تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال بين الحدث التاريخي والتأصيل الشرعي

319744_0

يستحضر الشعب المغربي يوم 11 يناير إحدى أبرز الذكريات الوطنية التي يزخر بها تاريخ المغرب المعاصر، ألا وهي ذكرى تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال باعتبارها معلمة أوقدت الحماس الوطني، وغدت روح النضال الذي خاضته إمارة المؤمنين والشعب المغربي من أجل الانعتاق والحرية، حيث تعددت الخلايا السرية في صفوف المواطنين، وتوج عملها  بتقديم عريضة المطالبة بالاستقلال، مذيلة بتوقيعات أربعة وستين وطنيا)[1](.

ساهمت هذه الخطوة الجريئة في تحطيم الوجود اللامشروع  لفرنسا بالمملكة المغربية، التي تمتعت دائما كما تقول الوثيقة التاريخية بحريتها وسيادتها الوطنية وحافظت على استقلالها طيلة قرون خلت، وكان رد السلطات الفرنسية عنيفا حيث طال الاعتقال بعض موقعي الوثيقة ورموز الحركة الوطنية، الشيء الذي أدى إلى اندلاع انتفاضة  29 يناير  1944 التي اتخذت شكل مظاهرات عارمة تأييدا للوثيقة واستنكارا لحملات الاعتقال والقمع ضد الوطنيين)[2](.

m5_779855788

     يقول أمير المؤمنين الحسن الثاني رحمه الله في كتاب انبعاث أمة عن هذا اليوم :” هناك تاريخ مضبوط ظل عالقا بذاكرتي هو 29 يناير 1944م ، في ذلك اليوم اكتسح جمهور من المتظاهرين شوارع الرباط مرددين شعارات المطالبة بالاستقلال، وبلغني صدى هذه المظاهرات وأنا داخل المعهد المولوي، فتخطيت سوره والتحقت بالمتظاهرين، وأضاف قائلا رحمه الله: “لقد ترك يوم 29 يناير بصماته بعمق ذاكرتي، كان معي يومئذ ثلاثة من رفاقي في المعهد، وكنا نصيح بصوت واحد: سنحصل على الاستقلال”)[3](.

    وتم تقديم نسخة من هذه الوثيقة لأمير المؤمنين، وإلى المقيم العام الفرنسي وممثلي بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، وانصب اهتمامها على السياستين العامة والداخلية، حيث طالبت الوثيقة على مستوى السياسة العامة بإلغاء الحماية وجعل الإشراف على العلاقات الخارجية للمغرب برئاسة هيئة مغربية، كما طالبت الوثيقة بأن يصاحب ذلك اعتراف دولي باستقلال المغرب، وكان هذا هو الغرض من تقديم نسختين إلى ممثلي بريطانيا وممثلي الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى المستوى الداخلي فقد نصت العريضة على مجمل الإصلاحات التي يجب على المغرب القيام بها تحت رعاية أمير المؤمنين)[4](.

mvtangier_959496457

وهكذا يظهر أنه كما شارك أمير المؤمنين محمد الخامس رحمه الله في الجهاد ضد المستعمر، شارك كذلك ولي عهده آنذاك أمير المؤمنين الحسن الثاني طيب الله ثراه، وتبعهم على نفس الخطى الشعب المخلص في كل بقعة من بقاع المغرب، الذين تظاهروا وعبروا عن غضبهم وجاهدوا بكل مايملكون للوصول بمطالبهم للمنتظم الدولي.

وبالنسبة للتأصيل الشرعي لهذا الحدث وما يماثله ويشابهه من أحداث كحدث ثورة الملك والشعب وحدث الاستقلال، أقول: ” يعد الجهاد القتالي في مقدمة أحكام الإمامة، ويدخل في هذا الباب ما يسمى بحالة النفير العام، وهي أن يقتحم عدو أيا كان بلدة من بلاد المسلمين قاصدا السطو على الحياة أو على الأعراض أو على الأموال، فيجب على المسلمين كلهم أن يهبوا هبة رجل واحد بدءا من إمام المسلمين إلى عامة أفرادهم لدرء العدوان وردع المعتدين، ولا يتوقف وجوب ذلك على إذن الإمام أو على إعلانه الحرب على هؤلاء الصائلين، بل إن الإمام لا يسعه والحالة هذه سوى أن يأمر الناس جميعا بالعمل ما وسعهم على درء العدوان”)[5].(

1465990626_650x400

 ومن الأدلة الشرعية التي يمكن الاستشهاد بها في هذا الباب، قول الله تعالى:” ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا)[6]( ، وقوله عز وجل:”لايستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة، وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما درجات منه ومغفرة ورحمة وكان الله غفورا رحيما”)[7](، وروى الإمام مسلم عن أبي هريرة قال: قيل يارسول الله ما يعدل الجهاد في سبيل الله؟ قال :لا تستطيعونه، فأعادوا عليه مرتين أو ثلاثا كل ذلك يقول: لا تستطيعونه ثم قال: مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله لا يفتر من صلاة ولا صيام حتى يرجع المجاهد في سبيل الله”)[8](. والأدلة التي تحث على الجهاد وتحض عليه أكثر من أن نحصيها ونأتي عليها.    

بقلم الدكتور مولاي عبد المغيث بصير

[1] )   الأعلام للزركلي ج7 ص159.

[2] )   منشورات المندوبية السامية للمقاومة وجيش التحرير ، موقعها على الأنترنت، بتصرف .

[3] ) المرجع السابق.

[4] ) المرجع السابق ،بتصرف

[5] )  الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، الجهاد في الإسلام، كيف نفهمه؟وكيف نمارسه؟، ص112، دمشق دار الفكر،بتصرف

[6] ) سورة النساء آية 141

[7] ) سورة النساء آية 95

[8])  صحيح مسلم ، مرجع سابق ،باب فضل الشهادة في سبيل الله ،ج 3ص 1498.

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *