صوفيّة تونس يتضامنون مع الوحدة الترابيّة للمملكة المغربيّة ويشجبون تعامل الدولة الاسبانيّة.
صوفيّة تونس يتضامنون مع الوحدة الترابيّة للمملكة المغربيّة ويشجبون تعامل الدولة الاسبانيّة.
مداخلة الشيخ الدكتور بدري المداني/تونس
في الندوة العلمية لتخليد الذكرى الواحدة والخمسين لانتفاضة سيدي محمد بصير التاريخية بالعيون عام 1970م، وذلك يوم 15 جويلية 2021م، تحت شعار:
“العلاقات المغربية الإسبانية : مقاربات تاريخية وقانونية وسياسية”.
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينُه ونستغفره ونتوبُ إليه، اللهمّ لك الحمدُ حمدًا يُوافِي جلالَك ثناءً وإعظامًا.
فحمدًا ثمّ حمدًا ثمّ حمدًا *** لربِّ العالمين بلا تَوانِي
وشُكرًا ثمّ شُكرًا ثمّ شُكرًا *** له في كلّ أوقاتٍ وآنِ
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً نرومُ بها استِبصارًا في الحقِّ واعتِصامًا، وأشهد أنّ نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه من بُعِث للعالمين رحمةً وسلامًا، فتعطَّر الكونُ برسالته حُبًّا ووِئامًا، اللهمّ فصلِّ وبارِك عليه، وعلى آله الأُلَى كانوا في اتّباع الحقِّ أُباةً أعلامًا، وصحبِه الميامين الذين دامُوا دون الضلال كُماةً وآطامًا، والتابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ يرجُو من الرحمن مكانًا عليًّا في الجِنان ومُقامًا، وسلِّم تسليمًا كثيرًا طابَ ابتداءً وخِتامًا إلى يوم الدين.
طَيفُ الحَبيبِ أثَارَ الشَّـوقَ في كَبِدي***يَـا سَيِّـدي يَـا رَسُــولَ اللهِ يَـا سَنَـدي
أدمَـنـتُ حُـبَّــكَ فاعـطِــف داوِ ألَمـي***عَسَاهُ يُشفَى عَذابُ الـرُّوحِ والجَسَـدِ
إنْ أعـلَـنَ الجِـذعُ أنَّ الشَّـوقَ حرَّكَـهُ***فالقـلــبُ أَقـسَـمَ أن يَـهــواكَ للأبَــدِ
اللهمّ صلِّ صَلاةً كامِلَةً وسَلِمْ سَلامًا تَامًا عَلى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ الَّذِي تَنْحَلُّ بِهِ العُقَدُ وَتَنْفَرِجُ بِهِ الكُرَبُ وتُقْضَى بِهِ الحَوَائِجُ وتـُنالُ بِهِ الرَّغائِبُ وحُسْنُ الْخَوَاتِيمِ ويُسْتَسْقَى الغَمامُ بِوَجْهِهِ الكَرِيمِ وَعَلَى ءَالِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ.
أيّها الأحبّة.
أقف بين أيديكم من تونس الخضراء وأسلّم عليكم بقلب فيه المودّة الصادقة وأنتم في المملكة المغربية ذات القدر والبهاء والجمال.
أقف معكم ويقف معكم صوفية تونس لتخليد الذكرى الواحدة والخمسين لانتفاضة سيدي محمد بصير التاريخية بالعيون عام 1970م.
أقف بين أيديكم وفي الجوارح كلّ معاني التضامن مع الوحدة الترابية للمملكة المغربية الأبيّة.
أقف معكم مندّدا وسندا وسدّا ضدّ تعامل الإسبان مع الحقّ المغربيالمبين.
أقف بين أيديكم لتحيّة جلالة الملك مولانا محمد السادس أمير المؤمنين وناصر الجميع وخاصة أهل التصوّف والطرق والزوايا أدام الله عزّه وخلّد في الصالحات ذكره. وللسلام على جنابه الشريف والدعاء له بالسلامة الجسدية والحفظ الربّاني الموصول له ولمن حوله من الأخيار ومقامهم العالي. والشعب المغربي النيّر المشبع ولاء ووفاء لثوابته ودفاعا عن حصونه.
