وقفات مع صور التربية على المواطنة لدى شيوخ الطريقة الدرقاوية
مداخلة الدكتور عبد المغيث بصير في الملتقى الدولي الثالث للتصوف بعنوان: “وقفات مع صور التربية على المواطنة لدى شيوخ الطريقة الدرقاوية“،
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما.
أما بعد، فيا أيها الإخوة الصالحون السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
قبل أن أبدأ، أتوجه بالشكر الجزيل لجمعية الزاوية الدرقاوية الفاضلية بالعيون، على تنظيم هذا الملتقى الدولي الثالث للتصوف، من أجل تدارس شعاره، الموسوم بـ”المنهج الصوفي وبناء ثقافة المواطنة: الواقع وآفاق التطوير“، وأخص بالشكر والذكر رئيس وأعضاء جمعية الزاوية الدرقاوية الفاضلية، وفضيلة شيخ الزاوية وعلمائها ومريديها النشيطين، على دعوتهم الكريمة لحضور هذا الملتقى العلمي الدولي، الذي يعد بحق ملتقى أهل التصوف بهذه الربوع الصحراوية من مغربنا العزيز، وأشكر أيضا كل من ساعدهم في كل حيثية من حيثيات التنظيم.
أيها الإخوة الكرام، إن موضوع: ” المنهج الصوفي وبناء ثقافة المواطنة “، يحتاج لمثل هذه الالتفاتة في الوقت الراهن من قبل الزوايا الصحراوية المغربية وغيرها من مؤسسات ومراكز المعرفة في الصحراء، ليكون بحول الله تعالى ورشا للتواصل ومجالا للنقاش بين الباحثين والطرق الصوفية بالصحراء حول هذا الموضوع، خاصة في هذا العصر المعروف بعصر الثورة التكنولوجية، التي اخترقت روح وفكر غالبية الناس، وسلبتهم أصالتهم وهويتهم ووطنيتهم، وزجت بهم في أمواج الفتنة والضلالات، ويتأكد تناول هذا الموضوع أكثر في صحرائنا المغربية، إذا علمنا مكائد الأعداء المتعمدة التي يخططونها عن سبق إصرار وترصد لإثارة الفتنة في هذه الأقاليم، زد على ذلك تآمر الحساد وأهل الشر الذين يغيظهم استقرار البلاد وأمنها ورقيها، مما سيساهم بحول الله تعالى في انتعاش محبة المواطنين لوطنهم وتعلقهم به والذود عن حياضه، والمساهمة في بنائه وتنميته، وخدمته وطاعة ولي أمرهم، والانخراط بالتالي في عملية التنمية الشاملة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن أمثال هذه الملتقيات العلمية، تذكرنا جميعا بواجبنا المقدس اتجاه الوطن والمواطنين.
أيها الأحبة الكرام مداخلتي هي بعنوان :” وقفات مع صور التربية على المواطنة لدى شيوخ الطريقة الدرقاوية“، واختياري الكلام على الطريقة الدرقاوية ليس تعصبا، وإنما لكون المنظمين ينتمون لهذه الطريقة، وإلا فإن غالبية الطرق الصوفية تطفح بصور الوطنية الصادقة.
أعود فأقول: إن المتتبع لمصادر التاريخ المغربي وبخاصة كتب تاريخ التصوف المغربي ورجالاته، ومن يقرأها بتمعن وروية، يجد أن شيوخ الطريقة الدرقاوية،كانوا دائما وأبدا من المتمسكين بالهوية الوطنية، ضربوا أجمل الأمثلة في بناء ثقافة المواطنة على مر التاريخ، وكانت تربطهم بأمراء المؤمنين في بلادهم أقوى الروابط، سعوا في خدمتهم، وحثوا الناس على الولاء لهم، وأجمل ما يتوج هذه الصور هو محاربتهم للاستعمار الأجنبي وجهادهم المستميت في سبيل عزة الدين ونصرة الوطن والمسلمين، وغير ذلك من صور المواطنة الحقة، التي سنتوقف عندها من خلال هذه المداخلة :
الصورة الأولى: تمسك شيوخ الطريقة الدرقاوية بالهوية الوطنية:
يقول الأستاذ إبراهيم حركات متحدثا عن الطريقة الدرقاوية: “ومن كبار شيوخهم العربي الدرقاوي، معاصر مولاي سليمان ومولاي عبد الرحمن، وله دور بارز في إثارة أتباع حركته بالجزائر ضد الاحتلال التركي والفرنسي، ابتلي في قيادة الثورة ضد مولاي سليمان لصالح الأمير يزيد، وفيما عدا هذا الحادث الذي سجن من أجله الشيخ العربي مدة تجاوزت العامين، التزم الدرقاويون نوعا من المرونة اتجاه السلطة، لكنهم بالمقابل هيأوا الأطلس المتوسط لمعارضة التدخل الأجنبي[1].
