تدريبية على طول السنة لنفس الغاية، ولكن نتفاجأ عند توديع الحجاج ببعض الأسئلة والتي تدل على أن الناس  ربما شغلوا عن تعلم مناسك الحج فإليهم نقول:
من هزه الشوق منكم إلى حج بيت الله الحرام، وهو مستطيع ماديا ومعنويا فليبادر بالذهاب لأداء فريضة الإسلام عملا بقوله صلى الله عليه وسلم: “من أراد الحج فليتعجل، فإنه قد يمرض المريض، وتضل الضالة وتعرض الحاجة”، ومن كان فقيرا عاجزا فلا يكلف نفسه المشاق والأتعاب، ولينتظر فرج الله العزيز الوهاب، لأن الحج على من استطاع إليه سبيلا.
فمن عزم على قضاء فريضة الحج فليتوكل على الله، وعليه أن يستعد لهذه الرحلة المباركة وليتزود لها بما يليق بعبد يقصد بيت ربه ويرجو من خالقه مغفرة الذنوب وستر العيوب وجزيل الثواب، جاعلا نصب عينيه قوله تعالى: (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى، واتقون يا أولي الألباب).
والذي ينبغي للحاج أن يكون منه على بال، ويسأل عنه بإلحاح أهل الذكر من العلماء وذوي العقول والتجربة من الأصحاب، هو معرفة مناسك الحج وأفعاله التي تلقاها المسلمون جيلا بعد جيل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما حج حجته الوحيدة وقال لمن كان معه من الأصحاب “خذوا عني مناسككم”.
وأول هذه الآداب التخلق بأخلاق الحج التي بينها الله تعالى في قوله: (الحج أشهر معلومات، فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) والتي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه”.
هذه الآداب التي ينبغي للحاج أن يتخلق بها بين الحجاج حفاظا على حجه وحج إخوانه المسلمين والمسلمات لأن حرمة المسلم عند الله أكبر من حرمة الكعبة، كما ينبغي للحاج أن يتعلم أركان الحج وواجباته حتى يستطيع أداء هذه العبادة المهمة على وجهها المطلوب فيها، لأن الله لا يعبد بالجهل، ولا يقبل من الأعمال إلا ما كان صوابا خالصا.
أخي الحاج عليك أن تعلم أن للحج أركانا أربعة لا تجبر بالدم، أي الفدية، فإذا تركت واحدا منها بطل حجك، وضاع مالك، وذهب وقتك سدى، وهي الإحرام من الميقات، والسعي بين الصفا والمروة، والوقوف بعرفة ليلة الأضحى، وطواف الإفاضة.

فما معنى الإحرام؟
والإحرام أيها الحاج والحاجة هو نية أداء الحج أو العمرة أو هما معا ممن يريد ذلك عند الميقات، أو قبله بنية خالصة صادقة بعيدة عن حظوظ النفس وأغراضها الدنيوية، وسمي الإحرام إحراما لأن المقصود منه الدخول في حرمات الحج والعمرة والتزامها وأداء ما شرع من أجله، ومن مكملاته التجرد من المخيط والمحيط، بالنسبة للرجال فقط، وتجنب مظاهر الزينة والتجمل والترفه لكل من الرجال والنساء كإزالة الشعر وقص الشوارب، وتقليم الأظافر واستعمال الطيب، وامتناع الزوجين عن الاتصال الجنسي أو أسبابه، والامتناع عن صيد البر أو قتله أو المعاونة على ذلك ولو بإشارة، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم)، وقال: (أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة، وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما، واتقوا الله الذي إليه تحشرون)، كل هذه الأعمال بسبب الدخول في المناسك المؤكدة بالنية والتلبية التي يعلن بها الحاج من أول الأمر أنه مجيب لدعوة ربه مستسلم لحكمته ممتثل لأمره، مقر بالحمد له والثناء عليه، ومن هنا كانت التلبية مطلوبة من الحاج أو المعتمر في كل حركة من حركاته، وفي كل حال تتغير من أحواله، في قيامه وجلوسه، في صعوده ونزوله، وعند نومه واستيقاظه، عند لقائه بأحبابه أو مفارقته لهم، لأنها نشيد الحج والعمرة، ورفيقة مظاهر الإحرام وأعماله وهي: “لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد، والنعمة، لك والملك، لا شريك لك”.