أقف بين أيديكم للسلام على سيّدي إسماعيل بصير خادم الطريقة البصيرية ورئيس مؤسّسة محمد بصير للأبحاث والدراسات والإعلام بزاوية الجدّ المبارك الشيخ سيدي إبراهيم البصير، ومن معه من الرجال الأشاوس الذاكرين العلماء العاملين وأقول لهم:
كـونوا جميعًا يا بني إذا اعترى *** خطب ولا تتفرّقوا آحادًا
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسّرًا *** وإذا افترقن تكسّرت آحادًا
سادتي أيّها الحضور المبارك سلام الله عليكم ..
نحن وأنتم واحد ..قرون تجمع بيننا ..بين تونس والمغرب الشقيق ..وسياقات توحّدنا منها السياق الجيوسياسي والجغرافي ..ومجالات تجمعنا مجالات التشارك والاختلاط للحضارات والثقافات والأجناس، ولعلّ الأبرز في هذا كلّه القواسم والثوابت المشتركة الدينية الروحيّة بدءا بالعقيدة الأشعريّة والمذهب المالكي فقها وتعبّدا. وتصوّف الجُنَيد البغدادي بما ينطوي عليه من صفاء ومحبّة ..والتصوّف محبّة لا تقيّدها الجغرافيا فقد وحّد التصوّف قلوب الشعبين التونسي والمغربي بالمحّبة، التي تعتبر أساس قيامه، وألقت بضلالها عليه، ممّا ساعد على انتشار الطرق الصوفية في كامل ربوع البلدين، فالكثير من الزوايا الصوفية وجدت لها مريدين وأتباع في كلتا الجهتين وصاروا يتوارثون الأوردة والأذكار والسماعات عن مشايخهم .
وتحظى الصوفية بمكانة خاصة في المجتمع التونسي والمغربي ويعامل مشايخها بمعاملة تفضيلية نظرا لعلمهم وورعهم ووقوفهم مع الحقّ، وكذلك للدور الهام التي قامت به الطرق الصوفيّة في كلا البلدين للحفاظ على الدين واللغة إبّان الاستعمار الفرنسي الذي حاول طمس الهويّة المغاربية.
ولا شكّ أنّ التصوّف هو حجر ارتكاز، ويقوم أهله بإدارة “صناعة الاستقرار” في العمق للوعي الكامل والمتزايد بأهمية الأمن الديني من خلال شعار “التصوّف أمان من كلّ أنواع الظلم والتطرّف”.
وحتّى لا يكون هذا الشعار محدودًا متداولًا في أروقة الملتقيات والندوات والمؤتمرات وفي الأوساط الأكاديمية فقط، بل علينا نحن صوفية اليوم أن نتّحد ونستثمر طاقاتنا ونحوّلها إلى نوع من الدبلوماسية “الرُّوحية الشعبيّة “[1]وعلى الطرق الصوفيّة في تونس وفي المغرب وفي كلّ بلدان العالم توظيف تأثيراتها ووزنها الكبير في تقوية الروابط بينها والوقوف إزاء القضايا العادلة وقفة الرجل الواحد لتتحطّم على يد الصوفية الحواجز بين الحقّ والباطل وكلّنا يقين أنّ التصوّف ثورة وملاذ يبدّد المخاوفَ ويستبطن أسرار استمرارية التفاعل المتبادل…فعلى القوافل الصوفيّة أن تجعل مسالكها نصرة الأوطان من الأخطار الداهمةكالتشدّد (الأصولية، الإرهاب)، وذوبان الهويّة، والنزاعات والنزعات ذات الأهدف الاستعماريّة والقضايا ذات العمق الإنساني الحقوقي .
صوفيّة تونس مدينون للمغرب بعديد الفضائل والمكرمات ولن يستطيعوا الوفاء بحقّ المملكة ويكفيهم أنّ تونس أشرقت عليها أنوار التصوّف الشاذلي من المغرب فأضحت البلاد شاذليّة لمّا زارها أبو الحسن علي بن عبد الله بن عبد الجبار الشاذلي المغربي، الزاهد، الصوفي إليه تنتسب الطريقة الشاذلية، سكن الإسكندرية، ولد 571هـ بقبيلة الأخماس الغمارية، تفقّه وتصوّف في تونس، وتوفي الشاذلي بوادي حميثرة بصحراء عيذاب متوجّهًا إلى مكة في أوائل ذي القعدة 656هـ.
ذلك العلم العالم من أعلام الصوفية وقطب من أقطابه، أنشأ مدرسة صوفية كبيرة، لازال أتباعها وتلاميذها ينتشرون في مختلف أنحاء العالم الإسلامي ويكوّنون فرقا صوفية كثيرة تشعبت كلّها عن الفرقة الأصلية التي أنشأها ونسبت إليه وهي الفرقة الشاذلية.