وبالمناسبة لابد من التفصيل في هذه النقطة بعض الشيء، لأن بعض الناس يتخذون من قصة سجن الشيخ مولاي العربي الدرقاوي رحمه الله من قبل السلطان مولاي سليمان ذريعة للتقول على الطريقة الدرقاوية، أنها كانت ضد السلطة أو أنها كانت تتقاسم الحكم معها.
وفي هذا المقام يقول المستشرق ليفي بروفنصال:”تاريخ المغرب منذ القرن السادس عشر حتى أواخر القرن التاسع عشر ليس في حقيقته سوى صراع بين السلطة المركزية وبين رؤساء الطرق الدينية”[2] وهذا لم يحصل بتاتا مع أصحاب الطريقة الدرقاية، فسبب سجن الشيخ الدرقاوي واضح، وهو موالاته للأمير مولاي يزيد ضد مولاي سليمان، وهذا الأمر لم يقم به الشيخ مولاي العربي وحده، وإنما كان هذا شأن أهل فاس وأهل جبل العلم وأهل تطوان وطنجة والعرائش وأصيلا قاطبة في ذلك الوقت، ومعلوم أن المغرب في هذا التاريخ لم يكن يعرف الاستقرار التام، بسبب الصراع على السلطة، الذي كان قائما على أشده حينا بين القبائل، وأحيانا أخرى بين أبناء السلاطين، علاوة على التشويش المتجلي في إنكار العلماء ذوي التوجه السلفي على الشيخ الدرقاوي وأتباعه، وتحريض السلطة ضدهم أنهم من أهل الدجل والبدعة، ومن أراد التفصيل في هذه النقطة فليعد لكتاب الاستقصا للناصري عند كلامه على بيعة أمير المؤمنين يزيد بن محمد رحمه الله[3]، ومن خلال الصور الآتية بحول الله سيظهر بشكل جلي الشيخ مولاي العربي الدرقاوي ذي الحس الوطني.
وكذلكم كان الشأن مع الشيخ ابن عجيبة الدرقاوي عندما سجن، اتخذها البعض ذريعة للتقول عليه أنه ضد السلطة، والأمر وما فيه أن بعض المحسوبين على العلماء بتطوان ورجال السلطة في ذلك الوقت، ألصقوا به تهمة البدعة والخروج عن الإسلام وعن الدين والسنة، عندما رأوا الناس يتتلمذون على يديه بكثرة، يقول العلامة المكودي التازي رفيق ابن عجيبة في السجن:”لم نر من علماء وحكام المناطق الأخرى من المغرب، خصوصا فاس، إلا التأييد والعطف، فما سمعنا منهم عارا ولا تحققنا منهم إنكارا، وكذلك الملوك والحكام ما رأينا منهم سوى البرور والإكرام[4]، فهذه شهادة من الشيخ ابن عجيبة أن علاقتهم بملوك عصرهم كانت ممتازة، والمشكلة كانت لديهم مع أقرانهم من العلماء المحسوبين على التيار السلفي الذين كانوا يحرضون عليهم السلطة.
