الأسلوب الأمثل للتعامل مع التقنيات الحديثة في التواصل
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك وأشهد أن لا إلاه إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله خير نبي أرسله أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى وأحثكم على ذكره.
أما بعد فيا عباد الله، يقول الله تعالى في كتابه الكريم: “وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ” ، وقال سبحانه: “عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ”، وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تقوم الساعة حتى تظهر الفتن ويكثر الكذب وتتقارب الأسواق ويتقارب الزمان”، وفي رواية: “ويقترب الزمان ويكثر الهرج، قيل وما الهرج، قال: القتل”، وفسر بعض العلماء تقارب الزمان المذكور في الحديث بما وقع في هذا العصر من تقارب ما بين المدن و البلاد والأقاليم، وقصر المسافة بينها بسبب اختراع الطائرات وأنواع السيارات والإذاعات والقنوات والشبكة العنكبوتية المعروفة عند العام والخاص باسم الأنترنت، ويكفي أن تعلموا أن بعض مواقع الأنترنت اليوم تحتوي على أكثر من ثلاثمائة ألف سلعة، تستطيع أن تطلع عليها جميعاً بمجرد كتابة عنوان ذلك الموقع والاتصال عليه.
أيها الإخوة الكرام، في خطبة هذا اليوم المبارك، اخترت أن أكلمكم عن علاقة المسلم بالوسائل الذكية الجديدة والأسلوب الناجح للتعامل معها، وذلك نظرا للعلاقة الوطيدة التي أصبحت تلاحظ لدينا جميعا آباء وأمهاتا وأولادا بالشبكة العنكبونية، وما تناسل عنها من وسائل جديدة في التواصل كاستعمال الهاتف الذكي وغيره، حيث غدت هذه الوسائل قوة مهيمنة على عقولنا وأفكارنا، وأصبحت تلازمنا في كل وقت وحين، زد على ذلك عدم وعينا بمخططات أعداء ديننا وأعداء مجتمعنا الإسلامي، الذين يخططون ليل نهار من أجل إفسادنا وشغلنا عن الأمور المهمة وفتنتنا عن عبادة ربنا وإبعادنا عن ديننا، وتزداد أهمية هذا الموضوع إذا علمنا أن أحد أهم أسباب توتر العلاقات وقطعها بين الأفراد والأسر والجماعات في وقتنا الحاضر، هو سوء استعمال الأنترنت، فكم من طالبٍ فشل بسبب إدمانه على الأنترنت؟، وكم من موظف طرد من عمله بسبب استعماله السيئ للأنترنت؟، وكم من زوج طلق زوجته بسببها ؟، وكم من فتاة وقعت في الفتنة؟، وكم من بيت خرب؟، وكم من صالح ضل؟، وكم من شاب تأثر بالفكر الضال المنحرف؟، وكم من علاقة محبة انقلبت إلى عداوة؟ وكم من واحد منا اهتم بما لايعنيه فجلب على نفسه مشاكل لا قبل له بها؟، وأيضا، ألا تنظرون إلى تدني المستوى التعليمي والثقافي لدى أبنائنا وبناتنا وتغير أخلاقهم نحو الأسوء؟، ألا تنظرون إلى إدمانهم على التعامل مع الأنترنت؟، ألا تنظرون إلى انشغالهم بالباطل وانصرافهم عن العلوم النافعة واستغلال هذه التقنيات الحديثة في ما يضرهم ولاينفعهم ؟ هذه كلها علامات وتجليات إن دلت على شيء فإنما تدل على وجود مشكلات كثيرة لدينا في التعامل مع الأنترنت، والعجيب الغريب أن الكثير منا، وإلى اليوم وأمام ماذكرنا لازال لم يدرك بعد حجم المخاطر المحدقة، ولم يع بعد بضرورة تصحيح المسار في التعامل معها.