وأما الركن الثاني فهو الطواف حول الكعبة المشرفة سبع مرات بنية الحج أو العمرة أو التطوع، أوالقدوم أو الوداع، يبدأ كل طواف منها عند الحجر الأسود، وينتهي عنده في المكان المعد للطائفين، وعلى الطريقة التي سنها رسول الله  صلى الله عليه وسلم منذ قال: “خذوا عني مناسككم” تحقيقا لمفهوم الأخوة والمساواة والوحدة.
والطواف في حقيقته صلاة، إلا أن الله عز وجل أباح فيه الكلام، ولذلك لا يجوز بغير طهارة، والطواف أجل شيء يجده العبد في صحيفته يوم القيامة، فطوبى لمن أكثر منه.
واعلم أخي أنه لا يصح لمسلم يطوف على خلاف ما عرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يصح له أن يكون في سلوكه ومعاملاته مخالفا لتعاليم ربه، مجافيا لشريعته التي ارتضاها لخلقه، وشرع الله الطواف لذكره ومناجاته ودعائه وكل ما يوجه إليه، ويطلب من الطائف الخشوع والتبتل والدعاء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وخفض الصوت وغض البصر، وكمال الأدب واستحضار عظمة صاحب البيت، والثناء عليه بما هو أهله، كقولك لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء  قدير، واحترام حقوق الطائفين ذكورا وإناثا.
وأما السعي بين الصفا والمروة فإن أشواطه السبعة تمثل صورة التردد مرة تلو مرة، رجاء إدراك خير مأمول، وترمز إلى وجوب الصبر على سلوك الطريق الموصل إلى الغاية المنشودة إيمانا بالله وتصديقا بوعده وانتظارا لما عنده، هذا إلى جانب ما فيه من التذكير بما كان من أم إسماعيل هاجر ومنة الله عليهما وعلينا جميعا بزمزم المباركة، ولذلك كان السعي بين الصفا والمروة شعيرة من شعائر الإسلام، وتخليدا لهذا الحدث الهام، واعترافا بفضل الله الكريم الحنان المنان، قال تعالى: (إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا  جناح عليه أن يطوف بهما، ومن تطوع خيرا فإن الله شاكرعليم).
اللهم اهدنا الصراط المستقيم، واحشرنا في زمرة النبيئين والصديقين، واجعلنا من وفود بيتك الحرام الأمين، واجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب، آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية
أما الركن الرابع فهو الوقوف بعرفة ليلة الأضحى، والحج عرفة كما جاء في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والمراد منه في الصورة الوجود بأرضها سواء بوقوف أو قعود أو اضطجاع، أو نوم أو نحو ذلك في الوقت المعين، والمقصود الحقيقي منه هو تسليم النفس لله وإشعارها أنه لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ولا طلب إلا من الله الغني الكريم، ولا استعانة إلا به، ولا لجوء إلا إليه، وفي هذا الموقف العظيم ينبغي أن نطلب رحمة الله ومغفرته، ونظهر التذلل والضراعة إليه سبحانه، والإقرار له بالذنوب فإنه علام الغيوب، الذي يكشف الضر ويغفر الذنوب، والبكاء بين يديه في هذه الساحة الرضوانية والبقعة الطاهرة الربانية، رغبة في رحمته، ورهبة من سطوته، ونتقية للنفس من أوزارها ومما فرطت في جنب ربها، تحقيقا لما يردد اللسان من قوله: “جئناك رب نسعى إليك، ووقفنا ضارعين بين يديك، وهتفنا قائلين لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.
أخي الحاج: هذه أركان الحج الأربعة التي لا تنجبر بالدم، وشعائر الله التي يجب أن تعظم، قال تعالى: (ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)، وسنقوم إن شاء الله تعالى في الجمعة القادمة بذكر لواجبات الحج التي تجبر بالدم.
الدعاء.

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *