حب الأوطان من الإيمان 2
حب الأوطان من الإيمان 2
الأستاذ مولاي يوسف بصير
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض، وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير، نحمده حمد الشاكرين الذاكرين، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، القائل في محكم كتابه: “وهو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها، فاستغفروه ثم توبوا إليه، إن ربي قريب مجيب”، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله جبل على حب بلاده ووطنه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا إلى يوم اللقاء به. أما بعد فيا أيها المؤمنون، في الجمعة الماضية بدأنا الحديث عن حب الوطن، وأنه من مستلزمات الإيمان، وضربنا لذلك أمثلة من سيرة خير خلق الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، واليوم نواصل في نفس السياق، ونقول وعلى الله الإتكال، أيها المؤمنون الصالحون، لقد عبر القرآن الكريم عن الوطن بعبارات تدل عليه، فإن هذه الكلمة وإن لم يأت ذكرها بهذه الصيغة فإنها جاءت بمفهومها بينة واضحة بمدلولها، قال الله تعالى: ” والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم” وقال جل من قائل: “لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم”، وقال أيضا: ” قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا”، فكلمة الدار والديار لا مفهوم لها سوى ذكر الأوطان التي يعيش فيها الإنسان بأمن وأمان، وجاء ذكر الوطن بلفظ الأرض، قال تعالى: “الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر” وقال أيضا: “وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم، وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا”، أيها الإخوة المؤمنون، إن محبة الأوطان شيء فطري فطر الله عليه الخلائق، فما من إنسان إلا ويعتز بوطنه، مهد صباه ومدرج خطاه ومرتع طفولته، وملجأ كهولته، ومنبع ذكرياته، وموطن آبائه وأجداده، ومأوى أبنائه وأحفاده، بل حتى الحيوانات لا ترضى بغير وطنها بديلا ومن أجله تضحي بكل غال ونفيس، فالطيور تعيش في عشها في سعادة ولا ترضى بغيره ولو كان من حرير، والسمك يقطع آلاف الأميال متنقلا عبر البحار والمحيطات ثم يعود إلى وطنه، وكل المخلوقات تحن إلى أوطانها ولا تبغي بغيرها بديلا، بل إن بعض المخلوقات إذا تم نقلها عن موطنها الأصلي فإنها تموت حسرة وتشوقا، أخرج الأزرقي في “أخبار مكة” عن ابن شهاب قال: قدم أصيل الغفاري قبل أن يضرب الحجاب على أزواج النبي فدخل على عائشة (ض) فقالت له: يا أصيل! كيف عهدت مكة؟ قال: عهدتها قد أخصب جنابها، وابيضت بطحاؤها، قالت: أقم حتى يأتيك النبي فلم يلبث أن دخل النبي، فقال له: يا أصيل! كيف عهدت مكة؟ قال: والله عهدتها قد أخصب جنابها، وابيضت بطحاؤها، وأغدق اذخرها، وأسلت ثمامها، فقال صلى الله عليه وسلم: “حسبك يا أصيل لا تحزنا” وفي رواية أخرى: “ويها يا أصيل! دع القلوب تقر قرارها”، بمعنى لا تشوقنا وتهيج أرواحنا لمكة واتركنا نألف المدينة، أيها الإخوة المؤمنون، من مقتضيات الانتماء للوطن محبّتُه والافتخارُ به وصيانتُه والدفاعُ عنه والنصيحةُ له والحرصُ على سلامتِه واحترامُ أفراده وتقديرُ علمائه وطاعةُ ولاة أمرِه، ومِن مقتضياتِ الوطنيّة القيامُ بالواجبات والمسؤوليّات، كلٌّ في موقعه مع الأمانة والصدق، ومن مقتضيات حبّ الوطَن احترامُ نظُمه وثقافته والمحافظة على مرافِقه ومواردِ الاقتصادِية والحِرص على مكتسَباته وعوامِل بنائه ورخائِه والحذرُ من كلّ ما يؤدي إلى نقصه، وإن