الصورة الثانية: حرص الشيخ مولاي العربي الدرقاوي على ربط علاقات متينة مع سلاطين عصره:
ولكي تطلع على العلاقة المتميزة التي كانت تربط الشيخ مولاي العربي بأمراء المؤمنين، أصغ السمع لما يقوله المؤرخون، يقول محمد البشير الفاسي: “وكان له، أي الشيخ مولاي العربي الدرقاوي، اهتمام كبير بالسعي في مصالح المسلمين وإخماد نار الفتنة بينهم، وجمع كلمتهم على طاعة أئمتهم، فقد قام بأعمال جليلة في هذا السبيل أيام سلطنة السلطان المقدس مولاي سليمان بن سيدي محمد بن عبد الله العلوي، إذ كثيرا ما كلفه بأمور هامة كسفره لوهران سنة 1220هـ عند أميرها مولاي عبد القادر بن الشريف، وقد وقفت على رسائل من السلطان المذكور للمترجم تدل على ماله من الأيادي البيضاء في جمع الكلمة وإخماد نار الفتنة، وها أنا أنقلها تتميما للفائدة.انتهى كلام محمد البشير الفاسي.
واخترت أن أنقل هنا نص إحداها، للاطلاع على العلاقة المميزة التي كانت تربط الشيخ الدرقاوي بالسلطان، يقول: “الحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما، محبنا الفقير الشريف مولاي العربي الدرقاوي، سلام عليك ورحمة الله وبركاته، وبعد فقد وصل كتابك وعرفنا ما فيه، وبلغنا كتاب الشريف سيدي عبد القادر بن الشريف، وكتبنا له الجواب، وهاهو يصل، فطالعه وتدبر أمره، فإن الذي ظهر لنا من الرأي تأخير هذا الأمر إلى خروج فصل الشتاء ودخول فصل الربيع فهو أليق وأصلح، إذ وقت الشتاء لايتحرك فيه أحد من كثرة الوحل وعمارة الأودية وقلة المرافق، فإذا خرج الشتاء نتوجه بحول الله وقوته بأنفسنا وعساكرنا المظفرة ويكمل الفتح إن شاء الله، فأكد على سيدي عبد القادر، إذا سمع بوصولنا لوجدة أو تلمسان يقدم علينا إن شاء الله في متم شعبان1220 هـ.[5]
ومما يزيد في إظهار هذه العلاقة المتميزة التي كانت تربط الشيخ مولاي العربي الدرقاوي بأمراء المؤمنين، هو أخذهم عنه الورد الدرقاوي، وكان بعضهم من أجل تلاميذه، قال محمد البشير الفاسي:” وانحشر الناس للأخذ عنه من كافة الأقطار والأمصار وتلمذ له الشريف والمشروف والرئيس والمرؤوس … وممن أخذ عنه من العظماء جلالة السلطان مولاي عبد الرحمان بن هشام العلوي المتوفى سنة 1277هـ ، وسيدي عبد القادر بن الشريف سلطان وهران المتوفى سنة 1233هـ، وكفى بجلالة منصب الإمارة دليلا على بعد صيته ورفع علمه في عصره على سائر مشايخ وقته.[6]
الصورة الثالثة: إنزال الشيخ العربي الدرقاوي السلاطين منزلتهم:
كان الشيخ مولاي العربي الدرقاوي لا يذكر أمراء المؤمنين الذين حكموا هذه البلاد ممن عاصرهم أو الذين مضوا إلا بالتبجيل والتعظيم والتفخيم، ويترضى عنهم بعد ذلك، يقول رحمه الله في إحدى رسائله: “فكن أيها الفقير على الهمة دائما ترى عجبا، فإن قلت كيف ذلك؟، قلت قد قال السلطان الشريف السعدي مولاي أحمد الذهبي رضي الله عنه للولي الأشهر سيدي أبي الشتاء الخمار نفع الله به …إلخ ، ويقول أيضا في رسالة أخرى: “إني كنت في ابتداء أمري، وقد كان وقت دخول البريجة، وقد دخلها السلطان الأعظم الشريف الأكرم أبو عبد الله سيدي محمد بن عبد الله بن إسماعيل الحسني العلوي رحمه الله ورضي عنه…، وبهذا اللقب والتشريف والتفخيم ذكره في عدة مواضع من رسائله”[7].