وهكذا فالشاذلي المغربي التونسي رغم بعد الحدود البريّة بين البلدين إلّا أن حدود القلوب لا تزال مفتوحة قريبة وستظلّ نظرا لحجم الترابط الذي ساهمت في رصّه عوامل مختلفة عبر مرور الزمن، فزيادة على الأصل العرقي والدين واللغة، يتقاسم الشعبان التونسي والمغربي هموم الماضي وتؤرّقهما مشاغل الحاضر ويتطلّعان لمستقبل أفضل.
واعترافا بالفضل فإنّ صوفية تونس: وقفوا مناصرة لقضيّة الطريقة البصيرية على المكان الذي تمّت به انتفاضة المقاوم المغربي سيدي محمد بصير سنة 1970م ضد الاستعمار الإسباني بالعيون، إحياء لذكراه وعرفانا بجهاده الوطني وتضحياته ضد الاستعمار الإسباني، نظرا لما ترمز إليه هذه الأعمال من دلالات وعبر ومواقف عن وحدوية هذا المناضل المغربي الشريف بعيدا عن كلّ زعم يتبنّاه ويروّجه أعداء الوحدة الترابية الذين يرمون هذا المناضل الفذّ بوصمة الانفصال زورا وبهتانا وبدون دليل. وجلاء لما ستغرسه من قيم وطنية في نفوس الأجيال الناشئة.
واعترافا بالفضل فإنّ صوفية تونس:يشجبون النية المبيّتة للجارة الشمالية للمناورة في كلّ ما له صلة بالصحراء المغربية، ومن ثَمَّ الإضرار بالمصالح الاستراتيجية للمملكة المغربية. وكان الأولى بإسبانيا أن تكون من أوائل المعترفين بمغربية الصحراء، خاصة أنها أوّل من استعمر الصحراء، وتعلم علم اليقين أنها كانت دوما تحت السيادة المغربية، وأن تاريخ المنطقة يخلو نهائيا من وجود دولة تسمّى الدولة الصحراوية.
واعترافا بالفضل فإنّ صوفية تونس: يندّدون بسياسة المكيالين التي تعتمدها الدولة الإسبانية تستقبل عميلها زعيم عصابة البوليزاريومدّعيّة الاعتبارات الإنسانية الواهيّة وتغيّبها حقيقة وهي تطمس مصير المناضل محمد بصير، الذي قاومها وأشهر في وجهها كلّ أساليب النضال، وأبطل مخطّطاتها بأن تجعل من الصحراء المغربية مقاطعة إسبانية تابعة لها في جنوب المغرب، تماما كما فعلوا بمدينتي سبتة ومليلة المحتلتين بشمال المغرب..ويندّدون بكلّ ممارسات الجانب الاسباني في اعتداءاته المكشوفة على حقوق الانسان بالمغالطات وتكميم الأفواه والتعسّف واخفاء الذاكرة والحقائق والوثائق المتعلّقة بوحشيتها في التعامل مع المفقودين وضحايا التعذيب ..
واعترافا بالفضل فإنّ صوفية تونس:يدعون الأسرة البصيرية إلى مواصلة سلك كلّ السبل التي يكفلها لها القانون للكشف عن مصير الزعيم المفقود، سواء في المغرب أم في إسبانيا أم على الصعيد الدولي، وأنتستمر في كشف صورة حقوق الإنسان التي تتخفّى وراءها الدولة الإسبانية وترفع شعارها باطلا وزورا.
واعترافا بالفضل فإنّ صوفية تونس:يباركون كلّ الخطوات الجبّارة التي تقوم بها السلطات الوطنية وعلى جيدها جلالة الملك رعاه الله والتي تهدف بالأساس إلى استعادة الذاكرة وترميمها درءا لأعطاب الماضي، مع تأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة، لإيقاف المخططات الكيدية المتعدّدة، وكسب الرهان على أكثر من صعيد.
واعترافا بالفضل فإنّ صوفية تونس: يعربون عن إدانتهم الشديدة للتصرّفات المتناقضة المشينة للدولة الإسبانية في كلّ ما له علاقة بقضية الصحراء المغربية، ويستنكرون سياستها العوجاء المتمثّلة في الكيل بمكيالين، وازدواجية المعايير بناء على مصالحها الضيّقة.