أعظم خيانة يجترمها الإنسان أن يخون وطنه أو يعين من يدبر الشر لزعزعة أمنه واستقراره، فواجبنا اليوم أمام التغيرات التي طرأت على المجتمعات حولنا أن نحمي بلدنا من الأفكار الدخيلة، وأن نؤصل ثقافة حب الوطن روحا ووجدانا وتعاملا وتبيانا عند ناشئتنا وخاصة منهم شبابنا، فالاوطان لا يدمرها عدوها القادم من الخارج وانما يدمرها ابناؤها إذا لم يجد حب الاوطان الى قلوبهم سبيلا، فاللهم اجعلنا لنعمك من الشاكرين، ولوطننا وأهلنا حامين، ولعروة بيعتنا لأمير المؤمنين حافظين، وعلى صراطك المستقيم سائرين، غير مبدلين ولا مغيرين، آمين، والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
أيها الإخوة المؤمنون، إن المواطنة الحقة قيم ومبادئ وإحساس ونصيحة وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وعزة وموالاة وتضحية وإيثار والتزام أخلاقي للفرد والأمة، ومن مظاهر هذه الوطنية الدفاع عن الوطن إذا هوجم أو بغي على حريته وأمنه، بالقوة، والكلمة، والتحام الصفوف، والإلتفاف حول من ولاه الله أمر البلاد، ومن مظاهر الوطنية الصادقة أيضا محاربة مظاهر الانحلال الديني والخلقي، وذلك بمحاربة الجريمة بجميع أنواعها كالرشوة والسرقة واللواط والزنا وقتل النفس بغير حق والربا والأفكار المضادة للشرع القويم، ومن مظاهر الوطنية الصادقة أيضا أحترام القوانين والأنظمة التي وضعتها الدولة لتنظيم حياة الناس وحفظ حقوقهم، فالمجتمع لايسوده الأمن والإخاء إلا باحترام دستور الدولة ونظامها، ومن مظاهر الوطنية الصادقة أيضا الوقوف أمام الشائعات المغرضة، والتصدي لها لأنها تهدم كيان الأمة، وتضر بتاريخها واقتصادها، ومن مظاهر الوطنية الصادقة الحرص على وحدة الصف واتحاد الكلمة، وبصفة مجملة فإن المواطن الحق هو الذي يحقق معاني الإسلام قولا وعملا ليجمع الناس إلى تحقيق معنى العبودية ووحدة الصف لضمان خيري الدنيا والآخرة، ويجعل نصب عينيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: “عليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذ شذ في النار”،ويمتثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: “أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم”،أيها الإخوة المؤمنون المواطنون الصالحون، نحن مدعوون يوم الأربعاء المقبل الثامن من شتنبر إن شاء الله تعالى إلى التعبير عن أصواتنا، واختيار من ينوب عنا، ويدبر أمور بلادنا، في هذه الإستحقاقات التشريعية والجهوية والمحلية، التي تتزامن مع مرحلة جديدة من المشاريع والإصلاحات،في إطار تنزيل النموذج التنموي، وتفعيل الميثاق الوطني من أجل التنمية، تحت القيادة الرشيدة لمولانا أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله، والحب الحقيقي لوطننا يدعونا لأن ننخرط فيها بكل تلقائية لنساهم في إقامة مؤسسات ذات مصداقية، تخدم مصالح المواطنين، وتدافع عن قضايا الوطن، وانخراطنا الجدي في نجاحها هو سلاحنا للدفاع عن البلاد، في وقت الشدة والأزمات والتهديدات التي تستهدف ما تتمتع به بلادنا من نعمة الأمن والاستقرار، التي لاتقدر بثمن، خاصة في ظل التقلبات، التي يعرفها العالم، فأحسن أخي المواطن اختيار من تراه أهلا للنيابة عنك، وعبر عن صوتك من خلال قيامك بالواجب الوطني، والمساهمة الفعلية في إنجاح هذه العملية، فاللهم قيض لبلدنا أناسا أمناء مخلصين، تكون لهم أياد بيضاء على ازدهاره ونمائه، وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد نبي الرحمة، وهادي الأمة، وكاشف الغمة، صلاة ترضيك وترضيه وترضى بها عنا يارب العالمين. الدعاء