واقتفى أثره كبار مشايخ الطريقة الدرقاوية في معاملتهم لسلاطين المغرب، يقول الشيخ محمد الحراق الدرقاوي في رسالة وجهها للسلطان مولاي عبد الرحمان بن هشام العلوي، ابن أخ السلطان المولى سليمان بن سيدي محمد بن عبد الله:” من العبد الحقير إلى سيدنا المنصور بالله المظفر إن شاء الله بعونه، ولي الله تعالى مولانا عبد الرحمان الحسني، أكرمنا الله وإياك بكرامة أوليائه، وأمدنا وجميع المسلمين بمدد أصفيائه وأحبائه، سلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد، فاعلم سيدنا وحبيبنا أنه ورد على ثغر تطوان الأخ في الله مولاي الجلاني، وكان من قضاء الله في سابق علمه أن نزل قريبا من منزلنا ولقينا وأخبرنا من أحوالكم بأخبار حسنة وسيرة مستحسنة تدل على مقام الولاية من الله سبحانه إليكم لا منكم إليه، …ولا والله ماحدثنا بأحسن مما كنا نعتقده فيكم قبل إخباره، وذلك بإلقاء الله سبحانه في قلوبنا أحببنا أم كرهنا….حملتنا شدة البسط بذلك على مد يد الأخوة في الله إليكم وبسط اللسان بمذاكرتكم، حرصا على حب زيادة الخير لكم، لأن مقام الإمارة عظيم الفتنة إلا من عصمه الله، ولأن المسلمين محتاجون إلى أمثالكم، فسدادكم سداد الجميع”، إلى أن يقول في آخرها بعد كلام طويل جميل:” وهذا ما أوجب الله علينا لأئمة المسلمين من بذل النصيحة وحب الخير، زادك الله خيرا إلى خيرك، وبرا إلى برك، وادع لنا ياسيدي بخير الفضل منك، وعلى الله مكافأتك”.[8]
وقد ثبت عن كثير من شيوخ الطريقة الدرقاوية بعد هذه الفترة ملاقاتهم للسلاطين واتصالهم بهم والجواب عن مراسلاتهم، والسعي في خدمتهم قدر الإمكان واحترامهم وتعظيمهم بما يليق بمقامهم، وحث الرعية على طاعتهم وعدم الخروج عنهم، وذلكم كالشيخ إبراهيم البصير الدرقاوي الذي التقى مرارا بالسلطان مولاي الحسن الأول ومولاي عبد العزيز، وتفاصيل ذلك في كتاب الاغتباط.
الصورة الرابعة: مشاركة الطريقة الدرقاوية في الجهاد ضد المستعمر الأجنبي:
وبالنسبة لصد الأعداء عن هذا الوطن، فقد كان لشيوخ الطريقة ومريديها الفضل الكبير في ذلك، يقول محمد البشير الفاسي متكلما عن قبيلة بني زروال بشكل عام، وهي القبيلة التي ينتمي إليها الشيخ مولاي العربي الدرقاوي:” ولبني زروال حماس وطني وغيرة دينية وشغف بالحرية وبغض للعبودية، وخصوصا سيطرة الأجنبي ،فمنذ ابتلى الله هذا القطر المغربي بالاستعمار الفرنسي والإسباني وقبيلة بني زروال في صدر المقاومين وطليعة المناضلين، فلم يشملها نفوذ الاستعمارين إلا عند تمالئ القوتين الفرنسية والإسبانية على محاربة حركة المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي، إذ بمجرد ما ظهر أمره وأعلن الحرب على فرنسا وإسبانيا انضمت له وصارت في صفوفه، وقامت لمحاربة الاستعمار وأذنابه المبشرين به، وفي طليعتهم الزاوية الدرقاوية بأمجوط، فخربوا ديارها وأحرقوا منازلها وطردوا سكانها من قبيلتهم أسوء طرد.[9] وقال عبد الله ناصح علوان ناقلا عن كتاب حاضر العالم الإسلامي:” الشاذلية من أوليات المدارس التي أدخلت التربية الروحية في المغرب، ومركزها في مراكش أي المغرب، وكان من أشياخها العربي الدرقاوي الذي أوجد عند مريديه حماسة دينية امتدت إلى المغرب الأوسط، وكان لأتباعه أثر كبير، ودور فعال في مقاومة الاستعمار الفرنسي”[10]
وفي السياق نفسه أذكر هنا ما يتعلق بإضافة ذكر ” حسبنا الله ونعم الوكيل” للورد الدرقاوي إبان فترة الاحتلال الفرنسي على يد الشيخ سيدي الحاج علي بن أحمد الدرقاوي رحمه الله، وهو واحد من الشيوخ الذين انتشرت على أيديهم الطريقة الدرقاوية في جنوب المغرب.