واعترافا بالفضل فإنّ صوفية تونس:واعون بالتحدّيات الكبرى التي تستهدف الوطن في وحدته، وفي تماسك مكوّناته ويؤكّدون تعبئتهم الكاملة وراء سديد نظر القيادة الحكيمة ضامنةالاجتماع ورمز الوحدة لتقوية معاني الترابط التي تجمع المغاربة شمالا وجنوبا وشرقا وغربا وراء ولي أمرهم جلالة الملك الذي كلّما تكلّم أو قرّر إلاّ وتأكَّد ذلك بجلاءٍ في ثنايا الكلمات الحانِية ذات المقاصِد والمعانِي السامِية التي يطلقَها فلقد جاءَت نِبراسًا يرسُم الطريقَ لسالِكيه، وموقفًا تأريخيًّا يُبيِّن الحقَّ لطالِبِيه، وبلسمًا ناجِعًا يُضمِّدُ الجِراح، ويُواسِي أهلَ الكَلْم والأتْراح، ويُجدِّد الآمال والتفاؤُل والأفراح.وإنّ المعاداة العلنية لبعض الدول منها اسبانيا في وحدة المغرب الترابية، لن يزيدهم إلاّ ّقوّة واتّحادا وثباتا في الدفاع عن الصحراء المغربية في كافة المحافل والمناسباتمتمسّكون بقول الله –تعالى “وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ “[2]
واعترافا بالفضل فإنّ صوفية تونس:من العلماء والدعاة يقومون بدورهم في تبديد سحب اليأس والقنوط، وتعميق الآمال في نفوس الأجيال وبثّ في جموع المسلمين في العالم أنّ التلاقي على الأخوة والاتحاد في ظلها، والتماسك برباطها على الوجه الذي شرعه الله-عز وجل- أمرٌ ممكن في هذا الزمان، على الرغم من وجود المعوقات، وأن عودة المسلمين إلى موقع الريادة والسيادة، وتبوء مقام الصدارة في العالم ليس بالأمر المحال، بل إن هناك بوادر يقظة في العالم الإسلامي قد بزغ فجرها ولاح نورها، وغدًا-بمشية الله- تشرق شمسها، ويعمّ الكون ضياؤها.
وختاما:
من المبادرات التي يعلنها صوفية تونس الدعوة الملحّة لحتمية تنامي الدور الصوفي وإقحامه في القضايا العادلة الحقوقية الإنسانية وانشاءتنظيم مؤسساتي جامع عالمي للطرق والزوايا يكون مقرّه المملكة المغربيّة يسهِّل ويُديم التفاعل المتبادل بين الدول فهل يبشّرنا هذا المؤتمر المتميّز بميلاد رابطة أو جامعة صوفية أي كومنولث صوفي يجمع بين اهل التصوّف لما فيه خير الدنيا والاخرة؟ ويكون الشعار المشترك الدائم “وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”[3]
حفِظ الله أمَّتنا الإسلامية في كلّ مكان من كيد الأعداء المُتربِّصين عزيزةً صامِدة، مجيدةً رائِدة، في الحق قائِدةً سائدة منتصرة في قضاياها العادلة إن ربي سميعٌ مُجيب.هذا الرجاءُ وذاك الأمل، ومن المولَى نستلهِمُ صادقَ القول وخالِصَ العمل.
سأظلُ طولَ العمرِ بابَك أقرعُ***يا خيرَ من لي يستجيبُ ويسمعُ
أنت الذي يَقضي الحوائجَ كلها***أنت الذي يعطي العطاءَ ويَمنعُ
فإذا وهَبْتَ فذاكَ فضلٌ سابقٌ***هذا الذي أرنو إليه وأطمعُ
وإذا منعتَ فأنت ربي خالقي***حاشا يداي لغير جودكِ ترفعُ
مالي سوى ذُلِّي إليك وسيلةٌ*** والقلبُ يبكي والمدامعُ تدمعُ
أنت المرادُ وليس غيرُك بُغيتي***يا خيرَ مسؤولٍ له أتضرعُ
فاحنُنْ عليَّ وَجُدْ بفضلكَ سيّدي*** يا من إليه الرَجَا والمرجعُ
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[1] أنظر: الإدريسي، الشريف، نزهة المشتاق في اختراق الآفاق: صفة المغرب والسودان، تحقيق دوزي ودي غويه(ليدن، 1866)، 1/3.
[2]آل عمران: 103.
[3]الأنعام: 153.