اعلموا أيها الإخوة والأخوات أن شبكة الأنترنت تحتوي على مواقع هدامة بصورةٍ لا تَكاد تُتَخيل، زد على ذلك ماتبثه من تضليل وإضلال متعمد، فأكثر من 500 ألف موقع مفتوحة لبث الدعارة والجنس، وأكثر من 300مليون مستخدم في العالم، و90 في المائة من الشباب في الدول العربية يدخلون إلى المواقع الإباحية فقط، فماذا ينبغي أن نفعل أمام هذا الواقع؟، وهل نرضى أن يكون في مجتمعنا ومن حولنا مدمنا أو داعرا أو متمسكا بأخلاق لا نرضاها؟ وهل نرضى أن يكون فينا في المستقبل القريب من لاخير فيهم ولايمكن التعويل عليهم؟
أيها الإخوة الكرام، إن المطلع على أحوالنا في علاقتنا بالأنترنت يجد أننا أصبحنا نخصص لها وقتا كثيرا أكثر من اللازم، أصبحنا نتتبع المعلومة الجديدة والخبر الجديد العاجل، وإن كان لايهمنا لامن قريب ولامن بعيد، وأصبح أبناؤنا وبناتنا ونساؤنا يحمل الواحد منهم الهاتف المحمول الذكي لايكاد يفارقه طول الوقت، يقرأ رسالة هذا، ويجيب هذا، وينتظر رسالة هذا أو هذه، وضاعت أوقاتنا في تصفح مواقع اللهو واللغو والتسلية، وإن الغالبية العظمى منا انجرت وراء متاهات الفيسبوك والواتساب وغيرها ولم تشتغل بالأهم، والغالبية العظمى منا تركت أبناءها للتقنيات الجديدة توجههم كيف شاءت، وغاب الدور الحقيقي للآباء والأمهات والمربين، وأصبحنا في مجتمعنا نستنكر ونستغرب تصرفات بعضنا البعض.
لقد تركنا لأنفسنا ولأبنائنا الحرية التامة في التعامل مع هذه التقنيات، علاوة على عدم وعينا بخطرها، وأطلقنا العِنان بلا محاسبة لأنفسنا ولا مراقبة لمدى انضباطنا بشرع الله، فوجد فينا من يسهر لتصفح تلك المواقع المحرمة الليالي والأيام، ينظر ما شاء كيف شاء ويتصل بمن شاء ويروج ماشاء، حتى قضي على المروءة والأخلاق، وضاعت حياة بعض الفتيات وهدم مستقبلها، عبر دخول تلك المواقع المشبوهة والاتصالات المحرمة، وظهر التعارفُ المشبوه، ونشطت الدعوة إلى التغريب وإفساد القيم، وكثرت تجارة الجنس والترويج للإباحية ونشر المواد المخالفة للأخلاق والتربية على ذلك، وانتشرت مفاهيم العنصرية والتعصب الأعمى للأشخاص والقبائل والطوائف والفرق الرياضية، وما ينتج عن ذلك من أحقاد وعداوات وبغضاء وتناحر ومفاسد عامة وخاصة، وبث الشائعات الكاذبة، وقلب الحقائق، وإشغال الناس بما يضرهم ولا ينفعهم، وما يفرقهم ولا يجمعهم، وما يضعفهم ولا يقويهم وما يفسدهم ولا يصلحهم، وضاعت الأوقات أيضا في الدردشة أو الشات وما يدور في دهاليزه من جرائم ومفاسد وما يؤدي إليه من انحراف، وإن أنسى لا أنسى ما يقوم به بعض عديمي الحياء وفاقدي العفة من عرض فاضح بالكاميرا، والقذف بالباطل ورمي المحصنات المؤمنات بالباطل، وغير ذلك مما ينتج عن الإدمان على الأنترنت كالعزلة والبعد عن الناس والسهر والاختلاء بالجهاز إلى ساعات متأخرة من الليل، وعدم القيام بالواجبات الدينية والمنزلية والمهنية، فضاعت الكثير من الحقوق، وظهرت العادات والأعراف الغريبة بل واللغة الغريبة أيضا عن مجتمعنا.
أيها الإخوة الكرام، لقد أثرت هذه التقنيات الحديثة على شخصياتنا وعلاقاتنا وطريقة تفكيرنا، وغيرت الكثير من قيمنا وأخلاقنا، فمن استعملها واستغلها في الخير فلن يزداد إلا خيرا وسعادة، ومن استعملها في الشر واستغلها من أجل ذلك، فلن يزداد إلا خسرانا وشقاء، فحلالها حلال وحرامها حرام، وللموضوع تتمة سنأتي عليها في خطبة لاحقة بحول الله تعالى، والحمد لله رب العالمين.
الدكتور مولاي عبد المغيث بصير