ذكر العلامة سيدي محمد المختار السوسي رحمه الله، أنه في الوقت الذي كان الشيخ سيدي الحاج علي بن أحمد وأتباعه قاصدين مراكش رفقة الشيخ إبرهيم البصير رحمه الله ومن معه من فقراء الرحامنة والحوز، نزل الجميع في الزاوية الكتانية في ضيافة مقدمها محمد الشيخي المتوفى عام 1367هـ/1947م، الذي أكرمهم غاية الكرم، ولما أراد الشيخ وداعه قال له: “إن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى إلى أمته هدية على يدي، فهل تقبلونها؟، فإنها لكم حصن حصين، وجنة واقية من صدمة شديدة يصدم بها المسلمون،واجعلوها في سلك الورد، كما سنفعل نحن إن شاء الله من الآن إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها “[11]، فمن اسْتَجَنَّ بها فإنه يأمن المصائب الكبار والصغار ألا وهي:”حسبنا الله ونعم الوكيل”، ثم أمر جميع الفقراء بترديدها بصوت قوي، وانطلق الجمع وهم يتداولونها بحال قوية حتى وصلوا إلى مراكش، ودخلوا أزقتها جهرا بتلك العبارة[12]، ومن ذلك الحين أصبحت مكونا من مكونات الورد الدرقاوي ذي المشرب السوسي، فأصبحت المائة الرابعة، ويقول الشيخ محمد المصطفى بصير رحمه الله في كتابه الاغتباط بعدما حكى القصة بتفاصيلها، أن الشيخ الإلغي قال للشيخ ابراهيم البصير:” فإنكم ستجدون بركة ذلك في حفظ قلوبكم، كما سيجد المغرب كله إن شاء الله بركة ذلك”[13]، وللاطلاع على تفاصيل جهاد أهل الطريقة الدرقاوية للاستعمار، أحيلكم على كتاب جوانب من مواقف الزوايا الدرقاوية من الاحتلال الفرنسي للدكتور قاسم الحادك[14]، فإنه قد أجاد وأفاد.
وفي هذا المقام أجدني وأنا في بلاد أجدادي رحمهم الله تعالى، بلاد الصحراء المغربية، مضطرا أن أذكر بواحد من أبناء الزاوية الدرقاوية البصيرية، الذي قاد الانتفاضة ضد الاحتلال الإسباني سنة 1970م، ذلكم هو المجاهد المغربي محمد بصير المعروف ببصيري، هذا الرجل الذي قاد انتفاضته الوطنية رفقة زمرة من الوطنيين الغيورين من أبناء الصحراء، وأحدثوا هزة في ربوع الصحراء، وفي المغرب كله، بل في العالم، وكللت نتائجها باندحار المستعمر إلى غير رجعة وتحرير الصحراء، فهذا الرجل لولا تربيته الصوفية الدرقاوية وثقافته الشرعية الموسوعية ماتحرك للتضحية بنفسه من أجل وطنه.
خاتمة:
ختاما أيها الإخوة والأخوات، ومن خلال كل هذا يتضح أن الطريقة الدرقاوية منذ ظهرت للوجود، وهي تعتمد في تربيتها منهاج التربية على المواطنة الحقة، تلكم التربية العملية التي لاتحتاج إلى دليل، فجميع تصرفات شيوخ الطريقة الدرقاوية مع أمراء زمانهم ومع أحداث عصرهم وساكنة بيئتهم، شاهدة على وطنيتهم الصادقة وعلى غيرتهم الحماسية الإيجابية اتجاه الوطن والمواطنين، فما علينا إلا أن نقتفي أثرهم في حب وطننا وحب أميرنا والسعي في خير المواطنين ماحيينا وما استطعنا إلى ذلك سبيلا.
ولكي نربي في المريدين وفي الناس من حولنا ثقافة المواطنة الحقة أقترح مايلي:
أولا: الحرص على المحافظة على الدعاء لأمير المؤمنين في جميع الصلوات، وفي ذلك تربية للجميع، على أن أولى الناس بالدعاء هو السلطان، قال الفضيل بن عياض رحمه الله : ” لو أن لي دعوةً مستجابةً ما صيرتها إلا في الإمامِ، قيل له: وكيف ذلك يا أبا علي ؟ قال: “صلاحُ الإمامِ صلاحٌ العبادِ والبلادِ”.
ثانيا: الحرص على الاحتفال بالذكريات الوطنية وإحياء الأحداث التي تمجدها الأمة وتقدسها، وتنظيم أنشطة إشعاعية متميزة بمناسبة ذلك، وذلك لأن الاحتفال بهذه الذكريات فيه شد المواطن إلى الارتباط بوطنه وتمتين الوحدة بين أفراده ونبذ الفرقة والتشرذم بين ساكنته، هذا بالإضافة إلى أنها تحميه من التأثر بالأفكار الدخيلة للأعداء.
ثالثا: ومادام هذا اللقاء يعقد بالعيون قلب الصحراء المغربية، أقول: إنه من الوطنية أن يحمل كل واحد منا بصدق هم الوحدة الترابية للمملكة، هم جميع المغاربة الصادقين في محبتهم لهذا الوطن، يقول صلى الله عليه وسلم فيما رواه البيهقي عن أنس:”من أصبح لايهتم للمسلمين فليس منهم”، فكل واحد منا يستطيع الدفاع عن حوزة الوطن، فبتعبيرك عن غيرتك الوطنية تدافع عن الوطن، وبردك عن مقال يسيء للوحدة الترابية في الأنترنت وتعليقك عليه تدافع عن وطنك، وبدعائك في صلاتك وتضرعك وابتهالك بأن يجمع الله شمل الأمة ويصرف عنها كيد الأعداء تعبر عن غيرتك وصدق انتمائك لهذا الوطن وأنك مواطن صالح.
رابعا: وأخيرا تربية قيمة الشعور بالمسؤولية لدى الناس، والقيام بواجبهم كما ينبغي وتربيتهم على محاسبة أنفسهم ومراقبة الله أثناء ذلك، والحمد لله رب العالمين.
[1] ابراهيم حركات ، التيارات السياسية والفكرية بالمغرب خلال قرنين ونصف قبل الحماية ج3ص59، دار الرشاد الحديثة، بتصرف.
[2] عبد المجيد الصغير،إشكالية إصلاح الفكر الصوفي، ص12 و ص 45، بتصرف منشورات دار الأفق الجديدة، الرباط 1988ط1
[3] الناصري، الإستقصا في تاريخ المغرب الأقصى ،ج3ص76،109،150 ،بتصرف،الدار البيضاء، دار الكتاب،ط1/1997.
[4] عبد المجيد الصغير،إشكالية إصلاح الفكر الصوفي، ص191، مرجع سابق
[5] محمد البشير الفاسي، قبيلة بني زروال: مظاهر حياتها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية،ص44،مطبوعات المركز الجامعي للبحث العلمي، كلية الآداب، الرباط،1962 .
[6] المرجع السابق ، ص 40 .
[7] الرسائل ، مرجع سابق، ص 206-212-227 .
[8] رسائل الشيخ محمد الحراق في التصوف، دراسة وتحقيق الدكتور محمد رشيد اكديرة، ص 340، منشورات مركز الإمام الجنيد التابع للرابطة المحمدية للعلماء، الرباط، دار أبي رقراق للطباعة والنشر.
[9] محمد البشير الفاسي، مرجع سابق،ص14 .
[10] روحانية الداعية، عبد الله ناصح علوان،ص 105، القاهرة، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع،ط2،1986.
[11]– محمد المصطفى بصير ، الاغتباط بزاوية الشيخ سيدي إبراهيم البصير ببني عياط، مخطوط بزاوية الشيخ سيدي إبراهيم البصير ص 138.
[12]– راجع تفاصيل هذه الحكاية عند: محمد المختار السوسي، المعسول، ج 12، ص 138- 139.
[13]– محمد المصطفى بصير ، الاغتباط ، ص 140.
[14]– قاسم الحادك، جوانب من مواقف الزوايا الدرقاوية من الاحتلال الفرنسي، نشر المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، الرباط، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، ط1